احتلت الجزائر المرتبة الأولى عربيا والـ20 عالميا من حيث تمتّع مواطنيها بحياة سعيدة وطويلة، حسب مؤشر السعادة العالمي الذي يحمل اسم “الكوكب السعيد”! وفي مفارقة عجيبة، نزل هذا التصنيف كالصاعقة على المواطنين الجزائريين من جهة، وبردا وسلاما على أهل النظام الحاكم من جهة أخرى. ونظرا للحالة الكارثية التي يعيشها الجزائريون في بلدهم ووضع أغلبهم المزري، اعتبر بعضهم أنّ هذا التصنيف بمثابة “نكتة” نهاية السنة، وغضب آخرون معتبرين أنّ ذلك يعدّ إهانة لهم واستخفافا بعقولهم، ولم يستبعدوا تورّط يد النظام الراشية في تلفيق تلك الكذبة الكبرى.
وشخصيا لقد مكثت قرابة الشهرين في الجزائر في المدّة الأخيرة، ولم ألمس تلك السعادة التي يتحدث عنها التقرير بل لاحظت العكس، لا أثر للسعادة على وجوه الجزائريين، بل رأيت تعاسة شاملة لا العين تخطئها ولا الأذن.
ولم ألتق في الجزائر، جزائريا واحدا راضيا عن أوضاعه، وكذلك في الخارج لم أصادف جزائريا واحدا راضيا عن أوضاع البلاد. تكفي إطلالة سريعة على الصحف الجزائريّة الصادرة كلّ صباح ليعرف المرء أن ما يقرّه مؤشّر السعادة هو مجرد عبث. فهل من المعقول أن تقفز الجزائر في زمن قياسي من المرتبة الــ73 حسب تقرير للأمم المتحدة حول الشعوب الأكثر سعادة في العالم الصادر في مارس 2013 إلى المرتبة الــ20 في شهر أكتوبر 2014؟
كيف يمكن الحديث عن سعادة في بلد وصلت نسبة البطالة فيه إلى حوالي 30 بالمئة، أما نسبة الطلاق والانتحار فهي في ازدياد مستمر، كما أنّ البيروقراطية تكاد تخنق الناس، وقطاع الصحة مريض مرضا عضالا منذ عقود، وأزمة السكن تنغص حياة الأغلبية؟
كيف يمكن أن يكون الناس سعداء والاحتجاجات وغلق الطرق والإضرابات لا تحصى ولا تعد؟ هل هو سعيد من يعيش وسط النفايات في عاصمة متهرّئة، تُصنّفُ على أنّها أسوأ مدينة في العالم في كلّ عام؟
وبغض النظر عن الانسداد السياسي، والمهازل الانتخابية المتعاقبة، والمدرسة المنكوبة، وفرض رئيس مقعد لم يعد قادرا حتى على الكلام، هل يمكن أن يكون سعيدا من يعيش أزمة حليب وبطاطس دائمة ولا يحلم سوى بالهجرة؟
*كاتب جزائري/”العرب”