لعب فرنسا على مختلف الحبال لن يفيدها مع المغرب!!

بقلم: هيثم شلبي

يمكن للمتتبع للسياسة الخارجية الفرنسية في مختلف عهودها، أن يخرج بثابت وحيد في وصفها: أنها “بدون ثوابت”! وقد يقول قائل أن هذه الصفة (عدم الثبات) هي صفة ملاصقة للسياسة والدبلوماسية، حيث الثابت الوحيد هو البحث عن المصلحة، لكنه مفهوم “غربي” إن جاز التعبير، وليس مطلقا في توصيف السياسة، أي سياسة.

نسوق هذه المقدمة البسيطة، ونحن نتابع تصريحات متناقضة “ظاهريا” للرئيس الفرنسي والدبلوماسية الفرنسية، عبر فيها عن تأييده للهجمة الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، بالحجة الغربية المخادعة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، بل وزاد على باقي المواقف الغربية الداعمة بالمطالبة بتكوين “تحالف دولي” ضد حماس، نظير ما هو موجود ضد داعش، مع الفارق الواضح بين الحالتين.

ساعات بعد ذلك، وغير بعيد عن إسرائيل، نجده يزايد على الرئيس المصري في التعاطف مع الضحايا الغزيين، والمطالبة بتوفير ممرات إنسانية آمنة لهم!! بالتزامن مع هذا الحدث، كانت الدبلوماسية الفرنسية دون غيرها في أوروبا، تدافع عن أطروحة الجزائر والبوليساريو، بل وتترافع نيابة عنهم أمام محكمة العدل الأوروبية، بل وتزايد عليهما، بالمطالبة بأن يضع المغرب عبارة “الصحراء الغربية” على جميع المنتجات التي تنتج في أقاليمه الجنوبية!! وفي المقابل، وكما تعودنا سابقا، سيقف خلال يومين مرحبا بتجديد مهمة المينورسو، ومعبرا عن تقديره لمقترح الحكم الذاتي!!

في الحالتين، يعتقد الرئيس الفرنسي ماكرون، ودهاقنة دبلوماسيته أنهم يديرون سياسة ناجحة، يُسمعون فيها مخاطبيهم ما يريدون، وهي “العقيدة” التي عبر عنه صراحة الرئيس ماكرون، في التسريب الصوتي الذي “حقّر” فيه النظام الجزائري، وأوصى بأن يغدق الجميع عليهم عبارات الإطراء والغزل حتى ينالوا مرادهم منهم!! وهكذا، وخلال ساعات، أسمع ماكرون كلا من نتنياهو والسيسي ما يريدان سماعه، ونقلت وسائل الإعلام في البلدين عنه ما تود نشره، وتعتقد أنه مفيد لوجهة نظرها.

ولقلة نباهة ماكرون وفريقه، اعتقدوا أن إسماع الجزائريين ما يريدون في بروكسيل، وفعل الشيء نفسه مع المغاربة في نيويورك، كفيل بإخراجهم من “ورطة” تحديد موقفهم من هذا النزاع، والتغطية على حقيقة أنهم كانوا هم أنفسهم (أي الفرنسيين) أحد كبار المساهمين في خلقه، وربما المسؤول الرئيسي، عن استدامته طيلة هذه السنوات، بسبب “عمالة” جنرالاتهم في الجزائر!!

وإذا كانت هذه هي فلسفة الدبلوماسية الفرنسية الضعيفة والمتراجعة على المسرح العالمي، أمام القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين، والمتوسطة كروسيا وتركيا، بحيث تبدو مضطرة دائما لأن تكون تابعة لطرف ما، ومقدمة لخدمات الوساطة لمن يرغب، أو يدفع؛ نقول، إذا كانت هذه الدبلوماسية مفيدة عند بعض الأطراف في الشرق الأوسط وأفريقيا، التي لا تزال تعتقد أن فرنسا، بامتلاكها لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن، لا تزال تعتبر دولة عظمى أو حتى متوسطة، فهي قناعة بدأت بالتلاشي لدى كثير من دول المنطقة والقارة، وعلى رأسها المغرب، الذي، وعكس فرنسا، يحرص على تحديد ثوابت دبلوماسيته، ويعلن مواقفه دون تناقض، بين الغرف المغلقة والفضاءات المفتوحة!

من الغباء ألا تدرك فرنسا أن المطلوب ليس مجرد الاعتراف بجدية مقترح الحكم الذاتي، بل ولا حتى بمغربية الصحراء، ولكن بالأساس، بمشروعية استرجاع المغرب: لأراضيه التي اقتطعتها منه فرنسا الاستعمارية؛ ولدوره ونفوذه في محيطة المغاربي وفضائه الأفريقي، وأن تتوقف عن السلوكيات العدائية تجاه المغرب ومصالحه، في الفضاء الأوروبي وباقي الهيئات الدولية، لتستحق مكانة “صديق المملكة” الذي يراعي مصالحها المشروعة، ولا يضحي بها عند أول منعطف.

ويبقى السؤال الأصعب: هل السلوك العدائي الفرنسي مرتبط بالرئيس الحالي ماكرون وفريقه؛ أم بالتيار الواسع الذي يمثله اليمين المتطرف، المعادي في العمق لكل ما هو غير أوروبي أبيض؛ أم هو سلوك فرنسي عام، بدرجات متفاوتة، كمستعمر سابق للمغرب، من الصعب أن يخضع لمتطلبات العلاقة الندية، بعد الإقرار بتبدل الأحوال؟! وهل يمكن أن يأتي نظام أو رئيس مقبل بعد ماكرون، يخضع لمتطلبات وشروط تحسين العلاقة بين المغرب وفرنسا، وليس مجرد تجميلها ببعض المساحيق والتصريحات والمواقف؟ الإجابة متروكة للزمن!!

الأكيد، أن فرنسا تخسر المغرب بشكل متعاظم كل يوم، بسبب إصرارها على سياسة اللعب على الحبل الجزائري والمغربي، على غرار لعبها في باقي المناطق، وعلى مختلف الحبال. وعليه، ومن أجل إيقاف هذه الخسائر، وتدارك العلاقة المتدهورة مع رقم عربي وإسلامي وأفريقي ودولي صعب كالمغرب، ليس أمامها من سبيل سوى أن تنزل عن الحبال التي تعتليها إلى أرض الواقع، وتقر بحقائقه المتجددة، وتضع نفسها بشكل واضح لا لبس فيه، إما في خانة العداء السافر، أو الصداقة الحقيقية التي لا يشوبها تناقض، لأن عكس ذلك لن يعني سوى الوصول إلى القطيعة التامة!!

اقرأ أيضا

الجزائر

أليس لجنرالات حكم الجزائر من يُصحِّيهم

إنه إعصارٌ اندلع هُبوبًا على الرُّقعة العربية من هذا العالم، له جذورٌ في “اتفاقيات سايكس بيكو”، ولكنه اشتدَّ مع بداية عشرينات هذا القرن وازداد حدة في غزة، ضد القضية الفلسطينية بتاريخها وجغرافيتها، إلى أن حلَّت عيْنُ الإعصار على سوريا، لتدمير كل مُقوِّمات كيانها. وهو ما تُمارسُه إسرائيل علانية وبكثافة، وسبْق إصرار، نسْفًا للأدوات السيادية العسكرية السورية.

مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي

سلط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الضوء أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على إطلاق المغرب والولايات المتحدة لمجموعة الأصدقاء الأممية بشأن الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز وتنسيق الجهود في مجال التعاون الرقمي، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.

المغرب يحرز نجاحا بنسبة 100 بالمائة في ترشيحاته للمناصب الشاغرة دوليا وإقليميا

سجلت المملكة المغربية خلال سنة 2024، نجاحا بنسبة 100 في المائة في ترشيحاتها للمناصب الشاغرة داخل المنظمات الدولية والإقليمية.