خلال هذا الأسبوع اكتظ المشهد السياسي الجزائري بعدد إضافي من الشخصيات السياسية التي تنعت في الجزائر بأنها ذات الوزن الثقيل في الحياة السياسية الوطنية، ويلاحظ المرء أن دائرة المعارضة أصبحت تضم الآن شخصيات عسكرية متقاعدة برتبة جنرالات، فضلا عن ظهور رؤساء حكومات ووزراء جدد في هذا المشهد كانوا جميعا في الماضي جزءا عضويا من تركيبة النظام الحاكم الذي لا يزال في السلطة إلى يومنا هذا. واللافت للنظر هو أنه رغم ماضي هذه الشخصيات المحاط بعدة علامات استفهام كبيرة، فإن الأحزاب المعارضة التي لم تتورط سابقا في التحالف الرئاسي، بقيادة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، قد رحبت بخصوم الأمس ومنحتهم صك الغفران الذي يمكنهم من الانضمام إلى ما يسمى بالمعارضة من جهة، والمشاركة من جهة أخرى في مؤتمر مزفران 2 الذي افتتحت أشغاله الأربعاء 30 مارس 2016 في قاعة صغيرة بضواحي عاصمة البلاد لا تتسع سوى لعدد لا يتجاوز 350 مؤتمرا، علما أن هذا المؤتمر لم يدع إلى المشاركة في أعماله حتى ممثلو الجمعيات والاتحادات والروابط الثقافية والمهنية والعلمية والفلاحية والعمالية وغيرهم من ممثلي الشرائح الشعبية التي يفترض في أي عمل سياسي وطني أنها تشكل معمار المجتمع المدني الشعبي.
يبدو واضحا أن هذا المؤتمر يتميز بطابع نخبوي مشكل من فسيفساء أحزاب نخبوية وبعض الشخصيات التي ليس لها عمق جماهيري في الجزائر العميقة، وهو الأمر الذي يثلج صدر النظام الحاكم في الجزائر دون أدنى شك. من الملاحظ كذلك أنه قبل يوم واحد فقط من انعقاد هذا المؤتمر أعلنت لجنته التقنية بهيئة التشاور والمتابعة التابعة للمعارضة، وعلى لسان أحد أعضائها وهو إسماعيل سعيداني، أن قائمة المشاركين في هذا المؤتمر لا تزال مفتوحة لأن عددا من الأحزاب المعارضة الأخرى، وفي صدارتها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب القوى الاشتراكية الذي أسسه الزعيم الراحل حسين آيت أحمد، لم تعلن رسميا بعد عن المشاركة أو عدم المشاركة في هذا المؤتمر، إلى جانب عدم وضوح موقف رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش أيضا.
هذا التردد من طرف هذا وذاك يبرز أن هناك تباينات في وجهات النظر بخصوص أسلوب التعامل مع النظام الحاكم، الأمر الذي يجعل هذه النخبة المعارضة القليلة غير موحدة فعليا رغم المظاهر الخارجية التي توحي بعكس ذلك. من المعلوم أنه قبل انعقاد مؤتمر مزفران 2 نظم حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي بمقره الرئيسي السبت الماضي ندوة لرئيس الحكومة ومدير عام شركة سوناطراك النفطية سابقا أحمد غزالي فجَر فيها قنبلة من العيار الثقيل، حيث أعلن أن “الجزائر ستصاب بالإفلاس الاقتصادي في عام 2019”. ففي هذه الندوة أكد غزالي أنه على مدى “55 سنة من الاستقلال لم يحقق النظام أي تطور اقتصادي بل التهم ريوع المحروقات التي تشكلت في باطن الأرض منذ الملايين من السنوات”. ولا شك أن أحمد غزالي من الشخصيات السياسية الجزائرية التي تملك خزَانا كبيرا من الأسرار بحكم تواجده في الحكم منذ عام 1962 لغاية 1994، حيث تولى طوال فترة 32 سنة مسؤوليات حساسة في الدولة منها منصب المدير العام لشركة سوناطراك النفطية ووزير المالية، ووزير الشؤون الخارجية، ووزير الطاقة، ووزير المياه، وسفير الدولة في بلجيكا وفرنسا ومنصب رئيس الوزراء. كما يفهم من نقده الموجه للسلطة الحالية، المستنسخة من تقاليد الحزب الواحد وأجهزة الدولة الغليظة منذ الاستقلال، أن الوزراء في الماضي والحاضر وكذا رؤساء الحكومات المتعاقبة لم يكونوا جميعا أصحاب القرار الاقتصادي أو السياسي، وإنما كانوا مجرد واجهة خارجية شكلية أما الحكام الفعليون الذين قرروا ومازالوا يقررون كل شيء فموجودون دائما وراء الستار.
إقرأ أيضا: هل يمكن دستور بوتفليقة الجزائر من التصدي لتداعيات الأزمة؟
في إطار رفع سقف الصراع مع النظام الحاكم نظم حزب حركة السلم نفسه، وفي بحر هذا الأسبوع أيضا، محاكمة رمزية لوزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل الذي تحوم حوله الشكوك بأنه متورط في الفساد المالي بعشرات ملايين من الدولارات دون محاكمة فعلية من طرف النظام الحاكم، وهو الذي عاد مؤخرا إلى الوطن واستقبل بحفاوة ويروج له على لسان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بأنه سيعين من جديد في منصبه السابق كوزير للطاقة والمناجم.
ومن الطريف أن عبدالحميد الإبراهيمي الوزير الأول الجزائري السابق العائد مؤخرا من منفاه ببريطانيا قد انضم بدوره إلى قافلة أطياف المعارضة المشاركة في مؤتمر مزفران 2 ورحب به كل الترحيب، علما أن هذا الرجل اتهم سابقا بتهم خطيرة ولم يبرهن الذين اتهموه إلى يومنا هذا على صحة مزاعمهم بالملموس، كما أن عودته إلى الجزائر لم تكن مشروطة بمحاسبته من طرف مجلس المحاسبة أو من طرف الجهات السياسية المسؤولة، الأمر الذي يدفع بالرأي العام الجزائري إلى الشك في كل شيء وفي المقدمة في وجود كيان الدولة ذاتها.
ماذا يعني هذا “السيرك” الجزائري المتميز بالفوضى وبألاعيب التموقع السياسي بغض النظر عن ماضي هذه الشخصية أو تلك، وهذا الحزب أو ذاك؟ وماذا ينتظر من معارضة لا تجمع شخصياتها وأحزابها قواسم مشتركة في مقدمتها تاريخ علاقة كل حزب وكل شخصية بالنظام الحاكم ماضيا وحاضرا، وفي الانتماء العقائدي، والسلوك السياسي والمبادئ الأيديولوجية.
إن هذا الخلل في البنية العامة لفسيفساء المعارضة يقف حاجزا نفسيا يحول دون تحرك الشعب الجزائري ليصطف حولها بإيمان وصدق واندفاع حيوي من أجل تغيير النظام وإعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة على أسس جديدة جوهرها التداول على الحكم في ظل الأطر الديمقراطية. لا شك أن النظام الحاكم يستغل هذا الخلل وينتظر ساعة الحسم ليكشف ملف تاريخ كل شخصية وكل حزب أمام الرأي العام الوطني، وذلك أثناء الدخول في معركة الانتخابات الرئاسية القادمة بعد انتهاء العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
كاتب جزائري/”العرب”