لأول مرة أسمع أنه يوجد في الجزائر أتباع للمذهب الاثني عشري الشيعي.
كل الشمال الأفريقي هو فضاء للسّنة بصيغتها المالكية الأشعرية٬ ممزوجة معها طريقة الإمام الجنيد٬ أحد رموز التصوف السني.
هذه الهوية المذهبية الدينية المنهجية هي التي استقرت عليها الشخصية الدينية لمجتمعات دول الشمال الأفريقي من ليبيا للمغرب٬ مع أنه مرت فترات في تاريخ هذه المجتمعات هيمنت٬ أو ظهرت٬ فيها نزعات أخرى داخل الإطار السني٬ حيث كان الاتجاه الظاهري في دولة الموحدين.
خارج الإطار السني وجدت الإسماعيلية الباطنية مكاًنا لها في المهدية بتونس للانطلاق نحو مصر وتأسيس الدولة الفاطمية٬ غير أن هذه المرحلة لم تخلف طوائف مذهبية باقية حتى اليوم.
كما كان للخوارج٬ عبر فرقتي الصفرية والإباضية٬ إمارات في الجزائر وبعض ليبيا٬ لكنها انقرضت٬ وبقيت لها باقية حتى العصر الحاضر على هيئة أقليات مذهبية إسلامية٬ مثلما هو الحاصل في جبل نفوسة في ليبيا وغرادية في الجزائر.
نتحدث عن «التاريخ» المكّون للهوية والشخصية في تلك الأقطار المسلمة٬ لا عن العصر الحاضر الذي تشكلت من داخل المجتمعات المسلمة فيه نزعات «حديثة»٬ وإن تسربلت برداء الدين٬ واتخذت لها سنًدا تاريخًيا مصنوًعا.
لم أكن أعرف بوجود تاريخي حقيقي ممتد لعصرنا بالمذهب الإمامي الشيعي في الجزائر حتى أتحفنا الزعيم الشيعي العراقي الشاب مقتدى الصدر٬ تعليًقا على تقرير الخارجية الأميركية عن الحريات الدينية في الجزائر لعام ٬2014 الذي لم يرد فيه ذكر للشيعة٬ بتعليقات حانقة٬ بسبب هذا «التجاهل» الذي أغضب بعض الشيعة في الجزائر٬ فبثوا شكواهم لمقتدى٬ حسبما ورد في عدة صحف.
اقرا المزيد: مقتدى الصدر يدعو شيعة الجزائر إلى توحيد صفوفه
الصدر قال إنه لا يرتجي من «الاستكبار العالمي» إعطاء صورة حقيقية عن المظلومين في الجزائر٬ داعًيا أبناء المذهب الإمامي بالجزائر لعدم الخوف وللتجمع والاحتشاد.
الغريب أن سياسة الجزائر الخارجيةُ تعتبر ودية مع إيران والنظام الشيعي العراقي ونظام الأسد الإيراني هو الآخر٬ مما يعني أن مقتدى الصدر ساذج في السياسة.
تصريحه أثار الغضب في الجزائر٬ وأدى لنقيض مقصوده٬ فنقلت صحيفة «الشروق» الجزائرية عن رئيس النقابة المستقلة للأئمة الشيخ جمال غول٬ رفضه كلام الصدر٬ وقال إن وزارة الشؤون الدينية لا تقر بوجود شيعة أصلاً ضمن المكونات الجزائرية٬ معتبًرا هذا الأمر «خطًرا على النسيج الاجتماعي الجزائري».
لا نتحدث عن صون الحريات الدينية٬ فهذا حق٬ بل عن «افتعال» أزمة٬ الغرض منه تبشيري سياسي فاقع.
والمستفيد هو «الدولة» الإيرانية الخمينية بامتطاء القضية الشيعية على بردعة الحريات الدينية.
متاجرة بأقدس المشاعر
* صحافي وكاتب سعودي/ «الشرق الأوسط».