في إطار التأصيل لبناء أسرة إنسانية واحدة وبيت مجتمعي مشترك، ومنذ عقد من الزمن، نادينا مع آخرين في إطار منتديات فاس حول التحالف الحضاري والتنوع الثقافي، لإيجاد ميكانيزمات قانونية وجهوية ودولية تجرم ازدراء الأديان، وكانت بعض الدول ترى في مثل هذه التوصية خطراً على الحريات العامة وحقوق الإنسان ومخالَفة للحوار العالمي الذي ندعو إليه. لكن ما هو هذا الحوار؟ الحوار الحقيقي هو الذي يقوم على العقلانية وعلى مسايرة الواقع، وعلى اجتثاث مسببات الكره من جذوره.. فحين تتأصل شجرته في النفوس، يومئذ تبدأ المجتمعات جني ثمراته، وإذاك تكون قادرة على بلورة قيم ومبادئ وأخلاقيات ووسائل وضوابط ميثاق بشري راسخ، يكون منطلقاً صلباً، وسبيلا آمناً لمسيرة بشرية راشدة.
والسؤال الملح: كيف وما هو السبيل إلى ذلك..؟
والجواب مرة ثانية.. وثالثة.. هو: الحوار.. أجل الحوار.. لكن مع إضافة نؤكدها فنقول: الحوار المحايد.. المحايد دينياً.. والمحايد ثقافياً.. والمحايد سياسياً.. والمحايد اقتصادياً.. والمحايد عرقياً.. والمحايد جنسياً.. نريد حوار الإنسان للإنسان.. وفق قيم محايدة بعيداً عن خصوصيات الفهم والاجتهاد والتأويل للمنطلقات الربانية الإنسانية الجامعة.
المزيد: البعد الدينى في العلاقات الدولية: قراءة مفاهيمية
وهو ما نحييه بجلاء عندما أصدر رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الإثنين 20 يوليو 2015، مرسوم قانون يجرم التمييز على أساس الدين أو العقيدة أو الأصل الإثني. كما يمنع هذا المرسوم استغلال الدين في تكفير الأفراد أو الجماعات ويفرض عقوبات تصل إلى الإعدام إذا اقترن التكفير بالتحريض على القتل فوقعت الجريمة بسبب ذلك. وقد أفادت وكالة أنباء الإمارات أن المرسوم ينص على «تطبيق عقوبات رادعة للجمعيات والفعاليات الداعية لازدراء الأديان أو التمييز أو إثارة خطاب الكراهية»، وهذه فضيلة ما بعدها فضيلة في حماية المجتمعات من آثار الملوثة عقولهم وقلوبهم الذين لا يجدون في القوانين الجنائية ما يردعهم.
المزيد: هل أتى قانون مكافحة التمييز والكراهية الإماراتي بأي جديد؟
لا نريد حواراً لصالح دين ما على حساب دين آخر، أو الانتصار لثقافة بعينها على ثقافة أخرى، أو لتبسط دولة ما هيمنتها على دولة أخرى، ولا لتحقيق طموحات سياسة ما على حساب طموحات الآخرين السياسية.. نريد حواراً ينتظم به ومعه التنوع البشري بكل أشكاله ومصالحه، حواراً تنتظم به المفاهيم المشتركة، وتتوحد معه الغايات المشتركة، ويصان به المصير الإنساني المشترك. نريد حواراً مؤسساً على ثوابت الاحترام المتبادل، ترتكز منهجيته على عدم التعرض للخصوصيات الدينية، والثقافية والاجتماعية، وعدم انتهاك رموزها ومقدساتها، حواراً تحشد به طاقات وإمكانات التنوع البشري بكل انتماءاته ومضامينه ومسمياته وطموحاته، من أجل التعاون والعمل الصادق لإجلال وصون:
1. قدسية قيم الإيمان بالله، ووحدة الأسرة البشرية ومصالحها المشتركة.
2. قدسية حياة الإنسان وكرامته وممتلكاته.
3. قدسية العدل والسلام وسلامة البيئة.
4. قدسية عقل الإنسان وحريته وغذائه وصحته وتعليمه.
لقد غدا العالم قرية صغيرة في ظل السلطات الجديدة للعولمة وأصبح هناك مغزى وأبعاد للأفكار الرائجة وانعكاسات مباشرة على العديد من الأمم والقارات، فالرسوم الكاريكاتورية الدانماركية المسيئة والتي أثارت ردود فعل عنيفة من الدول الإسلامية، والكلمات المغلوطة حول الإسلام التي عبر عنها البابا في محاضرة ألقاها بجامعة راتسبون سنة 2006، كلها أحدثت في الدقائق التي تلت صدورها انعكاسات مباشرة في العديد من الأقطار والشعوب وغلياناً شعبياً كبيراً. كما أن الإرهاب الغاشم الذي كان قد استهدف المجلة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو»، يدل على أن خطر ازدراء الأديان الذي يؤدي إلى الإرهاب حقيقي وقائم في كل دول العالم ولا أحد في مأمن منه.. كما أن التكفيريين الذين تعج بهم بعض المجتمعات يزرعون قواعد الكراهية وازدراء الأديان في عقول البشر، ليكون الأمر إما حقاً أو باطلا، والموقف إما هدى أو ضلالا، والألوان إما أبيض أو أسود، والشخص إما مسلماً أو كافراً.. لذا فصون البشرية من خبث وبربرية التكفيريين والذين يزدرون الأديان هو تأصيل للحوار العالمي الهادف، وهذا هو المطلب العالمي الحقيقي، وهو لا يخص المسلمين لوحدهم وإنما العالم بأسره، ويجب على الدول المتشبعة بالمواطنة الحقيقية وقواعد العيش المشترك تبني قوانين ردعية تصون مصالح الجميع، على منهاج ما قامت به دولة الإمارات.
* رئيس المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية /”الاتحاد”