تواصل حركة النهضة تنظيم مؤتمراتها الجهوية، استعداداً لعقد المؤتمر العاشر الذي سيكون مهماً، سواء بالنسبة لمدى قدرة الحركة على حماية وحدتها، في ضوء التغييرات التي سيتم إدخالها على أفكارها وبرنامجها السياسي وهيكلتها التنظيمية، أو في السياق العام الذي تعيشه تونس، وهو سياق يتسم بتصاعد المواجهة ضد تنظيم داعش. هذا المؤتمر الذي تأخر كثيراً عن موعده، بسبب حرص قيادة الحركة على تجنب الانفجار الداخلي، نظراً لتراكم الخلافات وتعارض الحسابات وتعدد وجهات النظر حول مسائل كبرى وحساسة.
لا يستبعد خصوم حركة النهضة من أحزاب ومثقفين ونشطاء المجتمع المدني حصول انشقاق داخل الحركة، ويُكثرون الحديث عن اشتداد الصراع بين الصقور والحمائم، لكن هؤلاء يغفلون في حساباتهم أن هذه التناقضات، وإن كانت موجودة فعلاً، إلا أن المناخ الداخلي للحركة سيخفف الكثير من حدّتها، من أجل الحفاظ على وحدتها. ومما يساعد على تحقيق هذه النتيجة هو تعميق الشعور لدى أبناء “النهضة” بأن حركتهم مستهدفة من أعدائها في الداخل وفي الخارج. وعندما يقع النفخ في هذا السياق، ويحس الجميع أو الأغلبية الواسعة، بأن هناك مخاطر خارجية وأطرافا عديدة تريد أن تغرق السفينة بمن فيها، عندها يتم اللجوء إلى النفير العام، فيتراجع الحس النقدي، ويتغلب الإيمان بالمصير المشترك، ويصبح الاعتماد على القواسم المشتركة أكثر من “التورط” في تغليب عناصر الاختلاف، والدعوة إلى تأجيلها حتى يتوفر “المناخ المناسب لحسمها”. وهي آلية متعارف عليها لدى الجماعات والأحزاب التي تعيش حالة قلق عميق في داخلها. وبما أن حركة النهضة تتعرّض، في الفترة الأخيرة، لهجمات تشنها أطراف عديدة، تحرص على تقليص حجم الحركة والتشكيك في نياتها، فقد استغل نهضويون كثيرون هذه الفرصة، للحديث عن وجود محاولة “انقلاب ضد الحركة”. وتحاول هذه القيادات العليا والوسطى استثمار تصاعد مخاطر الإرهاب بعد عملية بنقردان التي كادت أن تقلب موازين القوى داخل البلاد لصالح تنظيم داعش، لتؤكد أن المرحلة الحالية تغليب الوحدة الوطنية ضد الإرهاب، وليس العمل على التقسيم الداخلي، وتهييج الأحاسيس من أجل إشعال فتيل الحرب الأهلية.
إقرأ أيضا: تونس: حركة النهضة تنفي رغبته في “الانقضاض” على الحكم
لم تقف استراتيجية الحركة عند تبني مقولة “أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم”، وإنما دعمت ذلك بالتركيز على ثلاثة جوانب أخرى، حتى تضمن نجاح مؤتمرها العاشر، من دون المساس بتماسكها الداخلي.
أولاً: توضيح مواقف الحركة بشكل كامل من تنظيمي داعش والقاعدة، إذ إن خصومها مستمرون في اتهامها بأنها الحليف الحيوي للحركات الإرهابية، وأنها التي وفرت لهذه التنظيمات العنيفة المناخ المناسب في فترة حكمها للتوسع والتمدد، واكتساب عناصر القوة. وحتى تنفي حركة النهضة هذه التهمة الخطيرة، ينظم كوادرها حملة قوية ضد “الدواعش”، واتهامهم بأنهم خانوا الله والوطن، وأن الإسلام بريء منهم، ومن أعمالهم الإجرامية، مستغلين في هذا الاتجاه البيانات التي أصدرها “تنظيم الدولة” ضد حركة النهضة، واتهامها بخيانة الإسلام.
ثانياً: الاعتماد على الجهود التحضيرية التي قامت بها الحركة، في الأشهر الأخيرة، حيث نجحت اللجان المكلفة بالإعداد للمؤتمر في صياغة مجموعة ورقاتٍ، تتم مناقشتها والتصويت عليها في فعاليات الجمعية العمومية، وقد تضمنت هذه المسودات مراجعاتٍ مهمة عديدة، والتي انحازت، في غالبيتها، للخط الإصلاحي داخل الحركة، سواء على الصعيد الفكري أو السياسي. وسنعود إلى ذلك في وقفات قادمة.
ثالثاً: تتميز حركة النهضة بتنظيم قوي، يعتمد على التماسك والانضباط والقدرة على الإبهار وإشعار الآخرين بالقوة الناعمة. وفي هذا السياق، سيكون للتنظيم مرة أخرى دور مهم في إيجاد المناخ الملائم لنحت صورةٍ خارجيةٍ، توحي بأن الحركة موحدة، وأنها قادرة على هضم اختلافاتها، وأنها تختلف عن بقية الأحزاب المأزومة، والتي نادراً ما بقيت بعيدة عن أجواء التطاحن والانقسام.
هذه صورة أولى، وللحديث بقية.
كاتب من تونس/”العربي الجديد”