العدو الذي يسكن داخلنا

تختلف الحالة كثيرا عندما يأتي التهديد من عدو خارجي عنها، عندما يتمثل هذا التهديد في عدو يهاجمنا من داخلنا.
وكانت الحالة الأولى هي الشائعة في العالم العربي، الذي خاضت أقطاره شرقا وغربا، نضالا تعددت أنواعه، حربا وسياسة، مقاومة شعبية وجيوشا نظامية، لحسم الصراع مع العدو الذي يأتي من الخارج، سواء عندما كان غزوا أجنبيا استعماريا، وصل إلى احتلال أقطار عربية، أو عندما كان في شكل تحرشات وصدام وحروب قصيرة الأمد، مثل تلك الحروب التي خاضتها دول عربية تقع على خط المواجهة مع دولة الاحتلال الصهيوني، في حروب 1948 و1956 و1967 و1973، وما بعدها وقبلها من كر وفر على جبهة لبنان أو غزة أو مع مصر أثناء حرب الاستنزاف.
حروب الأقطار العربية هذه الأيام، تتركز أغلبها، إن لم تكن كلها، باستثناء الحالة الفلسطينية، على عدو يسكن داخلنا ويتمدد في عمق أرضنا، ويلقى المدد في أجناده ومحاربيه، من أبناء الوطن نفسه، وضحاياه في الجانبين من أهل البلاد، حيث يحارب الوطن وقواه الشرعية وجيشه الرسمي، تنظيما متطرفا متوحشا موغلا في الإجرام، وفئة من أبناء البلاد تمكن التطرف من أدمغتهم، وصور لهم أن هذه الحرب التي يخوضونها ضد أهلهم وشعوبهم، إنما هي حرب مقدسة، يبذلون من أجلها أرواحهم، في سبيل إخضاع أوطانهم لحكم الله الذي يرونه حسب هواهم، والتمكين لشريعة الله كما يتصورونها، والرجوع إلى كتابه ليكون هو الدستور بدل الدساتير الوضعية.
لسنا بصدد مناقشة المتطرفين في قناعاتهم، أو ردهم عنها بالإقناع والحجة والبرهان، لأنه من الواضح أن الأمر ليس فكرا فقط، وإنما هو شروخ في النفوس، وميول إجرامية تأصلت فيها، جعلت هذا المصاب بهذه العلل العقلية والنفسية التي تدفعه إلى الجريمة، يريد أن يغطي أمراضه وميوله الإجرامية بغطاء مقدس، ليذهب إلى مهمة القتل والتفجير والانتحار، التي تقتضي أن يتزنر النار ويفجر نفسه في حشد من الأبرياء، يقوم بهذه المهمة البشعة، وهو يشعر بالارتياح والطمأنينة، أكثر مما يشعر بهما القاتل المجرم، الذي لا يجد غطاء مصنوعا من دين لا يقر به الدين، ظنا منه أنه يخدم رسالة سماوية، ويلبي نداء خالق الكون، وسوف تكون المكافأة دخوله إلى فراديس الله، حيث سيجد أعدادا لا تحصى من الحور العين، ينتظرنه بالفرح وأحضانهن مفتوحة لاستقباله.
ومهما عرف التاريخ من نزاعات داخلية وحروب أهلية، وانقسامات وصراعات سياسية، انتهت بأن صارت صراعات مسلحة، فإنها لا تتشابه مع الحالة التي تعيشها أقطار الوطن العربي مع التطرف الديني، صانع الإرهاب ومفجر الحروب بين أبناء الوطن الحرب.
لن أبحث في دوافع وأسباب هذا الإرهاب، فهناك بالتأكيد خلطة من الأسباب والدوافع، يأتي في مقدمتها ما حصل من تجريف وتصحير للفكر والثقافة والقيم الأخلاقية وحقوق المواطنة، وتسطيح الدين وتسخيره أداة للحكم والسيطرة، ونتاج لعهود من الاستبداد ونزوات طغاة حكموا أقطار الوطن العربي، وكانوا مثالا للجهل والشر.
ولا أحد يمكن أن يقول لي أن دواعش سوريا ليسوا حصادا مرا للاستبداد الأسدي، وأن دواعش مصر وتونس والجزائر والسودان ليسوا ثمرة أساليب في الحكم غابت فيها الرؤية الحضارية والاعتبارات الإنسانية، وغابت فيها روح الخير والمحبة والحق، وساد فيها حكم المغالبة والقهر والكبت وغياب الحقوق والحريات الخاصة والعامة، ولا أحد يقول لي أن دواعش ليبيا، رغم ما يحصلون عليه من مدد خارجي، لم يكونوا نبتات أنبتتها تربة الاستبداد الذي ساد في عهد القذافي.

*كاتب ليبي/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *