بقلم: طالع السعود الأطلسي
اهتم الإعلام الجزائري، أيما اهتمام، ببرقية تهنئة من السفارة الأمريكية في الجزائر، للخارجية الجزائرية بمناسبة تَولِّي الجزائر رِئاسة مَجلس الأمن الأمَمي لشهر يناير الجاري… هي برقية مُجامَلَة عادية وتِلقائية مِن السفارة الأمريكية، حوَّلها الإعلام الجزائري إلى “حدَث”…
هو الخَوْف من إغْضاب الإدارة الأمريكية يسكن “مُخَيْخ” القيادة الجزائرية، حتى وتلك الإدارة، لدولة عُظمى، مُعترفَةٌ بمغربية الصحراء…
على عكس “الغضب” الجزائري من فرنسا وإسْبانيا للاعتراف نفسه… وكل مجاملة أمريكية تتلقَّفُها القيادة الجزائرية في شكل اهتمام أمريكي بالجزائر وحَفاوة بقيادتها… العطف الامريكي أمْنيَة القيادة الجزائرية وإن كان على مُستوى سفارة…
الاهتمام بتلك البرقية حول حدث ليس حدثا، يعود أيضا إلى “جُوعٍ” جزائري للاهتمام الدولي، جراء تَقَلّص مِساحة أصدقاء الجزائر مُقابل اتِّساع دائرة مَنْ خاصمتهم واسْتَعدَتهُم قيادتها…
فضلا عن أن رئاسته روتينية، تلقائية، لمُدّة شهر يتناوَب عليْها أعضاء مجلس الأمن، حسب الترتيب الأبجدي الإنجليزي، لم ترَ فيها غالبية الدُّوَل من تلك التي تُخاصمهم، كما من الدول التي، يُفترض، أنها تبادل الجزائر علاقات الصداقة، ما يوجب الاحتفاء بها، أو حتى اعتبارها مادة مجاملة ديبلوماسية…
خاصة وأنها مُجرد رئاسة بروتوكولية ولا تأثير لها على قرارات مجلس الأمن، والتي لا تُبَلْوِرها المداولات، ما دامت هي مواقف صادرة عن دُوَل، مندوبوها في المجلس يعبرون عنها بأمانة، لأنهم ليسوا هناك لتبادل الإقناع…
السيد بن جامع مندوب الجزائر في الأمم المتحدة، عقد ندوة صحفية ليشرح برنامج الجزائر لرئاسة مجلس الأمن، ولمدة شهر…
وطبعًا قال ذلك الكلام المُصاب بسُمنَة الادِّعاء، من نوع أن الجزائر “تناصر كل الشعوب المقهورة”… ولم يقل، ولا يستطيع أن يقول، “باستثناء الشعب الجزائري المقهور”. بدليل مُعاناته داخل بلده، من أجل التحصُّل على حاجاته الأساسية والضرورية، من المواد الغذائية الأولية، وشكواه من الضّيق في ممارسة حرياته الفردية والعامة…
وذلك ما تعبر عنه جملة “مانيش راضي” الشعبية، والماضية في التجذر والاتساع… وهي الحَملة التي تُقابِلها السلطات، كما العادة، بالاعتقالات في صفوف نشطائها… وطبعا، كان لا بد من اتِّهام المغرب بأنه وراء الحملة، وأن المُخابرات المغربية هي من توجهها !!! …
السيد بن جامع قال أيضا بأن “الجزائر مُستعدة لإفادة الدول الإفريقية من خِبْرَتها في مُحاربة الإرهاب”… وكأنه لم “يَسمع” بتصعيدٍ مالي من حِدّة اتِّهامها للجزائر بدعم الحركات الإرهابية التي تستهدفها…
وهو دليلٌ آخر على حقيقة أن الجزائر لا تُكافح الإرهاب، بل هي بالإرهاب تُعادي جيرانها، وتُهدِّد أمْن المَنطقة ودعمِها الانْفصالي للبوليساريو أوضحُ مثال، وأوضحُ عيِّنة من إصرار الجزائر على تغذية حاضنة إرهابية في المنطقة المغاربية، وامتدادها الجغرافي في الساحل والصحراء… ضد المغرب وبوَهْم تحقيق نفوذٍ في المنطقة…
قيادة الجزائر، اليوم، المعزولة من شعبها، وهي تتحسّس داخله تفاعلا مع الزلزال السوري، وهي كما لو انتابتها هيستيريا فشالات تدبيرها، تُفاقم من عزلة الجزائر الخارجية… بتشنُّجات، ارتدادية، مع مُحيطها المغاربي، الإفريقي والمتوسطي…
هي تشنُّجات مَرَضية من فرْط حساسية قيادة الجزائر للخطوات المغربية السليمة والمُتّئَدَة والوَئيدَة… يُجَلجل وقعها في التاريخ وفي الجغرافيا…
في العلاقات الخارجية للمغرب، والتي تتناسل فيها وتتَّسع فضاءات الأخوَّة والصّداقة، في كل القارات، وخاصة في الامتداد العربي للمغرب وفي عمقه الإفريقي، وفي جواره المتوَسِّطي الحيَوي، وُصولا إلى القارة الأمريكية… وهي نسيج علاقات خَيطُها الناظم الإفادة والاستفادة، وعلى مِنوال الصِّدق في التواد والاحترام والوضوح في التنافع…
وبديهي أنّ إدارة ديبلوماسية المغرب يُغذِّيها المشروع الإصلاحي التاريخي الذي يقوده الملك محمد السادس بغاياته ومَراميه ومُنطلقاته… محركها الأساس صون وتفعيل الوطنية المغربية والتي تُرسِّخ وَحدة الأرض والشعب المغربيين، وتُحقق التقدم الاجتماعي الذي ترعاه دولة الحق والقانون…
يُزعج قيادة الجزائر أن عقودا من عُدوَانيتها ضدّ المغرب بعكّازة انْفِصَالية قَدّتْها على قياسها، لم تنفعها في النّيْل من المغرب بصحرائه وبكل كيانه…
وهي تتبين اليوم نوعية انتصارات الديبلوماسية المغربية وحجمها في تثبيت الحق الوطني المغربي، في المؤسسات الدولية وفي العلاقات الثنائية للمغرب…
غير أنّها لا تملك للصدِّ المغربي الصارم لعدوانيتها ردًّا… وقد لاحظت كيف أن قرار مجلس الأمن، في أكتوبر الماضي، واصل، على رصيد القرارات السابقة عليه، البناء على مَضامين مَرجعية الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، وذلك بحضور المندوب الجزائري وضِدًّا على توسلاته وبكائياته…
دول القرار الدولي مُصمِّمَة على فتح مَسار الحلِّ السِّلمي للمنازعة الجزائية في الحق الوطني المغربي… وهي تُقبل بحماس على التعاون مع المغرب، سياسيا واقتصاديا… ما يؤمن للمغرب موقع الفاعل في التطورات الجيواستراتيجية، انطلاقا من موقعه الجغرافي، بامتداداته في الوضع العالمي، الإفريقي، المتوسطي والعربي…
المُبادرة الملكية المغربية الحائزة في السجل التاريخي على اسم “المبادرة الأطلسية”، علامةٌ مميزةٌ على نوعية التعاطي الجِدِّي المَغربي بالممارسة الديبلوماسية…
لم يكن إطلاق الملك محمد السادس لتلك المبادرة لمجرد ملئ فراغات في الحديث الديبلوماسي أو لمجرد تمنيات بلا غد لها… المبادرة اليوم لها ملموسية وغرست في مخططات الإرادة التنموية لبلدان الساحل الأطلسي من نيجيريا إلى المغرب وعموم دول جنوب الصحراء الإفريقية المُشاطئة للمحيط الأطلسي…
أنبوب الغاز نيجيريا المغرب ماضي في خطوات الإنْجاز، دوَل الساحل والصحراء انْخرطت في المبادرة بالمدارسة الأولية… وها هي المبادرة تستقطب مشروعا اقتصاديا نوعيا وضخما يجمع الإمارات العربية، موريتانيا والمغرب…
ذلك المشروع الواعد اقتصاديا، سيكون له عائد هام ونوعي على الوضع الجيواستراتيجي للمنطقة، إنه المجهود التنموي الذي يفعل في الأرض ليغير التاريخ، وإنه الصدى العملي للنداء الملكي لإفريقيا بأن تثق بذاتها وتنهض بطاقاتها على قاعدة رابح-رابح…
والمبادرة تتجه إلى تفعيل البُعْدَيْن الإفريقي والعربي والدولي في تنمية المنطقة وفي إعادة تركيب معادلاتها… أمام العدوانية الجزائرية ضد المغرب وابتزازاتها لموريتانيا ولدوَل جوارها في منطقة الساحل ستنتصب فواصل تُبْطِل مَفعولها وتعزل الجزائر أكثر… لا بل ستجد قيادتها نفسها خارج المسار التنموي للمنطقة وداخل المواجهة مع شعبها في حالة اشْتدادِ اضْطِرَامها…
كل هذه توقعات في الزمن المنظور، لأن المسار التنموي الحماسي للمنطقة مُندفع نحو المستقبل، وقد انطلق… ومن اختار من الدول أن يبقى أسير ماضيه ويتسلى بجمل المفاخرات البلهاء والتباهي بزعامات مُتوهّمة أو رئاسات عابرة، ويغثو في السياسات وفي الكلام، كحالة قيادة الجزائر فلن يتبقّ له سوَى الزّبد الذي يذهب غُثَاء، أما ما ينفع التاريخ، فيُخَصِّبُ التاريخ…
وبذلك لن يراسل الجنرال في القيادة الجزائرية إلا جهات أدنى من سفارة… أما الدول التي هي دول فلها مَشاغل واهتمامات أهم وأجدى…
نشر في صحيفة العرب