سعد بوعقبة*
الرعب الذي أصاب السلطة بسبب تدهور أسعار النفط، يعكس حالة غير طبيعية في تسيير المال العام.. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فبماذا نفهم الآتي:
أولا: الميزانية العامة للدولة تعد كل سنة بقانون مالية حسب قاعدة 37 دولارا للبرميل.. ويتم الأمر بداية من طرف الخبراء، ثم وزارة المالية، ثم مجلس الحكومة، ثم مجلس الوزراء.. وأخيرا البرلمان بغرفتيه، ثم يوقّعه الرئيس في حفل بحضور الحكومة.. ويصبح هذا القانون ساري المفعول طوال سنة كاملة.
سعر النفط لم ينزل تحت 50 دولارا.. ومعنى هذا الكلام أن الميزانية التي تعد على أساس 37 دولارا لا تتأثر.. أو المفروض أنها لا تتأثر بنقص المداخيل.. فلماذا تمت عمليات إلغاء المشاريع الكبرى ووقف التنمية في قطاعات حيوية، والحال أن الميزانية ما تزال كما هي؟ǃ
المزيد: الأزمة الاقتصادية..كيف دخلت الجزائر منطقة الخطر؟
هل معنى هذا أن السلطة كانت تصرف أموال عائدات البترول خارج إطار الميزانية العامة للدولة وخارج قانون المالية الرسمي؟ǃ أم أن قانون المالية كان مجرد إجراء شكلي لا يعكس حقيقة ميزانية الدولة؟ǃ
ثانيا: الرعب الذي أصاب الحكومة في موضوع الميزانية، إما أنه يكشف عن حالة تسيير للمال العام خارج الميزانية، أو أنه يكشف عن حالة عدم فهم الحكومة لموضوع الاقتصاد والميزانية أصلا.
لا يمكن أن نفهم لماذا هذا الهلع وأسعار البترول ما تزال توفر فائضا للحكومة من المداخيل، تزيد عن الميزانية الرسمية بما يقارب نصف القاعدة التي تحسب على أساسها هذه الميزانية.
ثالثا: صحيح أن الشعب وممثليه لا يعرفون شيئا عن محتويات الإيداعات التي تودعها الحكومة في البنوك الأجنبية كفائض في المداخيل من البترول.. ولا أحد يعرف الظروف التي تتم فيها عمليات اللجوء إلى استعمال أموال صناديق ضبط التوازنات وضبط الإيرادات.. لأن ذلك يتم خارج إرادة الشعب (البرلمان)، وربما خارج أي رقابة أو قواعد.
حتى الصناديق الخاصة التي تنشئها السلطة في سياق معالجة قضايا محددة، لا تخضع هي الأخرى لأي نوع من الرقابة الجدية.. مثل صناديق تنمية الجنوب، وصناديق تنمية السهوب.. وصناديق دعم الفئات الهشة.. وصناديق دعم السكن.. ودعم التشغيل، وغيرها.. وهي كلها سواقي تسحب من بحر ميزانية وخزينة الدولة دون تقديم ما يتطلبه الأمر من حسابات واضحة وجدية عن هذه العمليات.
الهلع الحاصل إذن، مردّه إلى أن الأمر قد يتعلق بسوء تسيير هذه المرافق، وليس بتدهور الميزانية التي من المفروض أنها لا تمس مشاريعها مادام سعر النفط لم ينزل تحت رقم 37 دولارا للبرميل.. إذن المشكلة في سحنون.. وليس في تعريف النون.
*صحفي جزائري/”الخبر”