بقلم: محمد نبيل الشيمي
أولاً : في معنى العنف إجمالاً
يعني العنف الفعل المتمثل في الغلظة والخشونة والقوة غير المشروعة بالقدر الذي يمثل فزعاً للإنسان … وهو أيضا كل ممارسة تخلو من الرقة واللين بهدف البطش أو ترويع الآخر والتعدي على حريته … وهناك من يرى أن العنف هو استخدام أساليب ضغط قد تكون معنوية أو مادية أو استخدام القوة (اليد أو اللسان ـ فعلاً وقولاً ) استخداماً غير مشروع ولا يقره القانون للتأثير على الآخرين كما أن هناك أيضاً من يشير إلى العنف إلى أي عمل يتضمن استخداماً للقسر أو الإجبار من جانب الأفراد ضد أفراد آخرين أو من جماعة ضد جماعة أخرى أو من قوى مجتمعية ضد الدولة أو من جانب الدولة ضد رعاياها … والعنف بهذا المفهوم هو مجموعة أفعال تعمل على خلق حالة من القلق وعدم الاستقرار في المجتمع وأن كان العنف يؤدي إلى الاحتقان أحياناً فإن الاحتقان بالضرورة أحد أهم أسبابه .. أنه كل الأفعال التي تنم عن فعل أو تهديد تؤدي إلى مد أذى أو ضرر بالآخر سواء فرداً أو جماعة أو الممتع بأسره .
…. يرى الأستاذ / محمد محفوظ في دراسته “أسباب ظاهرة العنف في العالم العربي “أن العنف كأي ظاهرة مجتمعية بحاجة إلى تعريف دقيق وتحديد علمي ومعرفي لمسبباته وعوامله وموجباته … ومن ثم فإن الوقوف على العوامل التي أفرزت ظاهرة العنف يتطلب التفسير الدقيق لمعنى العنف ويستطرد الكاتب في تحديد الدلاله اللغوية للعنف وكذا الحدود القانونية له .
العنف في معناه اللغوي /
ضد الرفق وعنفوان الشيء أوله وهو في عنفوان شبابه : أي قوته وعنفه تعنيفاً : لامه وعتب عليه مما يعني أن العنف ضد الرأفة متمثلاً في استخدام القوة القولية أو الفعلية ضد شخص آخر .
ويدلل على ذلك من خلال الأحاديث النبوية الشريفة التي تجعل الرفق مقابل العنف : فقال (ص) : إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لايعطي على ما سواه.
فالعنف في اللغة : هو كل قول أو فعل ضد الرأفة والرفق واللين
أما بشأن الحدود القانونية للعنف فيشير إلى أن فقهاء القانون الجنائي وضعوا تعريفاً للعنف في إطار نظريتين تتنازعان المفهوم /
• النظرية التقليدية حيث تأخذ بالقوى المادية بالتركيز على ممارسة القوة الجسدية
• النظرية الحديثة التي لها السيادة في الفقه الجنائي المعاصر ـ فتأخذ بالضغط والإكراه الإرادي دون تركيز على الوسيلة وإنما على نتيجة متمثلة في إجبار إرادة غيره بوسائل معينة على إتيان تصرف معين .
وعلى ضوء ذلك عرف البعض العنف بأنه المس بسلامة الجسم ولو لم يكن جسيماً بل كان صورة تعد وإيذاء في حين يعرفه آخر بأنه تجسيد الطاقة أو القوى المادية في الإضرار المادي بشخص آخر وآخرون يعرفونه بأنه الجرائم التي تستخدم فيها أية وسيلة تتسم بالشدة للاعتداء على شخص الإنسان أو عرضه ولا يتحقق العنف في جرائم الاعتداء على الأموال إلا باستخدام الوسائل المادية والخلاصة عنده أن تعريف العنف في التشريعات الجنائية : هو كل مساس بسلامة جسم المجني عليه ، من شأنه إلحاق الإيذاء به والتعدي عليه .
أما العنف من المنظور الإسلامي فإنه يتحقق باستخدام وسائل مادية تؤثر في جسم المجني عليه مباشرة وتلحق به من الأذى كما يتحقق بالقول وبالتهديد وبالترك وبالمنع متى انتهى إلى الحاق الأذى بجسم المجني عليه .
وفي دراسة أعدها الأستاذ / صلاح الحسن بعنوان رؤية إسلامية أولية في ثقافة التسامح ـ الفصل الثالث ـ العنف .. الدوافع والأسباب ـ موقع المعصومون شبكة الانترنت أن هناك عدة ملاحظات منهجية في بحث ودوافع أسباب العنف .
1. إن العنف ظاهرة مركبة متعددة التغيرات ، ولا يمكن تفسيرها بمتغير أو عامل واحد فقط فالمؤكد أن هناك مجموعة من العوامل تتفاعل بل تتداخل وتترابط وتؤثر بعضها على بعض سلباً أو إيجاباً فيما بينها لتفجر أعمال العنف .
2. إنه يجب التمييز بين الأسباب المباشرة والموقفية التي تفجر أعمال العنف وتلك العوامل غير المباشرة أو الكامنة التي تقف خلفها فالأولى تعتبر بمثابة المناسبات والشرارات ولكنها ليست الأسباب والعوامل البنائية الكامنة التي تولد الظاهرة فقيام حكومة ما برفع أسعار بعض السلع مثلاً يسبب عنفاً جماهيرياً فإنه لا يعد السبب الرئيسي للعنف حيث يرتبط غالباً بوجود أزمة تنموية تتمثل بعض أبعادها الاقتصادية في موجات التضخم والبطالة والعجز في ميزان المدفوعات والديون .
3. إنه على الرغم من تعدد وتداخل العوامل التي تؤدي إلى حدوث ظاهرة العنف إلا أن التأثير النسبي لهذه العوامل ليس واحداً بل يختلف من دولة إلى أخرى طبقاً للاختلافات والتمايزات المرتبطة بالتركيب الاجتماعي والثقافي والبناء السياسي والظروف الاقتصادية .
وفي بعض الحالات يمكن القول بوجود عامل أو عوامل جوهرية أو مركزية تؤدي إلى أعمال العنف بينما يأتي تأثير العوامل الأخرى في مرتبة تالية فعلى سبيل المثال تعتبر ازمة التكامل وتسييسها عاملا محورياً للعنف السياسي في السودان والعراق بينما الأزمة الاقتصادية كانت عاملاً جوهرياً للعنف السياسي في لبنان وتونس في الثمانينات وأضيف أن أحداث الثامن والتاسع عشر من يناير 1977 في مصر كانت نتاج أزمة اقتصادية اتخذ على أسرها عدد من القرارات الاقتصادية ليست في صالح الفقراء فجرت مشاعر العنف والغضب في كل ريوع مصر ووقع فيها قتلى وجرحى وتدمير للمتلكات ولم تهدأ ثائرة الغاضبين إلا بعد الإعلان عن إلغاء القرارات التي فجرت الأزمة في حين أن ما تشهده مصر حالياً من حراك اجتماعي قد تصل إلى مرحلة العنف بكل التأكيد وليدة ظروف اقتصادية خانقة خاصة بالنسبة لذوي الدخول المنخفضة وهم يمثلون أكثر من 85% من إجمالي الشعب المصري وهي أزمة تلازمها حالة انسداد ديموقراطي .
والعنف كظاهرة يختلف حسب طبيعته ومدلولاته والقوى التي تفجر نوازعه فهناك العنف الأسري والعنف ضد المرأة وضد الطفل والعنف العرضي والمنظم والعنف الواعي والعنف اللا واعي … وهناك العنف ضد الشعوب وضد الأقليات وضد الطوائف حتى يبين أبناء الملة الواحدة … وهكذا ومع تعدد صور وأنماط العنف يبقى العنف ظاهرة سلبية في نتائجها قد يدمر ويهدد استقرار المجتمع وقد يؤدي إلى إراقة الدماء .
إن العنف لا يكتفي بأن يبقى أداة مؤقتة تستعمل في ظروف استثنائية خاصة بل يتحول إلى نظام ثقافي عام يستحوذ على الأجزاء المختلفة التي تشكل البنيان التنظيمي وبهذا يصبح العنف سلوكاً دائماً يتغلغل في أعماق النفس البشرية ليبنى كيانه الخاص ويصبح هو الفكرة التي تحرك الإنسان .
من هناك تنشأ مجموعة من الظواهر تعبر عن تكرس العنف وثباته كسلوك ثقافي متجذر كالتطرف والتعصب والاستبداد والتمحور ، الذي ينتهي إلى تقديس الفكره الذاتية وإلغاء الأخر الذي يمثل الرأي الآخر(جريدة الصباح العراقية) .
قد يرى البعض أن العنف ظاهر حديثة لكن من المؤكد أن العنف ارتبط بنشأة الإنسان على الأرض بمعنى أنه قديم قدم البشرية فهو ظاهرة عالمية لا يخلو منها مجتمع ويبقى فقط الفارق بين المجتمعات في اسباب اندلاع العنف ومستواه وقد شهد العالم على امتداد القرون الماضية ظواهر عنف لم تستثن بلداً دون آخر أو شعب دون آخر وتاريخ أوروبا الاستعماري الماضي والحاضر زاخر بكل صور العنف ضد الشعوب الاخرى وأيضاً تاريخ الرجل الأبيض في العالم الجديد زاخر بكل صنوف العنف ضد السكان الأصليين حتى وصلت حدة العنف لدرجة التطهير العرقي وتدمير الممتلكات وتجارة الرقيق وغير ذلك من ممارسات تعد كلها غير اخلاقية وتتنافى مع حقوق الإنسان ولم تستثن المجتمعات الإسلامية من هذه الظاهرة فقد شهدت حلقات عنف بلغت حد الإرهاب فمن لا يسلم بحروب عانى منها المسلمون كموقعة الجمل وموقعة صفين وكربلاء ثم ما حدث للعباسيين من قبل الأمويين ثم ردة فعل العباسيين ضدهم ثم كان الخوارج أول جماعة سياسية معارضة استخدمت أسلوب العنف سبيلاً لتحقيق أرائها خاصة فيما يتعلق بأسلوب الحكم (للمزيد الرجوع إلى دراستنا الفكر السياسي لدى الخوارج ـ الحوار المتمدن) على أنه في ذات السياق يمكن النظر إلى القرامطة على إنها إحدى حركات العنف السياسي .
عود إلى موضوعنا …. العنف السياسي … فما هو العنف السياسي ما دواعه وما تداعياته ؟
يعرف العنف السياسي وفقاً لرؤية جامعة الكويت بأنه /
1. سلوك منحرف يريد أن يؤثر على نتائج العملية السياسية من خلال استخدام أدوات ضغط إكراهية تجعل الطرف الآخر يذعن إلى مطالب فرقائه فهو استخدام فعلي للقوة أو تهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالأشخاص وإتلاف الممتلكات وذلك لتحقيق أهداف سياسية مباشرة أو أهداف اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية لها دلالات وأبعاد سياسية إذن العنف السياسي ليس من العمل السياسي بل هو نتاج عوامل نفسية وعقد متراكمة لأشخاص أن يلعبوا على الاختلافات والمتناقضات الاجتماعية والاقتصادية .
2. وهو الأعمال والممارسات الموجهة من قبل الدولة أو النظام السياسي أو منظمات سياسية ضد الأفراد والمجموعات ، وترتبط موضوعه العنف السياسي ضد الأطفال بالوضع السياسي الذي يحيون في ظله فمن المؤكد أ الأطفال الذين يعيشون تحت ظروف حرب أهلية أو احتلال أو قمع سياسي هم أكثر عرضه من غيرهم لأشكال العنف السياسي الموجه ضدهم.
3. هو الاستعمال المدمر للقوة ضد الأشخاص أو الأشياء والموجه لأحدث تغيرات في سياسة الحكومة او القائمين على أمرها ، وهذا التعريف وإن اقتصر على العنف السياسي الموجه ضد الدولة ألا أنه لم يوضح عنف السياسي وقد أشار دليل اكسفورد السياسي إلى العنف السياسي بأنه استخدام التهديد أو الأذى الجسدي بواسطة مجموعات انغمست في صراعات سياسية داخلية لمعارضة الحكومة مستخدمة الإرهاب السياسي الاغتيال “المظاهرات” “الثورات” “الحروب الأهلية” وبعدها توسع المفهوم ليتضمن استخدام الحكومة العنف ضد مواطنيها والذي عرف بعنف الدولة .
يخلص الدارسون لهذا الموضوع ان العنف السياسي هو استخدام القوة بالتهديد باستخدامها من فرد أو جماعة تعمل أما لصالح السلطة قائمة او ضدها عندما يكون القصد من ذلك العمل على خلق حالة من القلق الشديد لدى مجموعة أكبر من الضحايا وإجبار تلك المجموعة عل الاستجابة للمطالب السياسية لمرتكبي اعمال العنف
وفي دراسة عن ظاهرة العنف السياسي في الجزائر تناولت الدراسة الاتجاهات الرئيسية التي تتناول مفهوم العنف السياسي وقد حددت الدراسة أربعة اتجاهات /
1. العوامل السيكولوجية والنفسية ويرجع أصحاب هذا الاتجاه إلى أن العنف السياسي مرتبط بالحالات الانفعالية الساخطة والملازمة للغضب والقلق والمتمثلة في توقعات وإحباط الناس في محاولته لتحديد أسباب العنف السياسي وتشير الدراسة إلى الربط بين مفهوم الحرمان النسبي وبين ظاهرة العنف السياسي فالحرمان النسبي كما يتركز حول التفاوت المدرك بين توقعات الناس القيمية التي يعتقدون بأنهم يستحقونها على نحو مشروع وبين قدراتهم القيمية التي يعتقدون بأنهم قادرون على تحصيلها او الاحتفاظ بها ، وهذا التفاوت يؤدي إلى فجوة بين التوقعات والواقع بين ما يتوقع المرء ان يحصل عليه وبين ما يحصل عليه فعلاً الأمر الذي يؤدي بلا شك إلى حالة إحباط لدى أعداد كبيرة من الناس نتيجة لفشلها من تحقيق أهدافها وطموحاتها وتضيف الدراسة إلى أن العنف السياسي مرتبط ببعض المتغيرات الاقتصادية التي تحدث في المجتمعات فالعنف السياسي كما يقول يقع بعد حدوث فترة طويلة من الازدهار الاقتصادي ثم يعقبها فترة قصيرة من الانتكاس الحاد وقد استخدم بعض العلماء نظرية الإحباط ـ العنف والتي تنتج عن التناقض بين التوقعات والآمال من ناحية وبين ما يحصلون عليه فعليا من ناحية ثانية فإذا شعر الناس بأن هناك فجوة بين هذين المفهومين زادت احتمالات ظهور العنف السياسي .
ولم تغفل الدراسة ما يسمى مفهوم الإحباط النسقي كعامل أساسي لبروز العنف السياسي وذلك اعتماداً وذلك اعتماداً على نظرية (الإحباط ـ العدوان ) والتي تتضمن أن هناك متطلبات وحاجات اجتماعية متعددة تحتاج إلى إشباع بمعنى أمه كلما كانت الحاجات الاجتماعية تفوق ما يتوفر لإشباعها كلما أدى ذلك إلى إحباط نسقي والذي تصل حدته إلى ظهور العنف السياسي .
2. العوامل السيسيولوجية (الاجتماعية)
ويركز هذا الاتجاه على حالة اختلال في النسق الاجتماعي والسياسي الأمر الذي يحد من قدرة النظام السياسي على الاستجابة للضغوط والمطالب التي تفرضها عليه بيئته الداخلية والخارجية حيث أن حالة عدم توازن النسق تؤدي بالضرورة إلى فشل النظام في مواجهة التغير وعدم قدرته في إعادة التوازن الأمر الذي يؤدي إلى حدوث العنف السياسي نتيجة لاختلال هذا التوازن إذن طبقاً لهذا الاتجاه فإن عدم التناسق بين القيم والبيئة في المجتمع تكون النتيجة هي فشل النسق الاجتماعي مما يؤدي إلى ظهور أزمات اجتماعية ،وهنا يصبح النظام السياسي فاقداً للسلطة وغير قادر على امتلاك القوة في إعادة التوازن الاجتماعي إلى وضعه الطبيعي الأمرالذي يؤدي إلى ظهور مؤشرات العنف السياسي في المجتمع .
3. عوامل الصراع السياسي :-
يرى هذا الاتجاه أن العنف السياسي هو نتاج للصراع الذي يحدث بين السلطة السياسية والجماعات المنظمة التي تنافس السلطة السياسية المحتكرة لوسائل الإكراه (القوة) في المجتمع بمعنى أن ظهور الصراع السياسي في المجتمع يؤدي بالضرورة إلى ظهور مفهوم (السلطة متعددة السيادة) ويقصد بذلك توافر قوى متنافسة في المجتمع مما يؤدي إلى إضعاف دور الحكومة وبروز تكتلات القوى والتي تخلق تحدياً للسلطة القائمة والذي بدوره يؤدي إلى تفكك السلطة السياسية المحتكرة للقوالب يرى هذا الاتجاه أن طبيعة التنظيم الجماعي والتفاعل القائم بين الأنظمة السياسية والقوى المنافسة لها يحدد مدى العنف السياسي في المجتمع .
4- عوامل الصراع الطبقي :-
هذا الاتجاه في تفسير ظاهرة العنف السياسي ينطلق من أفكار ماركسية حيث يركز على أنماط الإنتاج وعلاقات الإنتاج والصراع بين الطبقات كارل ماركس يرى أن نمط الإنتاج للحياة المادية يحدد بشكل عام عملية الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية وأن قوى المجتمع الإنتاجية المادية عند مرحلة محددة من تطورها تصبح في حالة صراع من علاقات الإنتاج القائمة والتي بدورها تتحول إلى قيود للقوى الإنتاجية وعند هذه الحالة تبدأ مرحلة العنف في المجتمع والذي يأخذ شكل صراع بين الطبقات في المجتمع ووفقاً للرؤى الماركسية كما جاء بالدراسة فإن هناك من يرى أن البناء الاقتصادي يسبب نمو علاقات اجتماعية معينة عن هذه الأسباب تتبع تنظيمات طبقية خاصة وفي كل مجتمع ثمة طبقتان رئيسيتان طبقة حاكمة مستغلة وأخرى محكومة مستغلةوأفراد هذه الطبقة الأخيرة يغتربون عن القيم السائدة وطريقة إنتاج الأشياء وهم يشكلون أخيراً جماعة ضخمة يجمعهم معا الوعي الطبقي المشترك وإذا قويت هذه الطبقة المستغلة بما يكفي أطاحت بالطبقة الحاكمة (ظاهرة العنف السياسي في الجزائر ـ دراسة تحليلية مقارنة 76-1998 . )
كيف يبدأ العنف السياسي ؟
يرى الأستاذ / جميل عودة في دراسته العنف السياسي والعمل السلمي
يبدأ العنف السياسي عادة من اروقة السلطة وقصور الرئاسة فالحزب الذي يحكم سواء عن طريق استصدار التشريعات والقوانين التي تصب لمصلحة الحزب وأعضائه أو عن طريق قرار استئصال معارضيه أو مخالفيه الذين يشكلون خطراً على مستقبل وجوده في السلطة ثم أن أعضاء الحزب الحاكم أنفسهم يمارسون من داخل الحزب عنفاً سياسياً ضد بعضهم البعض يمكن أن يسمى بالعنف السياسي الداخلي لتحديد صاحب الرأي ومصدر القرارات .. وقد يبدأ العنف السياسي من أطراف سياسية خارج السلطة تجمع قواها لتأليف معارضة قوية تناهض الحزب الحاكم وتطالب بحقوقها كالمشاركة في السلطة أو الاستحواذ عليها فتتجه الحكومة إلى مقاومة هذه المجاميع السياسية المتمردة بممارسة العنف السياسية المنظم ضدها مثل : حل هذه الأحزاب وحظرها أو تهديد أعضائها أو سجنهم أو قتلهم وايا كان الطرف الفاعل في ممارسة العنف (عنف رسمياً أم غير رسمي أو شعبياً ) فإن اللجوء إلى العنف يعبر عن وجود أزمة في المجتمع ترتبط درجة حدتها بمستوى ممارسة العنف على الصعيدين الكم والكيفي .
ويرى جميل عوده أن الباحثين اختلفوا في تحديد أسباب العنف السياسي حيث خلصت دراسات أكاديمية كثيرة إلى وجود علاقة مطردة بشكل دائم بين عدم المساواة في توزيع الدخل والقهر الاجتماعي وبين العنف السياسي كذلك فإن أعمال العنف التي كانت إما على شكل إضرابات أو تظاهرات أو أحداث شغب التي مارستها قطاعات وشرائح من العمال والطلبة وبعض الجماعات الإسلامية وحتى بعض القوى اليسارية في فترة السبعينات والثمانينات كانت مرتبطة أساساً بقضية العدل الاجتماعي والاحتجاج على الفجوات الاقتصادية والاجتماعية المجحفة والمطالبة بتوزيع الثروات توزيعاً عادلاً ومرجع هذه الأزمة انه كلما ساءت عملية التوزيع العادل للثروات وتضخمت المتناقضات الاجتماعية والاقتصادية ساد إحباط فردي وسخط جماعي يمهد لأحداث سلسلة من بؤر توتر وصراع يهدد بالانفجار متى سنحت الفرصة .
… بينما يعتقد البعض أن أسباب العنف السياسي تكمن في السلوك المنحرف للسياسيين ورغبتهم في الوصول أو الحفاظ على السلطة وهم في سبيل ذلك يسخرون الأسباب الكبيرة والصغيرة ويجمعون المتناقضات الاجتماعية والاقتصادية ، ويرجع ذلك إلى قوة الدوافع السياسية وقدرتها على النمو واستجماع عناصر التواصل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي حيث يمارس العنف السياسي من قبل أشخاص ينتمون إلى أحزاب أو منظمات سياسية أو يعملون على تشكيلها بأنفسهم لهم طموحات في القيادة والإدارة وهم يسعون إلى الوصول إلى أهدافهم بطرق وأدوات متعددة وقد لا يقرقون كثيراً وهم يعيشون نشوة الطموح بين الأدوات الشرعية أو المشروعة والأدوات غير الشرعية أو غير المشروعة فالذي يقرر الأداه المناسبة للتعامل مع الخصوم هو الظرف وحجم العقبة التي تقف في سبيل الهدف .
رأي ثالث يرى أن العنف السياسي سواء كان لسبب اجتماعي أو اقتصادي أو كان بسبب نفساني والرغبة في السيطرة والتحكم فإن العنف السياسي ظاهرة تكاد أن تكون طبيعة في سلم الصراع من أجل الديموقراطية.
الصور الأساسية للعنف .
أولها العنف المؤسسي الذي تعبر عنه ممارسات بعض الحكومات خروجاً عن الدساتير والمواثيق والشرعية التي ارتضتها لنفسها .
وثانيها : المقاومة المسلحة
ثالثها : العنف الهيكلي الذي ينجم عن التفاوت في توزيع الدخول والثروات وفرص الحياة أو هو نتيجة انقسام الطبقي داخل كل مجتمع ( العنف الوافع والاسباب مصدر سبق ذكره) .
وهناك دراسة أخرى ترى أن أشكال وصور العنف السياسي الأكثر شيوعاً وهي/
الاضطراب /
وهو نشاط سياسي عنيف يتميز بمشاركة جماهيرية عريضة وبدرجة منخفضة نسبياً من التنظيم ذو محدودية أو عدم تبلور أهدافه وملامح الاضطراب أحداث الشغب والأخريات والتظاهرات .
التآمر :-
وهو استخدام القسر أو العنف أو الإجبار على نطاق محدود بهدف الظفر بالسلطة السياسية أو تعزيزها وأكثر مظاهر التآمر شيوعاً الاغتيال والإرهاب والانقلاب العسكري .
التمرد :- يقوم به عدد كبير من الأفراد بهدف أحداث قدر من التغيير في النظام السياسي ويرى الباحثون أن هناك اختلافاً بين صور العنف السياسي والثورة فالثورة تتسم بالشمول وعمق التأثير فهي عمل شعبي عنيف ينتهي إلى تحول جذري في بني المجتمع (العنف السياسي ـكلية القانون ـجامعة البصرة) ليس أدل على ذلك في الثورة الفرنسية 1789 والثورة الشيوعية 1917 وثورة 23 يوليو في مصر ثم الثورة التي قادها الإمام الخويني في إيران هذه الثورات غيرت وقضت على نظم ظالمه مستبدة طاغية .
ويرى بربر العبادي في دراسته العنف السياسي بين الإسلاميين والدولة الحديثة في أسباب ظاهرة أن أشكال العنف السياسي هي/
1. العنف الحكومي : وهو العنف الذي يوجهه النظام إلى المواطنين أو إلى جماعات وعناصر معينة وذلك لضمان استمراره وتقليص دور القوى المعارضة والمناوئة له ويمارس النظام العنف من خلال أجهزته القهرية كالجيش والشرطة والمخابرات والقوانين الاستثنائية كقانون الطواريء في مصر على سبيل المثال (رأي الكاتب).
2. العنف الشعبي : وهو العنف الموجه من المواطنين إلى النظام وهناك نوعان من العنف السياسي تمارسهما أجنحة السلطة ضد بعضها البعض أو قوى وجماعات ضد قوى وجماعات منافسة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية .
وعليه يكون تعريف العنف السياسي “بأنه كافة الممارسات التي تتضمن استخداماً فعلياً للقوة أو تهديداً باستخدامها لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بشكل نظام الحكم وتوجهاته الإيديولوجية وبسياساته الاقتصادية والاجتماعية .
ويذكر الكاتب في الدراسة المذكورة نقلاً عن الدكتور حسن حنفي أن /
إن اللجوء إلى العنف كرد فعل على عنف تمارسه الدولة هو نموذج من ممارسة العنف المشروع وهو العنف الذي سماه الدكتور / حسني حنفي بالعنف المحرر الذي يكون رد فعل على العنف القاهر .
وعن لجوء الجماعات السياسية إلى العنف السياسي يرى أن هناك أسباباً ودوافع مختلفة تعود إلى ممارسة العنف ولايمكن بالتالي الاعتماد على عامل واحد أو عنصر دافع بعينه بل أن هناك تداخلاً بين المتبنيات الفكرية واليم والمثل العليا وبين الظروف السياسية والاقتصادية المعاشة وظروف البيئة السياسية المحلية وارتباطها بالبيئة السياسية الخارجية وسوف يتم الإجابة على هذا من وجهة نظري .
ويتساءل الكاتب هل العنف مدان دائماً ؟ … وهو في ذلك يقول/
ليس العنف مرفوضاً على الدوام ، وهذه الحقيقة غير مختلف عليها بين التشريع الديني الإسلامي والتشريع الوضعي فالفقه الإسلامي يبيح اللجوء إلى العنف بشروط لمواجهة الحاكم الظالم ولممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن حقوق الشعب والتشريع والعقيدة الإسلامية أما التشريع الوضعي فإنه لا ينكر حق اللجوء إلى العنف لأن العنف ليس ظاهرة سلبية أو مرضية على الدوام بل في بعض الأحيان يكون ضرورة تاريخية وفي هذا الإطار يمكن فهم التحولات الثورية الكبرى في تاريخ الإنسانية التي لم تكن لتحدث لولا وجود درجه من العنف وهكذا يظل العنف السياسي أحد أساليب بل ربما الإسلوب الوحيد للتغيير السياسي والاجتماعي عندما لا توجد مسالك سلمية وفعالة للتغيير ومن هنا فإن قبول أو رفض العنف السياسي ليس قضية اخلاقية فحسب ولكن يتوقف على الموقف والموقع من النظام السياسي (قد تراه القوى المعارضة للنظام والراغبة في التغيير السياسي والاجتماعي أسلوباً شرعياً لتحقيق التغيرالمنشود وفي مثل هذه الحالات (نظام سياسي مستبد / اختلالات اقتصادية واجتماعية حادة / مستعمر أجنبي) يكون العنف السياسي الشعبي رد فعل لعنف آخر هيكلي أو بنياني ومادي تمارسه السلطه المستبدة.
العنف السياسي بين الشرعية وعدم الشرعية :-
يشير الكاتب بعدم وجود اتفاق في القانون الوضعي على جوار العنف وشرعيته أو عدم جوازه فهناك من يذهب إلى أنه سلوك مخالف للقانون وأنه جريمة سياسية تستوجب المؤاخذة والتجريم والعقاب . هناك من يحدد شرعية العنف السياسي استناداً إلى طبيعة النظم السياسية ففي دول التعددية السياسية يعد العنف الذي يمارسه المواطنون أو فئات معينة استخداماً غير مشروع للقوة لأنه يمثل خرقاً للقانون وتخطياً للمؤسسات التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم .
أما في الأنظمة التسلطية القهرية فإن ممارسة العنف من قبل المواطنين يعد عملاً مشروعاً وشرعياً لعدم وجود قنوات شرعية وفعالة للمشاركة في السلطة أو لتغييرها ويذكر الكاتب أن هناك من يرى معيار الشرعية هو مدى اتساقه مع مشروع سياسي وطني أو تحرري فالعنف يصبح مشروعاً عندما يرتبط بحركة تحرر وطني أو هدف نبيل وصحيح
الكبرى في تاريخ الإنسانية التي لم تكن لتحدث لولا وجود درجة من العنف وهكذا يظل
دواعي العنف السياسي :
يرى أ. محمد محفوظ في دراسته أسباب ظاهرة العنف في العالم العربي (مصدر سبق الإشارة إليه) .
إن ظاهرة العنف في المجال العربي ظاهرة مركبة نشأت عن جملة من العناصر والأسباب التي لا يمكن إرجاعها (الظاهرة )إلى سبب واحد دون سواه ولا يمكن فهم الظاهرة إلا ضمن العوامل التي أدت لظهورها .
نعود للتأكيد على أن العنف السياسي على مستوى العالم كله ظاهرة قديمة مورست من خلال قوى اجتماعية وسياسية تختلف في اتجاهاتها وتتباين في مواقفها فهناك العنف من جانب الأفراد ومن جانب التنظيمات ومن جانب الحكومات وأيضاً من داخل قوى بعينها وفي أطرها التنظيمية … وظاهرة العنف السياسي في نظر البعض ظاهرة خطيرة وذات آثار مدمرة على نسيج المجتمع فهي تهدد الاستقرار والسلام الاجتماعي وتحدث خللاً في التناغم بين أفراد المجتمع أو بين النظم الحاكمة والمعارضة ويلاحظ من أحداث العنف السياسي حدوث فوضى اجتماعية عارمة وتوقف برامج التنمية الاقتصادية وانهيار الاقتصاد وفي حالات كثيرة تقع الحروب الأهلية … وهل يتجاهل أحد ما حدث في لبنان كمثال … خلال الحرب الاهلية التي اندلعت شرارتها عام 1982 ونظراً لما تتمخض عليه نتائج العنف السياسي من تدمير وشلل في مقومات الدولة وانهيار اقتصادي وحالات قمع وانتهاكات لحقوق الإنسان قد تصل إلى حد التطهير العرقي والإبادة الجماعية بعض الأحيان في بعض الدول التي ينطلق فيها العنف السياسي من قاعدة عرقية كل هذا أدى لحدوث خلط بين الإرهاب والعنف السياسي ولا شك أن هناك تداخلاً وتشابهاً كبيراً بين الاثنين إلا أنه يتعين التفرقة بينهما فالإرهاب فعل وعمل يهدف إلى إشاعة مشاعر الخوف والهلع والرعب لدى فرد أو جماعة أو نظام والضغط على الروح المعنوية العامة في المجتمع (بكل فئاته) والأفراد والاستحواذ على ما يمتلكونه وذلك من خلال النتائج التي تنتهي إليها العملية الإرهابية .
… ويتصف الإرهاب باستخدامه أفعال لا تتسم بالرحمة تنبع من إثارة أحاسيس الخوف وعدم الاستقرار والبعض يرى أن الإرهاب يتميز عن العنف بشكل عام بأنه حماية لأشكال معينة من العنف تتسم بدرجة عالية من التنظيم ولا يستغرق تنفيذها وقتاً طويلاً ولا تحتاج إلى أعداد كبيرة من البشر أو المعدات العسكرية والقوات إنجازها (العنف السياسي بين الإسلاميين والدولة الحديثة ـ قراءة في أسباب الظاهرة ـ بربر العبادي ـ قضايا معاصرة) .
وعموماً فإن الإرهاب قد يكون موجهاً ضد الدولة وكل أجهزتها البيروقراطية ـ وقد يكون ضد التنظيمات الحزبية والسياسية وقد يكون ضد المواطنين … وهناك إرهاب الدولة المتمثل في ممارسة القهر والظلم والاستقلاء والإقصاء المتعمد ضد المعارضين لسياساتها .
وبهدف الهيمنة على السلطة والانفراد بها واحتكار العمل السياسي (العنف السياسي بالمغرب ـ الجذور والسباقات ـ رشيد مقتدر) .
أسباب العنف السياسي /
هناك ما يطلق عليه البعض منابع العنف السياسي بمعنى البيئة الاجتماعية التي انبتت العنف وهي ذاتها أسباب العنف السياسي ويمكن أن ترد كل الأسباب إلى أن العنف السياسي هو تعبير ووسيلة تمارس وأداه ضغط تهدف إلى رفض ممارسات السلطة ولذا فإن البعض يرى في العنف رد فعل للدفاع عن الذات ومحاولة لاستعادة الحقوق المضيعة والمصادرة وفي مقدمتها حق المشاركة في السلطة ومنع اغتصابها وتأسيس نظام الدولة على شرعية واضحة تحظى بالإجماع الشعبي .
هناك من قسم أسباب العنف إلى مجموعات كل مجموعة تحمل مجموعة من الأسباب ثم أن هناك من يجمل الأسباب كلها دون تقسيم نوعي على أنه من الملاحظ أن كل ما كتب عن أسباب ظاهرة العنف السياسي يتفق رأياً ويختلف تبويباً … فما هي أهم المنابع أو الأسباب ؟
الاستبداد السياسي :-
أو ما يسمى بالسلطة الشمولية التي تنكر حق الآخر في المشاركة السياسية وترجع كلمة المستبد كما يقول د. إمام عبد الفتاح في كتابه الطاغية .. دراسة فلسفية لصور الاستبداد السياسي صـ52 إلى الكلمة اليونانية (ديسبوتيس) أي رب الأسرة أو سيد المنزل أو السيد علي عبده وقد خرجت هذه الكلمة إلى عالم السياسة لكي نطلق على نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه مماثلة لسلطة الأب على أبنائه في الأسرة أو السيد على عبيده … وفي هذا الصدد يشير أرسطو إلى الإرهاب على أنه ظاهرة مرتبطة بالطغيان الذي تمارسه الملكية المطلقة التي لا تخضع لأي شمولية …
وهنا فإن فعل المفهوم الأبوي في المنزل وعلى مستوى الأسرة يرتبط بحرمان الرعية (القوى السياسية) من حرية التعبير وإبداء الرأي والمشاركة في القضايا التي تهم المجتمع مع ضيق قنوات الحوار وانسداد وسائله في مقابل ممارسة أعمال القمع وتقييد الحريات العامة وعدم الاعتراف بحق الاختلاف مع باقي القوى الاجتماعية وغلق كل منافذ الحوار معها مما يزيد من مشاعر السخط والإحساس بالظلم والاستبداد بطبيعة الحال يعمل على خلق فئات رافضة يمكن أن تكون أحد أدوات العنف السياسي ذلك أن الاستبداد في جوهره يعزل الناس قسراً ويقصيهم عن المشاركة في الشأن العام وهو البذرة التي ينبت منها التطرف وكلما زادت وتيرة الاستبداد سدت مسالك التعبير السلمي عن المطالب فضيق قنوات الحوار وعدم الاعتراف بالتعبير الشرعي يعد أحد أهم الأسباب المحركة للعنف … ويقول الأستاذ / محمد محفوظ في دراسته “أسباب ظاهرة العنف في العالم العربي”
أن انعدام الحياة السياسية الوطنية السليمة وغياب أطر ومؤسسات المشاركة الشعبية في الشأن العام ولد مناخاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً يزيد عن فرص الانفجار الاجتماعي ويساهم في اقناع العديد من أفراد القطاعات الاجتماعية المختلفة بخيار العنف ويرى الكاتب أن الدولة القمعية بتداعياتها ومتوالياتها النفسية والسياسية والاجتماعية هي من الأسباب الرئيسية في إخفاق المجتمعات العرية والإسلامية في مشروعها النهضوي
ويستنتج الكاتب أن أحد أسباب بروز ظاهرة العنف هو غياب حياة سياسية سليمة ومدنية في بلدان العالم العربي … ويرى أن النهج السياسي المعتدل الذي يتعاطى مع الأمور والقضايا المجتمعية بعقلية منفتحة ومتسامحة هو القادر على ضبط نزعات العنف وهو المؤهل لراكمة الفعل السياسي الراشد في المجتمع .
… وترتبط بظاهرة الاستبداد ما يسمى بالتعالي السلطوي ـ والمقصود بهذا ابتعاد النظام الحاكم عن مطالب الشعب وتعاليه ورفض الإنصات لمطالبة أو حتى الالتفات إليها حتى وإن رضخ بعض الشيء فإن كل ما تقدم إليه من رؤى وأفكار ومطالب بضرب بها عرض الحائط وكم عن أفكار قدمتها قوى المعارضة في النظم المتسلطة وكان مآلها صناديق المخلفات … وكم من رأى طرح من جانب المعارضة في البرلمانات العربية ولم يجد طريقة في الطرح ومناقشته وهكذا … وترتبط ظاهرة الاستبداد عادة أيضاً بالطغيان وهذا التعبير كما يراه البستاني أن كل من تولى حكم فاستبد وطغى وتجاوز حدود الاستقامة والعدل تنفيذاً لمآربه فيمن تناوله حكمه أو بلغت سلطته إليه … وإن كان د. إمام يرى أن كلمة طاغية لم تكن تعني بالضرورة في بداية استخدامها حاكما شريراً وكانت الكلمة أساساً تأتي على سبيل المديح أو المجاملة بدأت بعد ذلك تأخذ معنى كريهاً وما زالت تحمله حتى الآن ويبقى الطاغية أو المستبد أحد أسباب ظاهرة العنف السياسي (لمزيد من المعرفة يمكن مراجعة كتاب الطاغية ـ دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي ـ تأليف د.إمام عبد الفتاح ـ عالم المعرفة ) عدد 183 .
وعادة يلجأ المستبدون إلى استخدام بعض من رعاياهم لتبرير سلوكياتهم ويقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستبداد ( إن المستبد يتخذ الممجدين سماسرة لتعزيز الأمة باسم خدمة الدين أو حب الوطن أو تحصيل منافع عامة أو الدفاع عن الاستقلال … والحقيقة في بطلان كل هذه الدعاوي والتي ما هي إلا تخيل وإلهاء الناس وتضليل الأمة).
… ويرتبط عادة بالاستبداد احتكار وسائل الإعلام وكل منافذ التعبير الديموقراطي إلا من قدر ضئيل من صحف المعارضة التي تخضع لسقف إعلامي محدد وعند تجاوزه يتم غلق الصحيفة (إذكر بما كان يفعله السادات مع صحيفة الشعب الناطقة بلسان حزب العمل وصحيفة الأهالي الناطقة بلسان حزب التجمع ) .
… إن الاستبداد من جانب الدولة أو النظم الحاكمة سبب مباشر في خلق ثقافة العنف في المجتمع والدفع بالمواطنين إلى الممارسة الفعلية للعنف والذي يمثل العنف السياسي أحد أشكاله … الاستبداد بخلق مناخاً مسدوداً ديموقراطياً ولا يكون أمام الناس سوى العنف طريقاً للحصول على حقوقهم … ذلك أن حرمان القوى السياسية من حق التعبير السياسي الشرعي … وحق القوى السياسية في الحصول على حقها في تداول السلطة والمشاركة السياسية كل هذا يمثل مناخاً مواتياً للعنف .
والملاحظ في النظم الاستبدادية الحاكمة في العالم العربي ابتداعها ديكورات ليتحمل وجهها فبعض الدول سنت قوانين للأحزاب وعدلت جزئياً قوانين الانتخابات وسمحت بهامش للحريات الصحفية … ولكن أين ذلك بالفعل فالأحزاب مقيدة وأعضاءها مطاردون بالقمع تارة وبالسجن تارة … وقوانين الانتخابات مقيدة ويتم تفصيلها بحيث تعجز باقي القوى السياسية في المجتمع من الوصول إلى السلطة والمنافسة على رئاسة الجمهورية أو الحصول على مقعد في البرلمان … وهكذا ….
ويرى الدكتور / عمرو حمزاوي في دراسته هل دخل التحول الديمقراطي في العالم النفقي المظلم أن هناك نوعين من أنواع نظم الحكم في العالم العربي : الأول هو نظم حكم تسمح بقدر من التعددية بشكل أو بآخر مثل مصر والكويت والمغرب والأردن حيث توجد أحزاب معارضة ومنظمات للمجتمع المدني والثاني نظم حكم فردي تفتقر إلى أي نوع من التعددية المنظمة مثل المملكة السعودية وليبيا وسوريا وفي الحالتين لم تشهد الدول العربية خلال الأعوام الستة الماضية تحركاً يذكر في دينامكيتها السياسية حيث تتحكم أنظمة الحكم العربية في كل مكونات الحياة السياسية حتى النظم البرلمانية منها تخضع لنفوذ الحزب الحاكم كما يمارس الحكام العرب قدراً هائلاً من النفوذ على السلطة القضائية والسلطة التشريعية وهو شكل لم يتغير على مستوى العالم العربي منذ الثمانينات من القرن الماضي .
ويرى الدكتور حمزاوي أنه رغم تنامي الدعوة إلى التحول الديموقراطي في العالم العربي منذ عام 2003 فإن هناك عاملان أسهما في فشل الأخذ بأي إصلاحات ديموقراطية العامل الأول هو الشعور الشعبي بالإحباط وعدم القدرة على التغيير وهو ما أدى إلى انخفاض وتيرة الجدل الشعبي حول ضرورة الإصلاح وانخفاض نسبة المشاركات في الانتخابات إلى ما دون 20% في أغلب الأحوال والعامل الثاني هو تحول الإقبال الشعبي العربي من المشاركة في العمل السياسي إلى الانخراط في حركات الفوران والاحتجاج الاجتماعي والإضرابات للحصول على مكاسب اقتصادية وكلها ممارسات خارج العمل السياسي من أجل الإصلاح كما أن أنظمة الحكم العربية حالت بسيطرتها الكاملة على الحياة السياسية من دخول الحركات الشعبية المحتجة إلى حلبة العمل السياسي التقليدي وهو ما يحمل في طياته خطر التطرف والنزوع لاستخدام العنف .
يرى الأستاذ / علي الطراح في دراسته النشورة بعنوان “دورة المجتمع المدني والعنف السياسي في البلاد العربية” الشرق الأوسط 17/2/2004 .
إن أحد الأسباب المهمة لظهور ظاهرة العنف السياسي هو غياب مجتمع مدني أو عدم فعاليته ويكفي أن ندلل اقتران ظهور هذا المصطلح على الساحة الفكرية والعملية بظهور بوادر فشل الدولة الوطنية في تحقيق مطالب شعوبها وعلى جميع الصعد سياسياً فقدان الشرعية وغياب الديموقراطية والمشاركة السياسية الفعالة والتعددية السياسية : الخ التي أدت في النهاية إلى توفير الأرضية الخصبة التي يترعرع فيها العنف السياسي ويستشهد بذلك بالمفكر المغربي “عبد الإله بلقزيز” فيما طرحه من رؤي حددت بعض معالم المشكلة ” لا يحتاج المرء إلى كبير شرح لبيان درجة الانسداد التي بلغها النظام السياسي لـ الدولة الوطنية” في الوطن العربي الحديث وليس من دليل أبلغ على ذلك من عجزه عن تقديم أجوبة حقيقية عن المطالب التاريخية للمجتمع العربي : النهضة التقدم والديموقراطية التي كان بعضها في أساس قيامه أو على الأصح من مزاعم قيامه وليس من شك في أن هذا الإخفاق السياسي الذي يعيشه النظام الحاكم في دول العرب المعاصرة مرده إلى فقدان الشرعية التي يقوم عليها كل نظام حديث : الشرعية الديموقراطية الدستورية فهو إما نظام نخبات عسكرية نشأت خارج الحياة السياسية الليبرالية المتواضعة أو أما نظام قبائل وعشائر وطوائف ينهل ثقافته من النظام السياسي العصبوي القروسطي أو من نظم الحكم المحلي ف يأوائل العهد الحديث أو نظام ثيوقراطي يستعيد تقاليد الدولة السلطانية التقليدية”
الفقر والفساد /
إن عدم وجود عدالة اجتماعية وإخفاق برامج التنمية الاقتصادية في تحقيق مطالب المواطنين مع زيادة التفاوت الطبقي …وعجز الدولة عن مقابلة وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين وفشلها في إدارة الأزمات المجتمعية كأزمة رغيف الخبز في المغرب ومصر كمثال كل هذا يمثل مصدراً للعنف السياسي ولا ينكر أحداً أن هناك علاقة سببية بين فقدان العدل الاجتماعي والعنف السياسي ولدينا المثال الحي على ذلك … لماذا قامت الثورة الفرنسية ؟ الم تكن وليدة عدم المساواة حتى وإن كانت بفعل الطبقة البرجوازية ولماذا نجحت الثورة البلشقية ألم تكن أيضاً نتيجة للقهر الاجتماعي المتمثل في الإقطاع المتحالف مع حكم القيصر بكل ما يحمله من ظلم في توزيع الثروة والدخل … ولماذا بقي الشعب المصري على وفائه لثورة 23 يوليو على الرغم من المحاولات المضنية التي يقوم بها بعض فلول الإقطاع القديم ورجال الأعمال الحاليين من محاولات لطمس الثورة وانجازاتها وإهاله التراب على زعيمتها ومفجزها جمال عبد الناصر ذلك على الرغم من عدم نجاح الثورة في تحقيق الديموقراطية … أقول أن الثورة نجحت في إقرار العدل الاجتماعي ووزعت الثروة توزيعاً يستند إلى العدل وقامت بإحداث تغيير وصفي وكيفي لبني المجتمع المصري من تعليم وصحة وثقافة وتصنيع ….. إلخ ووضعت برامج تنمية حققت مطالب الشعب … ومن ثم فإنه باستثناء الخلاف التاريخي يبين الأخوان المسلمين والثورة فإن مصر لم تشهد عنفاً سياسياً أو حتى عنفاً طائفياً … و لاشك أن من أسباب تنامي ظاهرة العنف وجود فساد إداري أثر سلباً على النمو الاقتصادي في بعض البلدان العربية … وعندما ينشر الفساد في مجتمع استبدادي يكون من الصعب مقاومته حيث يرتبط الفاسدون عضوياً من النظام الحاكم ويصبح الأمر بيد فئة محدودة من الناس تنفرد بصياغة السياسات الاقتصادية تحقيقاً لمصالحها الضيقة دون أدنى اهتمام بمصالح باقي فئات المجتمع … وهكذا تنمو الأفكار والرؤى المناهضة للنظم الحاكمة من خلال الذين يعانون من الحرمان ويعيشون في مناطق عشوائية قبل أن يولد منها العنف السياسي يذدهر فيها كل أنواع العنف من العنف الاسرى إلى الاعتداء على الحرمات وتلعب البطالة هنا دوراً هاماً في خلق شعور بالإحباط وانعدام الثقة في النظام الحاكم وهكذا يكون من السهل جداً تجنيد هؤلاء العاطلين في أعمال العنف بكل أشكاله … تصبح أحاسيس الحرمان والعوز والتهميش الاقتصادي قنابل قابلة للإنفجار في كل مكونات المجتمع … فماذا يمكن أن ننتظر ممن لا يجد قوت يومه (أذكر بمقولة أبي ذر الفقاري … عجبت لممن لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس ممسكاً بسيفه) …
إن تقليص دور الحكومات في إدارة الاقتصاد يعني المزيد من حالات العنف بكل ألوانه وأعود لاذكر بأحداث18 و 19 يناير 1977 والتي شهدت فيها مصر كل صور العنف مثالاً حياً على عمق الأزمة والتي كادت أن تعصف بالبلاد تماماً ويرى أ. محمد محفوظ في دراسته السابق الإشارة إليه “أسباب ظاهرة العنف في العالم العربي ” أن الفقر لا يقود إلى الاستقرار والبطالة لا تؤدي إلى الأمن بل أنها الأرضية الاقتصادية والاجتماعية لبروز حالات التمرد والعنف .
ولا شك أن أعمال العنف السياسي التي كانت إما على شكل إضرابات أو تضاهرات أو أحداث شغب التي مارستها قطاعات وشرائح من العمال والطلبة وبعض الجماعات الإسلامية وحتى بعض القوى اليسارية في السبعينات والثمانينات كانت مرتبطة أساساً بقضية العدل الاجتماعي والاحتجاج على الفجوات الاقتصادية والاجتماعية المجحفة والمطالبة بتوزيع الثروات توزيعاً عادلاً ومرجع هذه الأزمة أنه كلما ساءت عملية التوزيع العادل للثروات وتضخمت التناقضات الاجتماعية والاقتصادية ساد إحباط فردي وسخط جماعي يمهد لإحداث سلسلة من بؤر توتر وصراع يهدد بالانفجار متى سنحت الفرصة وكان المناخ مواتياً لذلك ومن ثم بأن هناك علاقة تلازمية بين التنمية الاقتصادية والسياسية فأي تنمية اقتصادية يرافقها تطوير مؤسساتي وسياسي تلبية للمطالب الجديدة التي برزت في فترة الانتعاش الاقتصادي وتنامي الوعي في قطاعات الجماهير والمطالبة بالحقوق السياسية هذا التلازم لم تستوعبه الدول العربية جيداً وكان بمثابة شراره نهوض العنف حيث اتجهت بعض القوى السياسية لممارسة بعض أشكال العنف للتأثير على سلطه القرار والضغط عليها لأحداث تطوير سياسي .
وتؤثر الأزمات الاقتصادية في الطبقات الدنيا في المقام الأول حيث تعاني بشدة من تدهور ظروفها المعيشية بفعل انتشار البطالة وتدهور الخدمات وظهور طبقة من الأثرياء الذين يسلكون سلوكاً استفزازياً بالنسبة للفقراء ، وتؤدي الأزمات الاقتصادية إلى ازدياد معدل البطالة والتضخم وغلاء الأسعار وبالتالي تزداد حدة التفاوت الطبقي وتنعكس آثار هذا الخلل الخطير على الشباب وتنشأ تربة صالجة للتطرف تزود الجماعات المتطرفة بأعضاء يعانون من الإحباط ويفتقدون الشعور بالأمان والأمل في المستقبل (الموسوعة الشاملة ـ الإرهاب والمفهوم والأسباب وسبل العلاج ) .
وتضيف الموسوعة أن غياب العدالة الاجتماعية المتمثلة في النقص في مصادر الثروة والسلع والخدمات وعدم العدالة في توزيع الثروة والتفاوت في توزيع الدخول والخدمات والمرفق الأساسية كالتعليم والصحة والإسكان والكهرباء بين الحضر والريف وتكدس الأحياء العشوائية في المدن بفقراء المزارعين النازحين من القرى فضلاً عن زيادة أعداد الخريجين من المدارس والجامعات االذين ى يجدون فرص العمل يؤدي إلى حالة من الإحباط الفردي والسخط الجماعي .
ويرى الأستاذ الدكتور / عبد الإله بلقزيز في دراسته “العنف والإرهاب والتنمية”
أنه عندما يسود الاستبداد وتسوء الأحوال الاقتصادية يصاب المجتمع بانهيار وقد تتفكك الأسر وتزيد وتيرة الخروج على القانون وتزيد عمليات النهب والسلب والقتل والسوق السوداء … ومن ثم ينمو شعور لدى الشباب بأنهم خارج اهتمام المجتمع ومع عدم تحسين الأوضاع يصبح الشاب على استعداد لتقبل أي طرح يلقي عليه بدعوى أو زعم التغيير بغض النظر عن الوسيلة التي يمكن استخدامها (منهج بعض الجماعات الأصولية كجماعة التكفير والهجرة في مصر) .
ويكون الهدف لدى هؤلاء التعبير بأي صورة وبأسرع وقت وغالباً يكون العنف مع وجود انسداد ديموقراطي الوسيلة التي يتم بها التعبير عن المطالب … كما أن المناخ الثقافي له تأثير على مستويات وأسباب العنف السياسي فلا شك أن غياب الخطاب الثقافي الجاد سواء على مستوى المسرح والسينما والشعر والنثر والغناء خلق مناخاً متبلداً يؤكد على ثقافة متدنية تثير الغرائز وتزرع العنف وتقلل من الإحساس بالانتماء للوطن … وهنا يجب الإشارة إلى ضعف العملية التعليمية نظراً لاعتماد التعليم على التلقين دون دعوة عقل الطالب للتفكير وهذا التوجه الخاطىء للتعليم يسهم بكل تأكيد في خلق قادة لا يؤمنون بالحوار ومنغلقون على انفسهم ويرفضون الاخر بحكم تعليمهم الخاطيء … الخ هذا كله يحدث مع غياب التنشئة الاجتماعية السليمة التي يفتقدها المجتمع العربي وأصبح المجال مفتوحاً أمام قوى بعينها احتكار الفضاء الإعلامي في قضايا شخصية من خلال برامج تغتال فيها سمعة الإنسان هذا على حساب البرامج الجاده الهادفة .. حتى وإن كانت على خريطة بعض القنوات وتحظي باهتمام بعض الصحف … فإنها لمجرد تفريغ جزء من شحنات الغضب لدى المواطنين ولا يخلو الخطاب الديني المرئي والمسموع والمقروء من بعض الخزعبلات والخرافات والأوهام بعيداً عن القيم الدينية الأصيلة ويتم ذلك خلال الفضائيات من خلال فتاوي وآراء غير صحيحة ويدعو بعضها إلى السكون والقبول بما هو كائن (اعط لقيصر ما لقيصر وما لله لله ) والآخر عبارة عن آراء متطرفة بليت وعفى عنها الزمن ومنها الذي يروج لتفسير الأحلام .. والبكاء الرخيص على شاشات التليفزيون … ويجرنا ذلك إلىأن هناك نهجاً غير صحيح للدين وأحكامه ومعلوم أن الفراغ الديني سبب رئيس لتمكين بعض دعاة التطرف لملء عقول الشباب بأفكارهم ومفاهيم خاطئة أدى هذا كله إلى حدوث تأثيرات سلبية دفعت البعض إلى الانكفاء على الذات والانعزال عن المجتمع ويقع الشباب فريسة الانغلاق على الآخر ورفضه بمرجعية دوجما طبيعته (احتكار الحقيقية ) ترى الأمور بنظرة أحادية تنبذ الآخر وترفض التنوع وتقضي غيرها … وهكذا يترعرع التعصب ويكبر الجمود ويتم توظيف النصوص الدينية بهذه الأفكار .. حتى أن بعض هؤلاء يلجأون إلى العنف بل وتصفية الآخرين (اغتيال فرج فودة / محاولة اغتيال نجيب محفوظ / إقامة دعوى تفريق بين د. نصر أبو زيد وحرمه ….. إلخ) .
… إن ضعف الخطاب الإعلامي والديني في ظل الحكم الاستبدادي يعود بنا إلى تراثنا الذي شكلت أركانه من خلال القهر والحبر المدعم بتفسيرات دينية قوامها الطاعة العمياء وعدم الخروج على ولي الأمر حتى ولو كان جائراً وهذا الفكر مسئول عن نمو مناخ العنف والذي لا يستفيد منه غير الأنظمة المستبدة .
تداعيات العنف السياسي :-
إن للعنف السياسي تداعيات خطيرة للغاية وتؤدي إلى نتائج سلبية على كل المجتمع من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أولا من الناحية السياسية /
– يقضي العنف على كل جسور الثقة بين القوى السياسية (حكومة / معارضة / أحزاب / منظمات مجتمع مدني ) ويعدم كل فرض الالتقاء بين القوى المتصارعة حتى أنه لا يوجد مجرد فرصة وجود قواسم مشتركة بين الجانبين وتوفر هذه الظاهرة روافد جديدة للصراع السياسي والعنف السياسي .
– إمكانية استقواء بعض التيارات السياسية بقوى خارجية لمساندتها وأذكر بما أقدمت عليه بعض فضائل المعارضة العراقية قبل غزو العراق وكيف مهدت الطريق للولايات المتحدة لغزو العراق تحت حجج واهية كما أشير أيضاً إلى الحالة اللبنانية فهناك الجانب المسيحي الذي يرى في الغرب حامي الحمى (الكتائب / القوات اللبنانية / كمثال) في مواجهة التيار الشيعي المستند إلى سوريا وإيران … وكيف أدت حالة الاستقطاب هذه إلى عدم استقرار الوضع السياسي في لبنان وهو الأمر الذي يحدث الآن في السودان من قبل بعض فصائل التمرد … وهذا بدوره يعني المزيد من الفرقة وعدم الاستقرار .
– فقدان الشعب ثقته بالنظام الحاكم كنتيجة ولعدم قدرته على المحافظة على وحدة تماسك المجمع وعندئذ يضعف الولاء للوطن لحساب الولاء للأسرة أو القبيلة أو حتى الأندية الرياضية .
– خلق مناخ يتسم بالاحتقان بين كل قوى المجتمع .
من الناحية الاقتصادية :-
إن عدم الاستقرار السياسي في حد ذاته كفيل بعدم الأستقرار الأقتصادى وعندما تزداد وتيرة العنف تضعف قدرة الدولة على وضع برامج للتنمية أو حتى مجرد أحداث تغيير نوعى فى البني الأقتصادية وتهرب رؤوس الأموال الى الخارج وتضعف حركة الاستثمارات المباشرة .. وتقل كفاءة رؤووس الأموال المستثمرةوتزيد الأزمات البنيوية وتوجه الحكومة جزء جزء كبير من الموازنة الى الأجهزة الأمنية على حساب التعليم والصحة والنقل ..الخ وتتوقف عجلة التصنيع وتقل القدرة على التصدير فيما تزيد الواردات وتتعرض الدولة الى عجز مزمن فى ميزان المدفوعات وتلجأ للاقتراض والاستدانة ، وهنا تتكرس التبعية للخارج .
أما النتائج الاجتماعية
– زعزعة الأمن والنظام العام نتيجة ما يتركه العنف من حالات الفوضى والتفكك في المجتمع وأعود فأذكر بما حدث للبنان خلال الحرب الأهلية وما يشهده العراق حالياً .
– التباطوء في إنجاز الأعمال وزيادة معدلات البطالة نتيجة هروب الاستمارات وتعطل المصانع عن العمل وزيادة البطالة والتي تمثل بدورها زاد جديد لعمليات العنف .
– إمكانية خلق فتن طائفية أو عرقية (العراق مثال ـفالخلافات بين السنة والشيعة حتى بين فصائل الشيعة أصبح أمراً مالوفاً .
– انقسام في لحمة وسدى المجتمع نتيجة الفوضى والفتن والتي قد تصل بعض الأحيان إلى حروب أهلية .
– نمو ثقافة التدمير والعنف عند بعض الفئات في المجتمع حيث تنمو بعض الجماعات التي لا تجد سوى العنف كطريق للتغيير وذلك على حساب الحوار السلمي .
– تمترس ثقافة المنولوج فالفرد العنيف لا يعرف سوى السلوك الفردي المملوء بالعقد والشعور بالنقض والإحساس بالكره تجاه المجتمع الذي يرى فيه فقط الظلم والقهر وكلها تشكل دوافع العنف والعنف المضاد … والذي يأتي العنف السياسي على رأسها .
ويرى محمود الزهيري في دراسته العنف السياسي المنشورة بجريدة الاتحاد ان هذا العنف يمثل في مراحله العنفية جميعها عنف الجلاد في احيان والسياف في احيان اخرى فهذا العنف السياسي الصادر من سلطة انظمة الحكم الاستبدادية تجاه المجتمعات المقهورة بفسادات وحمقات السياف تتوالد من خلالها فسادات وحمقات من الضحية التي يقع عليها هذا العنف في اشكال تمرد او ارهاب تاخذ اشكالاً عديدة منها العنف السياسي والديني المتولد من رحم المجتمع الذي يمثل الضحية بجانب انواع العنف الجنائي كالسرقة والقتل والنصب والاحتيال والجرائم غير الاخلاقية كالأغتصاب والدعارة وزنا المحارم وجرائم المخدرات كلها تسهم في هشاشة المجتمع وتحوله الى مجتمع فاقد الشرعية الدستورية والقانونية لان العنف السياسي هو الذي كان في البدء منتهاكا للشرعية وكأن هناك حالة تشابه حالة التمثل الطوعي للعنف الاجتماعي في تشبيهه للعنف السياسي من ضغوطات سلطات الاستبداد والفساد التي تمارس كافة الجرائم في حق المجتمعات وكان من المحتم ان تنشأ في الدول العربية المحكمومة استبدادية جماعات العنف الديني ذات المرجعية التاريخية المشبعة بتراث ديني متورث عبر ميراث القهر والجبر والاستبداد المعبأ بتفسيرات وتأويلات دينية تابعة لمواريث نظرية الخلافة والحكم الجبري وتطبيقات الشرعية الاسلامية المغيبة عن التطبيق والرافضة للاليات الحل الحديثة ومن هنا تحدث عمليات الهجرة الجماعية للبحث عن حلول الازمات وعندما تنعدم فرص الخلاص والمواءمة تطفى على السطح الفرص المهيأة للعنف خاصة العنف السياسي .
لتصحيح الأوضاع ورأب الصدع … المجتمع العربي في حاجة ملحة لتصحيح الاوضاع واعتماد لغة الحوار سبيلاً بين النظم الحاكمة والقوي الراغبة في التغيير .. فالعنف السياسي مشكلة يجب عدم التهوين منها وغير ذلك من حلول سيولد مريداً من العنف السياسي الذي سيولد بدوره عنفاً من جانب الأنظمة يساويه في المقدار بل ويزيد عليه .. وبخالفه في الأغراض والغابات … وأعود إلى د. عبد الإله بلقزيز في دراسته العنف والإرهاب والتنمية ففي خلاصة رايه في مواجهة الظاهرة يقول /
“إن مقارنة ظاهرة العنف والإرهاب من مدخل التفكير في البنى والشروط والتحتية (الاجتماعية ـ الاقتصادية) تقدم فرصة لفهم موضوعي صحيح للظاهر بمقدار ما تسدد ضربه للمقاربة الأمنية الاستئصالية المدفوعة إلى جنونها الأقصى والمرتكزة إلى الفرضية الخاطئة عن انحراف سلوك ممارسي العنف والإرهاب وإلى الفكر الأكثر خطأ عن إمكانية تصويب ذلك الانحراف من طريق الردع الأمني العنيف أن الأمن الحقيقي هو عدم استخدام أدوات الأمن “إلا عند الضرورة القصوى” هو أمن المجتمع بما هو إشباع للحاجات أي بما هو أمن اقتصادي والإنتاج فليس ف يوسع الأمن أن يحفظ أمناً قد ينشر
الرعب وينتقي ضحايا يحولهم إلى مجسم تمثيلي لما سيلحق الجميع لكنه ـ قطعاً لن يستأصل مشاعر الحنق ورغبات الانتقام للنفس من الحرمات ولن يمنع كثيرين من ركوب موجات العنف والإرهاب بل هو قد يضيف سبباً جديداً إلى ترسانة المبررات التي يسوقها الداعون إلى العنف لتسويغ العنف وشرعنته” .
المصادر
– محمد محفوظ اسباب ظاهرة العنف في العالم العربي شبكة النبأ – الانترنت
-صلاح الحسن رؤية اسلامية اولية في ثقافة التسامح – الفصل الثالث العنف والدوافع والاسباب – موقع المعصومين – شبكة الانترنت
– جريدة الصباح العراقية افاق استراتيجية – في معنى العنف – اصوله واشكاله – ايديولوجياته – علاقته بالارهاب
– كلية القانون والسياسة – جامعة البصرة – العنف السياسي – جريدة طريق الشعب العدد 78 اكتوبر 2008
– منتدي جامعة الحاج الخضر ظاهرة العنف السياسي في الجزائر – دراسة تحليلية عام 76 : 98 والعمل السلمي – شبكة النبأ المعلوماتية
– جميل عوده العنف السياسي والعمل السلمي – شبكة النبأ المعلوماتية
– بربر العبادي العنف السياسي بين الاسلاميين والدولة الحديثة – قراءة في اسباب الظاهرة – قضايا معاصرة
– رشيد مقتدر الارهاب والعنف السياسي – مقاربة مفاهيمية ونظرية
– د . امام عبد الفتاح الطاغية – دراسة فلسفية لصور الاستبداد السياسي – عالم المعرفة العدد 183
– د . عمرو حمزاوي هل دخل التحول الديمقراطي في العالم المتفق المظلم – مؤسسة كارينجي للسلام العالمي – اخبار سويسرا في عالم اليوم 24/9/2009
– علي الطراح دورة المجتمع المدني والعنف السياسي في البلاد العربية جريدة الشرق الاوسط 17/2/2004
– جلال الكعبي حقيقة العنف – جريدة الصباح العراقية
– د . عبد الاله بلقزيز العنف والارهاب والتنمية – شبكة الانترنت
– محمود الزهيري العنف السياسي – جريدة الاتحاد.