بقلم: ذ. محمد بوخزار
التصريحات الودية والموضوعية حيال المغرب، التي أدلى بها أخيرا، رئيس الوزراء الاسباني الأسبق، خوصي لويس ثباطيرو، تندرج ضمن النهج العام الذي اتبعه الزعيم الاشتراكي منذ انتخابه أمينا عاما لحزبه، في شهر يوليو عام 2000.
فبعد مرور سنة ونيف،على اختياره من طرف المناضلين في مؤتمرهم العام، قرر الزعيم الاشتراكي المنتخب، زيارة المغرب عام 2001، في ظل أجواء أزمة سياسية خانقة بين الرباط ومدريد، تسبب فيها تعنت وتهديد سلف، ثباطيرو، في قصر “لا منكلوا” خوصي ماريا أثنار. الأخير توعد المغرب، ما لم يوافق على تجديد اتفاق الصيد البحري الذي انتهى العمل به مع متم العام 2000.
تحمل ثباطيرو، الحملة العنيفة التي طالته من اليمين الاسباني واليسار العدمي على السواء، لدرجة اتهامه بالخيانة، لكن ذلك لم يثنه عن الزيارة التي تمت بدعوة من حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” وهو يومئذ متزعم حكومة التوافق الانتقالي في شخص أمينه العام، عبد الرحمن اليوسفي.
حيا جلالة الملك محمد السادس، شجاعة زعيم المعارضة الاسبانية واكبر فيه تصديه للحملات الهوجاء التي تعرض لها، فاستقبله في القصر الملكي بالرباط، بما يليق من الحفاوة، آخذا في الاعتبار انه زعيم المعارضة، فمهما كانت نواياه الودية حيال بلاده، فلا يمكن ان يصبح بديلا لحكومة اليمين الشرعية القائمة في مدريد التي انتخبها الشعب. تلك هي الأعراف الدبلوماسية والديموقراطية.
في شهر مارس 2004 صوت الناخبون الاسبان لصالح الحزب الاشتراكي. عاقبوا “اثنار” لانه كذب على الشعب وورط البلاد في مستنقع غزو العراق. مبرر اتخذته الجماعات الإرهابية ذريعة للهجوم الدموي على محطة قطارات الضواحي في العاصمة الاسبانية.
شكلت تداعيات العملية الإرهابية التي خلفت حوالي 200 قتيلا وما يقرب من الف مصاب، أول ملف صعب واجهه، ثباطيرو، وقد أصبح رئيسا لحكومة بلاده؛ بالنظر الى كون غالبية المورطين في الهجوم الغادر، من أصول مغربية.
لم يحرض الجماهير الهائجة والمصدومة ضد المغرب والجالية الكبيرة الموجودة هناك، وإنما عالج تداعيات المشكل العويص بما بدا، في حينه، حكمة وتعقلا ونضجا سياسيا.
ذلك الموقف الشجاع، كان كافيا لطي صفحة العلاقات المتوترة مع المغرب واستشراف آفاق أرحب للتعاون بين البلدين الجارين،المرتبطين بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار، التي وقعها الملك الراحل الحسن الثاني ورئيس وزراء اسبانيا الاشتراكي، فيليبي غونثالث، منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
أرسل ثباطيرو الإشارات، الواحدة تلو الأخرى، إلى جاره الجنوبي، مراهنا على الحوار والتشاور كوسيلة لحل الإشكالات العالقة بين الرباط ومدريد، القديم منها والمستجد.
في هذا السياق، أطفأ ثباطيرو، فتيل النار التي حاول سلفه “اثنار” إشعالها في المحيط الأطلسي، بادعائه الحق في مباشرة التنقيب عن النفط في المنطقة المشتركة بين الشواطئ الصحراوية والساحل الكناري (جزر الخالدات) بل انه منح الرخصة لشركة “ريبسول” للشروع في التنقيب، ما استوجب ردا سريعا وحاسما من المغرب على ذلك التصرف الانفرادي، بالوسائل الدبلوماسية،عبر تنبيه وإشعار الأمم المتحدة.
ولما دخل ثباطيرو الى مكتبه، بقصر “لا منكلوا” وجد الملف الخطير في انتظاره. ودون تردد أطلق تصريحه الشهير “نريد ان تكون مياه البحر مجالا للتعاون بين البلدين” فهدأت الأمواج الهادرة في المحيط الأطلسي.
وعلى مدى السنوات الثمانية التي قضاها، ثباطيرو، في المنصب الرفيع، شهدت العلاقات الثنائية بين بلاده والمغرب مدا وجزرا، غلب عليها التعاون الوثيق وخاصة في الجانب الأمني، دون ان تخلو من أزمات عابرة سرعان ما تم تجاوزها لما فيه المصلحة العليا للبلدين.
وفي هذا الصدد، لا ينسى المغرب زيارة العاهل الاسباني السابق، خوان كارلوس، لمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، والتي قيل انها تمت بطلب ملح من الحكومة الاشتراكية التي اكتشفت عمق الأزمة الاقتصادية التي تنحدر البلاد نحوها. أراد الاشتراكيون التغطية وإلهاء الشعب عن التدهور المالي، فدفعوا الملك الى ما لم يقدم عليه احد قبله،حتى الديكتاتور فرانكو.
ولا يسمح المجال هنا، باستعراض ما بذله البلدان من اجل تجاوز مخلفات زيارة خوان كارلوس، لكن الاشتراكيين استنتجوا قبل غيرهم ان المغرب الجديد في ظل عاهله الملك محمد السادس، يمكن ان يظل شريكا استراتيجيا اذا خلصت النيات،كما يجوز ان يتحول الى جار مزعج على الدوام لاسبانيا، وعلى هذه الأخيرة ان تختار.
ويبدو من استقراء الأحداث ان الخيار الحكيم والأسلم هو الذي انتصر في خاتمة المطاف، بل ان حكومة اليمين التي عادت الى السلطة في أعقاب انتخابات 2011، سارت الى حد كبير، وفق النهج الاشتراكي، مع رئاسة، ماريانو راخوي، عكس الأسلوب الذي اتبعه رفيقه في الحزب، خوصي ماريا اثنار.
ويقتضي التذكير بمواقف، ثباطيرو، الشخصية والحزبية، استحضار أبرزها وأقواها دلالة. وعلى سبيل المثال، لا ينسى ما روي عنه في اجتماع سري لأطر حزبه، بعد مأساة “كديم ايزيك” بضواحي مدينة العيون، حيث مارست مليشيات البوليساريو، أبشع وأحط عدوان على عناصر الأمن المغربية، وهي همجية موثقة بالصوت والصورة.
من ذلك الاجتماع الحزبي، تسربت معلومات للصحافة مفادها ان، ثباطيرو، طلب من رفاقه ان يراجعوا مواقفهم من نزاع الصحراء، والتخلي عن التحليلات النمطية التي علقت بأذهانهم زمنا، كتراث من مخلفات الحرب الباردة.
وقبل أيام وعلى ارض المغرب، جدد،ثباطيرو، التأكيد على انه صديق للمغرب مضيفا أن المقترح الذي عرضته الرباط بخصوص الصحراء، هو الإطار الملائم لحل النزاع،مستبعدا ضمنيا الحل الذي تنادي به جبهة البوليساريو،لاستحالة تحققه.
وبعد إشادته بالاعتدال والتسامح الذي لمسه في المغرب، قال دون مجاملة وبصريح العبارة ان رهان المغرب يجب ان يتواصل من اجل ترسيخ البناء الديموقراطي تحسين وضع حقوق الإنسان، عبر آليات وإصلاحات عدة أهمها على الإطلاق ميدان التربية والتعليم، باعتبارهما مفتاح التقدم والتنمية والاستقرار.
وخلال السنة الجارية، زار، ثباطيرو، المغرب ثلاث مرات، مشاركا في تظاهرات ثقافية: مؤتمر حقوق الإنسان بمراكش، منتدى “غرانس مونتانا” بالداخلة، وأخيرا فعاليات مهرجان طانطان لثقافة الصحراء، المصنف تراثا إنسانيا من لدن منظمة اليونسكو. رافعا ومدافعا في كل زيارة عن دعوته لتحالف الحضارات.
أثناء كل زيارة، يهاجمه اليمين واليسار العدمي، بنفس الحدة، لكنه يصمد ويلبي الدعوات التي تصله،فالمغرب، بنظر عقلاء السياسة الاسبان، من أمثاله وزعيمه فيلبي غونثالث، لا غنى عنه لبلدهم.
تحية إكبار له على شجاعته.
اقرأ أيضا
“أوباما” حث الإسبان على حل أزمتهم الحكومية حتى يزورهم
تتكاثر المؤشرات على احتمال دعوة الناخبين الإسبان إلى صناديق الاقتراع مجددا، يوم السادس والعشرين من يونيو المقبل بعد حل البرلمان الحالي .
إعادة الانتخابات لن تحل أزمة إسپانيا وشبح اليونان يهددها!!
تتجه اسبانيا، وفق تقارير ومؤشرات متواترة، نحو استنساخ أزمتها الحالية التي أفرزتها انتخابات العشرين من …
مصاعب الديموقراطية العتيقة في إسبانيا الجديدة
تعرف إسپانيا في الظروف الحالية،حراكا سياسيامثيرا،لا يخلو من التصعيد اللفظي ومن تبادل الاتهامات بين الفاعلين …