حان الوقت لأن نرى أقطار الوطن العربي، تعطي الأولوية المطلقة في عملها المشترك لمكافحة الإرهاب، وأن تستنفر قواها المادية والمعنوية، للزج بها في المعركة الحاسمة مع هذا الوحش الكاسر، الذي يصول ويجول فوق أرضها، مشرقا ومغربا، ويعمل فيها تقتيلا وتخريبا وإهدارا للقيم، وتدميرا للتراث والحضارة.
جاءت ضربات الأسبوع الماضي، بما أسفرت عنه من ضحايا، وما تبدى فيها من إجرام وتوحش، لتقول أن الأمر وصل إلى حد لا يجوز التعامل معه بالأسلوب السابق، وإنما بإستراتيجية جديدة وعمل عربي مشترك، ففي يوم واحد سقط مئات الضحايا من شهداء وجرحى، في أقصى المشرق، في الكويت حيث استهدف الإرهاب الأسود المصلّين، وهم سجود إلى الله، في مسجد الإمام الصادق.
وفي تونس مغربا، موجها ضربته إلى الاقتصاد التونسي، وتدمير المصدر الأساسي للدخل القومي، عندما أودى بحياة المصطافين على ساحل سوسة، من سواح عرب وأجانب، أحبوا تونس وشعبها وجاؤوا للاستمتاع بمنشآتها السياحية وتراثها الحضاري، وبعد يومين من هذا الحادث، امتدت يد الإرهاب إلى قلب القاهرة تستهدف أهل القضاء والقانون، في شخص النائب العام الشهيد هشام بركات، وعدد من الضحايا ممن تصادف وجودهم في المنطقة المأهولة بالسكان في مصر الجديدة حيث تم التفجير، وهو إرهاب لم يوفر مكانا في أقطار الوطن العربي، ولا فئة من الناس، وها هي المساجد نفسها تصبح بمن فيها من مصلين، هدفا لإرهاب يتذرع بالإسلام ويدعي الانتماء إليه، ويرتكب جرائمه باسم الله، وهو إجرام في حق الله، وعبادة للشر وللشيطان.
لم يعد كافيا أن تتصدى هذه الأقطار العربية فرادى للظاهرة الإرهابية، كما لم يعد ممكنا الاعتماد في حسمها على الجهد الدولي، الذي قد لا تكون أولوياته، ولا أجندات الدول التي تنخرط في هذا الجهد، متطابقة مع مصالح وأولويات وأجندات الشعوب العربية، ولا نقول بإهمال العامل الدولي، أو الاستغناء عن جهود القوى الكبرى في العالم، فهي جهود مطلوبة في مكافحة الإرهاب بل نرجو أن نرى المجتمع الدولي يندفع إلى المعركة مع الإرهاب بمزيد الموارد والميزانيات، فهو معني بالظاهرة، وتعاني شعوبه من نتائجها، وقد شمل يوم الإرهاب الأسود الذي طال الكويت وتونس، بلدا أوروبيا هو فرنسا، بعد الضربة الموجعة التي استهدفت موقعا صحفيا في عاصمتها باريس، تلقت في ذلك اليوم ضربة أخرى في مدينة ليون.
ولكن يبقى الوطن العربي، هو المنطقة التي يجب أن تحسم المعركة مع الإرهاب فوق أرضها، فهو مصدر أغلب عناصر هذا الإرهاب، وهو منبع الأيديولوجيا التي يتبناها هذا النوع من الارهاب، أي التطرف الإسلامي، وهو أيضا الذي يتلقّى أعتى وأشرس الضربات التي ينزلها الإرهاب بأناسه وتراثه وتاريخه وحاضره ومستقبله.
أرى أن الدخول في المعركة العربية المشتركة لحسم الصراع مع الإرهاب يبدأ باستثمار ما هو موجود، وأقصد تحديدا القوة العربية التي اجتمع رؤساء أركان الجيوش لإنشائها تحت مظلة الجامعة العربية، هذه القوة يجب أن نرى تفعيلا سريعا لها، وحشدا يناسب الموقف، لجعلها قوة عسكرية ضاربة، تستخدم أحدث الأسلحة وأكثرها فتكا، وأن نرى قوات من كل الأقطار العربية، وبأحجام كبيرة تنخرط تحت قيادتها، وأن ترصد لها الدول العربية النفطية الميزانيات الضخمة، بل وأن تنشأ من أجلها صناديق يسهم فيها المال الخاص العربي، لإشعار الجميع بأنها معركة مصير، ومعركة حياة أو موت للأمة العربية، وأن نجدها في حالة جاهزية واستعداد، تباشر العمل بشكل حاسم وفاعل وقوي، هذا أولا.
ثانيا، يجب أن نرى مجلس أمن عربي، ولا أعني ما كان يحدث من اجتماعات سنوية لوزراء الداخلية، وإنما مجلس يضم ممثلين لكل الأقطار العربية، ويكون هذا الممثل بدرجة وزير يحمل حقيبة تسمى مكافحة الإرهاب وله صلاحية التنسيق في بلاده بين المؤسسات الأمنية والعسكرية، متفرغ لعمل المجلس، مثل الحال في مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، يمارس عمله اليومي في الجامعة العربية، بكل ما تقتضيه الحالة من صلاحيات وقدرة على العمل والمبادرة.
الإرهاب الذي يعمل بشراسة وإجرام فوق أرض الوطن العربي، استشرى واستفحل إلى حد يصعب معه تحقيق أي تنمية، وإنجاز أي بناء، وإحراز أي تقدم أو نهوض، أو إسهام في حضارة العصر، والتفاعل معها أخذا وعطاء. إنه يعطل كل الأجهزة والمؤسسات، ويعرقل كل الجهود الحكومية والأهلية، وصار واجبا وطنيا وقوميا وإنسانيا وحضاريا، رفع درجة الاستنفار ودخول المعركة بكل ما تملكه الأمة من موارد وإمكانيات، لكي يتم الحسم ويتحقق النصر، وتستأنف مسيرة البناء والتنمية طريقها، بعد أن تعطلت فعلا بسبب عبدة الشيطان من أهل التطرف والإجرام.
*كاتب ليبي/”العرب”