هذه السلطة بلغت “سن اليأس”، إنها عاقر بل صارت لا تنتج إلا مزيدا من المشاكل للبلاد والعباد، حتى لم نعد في حاجة لأي نقد لتصرفاتها وقراراتها، فرداءتها وأخطاؤها كفيلة بذلك. الكثير يتساءل اليوم: كيف يختار الوزراء ولماذا؟ وكيف يتخذ قرار إعفاء هذا أو ذاك منهم؟ وعشرات التساؤلات الأخرى، ولكن لا جدوى من هذه الأسئلة، ولا داعي لإضاعة الوقت في البحث عن إجابة لها. فالإجابة الوحيدة هي السلطة، أي رئيس الجمهورية، ولا يهم من يساعده في ذلك. ما يصدر عن رئيس الجهورية هو نتاج مكونات وضع، وهو المسؤول الأول دستوريا على إنتاجه، فهو الذي وضع دستور 2008، وألح بالخصوص على جعل المسؤولية كاملة بين يديه وهو من اختار المسؤولين الفاسدين وغير الفاسدين أو أبقاهم.
ما فضحه التعديل الحكومي الأخير من تخبط، سواء الإعلان، شبه الرسمي، عن التعديل الحكومي ثم السكوت عنه زمنا، ثم إعلانه رسميا واكتشاف أنه غير ناضج أو به أخطاء جسيمة، أكد شيئا أساسيا: لا يمكن الاستمرار في إدارة شؤون الدولة بهذا الشكل من دون تعريضها لمخاطر جمة. فمسألة تقسيم وزارة الخارجية إلى وزارتين، ليس مشكلة في حد ذاتها، المشكلة هي أن القرار لم يدرس بما فيه الكفاية ويبدو أنه لم يدرس من زاوية زيادة فعالية الأداء الدبلوماسي، بل خضع لمنطق تدافع نفوذ بين طرفين.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تظهر السلطة بما ظهرت عليه، لنتذكر الإعلان عن إصلاحات سياسية ودستورية منذ 2011 وتشكيل لجان، واحدة برئاسة الرئيس بن صالح والأخرى تقنية لصياغة الدستور نصبها الوزير الأول وثالثة برئاسة أحمد أويحيى، ثم لا شيء. ولنتذكر قرار وزير التجارة بخصوص تجارة الكحول ثم التراجع عنه، ولنتذكر دفتر الشروط الخاص بالسيارات المستوردة الذي أعلن عنه، وطريقة إعلانه المشبوهة، ثم يتم التراجع عنه، إضافة إلى أن كل تعديل يعيد تجميع أو تفتيت الوزارات والقطاعات، وغير ذلك كثير، مما يؤكد أن تصرفات السلطة صارت عبثية.
اتخاذ قرارات غير ناضجة أو خاطئة ثم محاولة ترقيعها، كارثة على صورة الدولة الجزائرية، وهي صورة تقول بأن أهم مؤسسات الدولة وإداراتها وأدواتها تدار بعقلية “الصراع” وهو أمر سيكون من انعكاساته المباشرة حيرة كل إطارات الدولة عن حال قمة الهرم، ولـ«من يكون الولاء؟!” لأننا في نظام الولاء باسم المصالح أو الجهوية.
إن في ذلك تحطيما خطيرا لمصداقية المؤسسات ومصداقية القرار السياسي، خاصة في أعلى مستوى من إدارة الشأن الدبلوماسي وهو أيضا تحطيم خطير للكفاءات الدبلوماسية والتلاعب بمصداقية أدائها أمام الأطراف الإقليمية والدولية.
المرض عميق جدا ولا علاج له غير التخلي كليا عن نظام وسلطة تنتج مثل هذه الرداءة على هذا المستوى من الدولة. نعم المرض مرض نظام وسلطة تعاني العجز والانسداد وتعيش اضطرابات “سن اليأس”، فهي عاقر وفقدت القدرة على القيام بأي إصلاح مهما كان بسيطا، كما فقدت كل حق معنوي في الاستمرار، لأنها غرقت في وَحْل حسابات التوازن السلطوية والمصلحية والتي لا تعير للدولة ومؤسساتها أي اعتبار. هذه السلطة وصلت مرحلة نهاية الصلاحية منذ زمن طويل واستمرارها كلف الدولة ومؤسساتها تكاليف باهظة جدا بل قد يكلفها الانهيار الكامل، بعد تلاشي جل المؤسسات وبعد وصول مصداقية القرارات التي تتخذ إلى حضيض الحضيض.
هل يمكن لأحد منا أن يطمئن على الدولة، وحالها واستقرارها، أمام كل هذا؟ هل يمكن أن يستمر البعض في توجيه اللوم والنقد لنا، وحتى الشتم أحيانا، لأننا نبالغ في انتقاد الرئيس والسلطة وفي المطالبة بالتخلي عن هذا الحكم وهذا النظام؟
واضح اليوم، أمام تكرر وضعيات مخجلة في حياة الدولة ومؤسساتها، أن الخيار هو بين استمرار هذا النظام وهذه السلطة وبين استمرار الدولة واستقرارها. هذا النظام وهذه السلطة صارت عبئا ثقيلا جدا على الدولة وسمعتها في أعين مواطنيها وفي أعين العالم كله.
لا يمكن أن تترك الدولة لمثل هذه السلطة ولمثل هذا النظام. بركات، فوصول الأمر إلى الدبلوماسية ينبغي أن يكون القطرة التي أفاضت كل الكؤوس، وعلى الرئيس أن يدرك أن مسؤوليته اليوم، إن كان مازال في حالة إدراك ووعي، هي عدم تدمير فرص إنقاذ الدولة من الانهيار. فالرداءة التي تحيط به أثبتت جهلها المدقع وأثبتت نهمها وخطرها على الدولة وعلى البلاد والعباد.
*كاتب صحفي/”الخبر” الجزائرية