الطريقة التي تفكر بها الحكومة.. وترسي عليها كل سياساتها الهشة.. ستفضي بنا إلى الإفلاس لا محالة.. إفلاس حقيقي وليس على الورق.. إفلاس يعيدنا ستين سنة إلى الوراء.. لنكتشف أننا لم نتقدم خطوة إلى الأمام.. باستثناء أننا كنا نمثل على جمهور مغفل.
الحاصل الآن.. أن الحكومة قد تعمد لتأخير استحقاقات هذا الإفلاس القاسية.. بالاقتراض الخارجي.. بعد أن تستنفد احتياطي الصرف المتاح.. حيث خبر الجزائريون وطأة الاقتراض الذي يرهن قرار الدولة بصورة مذلة. وفي مرحلة أولى ستشرع في تجميد المشاريع المبرمجة.. وقد حدث ذلك بالفعل.. أي أنها ستمارس النزوح الداخلي.. قبل أن تفكر في الهجرة إلى الخارج.. وفي الحالتين هي لا تملك حلا.. أضاعته في الطريق قبل ربع قرن.
المزيد: صندوق النقد الدولي يطالب الجزائر بالتقشف ومراجعة سياستها المالية
المصيبة الكبرى.. أن قلة قليلة جدا من الناس.. يدركون إلى أين نتجه؟ وماذا ينتظرنا؟ أو يعيرون اهتماما لهذا الإفلاس الذي يطرق الأبواب.. كما لم يعيروا ـمن قبل اهتماما لسياسة التبذير التي صاحبت تدفق الريع النفطي في زمن الوفرة.. وظنوا بغباء بالغ أن هذا الريع لن ينضب.. وأن خزائن الدولة ستظل عامرة.. و(طاق على من طاق) كما يقول المثل.
لقد كانت فصول القصة البائسةُ تكتب لدى وكيل التفليسة بلغة القانونيين .. حين فتحوا علينا طوفان الاستيراد.. الذي التهم كل شيء..وإلى هذه اللحظة لا تزال الحكومة تتصرف وكأن الدنيا لم تنقلب عليها!!
لم يفكروا يوما.. كما فكرت حكومة النرويج.. التي تمتلك أضخم صندوق سيادي في العالم.. تغذيه عائدات النفط.. ولم يتصرفوا كما فعل الغرب بعد أزمة النفط في 1973.. حين استوعبوا الدرس جيدا.. ولم يسقطوا في الفخ مرة أخرى.. ولم يتعظوا من أزمات نفطية سابقة.. نخرت خزينة الدولة حتى النخاع.. وهاهم يتدحرجون مرة أخرى نحو الهاوية الاقتصادية.. دون أن يتمكنوا من فعل شيء.
الغريب في الأمر أن صناع الإفلاس أنفسهم.. يتقدمون بالحلول ويعدوننا بالمعجزة.. وهم الذين لم تسعفهم الوفرة من قبل.. في اكتشاف الطريق.. فتاهوا وهم يجرّون من خلفهم قاطرة الجزائر في صحراء لا قطرة نفط فيها.
الإفلاس ليس خطابا دعائيا.. أو مخططا تآمريا.. بل هو الحقيقة كما هي.. فمتى نستيقظ.. لنكتشف أن العالم قد تغير.. أما نحن فلا نزال في 1962.
*كاتب صحفي/”البلاد” الجزائرية