بقلم: حسن الوزاني*
في سنة 1966، اتفق ثلاثة شعراء شبان لم يكن أكبرهم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره، على إطلاق مجلة جديدة، اختاروا لها اسم “أنفاس”. عبداللطيف اللعبي ومصطفى النيساوري ومحمد خيرالدين. كانت تقودههم رغبتهم في التغيير الثقافي وأحلامهم بمغرب آخر. وهي أحلام لم يكن يسعها العدد الهام من المجلات التي أطلقت خلال الستينات، من بينها “مجلة القصة والمسرح”، التي كان قد أصدرها كل من محمد برادة وعبدالجبار السحيمي ومحمد العربي المساري، ومجلة “آفاق” الصادرة إلى حدّ الآن عن اتحاد كتاب المغرب.
عبداللطيف اللعبي، الذي كان دينامو المجلة، حدد كهدف للمشروع الجماعي أن يكون “أداة لإعادة بناء الهوية الوطنية المتسمة بتعدد مكوناتها وإدماج الإبداع الأدبي والفني ضمن مغامرة الحداثة”. وبذلك صارت مجلة أنفاس صوتا لجيل طليعي أدبي، وفي نفس الوقت صوتا لحركة كانت تعتبر طليعية على المستوى السياسي، خصوصا بعد سنة 1969، حيث كان اللعبي يناضل ضمن صفوف حزب “التحرر والاشتراكية”، قبل أن يستقيل منه ويؤسس، رفقة إبراهام السرفاتي وآخرين، منظمة إلى الأمام. ستصير أنفاس بذلك صوتا غير معلن لهذه الحركة. ولذلك لن يكون غريبا أن تتحول المجلة التي بدأت كمشروع ثقافي إلى وسيلة إثبات ضدّ عدد من المتهمين السياسيين، وعلى رأسهم عبداللطيف اللعبي، في محاكمة سنة 1973.
بالطبع لم يكن لاختيار تغيير توجه مجلة أنفاس أن يمرّ دون أن يثير رفض بعض أعضاء هيئة تحرير المجلة وبعض كتابها الأساسيين، ومنهم من اختار الانسحاب من المجلة كبرنار جوكوبياك ومصطفى النيسابوري ومحمد المليحي، الفنان التشكيلي الذي كان يتولى تصميم غلاف أنفاس والذي أسس، بعد انسحابه منها، مجلته الجديدة “أنتكرال” سنة 1971.
أعاد عبداللطيف اللعبي هيكلة مشروعه، والتحق آخرون بالمجلة، وفي نفس السنة أطلق اللعبي طبعة عربية من المجلة تحمل نفس الاسم. في سنة 1972، اعتقل عبداللطيف اللعبي، رفقة آخرين، وحكم عليه بعشر سنوات لتتوقف أنفاس.
سنوات بعد ذلك، سيناقش الباحث المغربي عبدالرحمان طنكول بحثا لنيل الدكتوراه بجامعة بروفانس بفرنسا في موضوع “الحركة الشعرية والفكرية لمجلة أنفاس”. كما قام الأستاذان الأميركيان طوماس س. سبير وآن جورج برقمنة أعداد المجلة، وعملت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية على إتاحة النسخة الإلكترونية للمجلة. كما عادت الصحفية والباحثة المغربية كنزة الصفريوي إلى أنفاس في إطار دراسة علمية رصينة، صدرت، سنة 2013، تحت عنوان “مجلة أنفاس: طموحات الثورة الثقافية بالمغرب”.
بذلك، أعاد الاهتمام العلمي الحياة لأنفاس، بعد أن كانت وسيلة الإثبات الوحيدة ضد عبداللطيف اللعبي أثناء محاكمته، وتلك أيضا صورة مشرقة عن التحولات التي يعرفها المغرب الثقافي باستمرار.
*كاتب من المغرب/”العرب”