الصور النمطية الغربية عن العالم الإسلامي وحضارته

غزلان جنان
2015-07-01T12:06:41+00:00
دراسات
غزلان جنان1 يوليو 2015آخر تحديث : منذ 9 سنوات
الصور النمطية الغربية عن العالم الإسلامي وحضارته

بقلم: د. أحمد الموصللي

مقدمة
اعتبر الأستاذ الأميركي الأكاديمي صموئيل هنتنغتون، الذي نظّر لمفهوم صراع الحضارات، أن في إمكان الولايات المتحدة تجنّب صراع محتمل بين الغرب والاسلام اذا ما ابتعدت الولايات المتحدة عن اسرائيل، كما يمكن للدول الاسلامية المساهمة في ذلك بتعزيز ديموقراطيتها، داعياً العرب إلى الاختيار بين نموذج تنظيم “القاعدة” او إمارة دبي التي تثبت أنه يمكن التقدم من دون فقدان القيم التقليدية. وجاء كلام هنتنغتون، أستاذ التاريخ في جامعة هارفرد، خلال ندوة عقدت في دبي. ومما قاله: “إذا تمكن اسامة بن لادن من جذب الناس الى قضيته، فان هذه الحرب ستصبح حقا صدام حضارات”.
وأضاف الى ذلك أنه ينبغي على الغرب العمل على أربعة محاور لتقليل احتمال نشوب معركة مع الإسلام. وأوضح أن على الولايات المتحدة اولاً التخلي عن فرضيتها على أن ثقافتها ثقافة عالمية وأن الآخرين يرغبون في ان يكونوا مثل الاميركيين. وعليها، ثانياً، وقد قامت بعمليات عسكرية في 16 دولة اجنبية خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، الحدّ من العمليات العسكرية الخارجية إلا عندما تكون مصالحها الحيوية مستهدفة. وثالثاً إن “الولايات المتحدة في حاجة الى ان تباعد بينها وبين اسرائيل”، وان تشارك في الجهود التي تستهدف إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس التي يمكن اقتسامها مع الاسرائيليين، وعليها أن تدعم الجهود الخاصة بضمان إزالة المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكنه أقرّ ان ذلك سيكون مشروعاً بالغ الصعوبة. واعتبر أيضا أن هناك مسلمين في فلسطين والشيشان وكشمير تحكمهم حكومات غير اسلامية. وهذه كذلك حال الفلسطينيين في إسرائيل، وسيكون من المرغوب فيه كثيراً بالنسبة إلى هؤلاء المسلمين ممارسة حقهم في تقرير المصير”. وفي إمكان الغرب رابعاً أن يساعد في تنشيط التنمية الاقتصادية في الدول الاسلامية الفقيرة بطرق عدة، منها اتفاقيات للتجارة الحرة كالإتفاق بين الولايات المتحدة والاردن.
عن دور الدول الاسلامية، قال إنه يمكنها ان تساهم في ذلك من خلال تبنّي التحديث بديلاً من التشدد الاسلامي، وكذلك ان تدرك أن الحكومات القمعية وغير الديموقراطية غالبا ما تنتج معارضة متطرفة. و”هناك عنصران مؤثران هنا، أحدهما أن معظم الدول الاسلامية ليست دولاً ديموقراطية وتقمع المنشقين وحتى المعارضة المعتدلة، وهو ما يتسبب غالبا بتشدد حركات المعارضة”. والثاني ان الحكومات الاسلامية تنتهج سياستين بالنسبة إلى الغرب. فهي على المستوى الحكومي تتعاون معه، “وعلى المستوى المحلي تتسامح وتشجع الاتجاهات النقدية من خلال البيانات في المدارس والمعاهد الدينية، وتنشر العداء للغرب”.
وشدد أنه “لا بد من الاختيار بين القاعدة ودبي”، في اشارة الى إرهاب تنظيم “القاعدة” والدور الذي تضطلع به إمارة دبي كقاعدة للتكنولوجيا المتقدمة، وان “العالم العربي يمكن أن يتطور من دون فقدان قيمه التقليدية”. ومن المعلوم ان هنتنغتون هو الذى أدخل مصطلح “صراع الحضارات” في القاموس الأكاديمي أواسط التسعينات عندما استخدمه عنوانا لكتاب أكّد فيه أن الثقافة الغربية التي تعاني الانكماش تواجه تحديات من الصين الصاعدة ومن الصحوة الاسلامية(1).
نسوق كل هذا من أجل القول أنه آن الأوان للدول العربية وشعوبها للعمل على بلورة رؤية عصرية للغرب عوضاً عن الصور النمطية السائدة في العالم العربي، وكذلك العمل على تطوير صورة حضارية عن العرب والمسلمين في الغرب عوضاً ايضا، عن الصور النمطية السائدة الآن في الغرب. إن الحرب الأميركية اليوم على الإرهاب ليست هي الهدف، إذ انها حاجة نفسية للتوازن في اميركا بعد اهتزاز التوازن الداخلي للنظام الاميركي بعد 11 ايلول. فالحرب الحقيقية ليست فقط ضد الارهاب، ولكنها تشن من أجل إعادة المشروعية للنظام السياسي الأميركي الذى خسر من مشروعيته بعد الضربة العسكرية على البنتاغون. فالولايات المتحدة اليوم قادرة على الهيمنة على العالم، مع علمها بوجود معارضة من روسيا والصين واوروبا وغيرها، وهي اليوم تعيد تجربة حرب الخليج الثانية، لكن في آسيا الوسطى مجدداً.
من هنا فإن اميركا تسعى الى استغلال الاحداث من خلال إعادة احياء “المخافر الدولية” في العالم، وذلك بالطلب من كل الدول تلبية طلبات أمنية معينة بهدف السيطرة والهيمنة، ومن ثم اقامة ما يشبه مخافر دولية، كما هو الحال في الخليج. ان وضع آسيا مهم جداً في المستقبل، مع الاشارة الى أن ايران وطاجكستان وتركمانستان والصين وباكستان، كلها دول لها موقف معين من الولايات المتحدة وتخضع لصراع غير معلن على النفط وعلى إنتاج الذهب العالمي المتوقع انتاجه من هذه المناطق، التي هي ايضاً المصدر الأول لإنتاج الفضة في العالم.
المهم في كل هذا ان الولايات المتحدة ادركت اليوم انها لا تستطيع القيام بعملية ما الا اذا حظيت بموافقة اسلامية وعالمية، وهذا الغطاء الاسلامي لا يمكن ان يتحقق إلا بغطاء عربي، والغطاء العربي لا يمكن ان يغطي المشروع الاميركي إلا بغطاء فلسطيني. وهذا ما دفع بوش الى الاعتراف بدولة فلسطينية، ولذلك قال شارون: “نحن لسنا مرشحين لأن نكون تشيكوسلوفاكيا”. لكن ما يقوم من تحالف ضد العرب والمسلمين، والمتصل بالواقع الاسرائيلي القائم، أصبح عائقاً أمام تحقيق الغطاء المطلوب من العرب والمسلمين لاستكمال المشروع الاميركي، وهذا يعني ان شارون يرفض ان يضحّي بمصالح اسرائيل من اجل تحالف دولي مع اميركا لتحقيق مشروعها العالمي، وهو يراهن على اعادة التوازن داخل الادارة الاميركية لصالح فريق البنتاغون المدعوم يهودياً، وأن يقوم هذا الفريق بالتعاون مع القوة الضاغطة في الكونغرس بالتغلب على تيار كولن باول الذي يريد ان يسلك خيار الاجراءات المعقلنة نسبياً في ما يتعلق بحماية تحقيق المشروع الاميركي.
واليوم تعيد اميركا رسم استراتيجيتها عبرالعامل العسكري، والذي هو جزء أساسي في هذه الاستراتيجية، وستتحكم المنظومة الأمنية الأميركية بالعالم على حساب تحكم المنظومات الاقتصادية والسياسية الأميركية. وبما ان مفهوم الارهاب هو مفهوم مطّاط ويشمل دولاً وافراداً وجماعات عدة، لذلك تكوّن الولايات المتحدة شبكة أمنية عالمية، إلا ان اميركا حالياً ما تزال في حالة ردة الفعل ولم تستفق بعد من الصدمة، كما انها تعيش صراع التيارين الحاكمين: تيار الخارجية الضعيف وتيار البنتاغون القوي. ولكن هذه هي المرة الاولى، ولفترة وجيزة التي تمكنت فيها الخارجية من فرض سياسة مرنة. وهنا لا بد من ان يكون سقف العالم العربي عالياً جداً وموحداً، مستفيداً من هذه الظروف، لتحقيق المصالح العربية، خصوصاً بعدما أصبحت اسرائيل عبئاً على الولايات المتحدة وعلى حساب اميركا نفسها، وبات الشعب الاميركي يسأل: لماذا تكرهنا الشعوب الإسلامية؟
تنقسم الاستراتيجية العالمية اليوم الى قسمين: استراتيجية ما قبل 11 ايلول واستراتيجية ما بعده؛ ما قبل 11 ايلول لم يكن أحد يظن ان العالم سيجتمع على هدف واحد، وان القوة العظمى في العالم ستجيّش معظم الدول لخدمة مصالحها. أسدلت هذه الاستراتيجية الستار على ما قبل 11 ايلول، ولم يعد بامكان دولتين او ثلاث ان تجتمع لتنفيذ عمل معين دون موافقة الولايات المتحدة، وأصبح العالم كله محصوراً في حلقة معينة ضد اهداف عالمية مشتركة. واذا بقي الارهاب هدفاً عالمياً سيبقى العالم كله معداً لمواجهة أي عمل سيحدث على الساحة الدولية. وهنا اذا كانت الدول العربية تريد الحفاظ على ما هي عليه، فإن الاستراتيجية الجديدة لما ما بعد 11 ايلول تفرض عليها ان تكون متحدة. فالمطلوب إذًا رصّ الصفوف لأن احدى المراحل المستقبلية لا بد أن تستهدف الوضع العربي والاسلامي برمته، لذا يجب على العرب ان يحموا المواقع المهمة في تاريخهم الحديث، كقضية فلسطين.
وسيوظف الاميركيون مفهموم الارهاب لتحقيق اهداف اخرى، إذ يبدو أنه في المرحلة الاولى هناك سعي اميركي الى قيام كيان استراتيجي لمواجهة الديمغرافيات الكبرى في العالم، وأكبر ثلاث ديمغرافيات هي الهند والصين وباكستان. فاميركا حيّدت كل الدول الكبرى، ولكنها لم تحيّد لمرة واحدة أياً من الهند والصين وباكستان، وهذه دول تملك السلاح النووي. ومع انه من المستبعد ان يقع الصدام بين هذه الدول واميركا بسبب توازن الرعب القائم، تحاول اميركا تقريب هذه الكتلة الجغرافية منها لخلق جغرافية سياسية جديدة في باكستان، خصوصاً وأن تلك المنطقة لم تتشكل فيها دول جيوبوليتيكية كبرى، إذ ان الاتحاد السوفياتي الذي مكـــث هناك عشر سنوات، لم يوحد القبائل ولم يجعل منها دولة بحسب المفهوم المعروف للدولة، ومن هنا فإن الاميركيين يجدون سهولة في اختراق هذه القبائل والشعوب من خلال ضربهم بعضهم ببعض من أجل السيطرة على الجميع.
من ناحية أخرى تتطلب حماية منظمات المقاومة من اي محاولات اميركية جهداً على عدة موجات، أولها التأكيد على إبراز كل ما يدعـــم شرعية المقاومة. وفي لبنان لا بد من التركيز على شرعية حزب الله من خلال شرعية الدولة اللبنانية ومن خلال شرعية تفاهم نيسان الذي وُضع بموافقة ومشاركة الولايات المتحدة الاميركية. وهذا الامر ينطبق الى حد كبير على حماس والجهاد الاسلامي اللتين تعملان تحت شرعية السلطة الفلسطينية.
على كل حال لا بد من وضع تعريف لمفهوم الارهاب وأن يجتهد العرب والمسلمون في وضع هذا التعريف وطرحه على الأمم المتحدة لمناقشته، إذ أن اخطر ما في هذه الحملة هو ان مفهوم الارهاب ليس محدداً، مما يسمح للادارة الاميركية ان تتوسع في تحديده الى حد اعتبار الخطبة الدينية او المقالة الصحفية عملاً إرهابياً.
وقد وضعت واشنطن أربعة أهداف استراتيجية في المنطقة هي: البترول، والسيطرة على البحر الأبيض المتوسط للوقوف في وجه اوروبا، وعلى رأسها فرنسا، والهدف الثالث هو مواجهة الأصولية الممتدة من الشمال، ورابعاً الإرهاب؛ كل هذا بالاضافة الى الهدف الثابت لدى اميركا، وهو الوقوف في وجه الدول النووية الثلاث الهند والصين وباكستان. فالمدّ الاصولي الإسلامي هو الخطر الأكبر في الاستراتيجية الاميركية، لا سيما وأن افغانستان صدّرت واستوردت الكثير من الأصوليين اليها. فالمسلمون يخضعون اليوم لاستراتيجية جديدة تعتبر الاصولية، ومعها الإسلام، الخطر الاكبر، لذا، ستهدف هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة الى القضاء على البؤر الأصولية.
وستظهر هذه الدراسة أن الرؤية الغربية، والأميركية تحديداً، للعالم الإسلامي تنبع أساساً من مصالح الدول الغربية المادية والسياسية، مع الأخذ في الحسبان البعد الغربي التاريخي والديني والحضاري المسيحي واليهودي، والذى يطفو على السطح في الأزمات الشديدة. اما رؤية المسلمين عموماً، وخاصة الإسلاميين للعالم الغربي، فتنطلق أساساً من رؤية دينية إسلامية تاريخية وحضارية، مع الأخذ في الحسبان عامل المصالح.

الولايات المتحدة والإسلام السياسي

هناك اتجاهان أساسيان في الولايات المتحدة يتحاوران ويتصارعان اليوم في محاولتهما لفهم الأصولية الإسلامية والإسلام وكيفية تعامل الولايات المتحدة معهما. فوزارة الخارجية، على سبيل المثال حاولت في أواسط العقد الماضي استيعاب هذا التيار بينما قامت وزارة الدفاع بالنظر الى الأصولية على أنها خطر أيديولوجي وجيوسياسي، ولهذا كان لا بد من تحطيمه.
سأقوم هنا أولا بعرض آراء الاتجاه المناهض للحركة الإسلامية وهو تيار له شعبية أكثر في الصحافة وخصوصاً عند المعلقين السياسيين الذين يعتبر اغلبهم من المناصرين بشدة لإسرائيل. ومن المفيد هنا التركيز على دراسة صدرت حديثا في العاصمة الأميركية لباحث هو “ليون هاردر” رئيس مكتب صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية والباحث في المعهد نفسه. ويعنون هارد تحليله السياسي بعنوان “الخطر الأخضر: خلق التهديد الأصولي الإسلامي”. فيقول ان إنتهاء الحرب الباردة جعل الإدارة تبحث عن أعداء جدد، منهم: عدم الاستقرار في أوروبا(2)، سواء عن طريق نهضة أوروبا، او إمبريالية روسية حديثة، او الانتشار العسكري النووي والإرهاب. وجاء الخطر الأصفر على رأس اللائحة بسبب الخطر الاقتصادي الذي يمثله شرق آسيا، ثم يلي الأصفر الخطر الأخضر المتمثل في الأصولية الإسلامية الشرق أوسطية. وأكثر من هذا فقد اخترعت مجلة الايكونوميست Economist  Theتعبير “فندي ­Fundie “ على انه مخلوق مشابه في مظهره للأمام الخميني ومسلح بأيديولوجيا متشددة ومجهز بالأسلحة النووية وعاقد العزم على اعلان الجهاد ضد الحضارة الغربية.
بل ان جورج ويل، وهو معلق سياسي معروف ومشهور بعدائه للعرب ومناصرته لإسرائيل، يقول: ان المعركة الألفية بين المسيحية والإسلام قد تنفجر مجدداً، وجاء هذا في رده عن سؤال حول إمكانية احتفال الغرب بمولد الرسول”ص” بعد عشرين سنة من ألآن، أي أمكانية النظر الى المسلمين كجزء من الحضارة الغربية.
ومن الواضح ان خطراً جديداً تحاول الصحافة الأميركية غرسه في نفوس الاميركيين(3) وتروج ضده على أنه أكثر شراً من اللينينية الماركسية. لقد أدى نهوض الإسلام السياسي في شمال أفريقيا وخصوصاً في الجزائر، ونشوء عدة دول إسلامية في آسيا الوسطى، بالإضافة الى العلاقات الإقليمية والدولية بين إيران والسودان، الى اعتبار الإسلام قوة ضد الديمقراطية والعدو للولايات المتحدة(4)، وساعدت في هذا أحداث 11 أيلول.
لنقرأ ما يقول أحد المعلقين السياسيين في الواشنطن بوست: إن الأصولية الإسلامية هي حركة ثورية عدائية يماثل عنفها وتشددها الحركات الثورية العدائية كالحركات البولشفية والفاشية والنازية في الماضي. وهي حركة استبدادية وضد الديمقراطية وضد العلمانية، لذا لا يمكن استيعابها في العالم المسيحي العلماني، وبما ان هدفها إنشاء الدولة الإسلامية المستبدة فلا بد ان تقوم الولايات المتحدة بوأدها عند الولادة(5).
ان نموذج التعارض هذا بين الإسلام والغرب بدأ بالانتشار في واشنطن العاصمة. وهذا يذكرنا بالتطورات التي حدثت في الصحافة الأميركية قبل أزمة الخليج الأولى في الأشهر التي سبقت الحرب ضد العراق. لقد تمكنت قوى عديدة، (بالإضافة الى بعض اللاعبين من الخارج)، وعبر استغلالها للأعلام، من جعل صدام حسين الرجل الأكثر خطورة في العالم، وأحد أهم أعداء الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة. هذه التطورات بالإضافة الى الادعاء بان العراق يعمل على السيطرة على الشرق الأوسط، أدت الى تمهيد تقبل الرأي العام الأميركي وكذلك النخبة الأميركية للتدخل في الخليج في السابق والآن.
إلا انه لا بد ان هناك فرقاً بين الصورة التي رسمت عن صدام حسين والخطر الأخضر، إذ ان صدّام أعتبر رجل شارع خطير قام بالخروج على أسس اللعبة الموضوعة، ولذا يمكن لواشنطن إنهاءه عسكرياً. فصدام قد شكل ويشكل تهديداً للتوازن الإقليمي، وليس للأسلوب الأميركي في الحياة. اما التهديد المفترض والآتي من إيران والإسلام السياسي فيختلف في طبيعته، وقد وصل إلى القلب الأميركي. وُيصور الصراع بين الإسلام السياسي والغرب على انه صراع لا يحتمل إلا نجاح طرف وسقوط الآخر. وحسب الرأي السائد في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة فان آيات الله في إيران وحلفاءهم لا يمكن استمالتهم بالأساليب العسكرية التقليدية، مع انه من الممكن التوصل الى تسوية تكتيكية معهم، كما حدث في شان الرهائن الأميركيين في بيروت والأفغان العرب الآن، إلا أن البعد الاستراتيجي يقوم على صراع طويل الأمد.
وكما كان الأمر مع الخطر الأحمر في فترة الحرب الباردة، فان الخطر الآخر ينظر اليه على انه سرطان دولي يفتك بالقيم الغربية. لهذا يجب تحضير الشعب الأميركي لصراع لا هوادة فيه ولتطوير سياسة احتواء ومبادئ عملية جديدة ولإيجاد نخبة جديدة في السياسة الخارجية مختصة في الإسلام وشؤونه. ويبدو ان هناك إشارات عديدة الى ان عملية نشوء هذا الخطر الكبير من قبل العالم الإسلامي قد بدأت قبل أحداث 11 أيلول. وما انفجار نيويورك الأول وكيفية توظيفه إلا بينة على هذا الاتجاه. ان أطروحة الخطر الأخضر يستمر الآن توظيفها لتفسير الحوادث العديدة المتفرقة في المنطقة (الآن في الولايات المتحدة؟)، كما ان طهران وعواصم أسلامية أخرى بدأت في الحلول مكان موسكو كخطر عسكري، والإسلام كبديل روحي عن الشيوعية.
لقد قال أحد المعلقين السياسيين: يبدو ان الإسلام مناسب لملء دور الشرير بعد زوال الحرب الباردة. فهو ضخم ومخيف وضد الغرب، ويتغذى على الفقر والسخط. كما انه ينتشر في بقاع عديدة من العالم، لذا يمكن إظهار خرائط العالم باللون الأخضر كما كانت الدولة الشيوعية تظهر باللون الأحمر(6). وقد بدا فعلا خبراء السياسة الخارجية باستعمال مصطلحات الحرب الباردة لوصف الصراع الحالي مع الإسلام. فهناك مناقشات حول ضرورة احتواء النفوذ الإيراني حول العالم والآن إحتواء الإسلام السني، وخصوصاً في أواسط آسيا. فقد زار وزير الخارجية السابق هذه الدول للدلالة على هذه الضرورة، كما يقوم الاستراتيجيون الآن برسم الخطوط الحمر التي لا يمكن للقادة الأصوليين تخطّيها. فقد أعلن سابقاً بيان مسؤول ديبلوماسي وجوب امتناع الخرطوم عن تصدير الثورة والارهاب(7)، كما نوهت سابقاً واشنطن بسياسة القمع التي مارستها الحكومة الجزائرية ضد الإسلاميين ومنعها عملية استكمال الانتخابات. ويبدو ان فكرة وجوب إيقاف الإسلاميين عند حدود معينة، ما هي إلا صدى لنظرية الدومينو التي استعملت خلال الحرب الباردة. على سبيل المثال، يقول ارنولد بيكمن، الباحث في هوفر انستيتيوت، ان لإيران أربعة أهداف جيوستراتيجية: جمهوريات آسيا الوسطى، المغرب العربي، ومصر ودول الخليج. ويقترح بيكمن وهو من رافعي شعار “الخطر الإسلامي” ان الهدف الأساسي الأول لإيران واستراتيجيتها المتشددة هو المملكة العربية السعودية، لذا فان عدم تمكن العرب من وقف هذا التحدي، يحذر بيكمن، سيؤدي الى إقامة ستار اخضر حول الشرق الأوسط ودول آسيا الوسطى، والتي بدورها ستصبح توابع للدول الأكثر توسعية وعسكرة في العالم اليوم، وهو نظام اصبح فيه الإرهاب هو القانون الحاكم(8).
وكما ظهر من حادثة نيويورك الأولى عام 1993، فان مقولة التهديد الإسلامي أصبحت اكثر شيوعاً في بعض قطاعات مؤسسة السياسة الخارجية. ويشجع على هذا العديد من الدول الأجنبية التي تحبذ رؤية الولايات المتحدة منغمسة في صراع مع الإسلام. الخلاصة انه أوجد خطراً جديداً في رأي هذا الاتجاه، ولا بد من معالجته سريعاً وجذرياً.
من ناحية أخرى، يبحث المنظرون الإسلاميون بالإضافة الى الدوائر الأكاديمية والصحافة الغـــربية والإسلامية، مســـائل الاستيعاب والإستبعاد تحت موضوع “الديمقراطية التعددية”. ويحدد تيموسي سيسك اهتمام الغرب بالظاهرة الأصولية بقدرتها على التأقلم والتناغم مع المؤسسات الديمقراطية والتعددية. ويعتبر سيسك أن الظاهرة الإسلامية هي ظاهرة عالمية، كما يميز بين تيارين أصوليين، أحدهما تقدمي يتقبل الديمقراطية العددية، والآخر متشدد يرفض الديمقراطية الليبرالية ويستبدلها بمطالب العدالة الاجتماعية والديمقراطية الأغلبية (أي حكم المسلمين فقط)(9).
وتعالج فصلية المنظور الجديد (New Perspective Quarterly)الحركات الإسلامية تحت عناوين مدهشة مــثل “مــن بيروت إلى سـاراييفو”، “معارضة الإرهاب الحضاري”، “عندما يقابل غالليو الله”(10). إلا أن رئيس تحرير الفصلية يجد المشكلة في أن الإسلام، في عالم متعدد، يبقى وحده وحداني المحتوى والممارسة. ففي الفضاء الثقافي المعولم، سيواجه الإسلام، لا محالة، مجموعة من التحديات التي ستضع القرآن في مواجهة كل من الأدبيات الغربية، مثل قصة سلمان رشدي، والعالم غير الدوغماتي مثل الهندوسية، هذا إن لم نقل أي شيء عن أوروبا الليبرالية وأميركا… وفي مواجهة هذه التحديات، هل سيتمكن الإسلام من الاقتراب من التعددية، وهل سيعود الغرب إلى الإيمان؟(11)
أما الإجابة فتأتي من أكبر أحمد الذي يرى أن الحضارة الإسلامية هي الوحيدة التي تقف على أرضيتها الثابتة. فالعالم الإسلامي له رؤية للعالم مع دور بديل عن الغرب محتمل على الساحة العالمية. بهذا المعنى، فإن الإسلام يسير إلى اصطدام مع العالم الغربي. فبينما يقوم الغرب على المادية العلمانية والعقل العلمي للحداثة وغياب الفلسفة الأخلاقية، يقوم الإسلام على الإيمان والصبر والتوازن. ويرى أنه لا إمكانية للتناغم بين الحضارتين، فهو صراع  متناقضين.(12)
وتأتي مثل هذا المقولة كذلك من صموئيل هنتنغتون في مقالته “الرابط الكنفوشيوسي الإسلامي” ومقالته الأكثر شهرة “صدام الحضارات”، فيقول أن الصراعات التي حدثت منذ توقيع سلام وستفيليا عام 1648 حتى الحرب الباردة، كان حروباً أهلية غربية صغيرة. أما الآن فقد عاد الانقسام الحضاري لأوروبا حـول المسيحــية الغربية والمسيحية الأرثوذكسية والإســلام إلى الظهور(13). كما أن هنتنغتون، والذي خدم في مجلس الأمن القومي في رئاسة الرئيس كارتر، ينظر إلى الإسلام نظرة آحادية ويجعل منه كلاً مخيفاً، فلا يلتفت إلى التنوع في تفسير الإسلام في العصر الأول والتطورات الحديثة، فيخبرنا بأن الإسلام هو دين متشدد لا يفرق بين ما هو علماني وما هو ديني. إن الخصوصية اللاهوتية (الكلامية) للإسلام تجعل المجتمعات الإسلامية غير قادرة على استيعاب غير المسلمين. كما تتعقد محاولة المسلمين في التعايش مع المجتمعات غير الإسلامية(14). فبالإضافة إلى جهله بالتاريخ الإسلامي والفلسفة الإسـلامية، يتجـنب هنتنغتون المقارنة بين الإسلام والأديان الأخرى، كاليهودية، والتي تجمع ما بين الدين والسياسة، إلا أنه يعتبرها جزءاً من الحضارة الغربية، مع أن الغرب عموماً استبعد واستأصل اليهود سياسياً وحضارياً، مما أدى إلى قيام الصهيونية. كما رفض العديد من اليهود في أوروبا التمازج مع المجتمعات الغربية. وبعد قيام هتلر بما قام به، تحولت “معاداة السامية” إلى تعبير توبيخ في الغرب وظفتها بحذاقة الدعاية الصهيونية. أما أميركا البروتستانتية، على عكس الفاتكيان، والتي أعادت الاعتبار إلى العهد القديم كجزء مكمل للكتاب المقدس، فقد كانت متعاطفة مع الصهيونية.
وعموماً إذا، لقد تم استبعاد ما هو إســـلامي، أو استيعابه بصورة سلبية، عبر توظيف القوة العسكرية الاستعمارية في الماضي والقوى المسيطرة على العالم اليوم، وعبر توظيف التهديد بالعقوبات الاقتصادية والأسلحة المتطورة. فلماذا لا يستوعب الغرب، والذي يتميز بالتعددية، المسلمين؟
وتدعو جوديث ميلر إلى توظيف توجه غير ديمقراطي بل واستبعادي تجاه العالم الإسلامي، إذ أن الإسلام لا يتناسب مع قيم التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان. يعني كل هذا أن على صانعي القرار في الغرب ألا يؤيدوا الانتخابات الديمقراطية في العالم الإسلامي لأنها ستوصل أصوليين متشددين إلى السلطة. كما تحث الإدارة الأميركية وغيرها على رفض أي تصالح مع الإسلام السياسي واستيعابه لأن الحكومات الغربية لا بد أن تعارض الحركات الإسلامية. وهي ترى أنه بغض النظر عن التزام الحركات الإسلامية بمفهومي الديمقراطية والتعددية، فإن كل الأصوليين يرفضونهما. فهم الآن ضد الغرب، وضد أميركا، وضد إسرائيل، والأرجح أن يبقوا على حالهم. كما ترفض ميلر التفريق بين المعتدلين والمتشددين، فهم يشكلون صنفاً واحداً. وهذا ايضاً رأي مارتن كريمر الذي يقول بأن الحركات الإسلامية لا يمكن أن تكون ديمقراطية، وكذلك رأى برنارد لويس الذي يقول أنه لا يمكن الجمع بين الإسلام والديمقراطية الليبرالية. وبهذا تختتم ميلر مع لويس أن الدكتاتورية هي حال الإسلام وأن الإسلام السياسي يضع الغرب أمام معضلة. فعندما يتحدث الليبراليون عن الحاجة إلى التنوع مع التساوي، يعتبرها الإسلاميون ضعفاً. فالليبرالية لا تعلم معتنقيها القدرة على المحاربة. فالحاجة إذاً هي إلى أمور متناقضة، أي ليبرالية متشددة(15).
ومن حسن الحظ، لا يفكر كل المفكرين وواضعي السياسة والديبلوماسيين الأميركيين بالطريقة نفسها. يطرح أدوارد دجرجيان، مساعد وزير الخارجية وسفير الولايات المتحدة لدى سوريا وإسرائيل سابقاً، الموضوع بطريقة مختلفة، فيقول إن الإدارة الأميركية لا تنظر إلى الإسلام كالأيديولوجيا المناوئة المستقبلية، إذ أن هذه الفكرة هي نظرة مبسطة لواقع شديد التعقيد. فلم تحلّ مكان الحرب الباردة منافسة جديدة بين الإسلام والغرب. ومن الواضح أن الحروب الصليبية قد ولّت منذ زمن طويل. فأميركا تعترف بالإسلام كأحد الأديان العظمى في العالم، وهو يتواجد في جميع القارات ويعتنقه عدة ملايين من المواطنين الأميركيين. وكغربيين، نُقر بأن الإسلام هو قوة حضارية تاريخية أثّرت بالحضارة الغربية وأغنتها. فالحضارة الإسلامية هي حضارة غنية بعلومها وفنونها وثقافتها والتعايش مع المسيحية واليهودية، إذ أن الاسلام يعترف بالشخصيات الأساسية في التراث المسيحي­اليهودي، كإبراهيـم وموسى والمسيح(16). إلا أن الولايات المتحدة تختلف، بحسب دجرجيان، مع تلك المجموعات التي لا تتقبل التعددية السياسية، والتي تستبدل التواصل مع العالم بالمواجهة السياسية والدينية، فترفض حل الصراع العربي­الإسرائيلي بالوسائل السلمية وتسعى إلى تحقيق أهدافها بالإرهاب(17).
هنالك أيضا مواقف لمختصين في دراسات الشرق الأوسط والعالم الإسلامي يتخطون فيها المواقف الرسمية المعلنة. وكمثال على ذلك، يرى أوغسطس ريتشارد نورتن أنه لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية، إذ أن المسلمين أنفسهم يطالبون بتطبيق الديمقراطية في أنظمتهم السياسية، وهو يرى أن التطبيق الفعلي للديمقراطية، لا التشكيك بقدرة الأنظمة على تحمل مشاركة الإسلاميين في العمل السياسي الفعلي، هو المدخل إلى التطور الديمقراطي في العالم الإسلامي. فالإسلاميون قادرون على العمل ضمن القواعد الموضوعة للمشاركة السياسية(18). إلا أن إستبعادهم عن هذه المشاركة سيدفعهم إلى رفع شعارات متشددة. ومن هنا يجد أن هثمة ضرورة يجب على الأنظمة تطبيقها، وهي إيجاد الطرق الآيلة إلى المشاركة الشعبية. كما يتوجب على الغـرب دفع الأنظمة للانفتاح على شعوبها(19).
كما لا يجد وليام زارتمان أي تناقض بالضرورة بين الإسلام السياسي والديمقراطية، إذ أن هناك إمكانية لقيام نظام إسلامي ديمقراطي مع ضوابط دستورية. ويقترح خمس خطوات من أجل تطبيق الديمقراطية، منها، ممارسة الانتخابات الحرة(20). كما يؤكد جون أسبوزيتو وجايمس بيسكتوري أن العملية الديمقراطية والليبرالية في العالم الإسلامي تتطلب، وكما حدث في الغرب، حركة إعادة تأويل النصوص الدينية. فمع أن الإسلام لديه قابلية لعدة تفسيرات أو تأويلات، إلا أن العديد من المسلمين بدأوا فعلاً عملية التوفيق بين الديمقراطية والليبرالية(21).
يدل هذا على بروز تيار إسلامي أصولي يعمد إلى إستيعاب مفاهيم الديمقراطية والليبرالية والنظام الاقتصادي الحر، مما يدل على بداية عقلية إسلامية إستيعابية في الإسلام السياسي ؛ كما أنها تدل على وجود مجموعة مهمة جداً من المفكرين والسياسيين الغربيين الذين يرفضون حتى شرعية أسلمة الديمقراطية والليبرالية، ويصرون، في نفس الوقت، على الإستيلاء على الأسواق الإسلامية والمواد الخام للعالم الإسلامي بحجة الأمن القومي أو صراع الحضارات.
أن التيار الذي يقف ضد صعود التيار الإسلامي عبر الديمقراطية لأنه يعتقد أن للأصولية طبيعة استبدادية، هو نفس التيار الذي يدعم الأنظمة الاستبدادية التي تقوم على رفض الديمقراطية، وهذا ما يظهر تناقض تلك الرؤية الغربية التي لا تريد تياراً إسلامياً يُفتَرض أن يكون استبدادياً، خوفاً من إزالة أنظمة أثبتت التجربة أنها إستبدادية. وهذا يدل على وجود تيار غربي قوي لديه منطق مغلوط تجاه الفكر الإسلامي. ويبدو حتى الآن أن القوى الإقليمية والدولية لديها مصلحة معينة في منع الإسلاميين من الحصول على أي دور مشروع في السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
كما أضاف انهيار الاتحاد السوفياتي إلى أهمية تطبيق الديمقراطية وتقبل التعددية وتبني حقوق الإنسان. لذا، يرى مفكرون علمانيون وإسلاميون، وبصورة مشابهة، إن أسباب الظروف الصعبة والمرضيّة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي فقدان الديمقراطية والتعددية. إلا أن العالم الغربي ومعه كثير من الأنظمة العربية تركز فقط على مخاطر الأصولية الإسلامية، دون النظر إلى الطبيعة القمعية للعديد من هذه الأنظمة وإلى غياب الديمقراطية؛ فنرى عنوانين لمقالات محيرة، مثل “هل ستدوم الديمقراطية في مصر؟” و”صراع الحضارات”. وبالرغم من محاولات بعض الأكاديميين الغربيين التعامل مع مشكلات العالم العربي كما يراها العرب والمسلمون، إلا أن الغرب يفضل النظر إلى هذه المشكلات على أنها مشكلات محلية(22). غير أن الحقيقة تشير إلى أن ما يحدث في العالم الإسلامي، ولا سيما في مصر والجزائر وتونس والسودان وأفغانستان وباكستان، قد أنتج سلسلة من المناقشات الفكرية والسياسية، حول إمكانية تناسق الخطابات الإسلامية المعاصرة وخصوصاً مفهوم الدولة الإسلامية، مع الديمقراطية، في النظام العالمي الجديد (المعولم).
إن الظاهرة الإسلامية، أو الصحوة الإسلامية، ليست كلاً إستئصالياً إستبعادياً، لا من حيث التعريف ولا الصورة، كما أنه برغم وجود جماعات متشددة إستئصالية إستبعادية، إلا أنها لا تمثل كل الخطابات الإسلامية، إذ أن الحركات الإسلامية الأساسية والشعبية تتبنى مفاهيم تعددية وديمقراطية، فهي تدعو إلى القبول بالآخر وإلى توسيع دائرة الحريات السياسية. لذلك نقول أن أصول الاستئصال والاستبعاد لم تنشأ من الأصول الدينية الفكرية والكلامية الإسلامية حول الكون، كما أنها لم تنشأ عن تجليات تجريدية صوفية أو علمية. وكذلك، فإن الإستئصال والاستبعاد ليسا حكراً على بعض الحركات الإسلامية فقط، بل يدعو إليهما دعاة النظام العالمي الجديد والقديم وتمارسهما غالبية الأنظمة العلمانية في العالم الإسلامي. إلا أن الملفت للنظر أن الإسلام وحده، وخصوصاً الأصولية الإسلاميــة، أُلصقت به تهمــة الإستئــصال والاستبعــاد دون غــيره من الأديان (وحتى اليهودية) والأيديولوجيــات وجُعلت جزءًا من علم كلام إسلامي وفقه سياسي جديد يقــوم على مفاهيم ميتافيزيقيــة ومبادئ مجـــردة إيمانيـة (استئصالية واستبعادية).
وفي حقيقة الأمر، تشكل الأصولية الإسلامية تعبيراً مطاطياً لمجموعة متفاوتة من الخطابات والأنشطة، تشتمل على درجة عالية من قبول التعددية المعتدلة والديمقراطية الإستيعابية، وكذلك على درجة عالية من التطرف الإرهابي والاستبعاد الإستئصالي، وبالتالي فهي حكم فئة من المسلمين فقط. بالإضافة إلى هذا، هنالك بعض المجموعات الإسلامية التي تتقبل التعددية في العلاقات مع الآخر ومع الأقليات، بينما هناك مجموعات أخرى ترفض التعددية الدينية لكنها تتقبل التعددية السياسية. كما أن هناك خطابات تتقبل الأخذ من الفكر والاقتصاد الغربي، لكن هناك خطابات أخرى ترفض الغرب، جملة وتفصيلاً، وكذلك علومه وتقنياته. والأكثر أهمية من هذا، أن العديد من المفكرين الإسلاميين يدعو إلى تبــني الديمقراطية التعددية على أسس إسلامية، كما أن هنالك آخرون متشددون يدعون إلى نبذ الديمقراطية لأنها نظام سياسي كافر.
ويبدو جلياً أن الخطاب المتشدد كان ردة فعل على الظروف السائدة اقتصاديا واجتماعياً وسياسياً وطريقة تعاطي الأنظمة السياسية مع المسائل الأساسية، كالحرية والعدالة الاجتماعية والدين. إلا أنه لا يمكننا اليوم دراسة هذا الخطاب المتشدد في سياقاته التاريخية فحسب، إذ أنه تحول إلى خطاب ديني أو علم كلام سياسي يجب دراسة أفكاره الأساسية بحد ذاتها.
قامت الصحافة وكتابات علماء الاجتماع والسياسة، من الغربيين والشرقيين بإضفاء نعوت مختلفة في وصف ظاهرة العودة الى الجذور الإسلامية، قال البعض أنها نهضة او أصولية او يقظة او صحوة، وقال آخرون أنها تشدد او تجديد او عودة الى الإسلام. وما اختلاف الوصف هذا إلا نتيجة شمولية الصحوة والى التركيز على أصل من أصولها. اما التركيز المبالغ به على الطابع السياسي للحركة الإسلامية في بعض الحركات الإسلامية، فهو تحوير للمغزى الحقيقي لدور الإسلام الإيماني، وحصر للصحوة الإسلامية في بعض الحركات الإسلامية او حتى بعض من فصائلها. إلا ان الحقيقة أن الصحوة تشمل جميع قطاعات المجتمع وليست محصورة فقط بحركات سياسية محددة.
فقد كان وما يزال وعي الآمة الإسلامية بكينونتها ودورها من التاريخ في صراع دائم مع القوى السياسية المهيمنة من مراحل التاريخ المتعاقبة. هذا الوعي ما هو الا نتيجة تحرير الإسلام للفرد من الأنانية وبالتالي التركيز على مشاكله الذاتية وتحويل مشكلته المادية الى صراع فكري يتمحور حول الهوية. وعند تواجد أفراد مسلمين على هذه الدرجة من الوعي يتحول هذا الصراع من مفهوم نفسي الى وعي اجتماعي وثقافي وسياسي يتبلور من عمليات توليد ردود فعل تتمثل في خطاب سياسي يحدد القيم ويسترجع التراث ويولد حركية ديناميكية منظمة.كل هذا يؤدي الى المشاركة في العمل السياسي وخصوصاً عند الشعور بان التراث والكينونة والصيرورة التاريخية هي في مواجهة شاملة وكاملة مع الخارج او الآخر الذي يحاول طمس الهوية الإسلامية حتى يسهل انقياده.
شهدت الأمة منذ بداية الإسلام حركات نهضوية وثورية وتغيرات، ولاسيما بعد الهزائم العسكرية او الغزو الأجنبي او الشعور بالانحطاط. وقامت قي القرنين التاسع عشر والعشرين حركات إسلامية عديدة، كالوهابية والسنوسية والمهدية. ولا تعود نشأة مثل هذه الحركات في الأساس الى ضغوطات الأوضاع الاقتصادية او اكتشاف النفط، لكن العامل الأهم هو المقومات الروحية والحضارية للإسلام. فالحركات الإسلامية نشأت قبل التنمية النفطية كحركة الأخوان المسلمين.
فالحركة الإسلامية لم تأت من عدم، بل هي خلاصة تراكمات تاريخية وتراثية حرّكتها تحديات فكرية وسياسية وثقافية وعوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية. وهدفت اغلب الحركات الإسلامية، وعلى مرّ العصور، الى تحرير الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي من شوائب الفكر والسلوك والى تحرير الفكر الإسلامي من جموده، والواقع من فساده.
ان العالم في العصر الحديث يحكمه نظام دولي ارتبط في الوعي الإسلامي والعربي بظلم الغرب للمسلمين وتقوية السيطرة اليهودية الصهيونية على العالم ككل وعلى العالم الإسلامي بصورة خاصة (وعد بلفور، معاهدة سايكس بيكو، قيام إسرائيل). يقوم النظام الدولي الجديد بتنمية خصائصه التي تترجم في العالم الإسلامي زيادة في الضعف والتخلف والتجزئة والتبعية عن طريق تجريد العالم الإسلامي من الأسلحة غير التقليدية والقدرات العلمية والتكنولوجية والصناعية، والتحكم بالسياسات التنموية الداخلية عن طريق السيطرة على مصادر المواد الخام عالمياً، واحتكار الأسواق العالمية، وسياسة الفرض والإخضاع والتهديد باستخدام القوة، وإثارة قضايا حقوق الإنسان كسلاح في وجه الدول العربية والإسلامية.
وعلى سبيل المثال، فقد قام العالم “المتحضر” بمحاصرة ليبيا بسبب تفجير طائرتي ركاب أميركية وفرنسية. اما إسقاط إسرائيل عام 1973 لطائرة ليبية مدنية وعلى متنها 111 راكباً، وإسقاط سفينة عسكرية أميركية لطائرة ركاب إيرانية عام 1989 فهذا تمّ التغاضي عنه واعتباره مجرد خطا تقني تمحى آثاره باعتذار رسمي في أحسن الأحوال. لكن عندما تتحول هذه الطائرات الى الجنسية الغربية، فانه يصبح صراعاً حضارياً و”لا يسمح بالسكوت عن مثل هذا العمل البربري”. وقد استغلت قضية الطائرتين من اجل وصم العرب والمسلمين بالإرهاب وبالتخلف وخرق القانون وعدم الأهلية لادارة أمورهم. وعندما يغزو العراق الكويت تقوم الدنيا ولا تقعد، اما عندما تدك منازل المسلمين فوق رؤوسهم ويفتك الصرب بآلاف المسلمين، فان الأمم المتحدة والقوة التي وراءها، تكتفي بالمواقف المنددة الشاجبة، مما أدى حتى بجامعة الأزهر الى اتهام الأمم المتحدة بالتراخي والتهاون في شأن البوسنة والهرسك.
لكن لماذا هذا القتل الوحشي والتهجير القسري؟ الجواب هو ان المسلمين يريدون إنشاء دولة أصولية على نمط الدولة الإيرانية، مستغلين المعدل المرتفع للولادات لديهم لتحقيق غالبية مطلقة تفوق نسبتهم الحالية التي تبلغ حوالي 42 في المئة…. وكذلك الحال مع الفلسسطينين فهم جزء من هذا العالم الذي يقول عنه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو لجماهير الغرب:”يجب ان يكون واضحاً لدى الجميع ان صراع الغرب ضد الإسلام هو محاولة لنشر الحضارة بين البرابرة. وقد ردّ عليه وعلى الصحافة الغربية أيضاً إدوارد دجرجيان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط رداً خجولاً بان الإسلام “لا يتناقض مع القيم الغربية”، وأكد ان الحرب الباردة لم يستبدل بها التنافس بين الإسلام والغرب، لكنه أضاف ان أميركا تختلف “مع أولئك الذين يستبدلون التعاطي البنّاء مع بقية العالم بالمواجهة الدينية والسياسية، والذين لا يشاركوننا التزام حل النزاعات سلمياً، خصوصاً النزاع العربي­ الإسرائيلي، ومع أولئك الذين يسعون الى تحقيق أهدافهم بالقمع والعنف”.
فالنظام الدولي الجديد عند الكثير من الإسلاميين عازم على منع الإسلام من استئناف دوره الحضاري، وهو امتداد للحروب الصليبية والحملات الاستعمارية القديمة التي لا ترمي فقط الى السيطرة على النفط واعادة تقسيم المنطقة العربية، بل الى تدمير الثقافة الإسلامية والهوية العربية أيضاً. فالمواجهة هي مواجهة حضارية­ثقافية بأشكال سياسية لتحطيم الإسلام كنموذج حياة ومجموعة قيم وآليات وقواعد سلوك وأعراف تتناقض مع الليبرالية الغربية. (قارن مثلا ما حدث في قضية سلمان رشدي وآياته الشيطانية وكيف دافع الغرب عنه مع مهاجمة كلود بارو للإسلام).
ويقوم الأعلام الغربي على العموم بتشويه صورة العرب والمسلمين في الوعي العام، فالمسلم هو مخرّب يقاوم وجود إسرائيل الضعيفة ويقاوم الحضارة الغربية ومصالحها الاقتصادية. ويصوَر العربي في الإعلام، ولاسيما في الأفلام والمسلسلات، بأنه فاسق وغادر ومتعطش للدم ومنحلّ جنسياً، وفوق هذا، ما زال راكباً للجمال. وخلال أحداث الحرب الثانية في الخليج، كانت وسائل الأعلام الأميركية تظهر صورة لبعض الجمال في الصحراء كلما تحدثت عن الجزيرة العربية. وكذلك فان ثروة المسلمين تجعل لهم تأثيراً سلبياً وتخلّ في الاقتصاد الأميركي (قضية فيرست اميركان ناشيونال بنك، او بنك الاعتماد والتجارة).
ويريد الغرب تكريس انتصاراته العسكرية وتنكنولوجيته الى انتصارات سياسية وثقافية تلغي الهوية الخاصة للآخر وتؤكد الجوهر الحضاري المتفوّق لحضارة الرجل الأبيض، مما يؤهلها الى تبوء سدة الحاكم والحكم والقاضي الذي تمثل مصلحته الذاتية مصلحة العالم بأسره. لهذا أصر الغرب، مثلا، على محاكمة المتهمين الليبيين في تفجير الطائرة في الغرب، إذ ان العرب وليست ليبيا فقط، متخلفون ولا يعرفون التقاضي العادل. وقد رفضت حكومات أميركا وفرنسا وبريطانيا موقف المؤتمر الإسلامي ومقترحات الجامعة العربية بتشكيل لجنة تحقيق دولية وأصر النظام الدولي الجديد على المحاكمة لانه المرجع الوحيد القادر على البت بهذه الأمور. كذلك أثيرت قضية حقوق الإنسان في سورية من أجل الابتزاز السياسي، بينما كان الفلسطينيون والعديد من الإسلاميين في دول عديدة يتعرضون للتعذيب والاعتقال والتنكيل.
إذاً، ما يحدث اليوم يؤكد الفكرة القائلة بان المجتمع الدولي (او الغربي بتعبير أصح) يستخدم الحق المزدوج للقانون والشرعية الدولية! فالغرب يكيل بمكيالين ويقيس بمقياسين. فالمسيحية البروتستانتية الأصولية تبنّت ضرورة دعم إسرائيل من اجل انتصارها تحقيقاً لنبوءة توراتية. كما دعم العلمانيون الصهيونية، ويحاولون جعل الإسلام البديل الأيديولوجي للخطر الشيوعي. فالإسلام يمتد من شواطئ البحر المتوسط الى الصين ويشمل الدول العربية والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى مما يؤهلها الى إنشاء إمبراطورية إسلامية وامتلاك أسلحة نووية مهددة بذلك السلام في العالم. ولهذا قامت حكومة الولايات المتحدة، بالاشتراك مع حكومة إسرائيل، بإرسال وفود مشتركة من اجل إنشاء اتفاقيات تجارية وصناعية مع الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفياتي المنحل. إلا ان الحركات الإسلامية في حالة تجذّر، تتجاوز تأثيراتها الحدود المألوفة الفاصلة، وتتفاعل وتتأثر ببعضها البعض، فهي، مثلا، تعمّ المغرب العربي ودول آسيا الوسطى وغيرهما من المناطق. وتحاول إسرائيل الاستفادة من هذا عن طريق طرح نفسها كقيمة إستراتيجية وكرأس حربة في محاربة الأصولية الإسلامية التي تهدد المصالح الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل. فهي تساعد الجمهورية الصربية في قتل المسلمين واحتلال أراضيهم ومع جمهوريتي أرمينيا وجورجيا بإثارة مخاوفهما من الجمهوريات ذات الغالبية الإسلامية. وسبق أن أعلن رئيس إسرائيل حاييم هارتزوع في زيارة لأوروبا ان الإسلام هو الخطر القادم.
كذلك، تحاول إسرائيل إظهار أهميتها الاستراتيجية عن طريق تكريس وضعها كمركز متقدم لتخزين الأسلحة التي قد يستعملها الغرب مجدداً في الشرق الأوسط والتي يجب سحبها من أوروبا. وهي كذلك تقوم بدور الحدّ من طموح الدول القومية كسوريا والدول الإسلامية، إذ أنها تمثل نقطة انطلاق الغرب في محاربته للقومية العربية والأصولية الإسلامية. هذا بالمقابل يتطلب غضّ النظر عن الانتفاضة القومية والإسلامية في فلسطين وإنهاء مشكلة الفلسطينيين وكذلك الجولان وجنوب لبنان لصالح إسرائيل.
ولا بد من ذكر ان الصدمات العسكرية بالإضافة الى الحملات التبشيرية هي بداية الاحتكاك والتعامل بين الغرب والمسلمين على نطاق كبير، خصوصاً مع حملة نابوليون على مصر عام 1898، وقد كرّس هذا في فكر المسلمين والعرب تفوق الغرب العسكري ودوره كقوة استعمارية بقوة السلاح من أجل نهب ثروات المنطقة وإزالة مقوماتها الحضارية والصناعية. وتعمقت هذه الصورة في وعي الأمة بعد الحرب العالمية الأولى، وعبر معارك التحرير، وفي إقامة دولة إسرائيل على أرض سلخت من أصحابها الشرعيين، وفي تقسيم العالم الإسلامي واقامة الانتداب والوصاية على هذه الأمم المتخلفة، وآخرها الحملة على ليبيا. وتحاول أميركا وتحالفها الغربي اليوم إزالة البيئة الاستراتيجية النووية وأسلحة الدمار الشامل ووسائل إطلاقها، إذ انه من الجائز ان تتمكن دول عديدة كسوريا وإيران وليبيا والعراق من امتلاك أسلحة دمار شامل، مهددة بذلك المفهوم الأميركي للسلام. ومن هنا، فإنه من غير المسموح به تطوير القدرات الكيماوية وغير التقليدية عند العرب والمسلمين، إذ ان قيام دول غير تقليدية في العالم الثالث، وباستثناء إسرائيل طبعاً، يمثل تحدياً للهيمنة الرأسمالية الغربية ولهيمنة الشمال على الجنوب. فالضغط العسكري من قبل تحالف دول الشمال يهدف الى أحكام السيطرة على الجنوب وقمع الاضطرابات والتمردات والثورات.
يقول نعوم تشومسكي ان النظام الجديد يقوم على السيطرة الاقتصادية الأميركية والسيطرة الفكرية الأحادية الأميركية، عن طريق اعادة هيكلية النظام الإمبريالي السابق بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشيوعي، اي ان ثقافة واحدة ستقوم في مواجهة ثقافات وشعوب العالم الأخرى. هذه الثقافة تولّد أعداءها من الإسلاميين عبر جعلهم من حملة الأسلحة الفتاكة الفكرية والمادية.
اما إسرائيل، وهي العامل الأكثر أهمية في شحن الرأي العام الغربي، لا ضد الأصولية الإسلامية فقط بل من خلالها ضد الإسلام عامة، فانها لا تتورع عن وصف أهميتها الاستراتيجية اليوم، وخصوصاً بعد زوال الخطر الأحمر، على أنها القوة الوحيدة القادرة على وقف الخطر الأخضر. أما مقولة الخطر الإسلامي وإرهابه فهي تتطور تدريجيا على طريقين، هما رغم تناقضهما، يريان في ما يسمى بالإسلام السياسي خطراً كبيراً. فإسرائيل “ذات القيمة الاستراتيجية في الشرق” تجعل نفسها حاملة لواء الحضارة الغربية… أليست هي، كما تدعي، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟ كما ان العديد من الأنظمة العربية تسعّر هذه المشاعر العدائية للإسلام السياسي من اجل ضمان ديمومة أنظمتها.
اما المشكلة الأعمق في الوعي الغربي فهي مساواته للعقلانية برفض الدين الذي يعتبر لا عقلانياً، وكذلك لإخضاع الدين للمعطيات البرغماتية والاجتماعية. إلا ان فصل الدين عن الدولة في السياق الغربي لا ينطبق بالضرورة على العالم الإسلامي. فعلى الرغم من العلمنة الحثيثة التي تعرض لها العالم الإسلامي لقرنين من الزمن ما زال المعسكر العلماني يخوض معارك حادة ضد المعسكر الديني في كل العالم الإسلامي. ويخلص الدكتور اسبوزيتو الى ان الخوف من ثورة إسلامية عالمية غير مبرر ومبالغ فيه، وهو نابع من مبالغة المحللين الغربيين في الجهل بأمور العالم الإسلامي والدعم المطلق لإسرائيل في وسائل الأعلام. ومن هنا يطالب الدكتور اسبوزيتو من الغرب فهم الإسلام والمسلمين من المنظور الصحيح. فالصور النمطية الغربية عن الإسلام نابعة من جهل بالإسلام ومن عدم قدرة على فهم تعددية وحيوية الظاهرة الإسلامية العالمية. فعلى الغرب النظر الى المسلمين على انهم أصحاب قيم متشابهة ويريدون العيش في عالم تسوده العدالة والسلام. اما اعتبار الخطر الإسلامي شامل للعالم فانه يفضي الى رفض للقيم الديمقراطية التي يحاول، من جهة أخرى، ان يقوم بنشرها في باقي العالم. ومن هنا ضرورة ان يقوم الغرب بفهم الآخر واحترام قيمه وتقاليده، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يجب ان تطور الحركات الإسلامية رؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المفصّلة، إذ أن لديها رؤية محددة حول ما لا تريده وترفضه، الا أنها في حاجة الى رؤية إيجابية تحدّد فعلا ما تريده، وخصوصاً في حال وصولها إلى السلطة من خلال الوسائل المشروعة.
اما الغطاء الأخلاقي الذي وظفته الولايات المتحدة في حروبها وسياساتها الخارجية فهو الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والآن محاربة الإرهاب. فقد أوردت كل من الهيرالد تربيون وول ستريت جورنال وكريستشن ساينس مونيتور ان واشنطن لن تقاتل فقط في سبيل مصالحها الاستراتيجية بل أنها ستبادر الى استخدام القوة العسكرية لاعلاء القيم الإنسانية. أضافت ان الحرب بأشكالها العسكرية ستتخذ قدوة أخلاقية عالمية لتحرير الشعوب من الظلم والاستبداد بالإضافة الى الإرهاب. فالتدخل العسكري، كما تجمع التحليلات السياسية في الهيرالد تربيون، منذ 12/12/1992 وحتى اليوم، يصبح أمراً ضرورياً في القارات الخمس دون استثناء. كما شددت الصحيفة على ان هناك فارقاً بين التدخل الأميركي في الصومال، وتلكؤ واشنطن، في ذلك الوقت من تدخل مماثل في البوسنة لإنقاذ المسلمين من جرائم التطهير العرقي، فهناك إبادة جماعية يتعرض لها شعب بأكمله، بينما يتعرض مسلمو البوسنة لجرائم التطهير العرقي بقصد التهجير الجماعي.
فالولايات المتحدة ضد قيام أي هيمنة إقليمية من قبل دولة واحدة أو عدة دول قادرة على الاستيلاء على منابع النفط او تهديدها. وهذا يتطلب منظومة أمنية جديدة تأخذ في الاعتبار وضع إسرائيل. فالعلاقة مع إسرائيل هي علاقة عاطفية واستراتيجية، فللولايات المتحدة، كما تقول الهيرالد تريبيون، أولويتان اثنتان في الشرق الأوسط، أولاهما المصالح الأميركية في المنطقة، وعلى رأسها النفط وثانيتهما، الالتزام الأخلاقي بمساعدة إسرائيل.
ومع ان الخبير والمحلل الأميركي المعروف وليام كوانت، رأى سابقا، انه ليس لكلينتون آراء راسخة قوية حول الشرق الأوسط، إلا انه محاط ببعض المستشارين شديدي الولاء لإسرائيل. كما أن نائب الرئيس في ذلك الوقت آل غور كان من أشد مؤيديها. ولقد أعلن كلينتون وآل غور قبل أنتخابهما، ولاحقًا بوش وتشيني، بأنهما سوف يعترفان بالقدس كعاصمة لإسرائيل. وقد إعترف بوش بهذا بالفعل. ومن المعروف ان آراء العديد من الرؤساء الأميركيين حول مناصرة إسرائيل تنبع من نظرتهم العالمية، كأعضاء في جماعة “حلقة معمدانيي الإنجيل”. وعلى سبيل المثال، وعد كلينتون الآباء الإنجيليين بأنه لن يخذل إسرائيل. وقد عرف عن كلينتون وآل غور في الكونغرس بأنهما إسرائيليان اكثر من الإسرائيليين.
فأكثر مستشاري الرئيس كلينتون كانوا من اليهود، ومارتن اندايك، المدير السابق لمعهد سياسة الشرق الأدنى، قد يصبح مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وهو من أبرز المؤيدين لإسرائيل. كما يقوم المعهد بدراسات استراتيجية مؤثرة على الكونغرس والإدارة الأميركية. فسياسة الرئيس الانتخابية أعدتها مجموعة من اليهود: فافشين، مثلاً، هو المستشار العام لحملة كلينتون الانتخابية، وهو في الوقت نفسه الأمين العام لمجموعة الضغط اليهودية. كما ان أحد كبار مستشاري الرئيس، شنفتر، استثنى الشرق الأوسط من التحولات الديمقراطية لان العرب لا تناسبهم الديمقراطية لانها ستعزز أنظمة معادية لإسرائيل. اما تعيين كريستوفر وزيراً للخارجية، وانطوني ليك مستشاراً للأمن القومي، واللذان عملا في وزارة الخارجية، فيعكس رغبة الرئيس كلينتون في استعادة روح كامب ديفيد، وقد قام هذان الاثنان بصياغة سياسة العودة الى حدود عام 1967، إذ ان كلينتون كان يرفض حتى الالتقاء بالعرب الأميركيين بصورة قاطعة في مؤتمر الحزب الديمقراطي في نيويورك.
تتربع الولايات المتحدة في اللحظة الحاضرة، على الأقل، على عرش العالم والأمم المتحدة. وبالتأكيد يرى الأسلاميون ان غزوها للمنطقة ليس من منطق العدالة بل بهدف الحفاظ على المصالح المادية والعسكرية والمؤدية بالتالي الى السيطرة على النظام العالمي. لكن لماذا ينظر الإسلاميون الى الغرب بهذا المنظار؟
يقول الإسلاميون انهم على الرغم من معارضتهم لنظام صدام حسين، فهم يرون في الغزو الأميركي للعراق والآن لأفغانستان سيطرة عملية على المنطقة وليس فقط ردعاً لقوة باغية أو إرهابية. فالإسلاميون، إضافة الى القوميين، ينظرون الى أميركا ومعها إسرائيل كطامحين وكعاملين للهيمنة على المنطقة ومصادرها وشعوبها، واستخدام مواردها للتحكم بالعالم، إضافة الى قهر تطلعات الأمة.
أليس من الصحيح أيضًا ان أميركا بعد انتصارها على العراق في حرب الخليج الثانية لم تعد تطالب بتنفيذ مقررات مجلس الأمن وهي ادعت أنها لن تلزم اية دولة في المنطقة بتطبيق قرارات مجلس الأمن، وخصوصا أنها تتعلق بالعرب وحقهم في استعادة أرضهم؟ هذه إحدى نتائج النظام الدولي الجديد­القديم والذي يرى فيه الأصوليون بنية ظالمة وامتداداً لبنية أقدم. لذا ترى الأصولية المتشددة أن النظام العالمي جاهلي وكافر. ويشهد على هذا ان فلسفته الديمقراطية والاشتراكية والرأسمالية والديكتاتورية أدت الى حروب طاحنة كالحروب العالمية الأولى والثانية والكورية والفيتنامية وآخرها حرب الخليج الثانية ثم أفغانستان. كما انه يستخدم نظام العصبيات العرقية والقبلية والدينية لإثارة المشاغل في داخل الأمة وخارجها. فالنظام العالمي القديم نجح من خلاله الإنكليز في إلغاء اللغة العربية في الصومال، والنظام العالمي الجديد يسمح اليوم بإزالة المسلمين في البوسنة­الهرسك، فمنذ زوال الدولة الإسلامية العالمية، أي الدولة العثمانية عام 1923، مرّت الأمة بأزمات ونكبات جلّها قام لخدمة الغرب (الاشتراكي والرأسمالي). كذلك يرى الأصوليون ان الغرب أفرز وشجع “أدلجة” مفهوم الدولة العلمانية القطرية على حساب الأمة الدينية الجامعة، فكرّس التغريب، وبذر أصول العداء بين الشعوب الإسلامية وضمنها، فتحولت أكثرية الاقليات الى سلاح يستخدمه النظام الدولي القديم الجديد. وما يحدث اليوم في شمال العراق هو نموذج مثالي، وليس استثناء، إذ ان الأمة تخطت عتبة المليار نسمة وممتلكة لمعظم المصادر الحية والخام.
ان التهديد بإثارة النزاعات يشكل، إذاً، سلاحاً يستخدمه النظام القديم الجديد من اجل ضمان مصلحة النظام القديم الجديد، ومن ورائه إسرائيل بالطبع. فمن في المنطقة، ما عدا السعودية وإيران أو سوريا أو تركيا، يستفيد من تقسيم العراق الى دولتين أو ثلاث؟ ألم يستخدم، أو بالأصح، يستغل مبدأ حق تقرير المصير، من اجل إعادة تقسيم العالم الإسلامي الى مناطق نفوذ للقوى الكبرى عندما انهارت الدولة العثمانية؟ أكراد العراق هم نموذج على قدرة الدول الكبرى على تهديد أمن الأنظمة القائمة وزعزعة استقرارها من اجل تليين مراسها وإخضاع قراراتها بما يلائم مصالح النظام الدولي ومن خلاله دولة إسرائيل.
وعلى عكس ما يجري، ترى الحركة الإسلامية أنها جامعة للشعوب الإسلامية تحت راية واحدة، فترى ان الأمة، عبر التاريخ، في صراع دائم مع القوى التي تحاول الهيمنة عليها. وتقوم الحركة الإسلامية في مصر وتونس والجزائر والأردن ودول آسيا الوسطى الإسلامية وفي غيرها بتوحيد الإطار الفكري الجامع للامة عبر مطالبتها بإعادة دور الإسلام الى الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية. فهي ترى أنها صاحبة مشروع قادر على الوقوف في وجه نظام دولي (وبالتالي إقليمي) ارتبط في وعي الأمة بظلم الغرب للمسلمين وتقوية السيطرة اليهودية والصهيونية من خلال وعد بلفور وسايكس بيكو وبناء إسرائيل والمعاهد المصرية­الإسرائيلية والمطالبة ألآن بإنهاء المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل والى أمور عديدة أخرى.فالمطلوب حتى يتحقق الوعد الإسرائيلي، هو زيادة الوهن والتخلف والتجزئة والتبعية، فتجرد الأمة من عقيدتها وتدمر أسلحتها وقدرتها على التصنيع، وتمنع عنها التكنولوجيا. فالعالم المتقدم لا ينسى ان يحاصر ليبيا لأنها متهمة بتفجير طائرة. اما تفجير إسرائيل لطائرة إيرانية وعلى متنها 111 راكباً وإسقاط سفينة عسكرية أميركية لطائرة إيرانية فهما مجرد أخطاء تقنية.
الا ان هذه القاعدة ليست جديدة في تاريخ تفاعل هذه الأمة مع الغرب، إذ ان الصدامات العسكرية كانت هي نقطة بداية تفاعل الأمة مع الغرب مما كرس في الوعي الإسلامي والعربي صدامية الغرب من أجل مصالحه. فالتوسع الاستعماري قوض مستقبل هذه الأمة عن طريق إثارة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الفكرية، للدول الكبرى مما ساهم ويساهم اليوم في امتصاص خيرات الشعوب. وقد أدى، مثلاً، استغلال الموارد الخام، الى تعميق الهوة بين العالم الصناعي والعالم الثالث، وبين الشمال والجنوب، كما انه لم يسمح ولن يسمح لهذه الشعوب بان تستغل موادها الخام او الحصول على التكنولوجيا الكفيلة بنهوضها. فالدول المستعمرة أقامت للدول المستعمرة اقتصاداً وحيد الجانب يقوم على إنتاج وتصدير سلعة واحدة او اكثر من المواد الخام ذات القيمة الزهيدة، وهكذا تحولت البلدان التي كانت خاضعة للاستعمار، الى قواعد للإنتاج، كما تحولت الدول الزراعية الى دول تستعطي المواد الغذائية من اجل توفير حاجاتها الضرورية بعد تحول الأراضي الزراعية الى أراض بور. ومن خلال التاريخ الطويل للنظام الدولي القديم الجديد، يبدو ان التوجه هو الى إحكام السيطرة على الجنوب وقمع الاضطرابات والتمردات والثورات وطبعاً الأرهاب.
لذا ترى الأصولية انه على رغم التقدم العلمي للغرب لا يصلح أخذه كنموذج أخلاقي. ففي تاريخ حكم الغرب، أصبحت القوة هي المبدأ والغلبة هي المثال والأمم المتحدة توهم بان العالم يسعى وراء مصالح البشرية، بينما تشكل الديموقراطية سبيلاً تقنيا لصراع الفرد مع الآخرين، كما أنها (الأصولية) ترفض على العموم كلاً من الرأسمالية المفتقدة للعدل والاشتراكية المفتقرة الى الحرية. وعند الأصولية، ان نقل النماذج الغربية الى العالم الإسلامي سيفضي لإحداث انقطاع عن ماضي الأمة، مع عدم القدرة على تطوير الحاضر. فمن خلال اتاتورك ورضا خان، مثلاً، تمكن الغرب من مهاجمة الإسلام وخدمة الغرب ونماذجه ومؤسساته، فتحولت دولتاهما ­ أيضا على سبيل المثال­ من دول تنتج اللحوم والحبوب الى دول مستوردة. فالتصنيع أزال الزراعة التقليدية في الريف وأدى الى هجرة ضخمة للفلاحين الى المدن وخلق أحزمة فقر في داخل المدن وحولها، كالقاهرة واسطنبول والجزائر، ويعاني هؤلاء النازحون من مشاكل اقتصادية وثقافية وأخلاقية كالبطالة ونقص المساكن وتمزيق الروابط العائلية ومشاكل الهوية.
علاوة على هذا، تلقت القومية العلمانية ضربة قوية في حرب الخليج. وكان لانتصار إسرائيل بعداً معاكساً تبلور في عقدة النقص التي تولدت عند العرب والمسلمين. ورأى العديد من أبناء الأمة ان أراضيهم المقدسة استلبت منهم باسم دين آخر وعقيدة أخرى. ان مواجهة هذا الواقع أصبحت اليوم اكثر صعوبة، إذ ان النظام الدولي الجديد آحادي القطبية يمكّن الولايات المتحدة من إملاء شروطها على أية منطقة ودولة في العالم. فالعالم اليوم يشهد، إضافة الى هيمنة أميركا شبه المطلقة، عملها الدؤوب لخدمة مصالحها المادية وعمقها الأيديولوجي والدفع في اتجاه انهيار الأيديولوجيات الأخرى كالماركسية والاشتراكية وحتى القومية. فالقومية العربية شهدت سقوطاً مروعاً مع حرب الخليج الثانية، وخصوصا من دول الخليج العربي، التي جزّأت العالم العربي والإسلامي الى محاور سياسية واقتصادية. أما السقوط فكان على المستويات الأيديولوجية والسياسية والشعبية في آن واحد.

الصراع العربي – ­الإسرائيلي

في هذا الجو، ما زالت الحركة الاسلامية تطرح نفسها كبديل لان الاسلام دعوة عالمية سياسية وايديولوجيا عالمية غير مرتبطة بالشرق او الغرب، وهي تتمتع بشعبية عارمة تمكنها من ان تتحول الى بديل للقومية العربية العلمانية. ترى الحركة الإسلامية، على سبيل المثال، أن الصراع العربي الإسرائيلي لا يرتبط بالمصالح المادية والسياسية للدول المعنية بهذا الصراع وبمصالح الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية وحسب، بل يتشكل أيضا حول أيديولوجيات دينية لا تنظر الى الصراع العربي الإسرائيلي على انه قابل للحل بالطرق السياسية المعروفة، كالتسويات والاتفاقيات. فموقف الحركة الإسلامية من قضية فلسطين ينطلق من تفسيراتها للنصوص الدينية حول القدس خصوصاً وفلسطين عموما، وكذلك حول العلاقة مع اليهود بالاضافة الى الصهيونية. ان موضوع القدس تحديداً ما يزال يقف عائقا وسيظل كذلك أمام التسوية الشاملة والتطبيع وبالتالي السوق الشرق أوسطية، إذ ان مثل هذه السوق تتطلب التعاون الوثيق والتطبيع وإزالة جميع المشاكل الأساسية العالقة على المستويين الشعبي والرسمي ومسألة القدس وفلسطين، إذ ان إصرار إسرائيل على الطبيعة الدينية لفلسطين وتهويد القدس وجعلها العاصمة الأبدية لإسرائيل لن يزيد المسالة إلا تعقيداً، كما انه سيشكل مرتكزاً المعارضة الأصولية الإسلامية للتسوية والتطبيع.
وكان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي المتحدث باسم المبعدين الى مرج الزهور عام 1993 وأحد مؤسسي “حماس” قد أعلن أن الوفد الفلسطيني الى المفاوضات لا يمثل إلا نفسه. أضاف انه لا جدوى من إضاعة الوقت مع إسرائيل، إذ أنها لن تعطي الفلسطينيين حقوقهم، لذا يجب على المفاوضين عدم الوقوف ضد الشعب(23)، وأعلن ان إسرائيل لن تكتفي بفلسطين بل ستمتد الى كل العالم الإسلامي والى العقيدة الإسلامية. فهدف المفاوضات هو إخضاع المسلمين لاهواء إسرائيل ومصالحها. وطالب الفلسطينيين بالاتحاد ورفض المفاوضات وتصعيد النضال. كما طالب الدول العربية والإسلامية بعدم التسليم او التنازل لإسرائيل عن أي شبر من الأرض ورفض الحكم الذاتي(24)، فالحركة الإسلامية تنظر الى الصراع العربي الإسرائيلي على انه صراع ديني أبدي، والقدس كما قال الشيخ حامد البيطاوي خطيب المسجد الأقصى، شوكة في عنق المحتل، وهي إسلامية وستبقى كذلك وستبقى عاصمة فلسطين(25)، ان أسلمة الصراع مع إسرائيل هو سلاح ذو حدين: فهو أولاً يرفض بالمطلق شرعية الوجود الإسرائيلي ويدعو الى إزالة إسرائيل؛ وفي المقابل يدعو الى إقامة الدولة الإسلامية كطريق للنجاة.
ان تصوير الصراع على انه صراع بين الإسلام واليهودية لا يمنع فقط التوصل الى تسوية دائمة، بل يحمل في طياته زرع بذور إحباط المشاريع المستقبلية بين السلطة وإسرائيل. لذلك فان احتمالات التصعيد بين السلطة والحركات الإسلامية لا حدود لها وخصوصاً بعد فشل سلطة الحكم الذاتي في احتواء الحركات الإسلامية. كما ان ارتباطات حركة حماس وحركة الجهاد مع الحركات الإسلامية خارج فلسطين ستؤدي حتماً الى تنامي الصراع بين الأنظمة والحركات الإسلامية، وهو مما يضعف الأنظمة مع شعوبها وكذلك تجاه إسرائيل. ويمكننا عن طريق تلخيص بعض مواد ميثاق الحركة الإسلامية تجاه إسرائيل معرفة امكانية التطبيع وقيام منظومة إقليمية جديدة. ان حركة المقاومة الإسلامية لا تقبل إلا الإسلام مرشداً ولا تدين بالولاء إلا إلى الله. لذا فان قيام الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين هو واجب شرعاً، إذ ان أرض فلسطين وقف إسلامي لكل أجيال المسلمين حتى يوم القيامة، ولا يجوز شرعاً التنازل عن أي شبر من الأرض، سواء تقبلت الدول العربية ذلك او رفضته. لذا فان مشاريع السلام المعدة للمنظمة تتناقض والعقيدة الإسلامية(26).
كما ان حركة الجهاد الإسلامي، وكما جاء على لسان أحد مؤسسيها فتحي الشقاقي، تدعو الى تفعيل التعبئة الشعبية ضد الاتجاهات الصهيونية داخل السلطة الفلسطينية. كما يرى ان الجهاد يجب ان يوجه الى جميع الأراضي الفلسطينية. فمنظمة الجهاد الإسلامي ترفض شرعية إسرائيل، إذ ليس هناك من إمكانية للتسوية والتنازل او لإرضاء الطرفين، اذاً فعلى اليهود العودة من حيث أتوا(27).
اما حزب الله في لبنان فينطلق من نفس التوجه الأيديولوجي لحماس ولحركة الجهاد الإسلامي وبالطبع للدولة الإسلامية في إيران التي حدد مرشدها آية الله خامنئي موقفه الرافض للتسوية مع إسرائيل، معتبراً ان ما يقوم به الرئيس عرفات هو بيع لفلسطين وغير جائز شرعاً. وقد حذر خامنئي الأنظمة العربية من التوقيع على اتفاقيات سلام مع اسرائيل(28)، اما حزب الله المرتبط استراتيجياً بإيران فانتقد على لسان نائب أمينه العام نعيم قاسم عرفات لتقديمه تنازلات لإسرائيل، لان المفاوضات لن تقود إلا الى تقوية شرعية وجود إسرائيل. لذلك طالب بتصعيد الكفاح المسلح وخصوصاً في الأراضي المحتلة، وبدعم الأمة الإسلامية للقضية الفلسطينية ودعم الانتفاضة(29)، وقد وصف العلامة السيد محمد حسين فضل الله محادثات السلام بغير الشرعية لانها تشرعن الوجود الإسرائيلي، إذ ان مثل هذه الأمور لا بد من استشارة الأمة فيها. ودعا حزب الله بعد مؤتمره العام الثالث الى المقاومة المسلحة كبديل عن المفاوضات، معتبراً إسرائيل كياناً غاصباً لحقوق المسلمين وللاماكن المقدسة، لذا فمقاومته واجب شرعي(30).
ان تطورات السنوات الأخيرة تشير الى ان الصراع قد تطوّر من صراع سياسي الى صراع أديان. وعلى الرغم من تداخل الديني مع السياسي في الصراع منذ بداياته، إلا انه يتحول الآن إلى صيغة اكثر جذرية نحو العداء الأبدي المطلق. ومن تداعيات هذا الوضع ان الإسرائيليين والفلسطينيين يتحولون الى وضع يشبه أوضاع دول المنطقة، إذ ان معظم دول المنطقة تعاني من ضعف في شرعيتها وفي بنيتها، وبالتالي فان العناوين للسنوات القادمة ستكون صراع الأنظمة العربية مع الحركات الأصولية، وإسرائيل مع اصولييها الذين يرفضون بدورهم التنازل عن أي شبر من أراضي إسرائيل، وستدخل المنطقة، او بالأحرى، أنها بدأت في الصراعات الداخلية، وكذلك في صراعات جانبية على الحدود او المياه او النفط.
لكن قيام منظومة إقليمية وحتى في حدها الاقتصادي يفترض وجود أنظمة قادرة على الصمود أمام مطالب شعوبها قبل التهافت على الدخول في أنظمة، سواء منها السياسي أو العسكري أو غيرهما. ان المطالب المضادة داخل الدول العربية، وحتى داخل إسرائيل، ستقود أولاً الى مواجهات داخلية، او على الأقل الى برودة في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، فمصر بعد سلامها لأكثر من عقدين من الزمن، لا تزال غير قادرة على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بسبب الرفض الشعبي. وهذا الرفض هو رفض إسلامي ومسيحي على حد سواء. اما الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة فيبدو انهم، عوضاً عن تطبيع علاقاتهم، يتجهون الى رفض التطبيع. وسيؤدي استمرار العمليات الى قطع هذه الأراضي عن إسرائيل وليس الى تطبيع هذه العلاقات.
وعوضاً عن الوعود الاقتصادية، فان الدول العربية وإسرائيل ستحظى بأصولية اكثر تشدداً وخصوصاً مع تدهور الأوضاع في إسرائيل، مما سيزيد من تفاقم الأزمة الخانقة التي يعاني منها الفلسطينيون، كما ان المساعدات لمصر مرشحة للتناقض، وخصوصاً مع صعود الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. ثم ان عملية السلام لم تستكمل بعد، فسوريا ولبنان ما يزالان خارج التسوية التي قد لا تثمر مع صعود التيار اليميني داخل إسرائيل.

 2) صورة المسلمين عن العالم الغربي وحضارته

الجذور الفكرية للأزمة الراهنة والغرب

من الجدير ذكره، والمؤسف في آن، أن العديد من المفكرين يحددون عوامل النهضة في العالم العربي بعدة قضايا خارجية فرضت قهرًا على العالم الإسلامي، منها على سبيل المثال:1) الحملة الفرنسية على مصر (1798­- 1801)، 2) البعثات العلمية إلى أوروبا، والتي ابتدأ بها محمد علي باشا، ثم استقدام الخبراء والتقنيين الفرنسيين أبتداءً من العام 1820، 3) إنتشار حركة تبشيرية واسعة في البلاد العربية في القرن التاسع عشر، وإنشاء جمعيات عديدة نشطت في ميادين الترجمة وتحديث اللغة العربية، مما كان له الأثر الكبير في نهضة الفكرة القومية. كما كانت هناك حركة أدبية كبيرة في بلاد الشام إقتصرت على نشر الكتب الدينية. (أما محمد علي فقد أراد ترجمة الكتب الأوروبية كوسيلة من وسائل تحديث الدولة). كما نشر الأوروبيون الجمعيات العلمية والأدبية في جميع أرجاء العالم العربي، مثل جمعية الآداب والعلوم (1847)، والجمعية العلمية السورية (1869)، وجمعية شمس البر (1896)، والتي كانت فرعًا لجمعية إتحاد الشبان المسيحيين(31).
إلا أنًّ جمال الدين الأفغاني (1839­- 1897) ومحمد عبده (1849­- 1905) نظرا الى ضرورة دراسة مقومات الحضارة الغربية والعناصر التي يمكن للمسلمين اقتباسها عن أوروبا دون التفريط في العقائد الدينية والحضارة الإسلامية، وطالبا بالتمييز بين الإسلام كدين والإسلام كحضارة. فالسياسة عندهما لها دور مهم في تخلف المسلمين(32). وقد مهد جمال الدين الأفغاني لتيار فكري قطع صعوده لاحقًا التيار القومي العلماني الذي إستلهم الفكر الليبرالي الغربي عامة، وأفكار الثورة الفرنسية خاصة؛ فتتلمذ على الأفغاني ومحمد عبده الذي أصبح محور جيل كامل من الأدباء، أمثال لطفي السيد ومحمد حسنين هيكل وأحمد أمين، الذين تهافتوا على رهن فكرهم بالفكر الغربي وقطعه عن الفكر الإسلامي. لذا ظلت الفكرة النهضوية فكرة مبسطة لم تلامس البنية الأساسية للمجتمع، إذ انها تبنت دون قيد أو شرط خصوصية الفكر الغربي وعممته على العالم العربي والإسلامي. هذا العمل ساهم في تعطيل الثقافة الإسلامية من جهة، وفي تبعية حركات التحرر التي استعملت أدوات السيطرة الغربية نفسها، من جهة أخرى. من هنا تم استبدال القوى الغربية التسلطية وجيوشها بقوى عربية تسلطية، رفعت، مثل القوى الغربية، شعارات الحرية والتنمية والعلم والعلمانية.
فعملية التحدي بين الإسلام والعرب من جهة، والغرب من جهة أخرى، رسمت معالم الفكر النهضوي الذي تطور وسط التجزئة الإقليمية والاجتماعية. لذلك تحولت حركة الإصلاح الإسلامي إلى حركة ربطت الإنحلال السياسي بالإنحلال الديني. وقد شن الأمير شكيب أرسلان حملته المضادة على الغرب ومزاعمه الحضارية والمدنية، فصادر الإستعمار الفرنسي كتبه ومؤلفاته. ولهذا لقّبه السيد محمد رشيد رضا بأمير البيان. أما كتابه “لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم؟” فهو ثورة موجهة ضد عالمي الإسلام والغرب(33). ويرى الأمير أرسلان أن سبب التخلف هو إفتقاد المسلمين للعلم، وهو ما وافقه عليه جمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي. أما الإسلام فهو مدني؛ ولذا، فإن الإيمان العميق بالعقيدة الداعية الى الوحدة والثائرة على الجهل والمناهضة للظلم كان الدافع إلى قيام دولة العرب والمسلمين وتوسعها. أما تخلف وإنحطاط المسلمين فهما نتاج فقدان ذلك الإيمان، و بالتالي، العلم والقوة(34). إن الأمير أرسلان، والذي عايش الهزائم والإنتصارات وعصر الإنحطاط والنهصة، يمثل التيار النهضوي الإسلامي في مواجهة التحدي الغربي. فقد كرس كتاباته لإثبات قدرة الإسلام على النهضة وقدرة العروبة على التصدي. إلا أن هذا التيار لم يتمكن من التحول إلى تيار شعبي سياسي وأجتماعي.
لقد خرج فكر عصر النهضة إذًأ من تقاطع الثقافة الإسلامية التقليدية مع الثقافة الغربية الحديثة، في لحظة سقوط الدولة الإسلامية الجامعة، فتحولت العلاقة مع الغرب إلى سؤال حول عوامل السـقوط. إن ولادة ثقافة عصر النهضة جرت في مرحلة ضعف الأمة العربية والإسلامية؛ فتشوهت الأسئلة، وكذلك الإجابات عنها. وهكذا مثّل التراث إحدى الإشكاليات المطروحة لدى رجال النهضة ومحور حوارات المثقفين، سواء كانوا رجال دين أو ليبراليين أو تقنيين. كانت قراءة عصر النهضة للتراث بالتالي قراءة الإصطدام والمواجهة مع الغرب، وبالتالي كان المثقف خاضعًا للشروط نقسها التي قُرأ فيها التراث. فقد كانت القراءات، على تعدادها، قراءات في رؤية الماضي الحاضر الآن فينا، وواقع الحال المتمزق والمؤلم، والتطلع إلى مستقبل مجهول. لذا يصف تيزيني هذا المشروع النهضوي بالهجين، ويرى حنفي غربته واستلابه، بينما يرى الجابري إنقطاعه عن الواقع. كل هذه الأمور تشير إلى حدة الصدمة مع الغرب، ويمكننا القول أن الموروث الثقافي المحلي وقع حقيقة تحت هيمنة الفكر الثقافي العالمي في مرحلة التوسع الرأسمالي الإستعماري، فخضع له بحجة إستيعابه(35).
هذا القرب مع الغرب ولّد أيديولوجية مقاومة شوهت القدرة على نقد التراث الحي. ومن ثم فأن أهم الصعاب التي يواجهها المثقف الإسلامي تتمثل في إنغلاق آفاقه الفكرية أولاً، واكتشافه الهش للثقافة الغربية البورجوازية، مما ساهم في إختلال توازن الوعي عنده؛ وثانياً، في أزمات حروب التحرر الوطني السياسي؛ وثالثًاً، في النضال ضد التخلف وسط مخاطر أيديولوجية(36).
إلا أن عمق الهزيمة الحضارية مع الغرب أدى الى نشوء وعي مشوّه، لم ينظر إلى الإستبداد بوصفه ركن الإنحطاط، بل إعتبر أن الدين هو سبب هذا الإنحطاط، فولد أزمة هوية لم تتمكن الهوية الوطنية والقومية من تجاوزها. وتحوّل الإستبداد الفكري والسياسي إلى مشروع لنهضة الأمة عبر القومية العلمانية المفروضة من نخب تقطعت وانقطعت عن الفئات الشعبية، فتحول المجتمع إلى مجتمع بطريركي حديث، وظفت فيه الدولة المثقفين من أجل إنتاج أيديولوجيا إستبدادية شعبوية، تبيح تدمير المجتمع الأهلي وقواته وممثليه، وإنتاج مجتمع معولب على طريقة النخب العشائرية والطائفية والعائلية.

إشكالية الغرب في الفكر الإسلامي

نعالج هنا تطور الفكر الإسلامي المعاصر، وعلى الأخص الأصولية الإسلامية، تجاه الغرب عمومًا والذي ينظر إليه من خلال المسيحية واليهودية خصوصا. لقد أصبحت مسألة العلاقة مع الغرب عرضة للإنفجار منذ نشوء الدول القومية المستقلة في الشرق الأوسط. ويحلل هذه القسم رؤية الحركات الإسلامية للغرب عبر رؤيتها للمسيحية الغربية واليهودية. ويركز القســم الأول على السياق الذي تمت من خلاله بلورة توجهات الحركات الإسلامية تجاه الاقليات الدينية التوحيدية. ثــم تظهر هذه الدراسة ماهية المراجعة النظرية للآراء التقليدية الإسلامية. المهم في هذا الموضوع أن العامل الديني هو العنصر الأساسي في تحليل الإسلاميين للعلاقة مع الغرب وفي إيجاد الصور النمطية عنه.
سأبدأ أولاً بعرض مواقف الأصولية الإسلامية المتشددة ومن ثم الأصولية المعتدلة.

أولاً­ الأصولية الإسلامية المتشددة:
يجعل هذا الاتجاه جوهر الإسلام احتجاجاً سلبياً على كل الظواهر غير الإسلامية. وخير من يمثل هذا الاتجاه هو المفكر المعروف سيد قطب الذي يشكّل خطابه حول المسيحية واليهودية الهيكل النـــــظري للمجموعات والحركات الإسلامية المتشددة. يعتقد قطب ان العالم كله يعيش حياة الجاهلية: من إلحاد وعلمانيـة وآلهة مادية، وان القوى التي تحارب الدين الحقيقي حية فاعلة، وهو يرى أن المسلم الذي يشعر بدونيّة روحية هو الشخص الذي ينظر الى الإسلام بفعل ضغوط الظروف السيئة أو بفعل الضعف، كعقيدة فقط وليس كنـظام حياة. ان العلاقات بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات غير الإسلامية تقوم على محاولات التصفية المتبادلة أو على الأقل على الإخضاع. وهو لئن آمن بحق المسيحيين واليهود بان يمارسوا عباداتهم وفقاً لشعائرهـم الخاصة، يعتبر ان على هؤلاء ان يخضعوا للإسلام بوصفه الأساس الوحيد لأي مناخ إيجابي، ويرى قطب أن ذلك يتمثل بدفع الجزية. ولا يمكن إلا أن تكون الشريعة الإسلامية هي الناظم الوحيد لعلاقة الإسلام بالمسيحيــة واليهودية، وأي شريعة أخرى تؤدي بالمجتمع بأسره الى حال من الكفر، وإذا كان ذلك ينطبق على المسلميـن فهو ينطبق أيضاً على اليهود والمسيحيين(37).
ويعرب قطب عن اعتقاده بأن ظروفاً شتى ذاتية وموضوعية أدّت بالمسيحية التقليدية الى الغياب لتحل محلها “مسيحية جديدة” كما يسميها.
إلا إن هذه المسيحية الجديدة لم تستطع، كما يضيف قطب، أن تنأى بأوروبا عن الحياة المادية والوثنية، الأمر الذي أدى الى رد فعل غير طبيعي تمثل بكهنة يقمعون رغبات الإنسان الغريزية والطبيعية وطاقاتــه، خالقين أزمات روحية ولا مبالاة اجتماعية وحضارية. وأخيراً فان أوروبا تمردت على الكنيسة وبشكل خاص على عقائدها وابتعدت عن الدوغماتية باتجاه العقل. لكن العقل ما لبث أن جُعل إلهاً جديداً ينبغي أن يحكم كل مناهل الحياة. ثم أطاحت الوضعية بالعقل في القرن التاسع عشر. وبات يعتقد أن المادة خلقت أفكار الإنسـان الذى هو صنيع الطبيعة ليس إلا، ثم جاء داروين وفرويد وماركس لتوجيه الضربة الأخيرة لأي فهم ديني للحيـاة، إما بالقول إن رغبات الإنسان جميعا هي جنسية بطبيعتها، أو بأن الإنسان أداة اقتصادية للإنتاج وهو المصدر الحقيقي للتاريخ والأفكار(38).
وهكذا فان ابتعاد الغربيين عن الدين يعود بشكل عام الى الكنيسة من جهة والى إساءة استخدامهــا للسلطة ونظرتها الى الإنسان من ناحية أخرى. ولكن الإسلام لم يكن لديه المشكلة التي عانى منها الــغرب سواء في السياسة ام في الأخلاق، ويعود ذلك عند قطب الى كون الإسلام لم يقم منذ البداية بــازدراء حاجات الإنسان ورغباته، ولم يسمح لأي مؤسسة دينية بان تحكم باسم الله، فلم يعزل الحياة عن التفــاعل الاجتماعي(39). ويرى قطب ان البروتستانتية الأولى كانت اكثر قرباً الى الإسلام. فهي كما دعا اليها مارتــن لوثر في القرن الخامس عشر، هاجمت “تعاليم الشيطان” أو تعاليم البابوية والتثليث والكنيسة الكاثوليكيـة، وأنكرت ان يكون البابا هو الذي يمنح الخلاص: ولقد جعل لوثر السيادة العليا للنص “الإنجيل” ودعا الى حرية التأويل وحض على إعطاء الأديان الأولوية على العقل أو الطبيعة. وكذلك جاء كليفن ليعطي كلوثر، ودائما وفقاً لقطب، الإنجيل السيادة المسيحية العليا ولينكر مبدأ التثليث، ولكن ذلك أدى الى أن يصبح الدين مادة جدال وخلاف بين الأوروبيين(40).
وهكذا فانه من المؤكد ان سيد قطب يبني خطابه على فرضية ان الثيولوجيا المسيحية ذات جــذور وثنية. وبرأيه فإن الاعتراض على الكنيسة الكاثوليكية على مرّ التاريخ ربما يعود الى كونها لا تمثل “المسيحية الحقيقية”، أو لا تمثل المسيحية التي أوصى بها الله، ولكنها تمثل تطوراً انسانياً في بعض الحقبات واهدافاً سياسيـة محددة. والصـراع بين الإيمان والعقل هو في الحقيقة صراع بين الفكر الانساني والكاثوليكية في الحياة الأوروبية.
واذا كان كل رسل الله، من نوح الى عيسى، قد جاؤوا بالتوحيد الخالص ومركزية موقع الانسان فـي الكرة الأرضية، إلا ان الاسلام وحده هو الذي بقي نقيا وكما كان في الاصل. والذين لا يتبعون الإســـلام يحملون في نظره آراء دينية غير صحيحة. وهو يأخذ على سبيل المثال جوهر اليهودية او ديانة بني إسرائيل. فهي كالمسيحية مليئة بالملامح الوثنية والقومية. فاذا كانوا قد بلّغوا برسالة التوحيد عندما انزلت عليهم شرعة موسى، إلا انهم أفسدوها باضافة أساطير العهد القديم المماثلة للاساطير اليونانية. وعندما دعا إبراهيم الى التوحيد لم يتبعه سوى عدد قليل من اليهود، وأصرّ الآخرون على عبادة الاصنام ونقضوا مواثيق الله، بل انهم اعتقدوا ان إلههم هو اله قومي وليس إلهاً للجميع، الامر الذي سمح لهم بتبرير استخدام مبادئ أخلاقية تختلف في ما بينها تختلف عن تلك التي يستخدمونها مع الآخرين. والعهد القديم مليء بالاشارات الى إلــه إسرائيل والى تجسيد الله (آدم يختبىء من الله، وحزن الله، وشعوره بالذنب… الخ)(41).
وهكذا فان سيد قطب يستخدم التوحيد الخالص بوصفه المقياس الوحيد لصحة أي دين سماوي؛ وهو على الرغم من اعترافه بالأصول السماوية المسيحية واليهودية، الا انه يساوي بينها في وضعها الحالي، وبيـن الشرك، وهو يعتبر ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي حمى رسالته من الاساطير ومن الفســاد الاقتصادي والسياسي. فالنص الاسلامي، كما يرى قطب، هو بكل تاكيد كلمة الله التي أوصى بها، في حـين ان الديانات الاخرى هي، في احسن حال، ومن دون ادنى شك ايضا، ملتبسة ومن صنع الانسان(42).
وبهذا المعنى، فأن المسلمين مطالبون بتطبيق منهج اسلامي يعيد الانسان الى طبيعته الحقيقية، وذلك عبر عبادة الله وحده وتحريره من كل الديانات والعبادات الاخرى. ففي الاسلام الله هو الحاكم المطلق الوحيد وهو المشرّع المطلق الوحيد ولا يوجد اي مشرّع آخر او اله آخر يحظى بالشرعية. وكل من المسيحييــن واليهود ومعظم المسلمين ايضا قد ارتكبوا الخطيئة الكبرى بخلطهم بين ما أمر به الله، وبين التأويلات الإنسانية، وبقبولهم التشريع من المسؤولين السياسيين والمجالس التمثيلية. فعندما يقوم الكهنة او الحاخامــات، على سبيل المثال، بالتشريع فأنهم ومن اتبعهم انما ينحرفون عن جادة التوحيد.
والاسلام وحده هو الذي لم يعطِ هذا الحق الى مجموعة من البشر، وبالتالي فأنه من المفروض على المسلمين “الحقيقيين” ان يحققوا المنهج الخالص لله على الارض، وذلك بالتزامهم حاكمية الله ورفضهــم للجاهلية البشرية، اذ ان تشريع الانسان لا يمكن ان يكون حيادياً او مطلقاً فهو متاثر بالزمـان والمكان. وبالتالي فأنه ينبغي عدم الالتزام بالمسيحية واليهودية والاسلام غير المستند الى نص، ولا يجوز الالتزام بها او حتى احترامها، بل ينبغي دحضها(43).
وبالتالي فان الجهاد، لدى قطب، هو وسيلة تطهير للنفس، واذا كان الاسلام يتقبل المسيحيــــة واليهودية فهو انما يفعل ذلك تحت مظلته لان هدفه الرئيسي هو وحدة البشرية في ظل مبدأ التوحيد، وهو لذلك لا يعتبر أي نوع من الاختلاف مصدراً للتمايز، سواء كان في اللون أو العرق أو اللغة أو الثروة. بل ان التمايز، وبالتالي الحقوق والواجبات، انما تنبع من نقاوة المبادىء وخضوعها للحكم الرباني ودحضها للوثنية، وبالتالي فان الجهاد بما في ذلك الحرب، هو الوسيلة التي يلجأ اليها المؤمنون لكي يقيموا النظــام العادل والمستقيم، أي الاسلام. والناس مخيّرون في ان يكونوا مسلمين او غير مسلمين. فأذا كان الإسـلام يمنع فرض الايمان بالله، الا ان سيادة النظام الاسلامي وضرورة إقامته أمر لا يقبل الجدل. ذلك ان دار الاسلام هي الارض التي تعتمد الشريعة الاسلامية، سواء كان مواطنوها مسلمين أم غير مسلمين. وبالعكس، فان دار الحرب هي الارض التي لا تعتمد الاسلام قانونا لها سواء، كان مواطنوها مسلمين ام غير مسلمين. الا ان المثير في الامر ان قطب يجوّز عقد معاهدات السلام بين دار الاسلام ودار الحرب، اذا كانت نيّات الاخيرة جيدة وغير عدوانية او خيانية، ولكن اذا لم تكن هذه النيات خالصة،،كما هو حال الغرب، بحســــب قطب، فان الحرب وحدها هي الكفيلة بحسم الصراع بين الطرفين(44).
ولكن كيف يرى قطب “دار الحرب” المعاصرة؟ إذا جمع المرء بين آرائه السياسية حول العالم المسيحي أو الغرب حالياً واليهودية أو إسرائيل حالياً، فانه يمكن أن تتوضّح آفاق العلاقة بين المسلمين من جهـــة والمسيحيين واليهود من جهة أخرى. فالخطاب السياسي لقطب في ما يتعلق بالمسيحيين واليهود اكثر حسمـاً من آرائه الثيولوجية، فهو إذا كان يتقبل وجود المسيحية واليهودية في ظل النظام الإسلامي، إلا انه يؤمن بـأن الإسلام لا يمكن ان يتعايش مع نظام سياسي غير مسلم وخصوصاً في ظل الهيمنة الصهيونية والإمبرياليـة والاستعمارية. وهو يرى ان الاستعمار الغربي قد احتل كل العالم الإسلامي تقريباً فارضاً نفسه عليه. وقــد حاول الاستعمار عبر كل الوسائل ان يقضي على العقيدة الإسلامية من دون ان يتمكن من ذلك. إلا أن العقيـــدة الإسلامية تشهد نهضة متجددة تمهيداً لاستعادة العالم الإسلامي قوته. ذلك أن الكرامة مرتبطة بالإيمان وليس بقوة مادية عظمى، وعلى المسلمين ان يقاوموا ويناضلوا ليتوصلوا الى مثـل التحرير لان الله هو القوة المطلقة. ولقد قاتل العالم الإسلامي بأسره وعمل في سبيل التحرير، ذلك انــه لا يمكن الفصل بين وحدة المسلمين واستقلالهم(45).
إلا ان العالم الإسلامي لا يمكن ان يتخلص من السيطرة الفكرية الغربية من دون ان يتخلص أولا من السيطرة السياسية الغربية. لقد “التهم” الغرب المسلمين فرداً فرداً وحوّل عالمهم الى عدد مــن الدول التابعة، وجعل في كل دولة طابوراً خامساً أو أقلية متحالفة مع الغرب ومصالحه. ولقد مضى الغـــرب الحديث في تدميره للعالم الإسلامي الى حد لم يكن له سابق في التاريخ ولا حتى من قبل التتـــار أو الصليبيين. أضف الى ذلك ان الكتلة الشرقية التي تظاهرت بأنه لا دين لها عملت على تنفيذ الأهــداف الإمبراطورية الروسية. فبينما كان عدد المسلمين خلال الحكم الروسي نحو 42 مليوناً، تقلص فـي خلال ثلاثين سنة من الحكم الماركسي الى 26 مليوناً، وتم القضاء على 16 مليوناً. كذلك فان يوغوسلافيـــا وألبانيا قد شهدتا تطهيراً عرقياً ودينياً لم يسبق لهما مثيل في التاريخ، وبالتالي فان قــطب يرى “ان الروح الصليبية” لا تزال حية وتقف وراء تعامل الغرب في كتلتيه الغربية والشرقية مع العالم الإسلامي. وللبرهنة على ذلك يستشهد بمارشال فرنسي هو الجنرال كاسترو الذى قال لدى دخوله القدس في عام 1941: “نحن أبناء الصليبين، ويمكن لكل من لا يحب حكمنا ان يرحل”. ويرى قطب ان هذه هي روحـية أوروبا والولايات المتحدة والبلدان الشيوعية. ولا يكتفي بذلك بل هو يعود الى عام 1909 لينقل لنا ما قاله منسـق لمؤتمر المبشرين الذي عُقد في جبل الزيتون في القدس:”لقد فشلت جهودنا بشكل مأساوي لانه لم يتحـول الى المسيحية سوى واحد أو اثنين. “ويعتبر قطب انه في مثل هذه الحال يصبح الجهاد أداة ضرورية للدفاع عن العالم الإسلامي ونشر رسالة الله الحقيقية. فهو يرى ان كل الحروب الحديثة إنما خيضت من أجل المصالح القومية والاستـغلال ونهب الثورات الوطنية للشعوب وجعل بلدانها تابعة للغرب وأسواقاً له؛ فالحربان العالميتان هما نتيـجة للإفلاس الروحي للبشرية(46).
فإذا كان الهدف الأول للجهاد هو حماية المسلمين بحيث لا يبتعدون عن الإسلام من طريـق الفكر أو القوة، فان عليهم، وهذا هو الهدف الثاني،ان يمتلكوا حرية الدعوة الى الإسلام. أما الهـــدف الثالث فهــو قيام حكم الله على الأرض والدفاع عنه، وبالتالي فان الإسلام لا يبحث عن سلام بأي ثمن ولكنه يتطلب، إضافة الى ما ذكرنا، تحقيق العدالة، مما يعني ألا يتعاملوا مع طغاة الأرض، سـواء كانوا أفراداً أم جماعات أو طبقات، وألاّ يقبل المسلم من غير المسلم الا واحدة من ثلاث: اعتناق الإسلام أو الجزية أو الحرب(47).
وقد طوّر قطب هذه المفاهيم من زنزانته، وبدأ يطوّر أصولاً انعزالية­استبعادية، فنظر الــى الأديان من منظار عدائي نابع مما سماه بالحملة الصليبية الدولية (الاستعمار والإمبريالية) والصهيونية على العالم الإسلامي، وأشخاص، أمثال مصطفى كمال اتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة. فهولاء برأيه يخدمون مصالح الغرب عبر علمنة العالم الاسلامي، وإنشاء دولة إسرائيل، كما يضيف قطب، قد كشف للعرب حقيقة الغرب؛ فالبريطانيون، على سبيل المثال، وعدوا العرب بإعادة أراضيهم فيما كانوا يعطونها لليهود(48). وكذلك فان الولايات المتحدة خانت العرب بوقوفها مع الصهاينة في الأمم المتحدة في ما يتعلق بإنشاء الدولة اليهودية وبالتحيّز ضد العرب بفعل ما تمارسه من حملات معادية للعـــــرب وموالية لليهود(49).
اما صالح سريّة، الذي ارتبط اسمه في البداية بحزب التحرير، والذي أصبح زعيم تنظيم الفنية العسكريـة، وهي منظمة راديكالية، فقد تأثر أيضاً بقطب. ويمكن ان نرى استبعاديته من خلال تصنيفـه للبشر الى ثلاث فئات فقط: المسلمين والمشركين والمنافقين. فالإسلام ألغى في ما بعد كل الشرائع السابقة واصبح مركز الأيمان
والفكر(50).
وكذلك فإن عبود الزمر، ضابط الاستخبارات السابق وزعيم تنظيم الجهاد وزعيم وأحد مؤسسي جماعة الجهاد الإسلامي، يتبع منطق قطب في التشديد على أهمية الانخراط الإيجابي في المعارضة التامة للدولة والمجتمع. وينبغي ان يركز برنامج العمل الفاعل على رؤية إسلامية قابلة للتطبيق تساعد علــى توحيد الحركات الإسلامية في إطار واحد وتؤدي الى التغاضي عن الاختلافات الفردية والعامة، وهـو يستخدم أحد المصطلحات القطبية السياسية الرئيسية­معالم الطريق­ ليحض الحركة الإسلامية علـــى التركيز على هدفها الرئيسي: الدولة الإسلامية، وهذا يتطلب موقفاً حاسماً من الأنظمة والمجتمعـــات والأديان الجاهلية في علاقتها بكل مناحي الحياة. فهدف الإسلام هو القضاء على الشرك والوثنية بما في ذلك القومية والوطنية والعقائد الدينية غير الصحيحة(51).
ويعتقد محمد عبد السلام فرج، الأمين العام لتنظيم الجهاد، ان السبب الذي جعل الإسلام يفقد موقعه العالمي، يعود الى ان المسلمين لم يعودوا يطبقون الجهاد. فالطغيان على الأرض لن يختفي من دون القوة. واقامة حكم الله على الأرض واجب ديني على المسلمين. وهو يرى أيضا ان دار الإسلام هـي الأرض التي يقوم فيها حكم الشريعة، ودار الكفر هي الأرض التي تحكمها شرائع أخرى. وبالتالي فان ما يسمى ارض المسلمين و ارض المسيحيين يمثلان دار الكفر. والقانون الذي يحكم العالم كله في أيامنا هذه هو قانون الكفر، فالحكام ينشأون على “ الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية” وهم كالتتار الذين اسـتعاروا شرائعهم من اليهودية والمسيحية والإسلام(52).
ثانيا: الأصولية المعتدلة:
يضع خطاب حسن البنّا، مؤسس حركة الأخوان المسلمين وأول مرشد روحي أعلى لها، أسس الآراء الاستيعابية السياسية والثيولوجية الإلهية. وعلى الرغم من ان الخطاب قد استخدم في الماضي والحاضر لإقصاء كل ما هو غير إسلامي، فان البنّا يحوّل هذا الخطاب الى مصدر للتعددية والتسامح، وهو مــا درجت عليه أغلبية الحركات السياسية الأصولية المعتدلة في ما بعد. وعلى الرغم من ان البنّا لم ينف مطلقاً ان حركة الأخوان المسلمين هي حركة تسعى لإحياء الديـن وذات أهداف سياسية وتربوية واقتصادية، الا ان هذا لا يعني انه على الحركة ان تنعزل عن المجتمـع.
وفي السبعينات استخدم السادات الإخوان لكي يزيد من شرعية حكمه على الرغم من انه لم يسمـح لهم بإنشاء حزبهم المستقل. ولكنهم اختلفوا معه حول زيارته للقدس 1977 وما تلاها من اتفاق كامـب دايفيد… وأدى احتجاجهم الى اعتقال المئات من الأخوان؛ إضافة الى أعضاء المجموعات الراديكالية التي تحدثنا عنها. إلا ان الأخوان المسلمين لم يقرّوا رسمياً استخدام العنف أو اللجوء اليه لتحقيــق أي هدف ديني أو سياسي في مصر. ومنذ عام 1984 حاول “الأخوان المسلمون”، في مصر وفي أمكنة أخرى، وحاولـت حركات أخرى مشابهة مثل حركة النهضة في تونس، ان يدخلوا في العملية السياسية، وأخذوا يبنــون مؤسسات مدنية محاولين فتح حوار مع غير المسلمين ومع الغرب. وبما ان الأخوان يعملون فـــي الأردن في إطار حزب سياسي منذ الخمسينات فقد احتلوا مواقع بارزة في الحكومة وفي البرلمـــان.
فلئن كان الإسلام جوهراً تشريعياً أساسياً فأنه لا يمكن حصره أو اشتقاق مضامينه ودلالاته من الظروف التاريخية الماضية وحدها، والأهم من ذلك، ان البنّا حاول ان يظهر ضرورة تعليل الإسلام للحداثـــة والتعامل معها ليس كقانون فحسب بل وكرؤية عالمية أيضا. وعلى القانون والرؤية العالمية ان يتعاملا مع العالم الحقيقي ليس بشكل مجرد انما في إطار سياسي أساساً، وعليهما بالتالي ان يأخذا في الاعتبار التأويلات والأيديولوجيات السياسة والفلسفات والأديان الأخرى. وبما ان الإسلام دين ومجتمـــع ومسجد ودولة في آن، فان عليه ان يتعامل بشكل فاعل مع الدين والعالم عبر تضمّنه لتأويلات تعدديــة جوهرية ومنهجية متنوعة، مع الحفاظ على الوقت نفسه على المبادئ الرئيسية للدين(53).
ويرى البنّا أيضاً ان الإسلام الذي يحارب الاستعمار لا يسعى ان يسيطر على الآخرين لان النــاس مولودون أحراراً. ويدعو الإسلام الى الجهاد للدفاع عن الأمة ولضمانة الانتشار السلمي لرســالة الله. والإسلام يشجع أيضا على التوصل الى حل سلمي لدى توافر النية الطيبة، وكان الرسول قد وافق علـى اتفاقات الصلح وقبل بتحكيم غير المسلمين. ويعتبر البنّا ان الأصل في الحياة هو السلام وليس الـحرب، ولكن المرء قد يضطر للقتال أحيانا كي يدافع عن المصالح الفردية والجماعية، وبالتالي فان الدفاع عـن النفس أو الأمة هو أمر مشروع لكي لا تهدد حياة الناس وممتلكاتهم ودينهم. كذلك يمكن للمســلمين ان يدافعوا عن عقيدتهم في وجه الهجمات الأيديولوجية ويمكنهم ان يقاتلوا الذين ينكثون بعهودهم ومواثيقهم. وكذلك يمكن للمسلمين ان يشنوا الحرب للدفاع عن المظلومين أو المقموعين أينما كانوا. وما عـدا ذلك فان الإسلام يحرّم الحرب سواء من اجل المصالح القومية أو المواد الأولية(54).
ومن الناحية الأخرى، فان الإسلام يدعو الى احترام العقود والاتفاقات والمواثيق، والجزية هي ضريبــة تجمع من أهل الكتاب لقاء الخدمات التي توفرها الدولة لهم ولقاء حمايتهم والدفاع عنهم، وكانت تجبى مــن البلدان التي تخسر الحرب لان المسلمين اصبحوا هم المسؤولين عن أمور دولتهم، والإسلام في هذا المنحى مماثل للمسيحية واليهودية اللتين لا ترفضان الجهاد والحرب(55). فالإسلام يقر بوحدة البشر، وأنهم جميعاً أبناء آدم وبالتالي فان التقوى وحدها هي التي تميز فردا أو مجموعة عن الآخرين. فالقرآن الكريم يتوجه الى كل البشر بشكل متساو ويؤكد على الأصل الإلهي للأديـان. فالله هو الذي أوحى بالكتب السماوية، والمؤمنون بهذه الكتب سوف يصلون الى الخلاص أينما كانــوا. وبالتالي فانه ينبغي ألاّ يقاتل الناس بعضهم بعضاً باسم الله ويجب ان يتوحدوا بالدين. وعلى المسلم ألاّ يؤمن بالقرآن فحسب بل بالكتب السماوية الأخرى وبكل الأنبياء من دون تمييز. ان أسس تعاليم موسـى وعيسى ومحمد هي التعاليم الإبراهيمية، والتوراة والعهد القديم والإنجيل هي كتب مقدسة(56).
وبنو إسرائيل هم أمة موسى والمسيحيون هم اتباع المسيح. وهكذا، فان العلاقة بين الأديان الثلاثة يجب ان ترتكز على معتقداتهم ومصالحهم المشتركة، وخصوصاً عندما لا يكون هناك من يستقوي على الآخرين ويحتل أراضيه. والمطلوب من المسلمين ان يستخدموا الحكمـة والموعظة الحسنة مع أهل الكتاب نظراً لوحدة الرسالة. فالإسلام لا يريد ان يخلق العداوات مع المؤمنين، سواء أكانوا مسيحيين ام يهوداً. ويضيف البنّا ان الإسلام قد أعطى كل الناس حقوقاً روحية، إضافة الــى الحقوق السياسية الأخرى(57).
ولكن النزاع مع الحضارات الغربية ليس ذا طبيعة دينية بل سياسية، فالغرب لا يحارب الشـرق لانه مسلم، فلقد خاض الغرب حروباً داخلية اشد وأقسى من حروبه مع المسلمين، وهو يساند الصهيونية اليهودية لأنها تخدم مصالحه الاستعمارية. ولكنه في الحقيقة يكرهها، ولقد ارتكب جرائم القتل في حـق اليهود. وإذا أردنا تبسيط الأمر لقلنا ان الغرب يريد ان يسيطر على الشرق سياسيا واقتصاديا. فالغـرب المادي يريد ان يسيطر على المواد الأولية وان يضطهد باقي العالم بعد أن اخذ القيادة من تعاليم موسـى وعيسى ومحمد. فالغرب الآن ظالم وقمعي وبلا هدف(58).
وفي السياق نفسه يرى عمر التلمساني المرشد السابق للإخوان المسلمين في مصر، انه إذا كان تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر ضرورياً فانه لا ينظر الى الأقليات والى الغرب بوصفهما أعداء. اما بالنسبة الى اليهود والمسيحيين المقيمين خارج العالم الإسلامي فهو يعتقد ان الإسلام يقيم العلاقات الدولية على قاعدة النيات الحسنة والعدالة، واليهود مشمولون في هذا الإطار الا ان النزاع مع الإسرائيليين هـو نزاع سياسي، وطالما لم يؤذوا المسلمين فمن الممكن ان يقيم المسلمون معهم علاقات طبيعية ووديــة، ولكن اليهود طردوا الفلسطينيين وهم أعداء السلام ويسيطرون على بعض الأمكنة الإسلامية المقدســة، وبالتالي فهم في موقع المعتدي. ولكن الاقليات في العالم الإسلامي تملك الحق في ان تدير حياتها بحسب قوانينها الخاصة(59).
ويسمح بأكل ذبائحهم ويبيح الزواج من نسائهم، الأمر الذي يعني اختلاط المسلمين وغير المسلمين، وهو ما يؤدي الى جعل النساء غير المسلمات ربات بيوت مسلمة. وينطبق ذلك أيضـا على اليهود والمسيحيين الذين لا يقيمون في الأراضي
الإسلامية(60).
من الناحية الأخرى، يعطي القرضاوي أمثلة تاريخية على عدم تسامح الآخرين مع المسلميـــن. ويطلب من القارئ ان يدرس ما فعل المسلمون عندما غزوا أسبانيا وماذا فعل المسيحيون عندما تغلبوا علـى المسلمين بعد ذلك ب 800 سنة. وهو يناقش أيضا الحملات الصليبية ونتائجها مشبهاً إياها بالثورة الشيوعية في روسيا والنازية في أسبانيا. ويتعرض المسلمون في أثيوبيا وروسيا ويوغسلافيا والصين وبلدان أخـرى اليوم للقمع والقتل. بل ان تاريخ المسيحية يشهد بعدم تسامح المسيحيين مع بعضهم بعضاً،الأمر الذي أدّى الى الكثير من الحروب والجرائم. ويهدف القرضاوي من عرضه هذا الى القول بان المسيحية تاريخياً أقل تسامحاً من الإسلام، وان التهم الموجهة ضد الإسلام هي التهم نفسها التي يمكن توجيهها للمسيحية والغرب، فالإسلام يتسامـح مع الأديان الأخرى في حين ان الآخرين لا يتسامحون مع الإسلام(61).
ويدعو القرضاوي الحركات الإسلامية الى ان توسع نطاق خطابها بحيث يشمل الآخرين وخصوصاً الخصوم الفكريين والسياسيين. فهو يعتقد ان الوقت قد حان لتدخل هذه الحركات في الحوار مع المجتمع، بما في ذلك الخصوم والأعداء، وينبغي ان يكون الغرب أيضا طرفا في هذا الحوار، وذلك بغضّ النظر عــن الخلافات الدينية القائمة. فالغرب هو في موقع المسيطر ويحكم العالم الإسلامي، سواء بشكل مباشر ام غيـر مباشر، بل انه من المستحيل بناء “ المدينة الفاضلة” بشكل معزول عن العالم نظراً للتقدم التكنولوجـــي الحاصل. وهكذا فانه من واجب المسلمين ان ينفتحوا على الغرب ليوضحوا الرسالة الحقيقية للحركـــات الإسلامية. ذلك ان الغرب ينظر الى المسلمين من المنظار الذي طوره الصليبيون، وذلك إضافة الى دعمــه لإسرائيل واضطهاده المسلمين في فرنسا والسودان والفيليبين، على سبيل المثال. حتى ان تركيا التي اتبعـت خطى المسيحيين لم يسمح لها بالانضمام الى السوق الأوروبية المشتركة، لان سكانها هم من المسلمين. الا ان هـذا لا يعني، بالنسبة الى القرضاوي، بأنه على المسلمين ألاّ يحاولوا شرح قضاياهم بل وأن يبنوا أيضاً علاقات جيدة مع الغرب او بين الحضارات، فالبشرية ملزمة بالعيش معاً وبالتالي فهي ملزمة بالتعاون والتعايش(62).
وفي الختام، يرتبط تشكل الحركات الإسلامية ورؤيتها للعالم الغربي في العصر الحديث بمسائل الهوية والحضارة والاقتصاد والغرب وإسرائيل. ان الأصولية الراديكالية تعتبر ان المشاكل الحقيقية نجمت عن الانقسام الاجتماعي وعـــن الاستغلال الناتج عن الاستعمار والإمبريالية وعملائهما والأقليات، بالاضافة الى العنف السياســـي وعدم شرعية الأنظمة، فهذه الحركات قامت بتحويل خطابها السياسي، وهو ما حصل غالباً في ظروف التعذيب غير الإنسانية، الى ثيولوجيا تطهرية رافضة للسياسة ومسوّغة للعنف، وبالتالي فان كل دين يتحول الـى نظام سياسي، وكل الأنظمة تتنافس في ما بينها سعياً للسيطرة على العالم. وهذا ما يفسر، بحسب الأصولية الراديكالية، لماذا ينهض الإسلام في السياق السياسي، الأمر الذي يعني بالضرورة الصدام بين الأنظمــة وبالتالي الصدام بين الأديان.
والراديكاليون الإسلاميون ينظرون بعين الريبة الى الاقليات، ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل على الصعيد الديني أيضا، وبالتالي فان التسامح والتعايش مع الأديان الأخرى هي كلمات غير موجـودة في قواميسهم. كما وان آراءهم في هذا المجال اكثر راديكالية من الآراء التقليدية التي كانت تتسامح مـع الأديان الأخرى بوصفها ذات اصل ربّاني، على الرغم من إفساد البشر لها. وهم، أي الراديكاليون، قلبوا الآراء التقليدية رأساً على عقب، إذ اعتبروا ان الآيات القرآنية التي تدعو الى التسامح هــــي الاستثناء، في حين ان الآيات القرآنية التي تدعو الى الحرب هي القاعدة. وهم بالتالي يحولون النزاعات السياسية التي حصلت بين الأديان الى نزاعات تيولوجية بين أنظمة سياسية. وهكذا فان الأصل فـــي العلاقة مع المسيحية واليهود والغرب هو النزاع الدائم.
من الناحية الأخرى، فان إتجاه الأصولية المعتدلة ما زال يدعو الى السماح له وللآخريــن بالاشتراك في الحياة السياسية والانضواء في مؤسساتها الرسمية. ولا يزال ينظر الى الانخراط فـــي شؤون المجتمع المدني والى دعوته الى التعددية بوصفها طريق خلاص المجتمع والأديان والأفراد. وان آراء هذا الاتجاه المعتدل الاستيعابي لا تقيم عداوة أبدية وإلهية بين الإسلام ومؤسساته ونظمه، وبين الأديـــان الأخرى، ولا مع الغرب ومؤسساته ونظمه. فما هو غربي يصبح لدى أصحاب هذا الاتجاه إسلامياً بالفعل. وقد بدأ الأصوليون المعتدلون في المزج بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب، كما انه في وسعهم، وفي ظل ظروف معينة، ان يدفعوا في اتجاه التسامح الديني والسياسي المتبادل. فهم يوفــرون حججاً إسلامية لمشاركة الأديان الأخرى وليس للاستبعاد المتبادل، كما يفعل بعض الراديكاليين الدينيـين والعلمانيين في الشرق والغرب. فالنزاع بين الإسلام والأديان الأخرى وبين الغرب والشرق إنما ينظـر اليه على انه أساساً نزاع سياسي واقتصادي وليس نزاعاً دينياً أو ثقافياً. فالإسلام والأديان الأخـــرى الموجودة أيضا في الغرب يملكان أسساً توحيدية مشتركة يمكن ان تشكل قاعدة لبناء تعاون وتعايش ديني متعدد الثقافات.
اما اليهود والمسيحيون الذين يعيشون في المجتمعات الإسلامية فهم يعتبرون جزءاً من الجماعة نفسها، ويتمتعون بحقوق وواجبات سياسية ودينية متماثلة. ذلك ان الفكر الأسلامي المعتدل يجعل من الآيات القرآنـية التي تدعو الى التسامح والتعايش، الأساس الذي تبنى عليه موقفها من الأديان الأخرى. بل انها توســع نطاق التسامح التيولوجي والفقهي التقليدي بحيث يشمل الحقوق السياسية والأحزاب والانتحابيــــات والتمثيل. وبكلمات أخرى، فان المواطنة المتساوية تتحول الى ضرورة لا غنى عنها لقيام دولة إسلامـية حديثة، والتي ينبغي ان توفر لجميع مواطنيها، بصفة كونهم مواطنين، الحقوق والضمانات القانونيــــة والاقتصادية والدينية والسياسة.
إن هذا القرن الواحد والعشرين، هو عصر التكتلات العظمى أو الوحدات الصغرى، كما هو واقع العرب والمسلمين اليوم. وسيكون للتكتلات العظمى دوراً حضارياً كبيراً، اما الوحدات الصغرى فستتحول إلى بؤر صراع ونزاع تزيد من تخلفها. فالتكتلات العظمى تتطلب وحدة حضارية متنورة، لا عقدية ضيقة ومتزمتة، وكذلك وحدة القضايا والمصالح والثروات، والتكامل الاقتصادي، ومصالحة الأنظمة لشعوبها، والقبول بتعدد المصالح وعدم العمل على إلغاء الآخر، وتفعيل المؤسسات القومية (كالجامعة العربية) والإقليمية (كمنظمة الوحدة الأفريقية ومجلس التعاون الخليجي). من الناحية النظرية، فان المسلمين والعرب يقفون على صخرة قوية من التاريخ المشترك والمصالح المشتركة والتحديات المتشابهة والاقتصاد المشترك والأعداء المشتركين. ومن هنا ضرورة وعي الحاجة إلى رؤية استراتيجية كبرى للمسلمين والعرب تأخذ في الحسبان إرادة الشعوب وضرورات الأنظمة والعولمة، وتغيير دور الدولة وبنيتها في النظام الجديد. ومن حيث التاريخ والجغرافيا، فإن المسلمين، وخاصة العرب ، يملكون من الجغرافيا والتاريخ والإرث المشترك والقوة الجامعة، من إسلام وقرآن ولغة عربية، ما يؤهلهم ليكونوا في مصاف الأمم العظمى التي تدخل العولمة وتساهم فيها وتتجاوزها في المستقبل البعيد. والمطلوب اذاً ليس مجرد قراءة جديدة للتاريخ بل نظرة مستقبلية متجددة تقوم خارجياً على إنشاء منظومة إسلامية إقليمية، وداخلياً على المجتمع المدني للتخلص من القوالب التاريخية والسياسية المعولبة والمتعلقة والمتجزئة. هذا يتطلب اذا، وفي المجال الإسلامي والعربي، إعادة النظر في الجغرافيا السياسية.

هوامش
1- النهار، الثلثاء 13 تشرين الثاني 2001
pp. 45-46. ،1992 The Economist Feb، 15 ،
“Fear of Fundie“ -2
3- Abrahams Other Children: Is Islam an Enemy of the West?، Policy review، 50  .  Islam Fondamentalism، a New Red Scare?”
New York Times، Jan. 29، 1992
4-  ، Washington Post، Feb. 6، 1992. “Washingtons Algerian Dilemmas”
5- Washington Post، Jan. 19، 1992.
Washington Post ،“Islam in the Wests Sight: The wrong crusade?” 6-
David Ignatius، March 8، 1992.
7- New York Times، Jan.26، 1992.
8- Washington Post Feb. 28، 1992.

9- Timothy Sisk، Islam and Democracy (Washington D.C.: United States Institue Pres، 1992)VII
10- New Perspective Quarterly، 20-37.
11-­ المصدر نفسه، ص3.
12-­ المصدر نفسه، “Media Mongols، ص10.
13-  “The Clash of civilization” p.- Huntington،” Huntington Islamic Confucion Connection  p.149-” p. 22-49 ، Will Democracy Survive
14-­ المصدر نفسه.
15- Judith Miller، The challenge of radical Islam” Foreign Affairs 72، No.2 (1993):43-55
16- New Perspective Quarterly، 10، No.3، 1993، p.49. Bernard Lewis،  One Man، One Vote Islam and Liberal Democracy. Atlantic Monthly، 271(1993):89-98.
17- المصدر تفسه
18- New Perspective،“ Islamic Populism Inclusion Can Deflate” Augustus R. Norton Quarterlym 10، No.3 (1994):50.
أنظر كذلك مقالة غسان سلامة
Foreign affairs،90( spring 1993):22-37. ،“Islam and the West”
19- Dale Eickelaman،” Changing Interpretation of Islamic Movements”،”In Islam and the political economy of meaning edited by William Roff، 13-30 (London: Croom Helm، 1987)
20- Democracy and Islam، Annals of the American William Zartman Academy of Political and Social Sciences، 524 (1992):191.
21- John Esposito and James Piscatori،  Democratisation and Islam، Middle East Journal 45 (1991):427-40.
22- رفعت السعيد: حسن البنا مؤسس حركة الأخوان المسلمين، بيروت ­ دار الطليعة، ط4، 1986، ص 93­-116. أنظر أيضاً:
Ishaq Musa Al-Husseini، MoslemBrethren (Beirut: Khayat’s College Book، 1956)، Richard Michell، The Society of Muslim Brothers، Oxford University Press، 1964)
راجع أيضاً أفكار عمر التلمساني في كتاب رفعت سيد أحمد، النبي المسلّح: الرافضون (لندن: دار رياض الريّس للكتب، 1991، 199-­200.
23- الحياة، 2 شباط 1993، ص2.
24- السفير، 29 أيار 1993، ص7/ السفير 20 آذار 1992، ص9.
25- السفير، 3 آذار 1993، ص7.
26- مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد 13 شتاء 1993.
27- مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد 16 شباط ص59 ­ 67 والسفير 2 آب 1994 ص، 11.
28- مجلة الدراسات الفلسطينية، ص90 الحياة 29 آذار 1992 ص10.
29- السفير، 10 أيار 1993 ص 9 الحياة، 29 آذار 1992 ص10.
30- السفير، 29 نيسان 1993 ص 3.
31- 1981، علي محافظة، الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة (1798-­ 1914)، بيروت: الاهلية للناشر ص23 -­ 34.
32- ماجد فخري، الحركات الفكرية وروادها اللبنانيون في عصر النهضة (1800-­ 1922)، بيروت: دار النهار للناشر، 1992
33- صالح زهر الدين، “نهضوية الامير شكيب ارسلان”، الفكر العربي، ع 39 ­ 40، سنة 6، 1985، صفحة 170- 250.
34- زهر الدين، نهضوية، صفحة 172- 176.
35- عبد الرزاق عيد، ازمة التنوير ص15
36- محمد اركون، تاريخية الفكر الاسلامي (بيروت: مركز الانماء القومي، 1986)، صفحة 136-­ 138
37- سيد قطب، معالم في الطريق (بيروت: دار الشروق، الطبعة السابعة 1980) ص 65
38- المصدر نفسه، ص 60 -­ 64، 54 -­ 57. انظر ايضا حول الكنيسة في الولايات المتحدة ص80 -­ 88 لقطب، خصائص التصور الاسلامي ومقوماته (بيروت: دار الشروق، الطبعة السادسة، 1979) ص 68 -­ 69.
39- قطب، مشكلات الحضارة، ص 178 -­ 181. انظر ايضا قطب، خصائص التصور الاسلامي ومقوماته، ص 34 -­ 39.
40- قطب، خصائص التصور الاسلامي ومقوماته، ص 70 ­ 71 ويعزو قطب تمرد لوثر على الكنيسة وعلى مبادئ اخرى تأثره بالاسلام الذي نقلتت تعاليمه الى الغرب بواسطة الصليبيين واسبانيا.
41- قطب، خصائص التصور الاسلامي ومقوماته، ص28 -­ 33.
42- قطب، خصائص التصور الاسلامي ومقوماته، ص 214 -­ 220.
43- المصدر نفسه ص84 -­ 92.
44- سيد قطب في التاريخ فكرة ومنهج (بيروت: دار الشروق، الطبعة التاسعة، 1991) ص7.
45- سيد قطب، في التاريخ.. فكرة ومنهج، ص7
46- سيد قطب نحو مجتمع اسلامي ( بيروت: دار الشروق الطبعة السادسة 1983) ص 94 -­ 69.
47- سيد قطب نحو مجتمع اسلامي ص94 -­ 96.
48- Ahmad Moussalli، Radical Islamic Fundimentalism: The Ideologial and political Discourse of sayyid Qutb (Bierut، university of Bierut، 1992،)
P.P. 1992 – 24 And passim.
49- Moussalli، Radical Islamic Fundimantalism، P.P. 92 – 30.
50- المصدر نفسه، ص ص 42 -­ 44 -­ 48، ومحفوظ، الذين ظلموا، ص ص 83 -­ 120 –­ 123- 233 -­ 242.
51- عبود الزمر، الوثيقة الثالثة في الرافضون، صص 122 -­ 123.
52- محمد عبد السلام فرج، الفريضة الغائبة، ص ص 127 -­ 131.
53- البنا، مجموعة رسائل الشهيد حسن البنا (بيروت: دار القرآن الكريم، 1984) ص ص 48 و65 ­ 60، البنا، مجموعة، ص ص 14 و162 و 300 و 331 و335، البنا، كلمات خالدة (بيروت: 1972) ص 45.
54- البنا، مجموعة رسائل، ص ص 95 ­ 96 و165 ­ 167 و317 و320 ­ 323 و325 و328.
55- البنا، مجموعة رسائل، ص ص 96 ­ 97 و 161 ­ 163 و167 و169 والبنا رسائل الامام ص 53. البنا نظرة في اصلاح النفس والمجتمع (القاهرة: مكتبة الامام 1969) ص 194 والبنا، منبر الجمعة ص ص 24 ­ 25 و72 و347 والبنا، مجموعة رسائل، ص 137 والبنا، رسائل الامام، ص 53 ­ 55 والبنا، والايمان الشهيد، بيروت، ص 15 ­ 17.
56- البنا، السلام في الاسلام (بيروت: منشورات العصر الحديث) ص 27 -­ 29. وحول الموافقة على التعددية انظر عبد الخير محمود عطا “الحركات الاسلامية وقضية التعددية” المجلة العربية للعلوم السياسية. العدد 796/ ابريل 1992 ص 155 -­ 116. حول اعلان البنا قبوله بالحقوق المتساوية والتعددية، انظر الاسلام والسلام، ص 37 وامكنة اخرى.
57- البنا، مجموعة رسائل، ص308 -­ 310 والبنا، السلام في الاسلام، ص 49 -­ 56
58- المصدر نفسه، ص 63 -­ 74.
59- عمر التلمساني، مقابلة، الرافضون، 199 -­ 202
60- يوسف القرضاوي، غير المسلمين (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1983) ص ص 5 -­ 7
61- المصدر نفسه ص 69 -­ 78
62- محمد سليم العوا، الحياة، 3 آب 1993، ص 19. انظر ايضا العوا، “التعددية من منظور اسلامي” منبر يوسف القرضاوي، اولويات الحركة والحوار، السنة السادسة، العدد العشرون، شتاء 1991 ص134 -­ 136، الاسلامية (بيروت: مؤسسة الرسالة الطبعة 1992، 13) ص 160 -­ 178.
* أستاذ مادة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق