في خطوة وصفت بالمفاجئة، والمهمة غير المسبوقة، في التاريخ السياسي للمملكة، أكد الملك محمد السادس، على أهمية “استخلاص الدروس والعبر من قضية ابن بركة، وجعلها في صالح الوطن، لتساعدنا على البناء وليس على الهدم”.
وأردف الملك، في رسالة وجهها مساء أمس، إلى المشاركين في الندوة الفكرية، حول “مكانة الشهيد المهدي بن بركة في التاريخ المعاصر” في المكتبة الوطنية بالرباط، تولى تلاوتها الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي، رفيق الراحل المهدي بنبركة، والقيادي التاريخي للاتحاد الاشتراكي، أنه “كيفما كان الحال فابن بركة قد دخل التاريخ، ليس هناك تاريخ سيء أو تاريخ جيد، وإنما هناك التاريخ كما هو : ذاكرة شعب بأكمله. إلا أنه يجب ألا ننسى أن أعداء المغرب قد قاموا باستغلال القضية للإساءة لصورة بلادنا”.
وأضاف الملك في كلمة حافلة بالدلالات،في مبادرة هي الأولى من نوعها، في تاريخ تعامل المؤسسة الملكية، مع هذا الملف، قائلا: إن “الدول تبنى على تاريخها، بإيجابياته وسلبياته، وشعب بلا تاريخ هو شعب بلا هوية، ولن يكون له مستقبل” .
وتحدث عن المهدي بن بركة فقال:”إننا نستحضر معكم، قبل كل شيء، إنه كان رجل سلم، كما كان قريبا من العائلة الملكية”، مبرزا أنه رغم أن الذكرى الخمسين لاختفاء المهدي بن بركة “تأتي في وقت ما تزال فيه العديد من التساؤلات مطروحة دون إجابات، فقد حرصنا على مشاركتكم هذا الحدث، دون عقدة أو مركب نقص من هذه القضية، تقديرا لمكانته لدينا ولدى المغاربة”.
للمزيد:لجنة فرنسية جديدة تبحث عن الحقيقة في قضية بنبركة
وتوقف الملك عند مرحلة ما بعد الاستقلال، فوصفها بأنها كانت مشحونة بشتى التقلبات والصراعات حول ما كان ينبغي أن يكون عليه مسار المغرب المستقل، مضيفا “إننا لسنا هنا لإصدار الأحكام على المواقف التي تبناها هذا الطرف أو ذاك، ولكن الأكيد أن القاسم المشترك بين جميع المغاربة، في تلك المرحلة التاريخية، كان هو السعي لخدمة مصالح البلاد، والنهوض بتنميتها وتقدمها، والدفاع عن قضاياها، كل من منطلق قناعاته وتوجهاته.
ولم يفت العاهل المغربي أن يذكر بما قاله في خطاب تنصيب هيأة الإنصاف والمصالحة سنة 2004، والذي أوضح فيه أن الشعب المغربي لا يتهرب من ماضيه، ولا يظل سجين سلبياته، بل يعمل على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لبناء مجتمع ديمقراطي وحداثي.
وتابع مشيرا في رسالته، إلى أنه سبق لمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد أن دعته سنة 1997، لما كان وليا للعهد، للمشاركة في منتداها الدولي حول الانتقال الديمقراطي، وقد نصحه، آنذاك، والده الملك الراحل الحسن الثاني، بتلبية الدعوة، فشارك وألقى كلمة خاصة بتلك المناسبة.
وربط الملك بين الأمس واليوم، وقال :”وها أنا اليوم ، بعد مرور السنوات، أتوجه إليكم، من جديد، لأؤكد أن الملكية بالأمس كما اليوم، متشبثة بالتلاحم مع مكونات الأمة، شريطة الالتزام بالثوابت والمقدسات التي ضحى من أجل الدفاع عنها العديد من المغاربة الأحرار، ومن بينهم المهدي بن بركة .”
إقرأ أيضا:اليوسفي يغيب عن تخليد لشكر لذكرى بنبركة..وبنكيران يدافع عنه
وخلص الملك ، إلى أنه نهوضا بالأمانة الملقاة على عاتقه، بصفته أمير المؤمنين وملك البلاد، فإنه لن يدخر أي جهد من أجل صيانة الاختيار الديمقراطي للبلاد، وحماية حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفرادا وجماعات.
وكان لافتا حضور العديد من الشخصيات الوازنة، في الندوة، ومنهم الأخضر الإبراهيمي، الذي يعتبر آخر شخصية كان لها لقاء مع بنبركة في مصر، قبل عودته إلى باريس حيث تم اختطافه.