لجأ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى إعلان الطوارئ في البلاد بعد تعدد الأعمال الإرهابية وتوالي التهديدات ذات الصلة. ورغم أن هذه الخطوة قد جاءت متأخرة جداً، فهي مبادرة اللحظة الراهنة وفي ضوئها ستنكشف خلايا وجرائم نفذها الإرهابيون أو هي بصدد التشكل والتنفيذ.
بعض المعارضين، ممن لا يجيدون غير الاحتجاج واللغو على أي شيء، قابلوا إعلان الطوارئ في تونس بإثارة المخاوف من عودة القمع وضرب الحريات العامة والخاصة، وبدأت وسائط إعلام وقنوات تلفزيونية راسخة في نشر التطرف والإرهاب في ترويج تقارير عن انتهاكات مفترضة، وكأنها حصلت فعلاً، كما تستعد في الأثناء لنشر شهادات عن أعمال تعذيب وقتل لتشويه حالة الطوارئ. ومن المعروف أن هذا الأسلوب الإعلامي القذر قد جرى تجريبه في كل الدول التي مرت عليها عاصفة «الربيع العربي»، ومازال يستخدم في السياق نفسه لا سيما ضد مصر وتونس، ضمن محاولات يائسة لاستقطاب الشارع وإثارته مثلما نجحت سابقاً، ولكن تفطن الغالبية الساحقة من الشعوب المستهدفة لخدع ذلك الإعلام أنتج وعياً جديداً يحاول تدارك ما فات من تآمر وخيانات.
في الوضع الحالي لم يعد لتونس من خيار سوى فرض الطوارئ وتشديد القبضة الأمنية على البلاد. ولا يتعلق الإجراء بالمجزرة الإرهابية بحق السياح الغربيين في سوسة، بقدر ما هو استعداد لمواجهة حوادث خطيرة وأعمال واسعة ستستهدف فنادق ومؤسسات وشخصيات. وبدا الرئيس قائد السبسي في خطابه إلى شعبه متخوفاً بدرجة عالية من حماقة إرهابية جديدة تستهدف القطاعات الاقتصادية مثل السياحة، متوقعاً أن تكرار جريمة سوسة سيوجه ضربة قاصمة لهذا القطاع لسنوات عديدة. وبموازاة المخاوف، كان السبسي متفائلاً أيضاً بكفاءة الأجهزة العسكرية والأمنية في الكشف عن الإرهابيين ومخططاتهم، كما كان واثقا أيضاً من قدرة الشعب التونسي على كسب هذه المعركة وحماية مقدرات البلاد ومكتسباتها.
لم يعد خافياً أن ما بات يعرف ب«النموذج التونسي» هو المستهدف من كل العمليات الإرهابية التي حدثت في السنوات الأربع الماضيات، مثلما كان مستهدفاً قبل ذلك بسبب الخيارات السياسية والاجتماعية التي ارتضاها التونسيون منذ عقود طويلة وبنوا عليها في دستور التجربة الديمقراطية الجديدة الذي كفل الحريات وأسبغ غطاء قانونياً لحياة سياسية فريدة في محيطها، كما تعززت مكاسب المرأة، ولم تستطع القوى الظلامية المسكونة بثقافة الإماء والجواري في تدجين نساء تونس، كما لم تستطع تلك القوى أن تشوه نمط المجتمع التونسي المسالم والمنفتح على محيطه بمختلف أجناسه وأديانه.
وحين يكون هناك وعي شعبي يدرك أن فرض حالة الطوارئ لا تعني قمعاً أو رغبة حكومية في التسلط، سيختصر ذلك كثيراً من الوقت وسيخلق انسجاماً كبيراً بين الدولة والشعب من شأنه الإطاحة بأي تهديد. وللعلم، فإن ما عاشته تونس في الأشهر القليلة الماضية كان منتظراً بمجرد انتهاء انتخابات العام الماضي. ومنذ ذلك الحين بدأ المناوئون لحزب «نداء تونس» في الدعاية للإرهاب الذي سيضرب «الكفار» الحكام الجدد. وعلى ذلك صدرت تهديدات خطيرة ضد الدولة التونسية ورئيسها الباجي قائد السبسي. وبعض تلك التهديدات كان في تونس أما الأغلب فجاء من ليبيا المخطوفة لدى جماعات إرهابية وأصبح جوارها لعنة من لعنات هذا العصر.
*كاتب صحفي/”الخليج”