عبد المجيد تبون

“اقتصاد الجزائر الثالث أفريقيا”.. نموذج صارخ لأرقام الرئيس تبون المضللة!!

بقلم: هيثم شلبي

لا يزال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يمارس “حملة انتخابية” قبل الأوان، في سعي “يائس” لنيل تزكية الأجنحة المتصارعة داخل النظام العسكري لعهدة ثانية، عبر استعمال لعبته المفضلة في الترويج لانتصارات “وهمية”، مستعينا بخدمات وسائل الإعلام الرسمي الموضوعة تحت تصرفه. وعلى الرغم من الحقيقة الساطعة التي يعلمها كل جزائري، بأن الفشل كان قرين جميع مبادرات وقرارات الرئيس تبون، ويقين هذا الأخير بأن مباركة الجنرال القوي محمد توفيق (مدين)، الذي يدير لعبة الرئاسة بواسطة رجالاته في المخابرات، الجنرالات جبار مهنا وناصر الجن وحسين بولحية، هي أمر يكاد يكون مستبعدا، إن لم نقل مستحيلا، فإنه (أي الرئيس تبون) -بحكم تكوينه السابق كوزير إعلام خلال العشرية السوداء- قد استمرأ لعبة الأرقام والإحصائيات المضللة التي لا تجد من يراجعها أو يصححها، رغم ما تحمله من تناقضات صارخة في معظم الحالات. آخر هذه الحملات الدعائية التي اصطفت أبواق النظام الدعائية في الترويج لها، تقول بأن الجزائر قد أصبحت “القوة الاقتصادية الثالثة في القارة الأفريقية”، خلف جنوب أفريقيا ومصر، وقبل نيجيريا، بناء على “توقعات” أعلنها صندوق النقد الدولي مؤخرا، “والتطبيل” لنجاح تبون في نقل الناتج الداخلي الخام للجزائر خلال ثلاث سنوات (هم يستثنون سنتي جائحة كورونا من حساباتهم!!) من 163 مليار دولار إلى 266 مليارا!! وهو ما يستدعي محاولة البحث في مدى مصداقية هذا الادعاء، بقليل من التمحيص والهدوء.

بداية، لا بد من التأكيد على أن الناتج الداخلي الخام لأي بلد، هو مجرد مؤشر هام من ضمن عدة مؤشرات لا تقل أهمية، على صحة ومتانة الوضع الاقتصادي لدولة ما. فمعدل الدخل الفردي، ومقدار الصادرات وهيكلها، ومجمل الدين العام الحكومي (الداخلي والخارجي)، ونسبة هذا الدين إلى الدخل الداخلي الخام، ومعدل التضخم، وغيرها، لا تقل أهمية عن المؤشر الأول، بل ولا يمكن فهم الوضع الاقتصادي بمعزل عن هذه الأرقام مجتمعة. ثاني الملاحظات، وهي أن دقة الأرقام تعتمد أساسا على دقة وشفافية الإحصائيات والأرقام الحكومية لكل واحد من هذه المؤشرات. وهكذا، ففي الأنظمة المغلقة ذات الاقتصاد الموجه -والجزائر واحدة من هذه الأنظمة-، والتي لا تملك مؤسسات مستقلة ترصد وتصحح هذه الأرقام، يوجد مبررات كثيرة للتشكيك فيما يصدر عن هذه الدول من أرقام “دعائية”، تستخدم عادة لإخفاء إخفاقات النظام وسوء إدارته لموارد البلد، ونجاعة سياساته الاقتصادية بالمجمل. أما ثالث هذه الملاحظات، والمرتبطة بالملاحظة السابقة، فتقول بوجود “تضارب” كبير بين تقديرات المؤسسات الدولية لجميع هذه الأرقام، سواء تعلق الأمر بصندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي، أو هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، أو المؤسسات الاقتصادية الأكاديمية المرموقة، التي تصدر بدورها تقديرات وأرقام تكون خلاصة عشرات من مصادر المعلومات الخاصة، يقوم بها باحثون متخصصون، مما يجعل خدماتها مطلوبة ومحترمة بشكل يكاد يفوق سابقاتها الرسمية.

وبالعودة إلى دعاية “ثالث أكبر اقتصاد أفريقي”، التي يروج لها الرئيس تبون ووسائل إعلامه، سنحاول بعجالة أن نسجل بعض الملاحظات، الأمر الذي سيساعدنا في استجلاء حقيقة التطور الهائل “المفترض” في الدخل الداخلي الخام للجزائر، خلال عهد الرئيس تبون الميمون:

– توقعات صندوق النقد الدولي لبلوغ الناتج الداخلي الخام للجزائر للعام الحالي 2024 سقف 266.8 مليار دولار، يتناقض مع تقديرات البنك الدولي التي حصرت الرقم قبل عامين في 191.9 مليار دولار، وذلك الخاص بالوكالات المتخصصة للأمم المتحدة التي حصرته في 163.5 مليارا لعام 2021. لماذا نقول بتناقض هذه الأرقام؟ لأن معدل نمو الاقتصاد الجزائري المعلن تراوح بين عامي 2021 و2024 بين 3.2% و3.8%، وهي معدلات لا يمكنها بحال من الأحوال أن ترفع الناتج الخام من 163 إلى 266 مليارا (أي بنمو يتجاوز 63.2%، أو حوالي عشرين ضعف نسبة النمو المسجلة)!!

– الرئيس تبون سبق له أن “صرح” عندما دشن مسعاه الفاشل في الانضمام إلى مجموعة البريكس، أن الدخل المحلي الخام لبلاده عام 2022 “سيبلغ” ما مقداره 225 مليار دولار، و”افترض” أنه ستجاوز 244 مليارا عام 2023، و266 مليارا للعام الحالي، و”تنبأ” أنه سيتجاوز 400 مليار دولار في الربع الأول من 2026 (أي بعد أقل من عامين)!! هذه الأرقام “التنبؤية” -للمصادفة أو المفارقة- كانت “مطابقة تماما” لما سجلته الهيئات الدولية حول الناتج الداخلي الخام للجزائر، بعد أن حولتها الحكومة الجزائرية إلى أرقام واقعية!! فهل تحول الرئيس تبون إلى “عرّاف” يحسن التنبؤ بالمستقبل بطريقة تعجز عنها أعظم حواسيب العالم وخبرائه الاقتصاديين؟!

– الناتج المحلي الخام للجزائر، سبق وأن سجل ذروة في عام 2014 (أي قبل عشر سنوات) بلغت 238.9 مليار دولار، مدفوعا بالارتفاع الصاروخي لأسعار المنتجات النفطية، التي تشكل أزيد من 90% من صادرات الجزائر. أي أن الرئيس تبون، بالكاد سيبلغ هذا الرقم مع نهاية عهدته، دون تحقيق أي زيادة. الأمر الذي يؤكد الاعتماد التام للاقتصاد الجزائري -صعودا أو هبوطا- على المورد الوحيد لهذا الاقتصاد: المحروقات، دون أن يحقق اختراقا يذكر على باقي الأصعدة!

– هناك مؤسسة أكاديمية اقتصادية عالمية، تضم المئات من الخبراء ولديها عشرات مراكز الرصد، وتتعامل مع آلاف الإحصائيات، تدعى STATISTA ومقرها ألمانيا، تقدم مشهدا مغايرا لما يروج له تبون وتعكسه أرقام صندوق النقد الدولي، ويكاد يكون الأقرب للواقع. وتؤكد هذه المؤسسة أن هذا الناتج الخام لن يتجاوز 239.2 مليار دولار للعام الحالي (نفس مستوى 2014)، وأن توقعاتها حتى عام 2028 تقول بأن هذا الناتج الخام سيسجل 247.7 مليارا عام 2025، و255.3 مليارا عام 2026، و259.4 مليارا عام 2027، و262.8 مليارا عام 2028!! أي أنه لو قيض للرئيس تبون أن يفوز بعهدة ثانية، ومع الحفاظ على أسعار المحروقات الحالية، ونسب النمو الحالية، لن يصل في نهاية عهدته الثانية، إلى الرقم- الكذبة الذي يروج له حاليا!!

– مفارقة أخرى لا تقل غرابة، تتعلق بمعدل الدين العام للجزائر (في معظمه داخلي) إلى الناتج الداخلي الخام، وتقول أنه مع “القفزات المهولة” في نمو الاقتصاد الجزائري، والذي يفترض أن يقود إلى تراجع الدين العام، فإن الواقع يقول بتحقيق هذا الدين “قفزات” موازية، وسيستمر في القفز حتى نهاية 2028!! فالدين العام الذي سجل ما مقداره 70 مليار دولار عام 2019 (بنسبة 40.8% من الناتج الداخلي الخام)، قفز إلى 103.1 مليار دولار في نهاية عام تبون الأول في الحكم (بنسبة 63.2% من الناتج الداخلي الخام)، وسيرتفع مع نهاية عهدته (العام الحالي) إلى 126.7 مليار دولار (ما نسبته 53%)، مع توقع تحقيقه قفزات متوالية بواقع: 148.3 مليار دولار عام 2025، و168.2 مليار دولار عام 2026، و189.9 مليار دولار عام 2027، و213.1 مليار دولار عام 2028، أو ما يوازي 81.1% من الناتج الداخلي الخام المتوقع تسجيله في تلك السنة!! بل وسيصل إلى 238.2 مليار دولار عام 2029!! أي أن الدين العام للجزائر سيقفز بمعدل سنوي يزيد على 20 مليار دولار، على الرغم من “قوة الاقتصاد الثالث أفريقيا”، التي يفترض المنطق أنها ستقود إلى انخفاض هذا الدين بدل ارتفاعه.

– الحقيقة المؤكدة أن صادرات الجزائر المسجلة عام 2022 قد بلغت 58.6 مليار دولار، منها 53 مليارا صادرات نفطية وغازية، أو ما نسبته 90.44%، وأن مجموع صادرات الجزائر خارج قطاع المحروقات لا يتجاوز 5.3 مليار دولار!! أو ما يوازي صادرات المغرب من السيارات فقط في 5 أشهر!! وبالتالي، فكذبة الرئيس تبون بأن صادرات بلاده غير النفطية تجاوزت 7 مليارات دولار لنفس العام (2022)، وتوقع تسجيلها ضعف هذا الرقم العام الحالي، تؤكد “سوابق” الرئيس الذي لا يتورع عن توزيع الأرقام المكذوبة دون حسيب أو رقيب!!

ختاما، فمهما اجتهد الرئيس تبون في التبشير “بالفتوحات الاقتصادية” للقوة الضاربة، فما يهم المواطن
الجزائري الذي يفترض أنه يستمع لهذه الأرقام، هو اختفاء الطوابير على المواد الغذائية الرئيسية، وامتلاء المتاجر بالسلع التي يحتاجها بأسعار في متناوله، وتوفر الماء والكهرباء والتعليم والصحة والنقل، وهي “عورات” يصعب على “شطحات” الرئيس الحالم بعهدة ثانية، ولا إعلامه الدعائي أن يسترها!!

اقرأ أيضا

السفير عمر هلال

السفير هلال يفحم النظام العسكري.. المغرب مملكة عريقة والجزائر دولة تأسست في العام 1962

 أبرز السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بنيويورك، أن مبدأ الوحدة الترابية يعد مقدسا بالنسبة للبلدان العريقة على غرار المغرب،