الجزائر تعرف أكبر دعاية في تاريخها حفاظا على صورة رئيسها العليل، الذي لا يريده أنصاره ميتا. يردونه لينين المحنط. بواسطته يحكمون ويتحكمون في الرقاب والرغبات. لا يهم مع من يتحالفون لتحقيق تلك الرغبات والأهداف. فهم يصورنه الخالد القوي المحافظ على التوازنات والاستقرار.
النظام الجزائري بارع بالطبع في نسج الخيوط، وخلط الأوراق. الحقيقية هي أن الرئيس فقد التواصل مع العالم بفعل الجلطة الدماغية التي عصفت به السنة الماضية. نقطة إلى السطر.
لكن تأبى العناكب الصغيرة داخل النظام إلا أن تواصل بإصرار تأكيدها على أن الرئيس بوتفليقة يحكم البلاد، ولو بقوة الصورة والدعاية. دعاية تقول بان الرئيس لم يفقد قدراته العقلية والمعرفية رغم الكرسي المتحرك.
ألِفْنا عمار سعداني يخرج بتصريحات نارية يستبق بها ما يقال ضد رئيسه، أو ما يحاك ضد مصالح مجموعته. تصريح سعداني رئيس حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر يؤكد “أن المهارات الحركية للرئيس ضعفت بسبب الحادث الذي أثر على أعصابه لكنه يقود البلاد بقدراته العقلية والمعرفية وهي سليمة”. هكذا يحاول ان يقطع الطريق على كل من يطرح الاسئلة حول اهلية بوتفليقة للحكم.
حسب عمار سعداني فبوتفليقة رغم افتقاره المهارات الحركية بسبب الحادث الذي أثر على أعصابه لكنه يقود البلاد بقدراته العقلية والمعرفية السليمة. لقد وقع زعيم الحزب الحاكم في التناقض الصارخ بتصريحه. إذ لا يمكن لرئيس أن يسوس 40 مليون جزائري وهو معطوب الأعصاب، ولا يمكن أن تكون هناك قدرات عقلية ومعرفة سليمة دون إظهارها في لغويا وفي قرارات جدية واجتماعات غير صورية.
هنا تبرز صورة روزفلت الرئيس الاميركي الذي قاد تحالفا ضد النازي الالماني من على كرسي متحرك دون ان يفقد قدراته الحسية والعقلية الحقيقية.
عمار سعداني لازال يذكر الجزائريين بانتخابات الرئاسة المهزلة التي تمت بالرموت كنترول. رئيس غائب وشعب مُغَيَّب. فقوله بانه “يدرك أن البعض في المعارضة نفد صبرهم وأنهم في عجلة من امرهم.في لكن الشعب الجزائري صوت لبوتفليقة في عام 2014 وهو يعلم أن المهارات الحركية للرئيس ضعفت”. تصريح في غير محله وإطلاق الكلام على عواهنه.
اذ ما معنى قوله ان المعارضة في عجلة من امرها؟ والمعارض سفيان جيلالي، رئيس حزب جيل جديد، يقول بان الرئيس بوتفليقة “صار أخطر رجل في البلاد”، دون أن يغفل على تفصيل أهم بأن “مؤسسة الجيش لم تعد محايدة وصارت طرفا سياسيا تدافع عن النظام الحالي.”
حتى ولو تم إجراء تعديل حكومي وشمل رئيس الوزراء، لن يغير هذا التعديل من الواقع شيئا. لان المربع الحاكم لن يترك فرصة لاي اصلاح او تغيير قد يأتي على كل مصالحهم ونفوذهم وهذا ما يؤكده عمار سعداني بقوله، انه يأمل ان يأتي رئيس الوزراء الجديد من صفوف حزب جبهة التحرير الوطني.
بعد هذا التأكيد لن يكون لكلام جيلالي اية قيمة في بورصة السلطة الحقيقية على ارض الواقع عندما يقول أن “الجزائر تسير في اتجاه لحظة تاريخية للتغيير، بعد أن صارت السلطة ضعيفة والرئيس غائبا وصاحب القرار مجهولا، بالإضافة إلى انخفاض أسعار البترول”.
الواضح ان مؤسسة الرئاسة في الجزائر اضحت مهتمة بتسويق صورة رئيسها في الداخل والخارج. اكثر من اهتمامها بملفات حساسة كالفساد المستشري والبطالة المتفاقمة وتردي المرافق العامة. والكل بدأ يطرح سؤال من يدبر شؤون الشركة الوطنية للمحروقات “سوناطراك” منذ 8 أشهر.
ليس سرا ان الرئيس لا يحكم بل تم تفويض كل سلطاته الى الحاشية. وكذلك تم داخل شركة “سوناطراك” البقرة الحلوب للنظام والحاشية.
إن شمولية النظام لم تبدأ مع عبدالعزيز بوتفليقة بل قبلها بكثير اذ “عندما يغيب الرئيس تصبح كافة مؤسسات الدولة في أزمة، بحكم أنه استحوذ على كل الصلاحيات، لذلك فإن الأزمة ليست في الجزائر بل في مؤسسة الرئاسة”، حسب الوزير والسفير السابق والمعارض حاليا، عبد العزيز رحابي.
رحابي هذا الشاهد المعارض من داخل النظام يؤكد ما يعرفه الجميع “ما دام الرئيس مريضا فيصبح اهتمامه بصحته وصورته أولى من اهتمامه بسير المؤسسات. وتعيين المسؤولين، مهمة موزعة بين أخيه الأصغر السعيد بوتفليقة والجيش ورجال أعمال”.
المعارضة الجزائرية بدأت تعي ان الدولة دخلت غرفة الانعاش. وهذا منطقي كون الجزائر تسيرها مجموعة متآلفة من المنتفعين من الجيش والاعلام والمال والاعمال وأحزاب سياسية وشخصيات، بدل مؤسسات حقيقية تقرر في مآل البلاد وثرواتها.
هذا الخلل الذي دام لعقود من الزمن وتغلغل في كل الدواليب لن يحل بمجرد قول مسؤول الأمانة السياسية والاقتصادية لحركة مجتمع السلم، فاروق طيفور، “ندعو في الحركة إلى حلها، وهذا الفراغ لابد من التطلع إليه من قبل السلطة والطبقة السياسية مجتمعة”.
رغم قول فاروق طيفور أن “السلطة تهربت من تدني أسعار البترول وقضية المادة 88 من الدستور وتخفيض الجزائر لتمثيلها الدبلوماسي، مثلما هو الوضع حاليا مع التسيير بالنيابة للمؤسسات، وهي مظاهر تمس بهيبة الدولة وتضربها في العمق.” هذا مجرد كلام تكرر عدة مرات وسمعناه على ألسنة كثيرة. ولم يتم تفعيل المادة 88 مع ان الرئيس عاجز عن تحمل مسؤولياته، ولا يقوى على تسيير شؤون بلاده دون المرور الى خطوات عملية حقيقية لإصلاح الوضع.
ما يزيد من سريالية الوضع الجزائري، وجود مسؤولين، بكثرة ما استفادوا من ريع البترول والغاز ينكرون بثقة عمياء ان الجزائر تسير دفتها أياد كثيرة. وهذا ما لمسناه من كلام المكلف بالإعلام في الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني السعيد بوحجّة، بقوله “لا يمكنني أن أبدي رأيي في هذه المسألة وليس لدي معلومات عنها، وهذا الوضع لم أنتبه إليه إلا الآن فقط”.
*صحفي مغربي/ “ميدل ايست أونلاين”