لم يفصح خبر إقالة رئيس حكومة “فجر ليبيا” في طرابلس عن جميع ألغازه بعد، فقد جاء في فترة تجاذب شديد وانقسامات بين الجماعات المتمردة، متوازياً مع وضع مماثل تعيشه السلطات الشرعية في طبرق، يتعلقان معاً بضغوط الحوار الوطني المتنقل خارج البلاد والهادف إلى إسقاط معادلة الحكومتين والبرلمانين والعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية ودخول مرحلة جديدة تفضي إلى انتخابات تأسيسية أخرى.
رئيس الحكومة المتمردة في طرابلس عمر الحاسي حاول التمرد على قرار إقالته، لكنه لم يستمر على ذلك غير 24 ساعة قبل أن يرضخ ويسلم السلطة لنائبه الأول خليفة الغويل. فلا وجود لرئيس حكومة أو مسؤول في طرابلس يمكن أن يقول “لا” لقرار إقالته أو استبعاده من منصبه، فكل مسؤول لا يستجيب للقرارات الصادرة من تحت، معرض للخطف أو السجن إذا لم يكن الاغتيال، وصفحة ليبيا بعد نظامها السابق حافلة بمثل هذه التجارب.
السبب المعلن لخبر الإقالة هو ارتكاب الحاسي وعدد من وزرائه تجاوزات مالية، ولكن ما بدأ يتضح أن جوهر الإقالة يتعلق بخلافات بين ميليشيا “فجر ليبيا” وحليفتها ميليشيا “غرفة ثوار ليبيا” وهما المكونان الرئيسيان لما يسمى “حكومة الإنقاذ”. وتتعلق الخلافات أساساً بالمآل الذي سيصير إليه قادتها إذا نجحت مساعي الحوار وتشكلت حكومة توافق وطني على كافة أرجاء البلاد. وحسب ما يتسرب من معطيات، فإن “غرفة الثوار” تتهم الحاسي بالفشل في الدفاع أمام مبعوث الأمم المتحدة برنارينو ليون عن “شرعية” حكومته والتفريط في “الإنجازات” التي تحققت منذ منتصف العام الماضي حينما تم الانقلاب على نتائج انتخابات مجلس النواب المنفي في طبرق.
وفي الشرق ليس الحال أفضل مما هو في طرابلس، فهناك خلافات كبيرة بين الأطراف المكونة للسلطة الشرعية، واعترف رئيس الحكومة عبد الله الثني بتعرضه لضغوط لدفعه للاستقالة من منصبه، كما كشف عن “تجاوزات” داخل عمل الحكومة، في الوقت الذي لم تعد فيه الخلافات خفية بين من يرفض الحوار الذي تدفع إليه الأمم المتحدة وأصوات أخرى ترى في فرض هذا الحوار تجاهلا لشرعية السلطة المنتخبة وتضحيات الجيش الليبي في “معركة الكرامة” ضد الجماعات المتطرفة ومن بينها “فجر ليبيا” وصولا إلى التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل “داعش”.
من المهم جداً أن يتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية يطوي مرحلة القتال والفوضى والضياع، ولكن من حق الكثير من الليبيين أن يتخوفوا من عدم محاسبة من أجرموا في حق البلاد وزرعوها بالإرهابيين، وتنكروا لإرادة من أدلوا بأصواتهم لانتخاب مجلس النواب. فالميليشيات التي سيطرت على طرابلس كانت في البداية جزءاً من العملية السياسية، ولكنها فضلت الاحتكام إلى السلاح لقهر إرادة الليبيين على الانصياع لها. وقد تكشف الأسابيع القليلة المقبلة تغييراً في المواقف، ولكن نسبة النجاح ستكون ضعيفة للغاية. ففرقاء الحوار الذين يلتقون في الرباط والجزائر وبروكسل مازالوا لا يلتقون وجهاً لوجه وإنما عبر الوسطاء. ويعترف المبعوث الأممي بأن الطريق مازال شاقاً وطويلاً لأن الثقة شبه معدومة. ولسائل أن يسأل عن جدوى إقالة هذا المسؤول أو ذاك إذا كان الأفق مسدوداً والنتيجة الأقرب هي تكرار الفوضى.
*كاتب صحفي/”الخليج”