لم يعد من الممكن بالنسبة إلى أوروبا تجاوز موقع المغرب كقطب إقليمي في الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب ، لدى أي سياسة في الحوض المتوسطي لمواجهة مخاطر الجماعات المسلحة. ذلك أن الدور المغربي ما فتئ يتزايد الطلب عليه منذ أن أطلت التحديات الإرهابية برأسها في منطقة الساحل وشمال أفريقيا، بحيث باتت المملكة نقطة تقاطع محورية بين الأمن والاضطراب على صعيد المنطقة؛ إذ أصبحت بالنسبة إلى العواصم الغربية مفتاح الاستقرار أو انعدام الأمن في نفس الوقت، وذلك وفقا لطريقة التعامل مع تجربتها الخاصة من لدن هذه العواصم.
وقد أظهرت اللقاءات الأخيرة التي عقدها مسؤولون من المغرب وأسبانيا في العاصمة مدريد، الكلفة السياسية والأمنية الباهظة التي يمكن للقارة الأوروبية أن تخسرها في حال عدم الانفتاح على الخبرة المغربية في تعقّب الجماعات المتطرفة، سواء داخل مجاله الترابي أو على الصعيد الأوروبي. فخلال التفجيرات التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس في 13 نوفمبر الماضي، قام المغرب بدور فاعل في العثور على مخبأ الانتحاري عبدالحميد أباعود، مما مكن السلطات الأمنية الفرنسية من القضاء عليه وتفكيك لغز الخلية الفرنسية التابعة لتنظيم ما يسمّى الدولة الإسلامية في العراق والشام. كما نسقت الأجهزة الأمنية المغربية في تبادل المعلومات عن المتطرفين من أجل تحديد مواقعهم وهوياتهم، ما أبرز الدور المغربي البارز في أي مخطط أوروبي لملاحقة الإرهابيين.
تدرك المملكة الأسبانية في سياق التطورات الأمنية النوعية على المستويين الإقليمي والأوروبي، أن الجوار مع المغرب ليس عبئا ثقيلا، كما تم تصوير ذلك في السابق من لدن الجهات التي ترمي إلى تسميم أجواء العلاقات بين البلدين، بل يشكل ضمانة للاستقرار في فضاء الحوض المتوسطي، الذي كان ساحة لتصادم الحضارات والأديان حينا، كما كان مسرحا للتبادل والتعايش أحيانا كثيرة. ولعل التحديات الأمنية في الأعوام الماضية تعتبر أحد الدوافع لتحويل المياه الجارية بين البلدين إلى تيارات متبادلة للأخذ والعطاء، من أجل ربح الاستقرار وتقليل كلفة الإرهاب.
إقرأ أيضا: تنسيق استخباراتي بين المغرب واسبانيا وفرنسا لمواجهة ” داعش” ليبيا
خلال العامين الماضيين أدى التعاون الأمني والمعلوماتي بين الرباط ومدريد إلى نتائج مثمرة انعكست على صعيد الاستقرار في المنطقة وقللت من الخسائر المحتملة. ففي منطقة تهتز على إيقاع التطرف منذ بداية ما يعرف بالربيع العربي، وما قاد إليه من تفكك دول وميلاد جماعات مسلحة تحاول ملء الفراغ، أصبحت كل السيناريوهات الكارثية واردة. وعلى الجانب الآخر من المنطقة، في الساحة الليبية، تتواجد العشرات من الجماعات المسلحة التي تسعى إلى توسيع دائرة انتشارها؛ وفي منطقة الساحل تنشط العشرات من الجماعات التي تشرئب بأعناقها لخلق أوضاع مماثلة لما يعيشه القطر الليبي. وتعيش أوروبا كابوسا يتمثل في تحصين الجهة الجنوبية للمتوسط، التي تعتبر مدخل السلم أو الحرب، ولذلك تحاول مد خيوط التعاون مع بعض البلدان التي تتوفر على مقومات الاستقرار والرؤية الاستراتيجية لأبعاد الأمن وهو ما يجعل المغرب لاعبا رئيسيا في معادلة صعبة مثل هذه.
منذ عام 2014 قامت الأجهزة الأمنية المغربية ونظيرتها الأسبانية بعدة عمليات مشتركة لتفكيك الخلايا المتطرفة في الجانبين، قادت إلى اعتقال 64 متشددا في البلدين، 41 منهم داخل المغرب، و23 في أسبانيا، غالبيتهم من المغاربة، وذلك في ثماني عمليات. وقد أمكن إحراز تلك النجاحات بفضل مقاربة تشاركية بين البلدين، همت بوجه خاص تشكيل فرق مشتركة من أمنيين مغاربة وأسبان في كل من طنجة وشبه الجزيرة الأيبيرية، وتسيير دوريات بحرية مشتركة، وتكوين مجموعات مشتركة للمراقبة والبحث، وآلية مشتركة أيضا لتبادل المعلومات.
بيد أن البلدين يدركان أن الأمن المتوسطي يتطلب توسيع دائرة الشراكة الأمنية، بحيث تضم جهات أخرى ليست أقل عرضة للتهديد، وهو ما بحثه مسؤولون من البلدين هذا الأسبوع، إذ تقرر أن يتم توسيع تلك الشراكة بحيث تشمل بلدانا متوسطية أخرى مثل السينغال وموريتانيا والجزائر ومالي. ويبدو أن البلدين أصبحا أكثر وعيا بضرورة تغيير المقاربة السياسية التي سادت طويلا على صعيد المنطقة المتوسطية، على اعتبار أن التصدي للإرهاب بشكل مشترك والانفتاح على بلدان أخرى، يتطلبان إدخال تعديل على تلك المقاربة التقليدية التي كانت تجعل من علاقات الجوار مصدر توتر فحسب، لا فرصة لتقوية التعاون الإقليمي.
كاتب مغربي/”العرب”