تتجه اسبانيا، وفق تقارير ومؤشرات متواترة، نحو استنساخ أزمتها الحالية التي أفرزتها انتخابات العشرين من ديسمبر الماضي، وذلك عقب فشل الأحزاب المتصدرة للنتائج في الاتفاق على تحالف حكومي فيما بينها.
وطبقا لآخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة لفائدة جريدة (أ ب ث الاسبانية) فإن عودة الناخبين لصناديق الاقتراع لن تنتج خريطة سياسية أفضل من التي تلقي بثقلها حاليا على صدور الاسبان، باستثناء تغييرات بسيطة ستطال نتائج نفس الأحزاب المتصدرة لنتائج 20 ديسمبر؛ اذ سيظل الحزب الشعبي في الصدارة مع ارتفاع في عدد المصوتين لصالحه وسيتجاوز الثلاثين في المائة بقليل ما سيترجم في 131 مقعدا من مجموع 350.
وسيليه في الارتفاع حزب، پوديموس، حيث من المتوقع ان يصل الى 65 مقعدا بزيادة 6 مقاعد، بينما سيمنى بخسارة نسبية كل من الحزب الاشتراكي العمالي، وثيودادانوس. الاول يفقد مقعدا واحدا والثاني مقعدين؛ وبالتالي سيبقى الترتيب على حاله الأول، ما يعني عمليا استمرار الصعوبات في الوصول الى اتفاق حكومي، اذا ما ظلت المواقف على حالها شديدة التباعد.
وبينما يستعد العاهل الاسباني، لاستئناف مشاوراته، الأسبوع الجاري، للبحث عن مرشح بديل يعهد اليه تشكيل الحكومة، علما انه دستوريا لا يحق له إجبار اي احد على قبول التكليف على اعتبار ان الدستور يرشح بكيفية الية المتصدر للنتائج التشريعية لتشكيل الحكومة.
وكان ماريانو راخوي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، قد اعتذر للملك عن الشروع في ترتيبات تشكيل الحكومة وعرض برنامجها أمام البرلمان، بعد ان امتنعت الحزبان الاشتراكي وثيودادانونس عن التصويت لصالحه، وفاء بالوعد الذي قطعاه على نفسيهما أمام الناخبين الاسبان خلال الحملة الانتخابية.
وفشلت محاولات ومناشدات رئيس الحزب الشعبي المحافظ، لزعيمي الاشتراكيين وثيودادنوس، دعيا الى تأليف حكومة ثلاثية مستندة على قاعدة برلمانية واسعة تمكنها من إجراء الإصلاحات المؤسساتية والاجتماعية التي يطالب بها الاسپان.
ويبدو ان احد اسباب حجب الدعم عن، ماريانو راخوي، من قبل الاشتراكيين وثيودادنوس، يعود الى شخص زعيم الحزب الشعبي نفسه، وبالتالي فقد انتشرت تكهنات بامكان البحث عن مرشح ل من حزبه، يكون مقبولا من الحليفين المحتملين، على ان يتم الاتفاق بين اطراف التحالف على برنامج حكومي مدقق للولاية الجديدة.
وفي الجهة الاخرى تشبث، الاشتراكي، پابلو سانشيث، بمطلب ان يحاول راخوي تشكيل حكومة، وإذا فشل فانه سيكون منطقيا ان يقوم هو بالمحاولة، بعد ان يؤسس تحالفا حكوميا نعته باليساري التفدمي، يجمع في خلطة صعبة الاشتراكيين، پوديموس، اليسار الموحد وأحزاب اقليمية صغيرة معروفة بنزعتها الانفصالية.
ويواجه هذا السيناريو، معارضة على جميع الأصعدة : من بارونات الحزب الاشتراكي وضمنهم القادة التاريخيون امثال فيلپي غونثالث والفريدو روبالكابا وخوصي لويس ثباطيرو، وسوسانا دياث، رئيسة حكومة اقليم الاندلس، ذات التأثير والثقل في الحزب الاشتراكي بالنظر الى عدد النواب الذين نجحوا في الاقليم تحت راية الحزب الاشتراكي.
وحذر اغلب القادة الفدراليين للحزب الاشتراكي، امينهم العام، پيدرو سانشيث، من مخاطر التحالف دون قيد او شرط مع، پوديموس، وتشكيلات اخرى تشكك في الوحدة الترابية للبلاد. ويستعد البارونات للجم طموحات سانشيث، بان يفرضوا على تحالفه المحتمل، قيودا لن يقبلها الطرف الآخر أي پوديموس.
وتراجع تفاؤل سانشيث، وقلت حماسته في الايام الاخيرة، وصار يغمز من قناة، پابلو إيغليسياس، الذي بمجرد مغادرته القصر الملكي بعد لقائه مع عاهل البلاد، سارع الى دعوة وسائل الاعلام ووضع امامها تصوره للحكومة المقبلة التي اختار فيها لنفسه منصب نائب رئيس الوزراء، في اشارة الى انه سيكون الشريك الفعلي في القرارات دون ترك الحرية المطلقة لسانشيث.
ولم يقف زعيم پوديموس، عند هذا الحد بل طالب لحزبه باربعة حقائب أساسية، من المفروض ان يكون بعضها سياديا مثل الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والعدل.
وقوبل جشع، پابلو إيغليسياس، ومراوغاته، بانتقادات وسخرية واسعة وضاعف مخاوف الاشتراكيين وقطاعات واسعة في الرأي العام، من إشراكه في تدبير الشأن العام في ظل موازين قوى مرتبكة.
واتخذ، پوديموس، امام حملة الانتقادات، مواقف ملتبسة، فهو من جهة يدعو الى فتح الحوار مع الاشتراكيين، لكنه يشترط عدم وجود اي خطوط حمراء، وهي اشارة ضمنية الى انه لن يتخلى بسهولة عن تأييد حق الجهات في تنظيم استفتاء تقرير مصيرها،ليسود في البلاد الحق في التعددية الترابية كما يقول وتصبح إسبانيا “موطن الاوطان”.
وفي نفس السياق الغامض، قال زعيم پوديموس، إنه سيستفتي قواعد حزبه بخصوص اي اتفاق حكومي يتوصل اليه مع الاطراف الاخرى. وحيث ان قواعد حزبه خليط طري وعجيب من الافكار والاعمار، فلا احد يستطيع التكهن بنتيجة هذا الاستفتاء.
إقرأ أيضا: “پيدرو سانشيث” قريب من قصر “لا منكلوا” والمتاريس كثيرة في طريقه!!
وعلى صعيد آخر حذر الاتحاد الاوروبي من تكرار سيناريو اليونان والبرتغال، في إسپانيا. وتتخوف، بروكسيل، من جمود الاقتصاد الاسباني الذي بدأ رحلة التعافي والانتعاش وخلق مناصب عمل وارتفاع طفيف في معدل النمو.
ويحذر تقرير اوروبي، سيصدر قريبا، من إشراك اليسار المتطرف في الحكومة لانه سيلغي التشريعات الجديدة المتعلقة بتنظيم سوق العمل، كما ان استجابة الحكومة اليسارية المحتملة للمطالب الشعبية، سيغرق البلاد في ازمة وسيخل بالتوازنات المالية. وهو تطور لن يقف تاثيره عند إسبانيا بل سيطال منطقة اليورو، وخاصة في ظل ركود في حركية الاقتصاد العالمي.
الى ذلك، يريد الاسبان، حسب استطلاعات للراي، استبعاد، راخوي وسانشيث، لكنهم يؤيدون فكرة تحالف عريض بين حزبيهما وثيودادنوس، لتشكيل حكومة جديدة.
واذا أخفق هذا الرهان، فلا مفر لاسپانيا من انتخابات جديدة نهاية الربيع المقبل (ابريل او بداية مايو).دون ان يعلم احد بعواقبها.