ضيعت الأحزاب السياسية الإسبانية على البلاد المال وأكثر من أربعة أشهر في جدل لا يتردد كثيرون في وصفه بالعقيم، على إثر الفشل المدوي في الاتفاق على حكومة ائتلافية كاملة أو مقلصة الولاية التشريعية ، لتجنيب الناخبين الأسبان العودة إلى صناديق الاقتراع للمرة الخامسة خلال 14 شهرا.
وكان ملك البلاد، فيليبي السادس، الذي واجه أول وأصعب أزمة سياسية منذ توليه العرش ، قد ناشد الأحزاب الممثلة في البرلمان الحالي قبل إعلان حله، كي تكون رحيمة بالبلاد والعباد ، داعيا إلى تنظيم حملة انتخابية متقشفة، لتوفير المال على الخزينة الإسبانية ، إذ كلفت الأولى زهاء من160مليون يورو.
وكما كان متوقعا بدأ كل حزب من الأربعة، في إلقاء اللوم على الطرف الآخر بتحميله مسؤولية المشهد الحزين الذي انتهت إليه المشاورات والمنافسات وحتى المناورات التي انطلقت منذ صبيحة الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي.
وفيما يشبه ممارسة النقد الذاتي، سارع أمين عام الحزب الاشتراكي ، بيدرو سانشيث ، إلى الاعتراف، في برنامج إذاعي ، أنه لم يكن محقا في نعت رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، ماريانو راخوي ب “عديم اللياقة” في سياق المواجهة التي جرت بينهما في التلفزيون قبيل الانتخابات الأخيرة ؛ فقد تأكد ، بعد الواقعة، أن زعيم الحزب الشعبي، لم ينس لغريمه ذلك الوصف القاسي ما جعله متصلبا في موقفه الرافض لمنع وصول، سانشيث، إلى قصر “لا منكلوا” على جثة الشعبي، معتبرا أنه الأحق بالمنصب ، كون حزبه هو المتصدر للانتخابات التشريعية وحصوله على ما يقرب من سبعة ملايين صوتا.
وكان بإمكان ،سانشيث، التراجع أو تخفيف السرعة في سباق سياسي ، ظهر جليا ومنذ البداية، انه محفوف بشتى أنواع المخاطر وخاصة من حزب “بوديموس” المتقلب الأطوار الذي يسعى، في العمق، إلى تحييد الاشتراكيين من المشهد السياسي والحلول مكانهم في تزعم قوى اليسار الإسباني.
ويرى محللون، أن المنتصرين في هذه المعركة الخاسرة هما: الملك فيلبي الذي نأى بنفسه عن ممارسة أي تأثير على الفاعلين الحزبيين فاستحق الثناء من كل الأطراف ومن الرأي العام ،لأنه احترم الدستور وتقيد بأخلاقيات وأعراف الملكية البرلمانية.
أما المنتصر الثاني فهو، ماريانو راخوي ، الذي لم يغير موقفه منذ لليلة العشرين من ديسمبر، حينما أعلن أن حزبه يقر بالنتائج التي منحته المرتبة الأولى ما يمنحه الحق في تشكيل حكومة، بل إنه تلقى التهنئة من منافسه الرئيسي زعيم الحزب الاشتراكي.
ورفض، راخوي، خلال المشاورات التخلي عن ما يعتقد أنه حق دستوري، مادا يده إلى الحزب الاشتراكي الذي يقاسمه الاختيارات الدولتية الكبرى من قبيل التصدي للإرهاب والتشبث بالوحدة الترابية لإسبانيا؛ لكن، سانشيث ،انساق وراء أوهام رئاسة الحكومة، مراهنا على تليين في موقف “بوديموس” بينما تعددت المؤشرات على أن الأخير يسعى جاهدا إلى إزاحته من الطريق وإن لوح بتأييد قيادة ، سانشيث، لحكومة التغيير التقدمية ، تضم خليطا من الأحزاب غير المتجانسة .
وحول الأخذ والرد بين، بوديموس، والاشتراكيين ، مجلس النواب الإسباني إلى ساحة للمساجلات الكلامية واستعراض العضلات فيما بينهم بل تبادل القبلات المثيرة بين زعيم ،بوديموس، أحد حلفائه من الأحزاب القومية ، فنتج عن كل ذلك أن المؤسسة التشريعية تحولت إلى ما يشبه قاعة للفرجة المسرحية .
وسيواجه الإسبان نفس المشاكل والتحديات التي أملوا في التغلب عليها بتصويتهم يوم العشرين من ديسمبر، وربما لن يختلف المشهد كثيرا عن ليلة السادس والعشرين من يونيو المقبل، إذ تتوقع استطلاعات الرأي أن الخريطة الحزبية ستظل على حالها باستثناء تغييرات طفيفة يحتمل أن تكون في صالح الحزب الشعبي الذي صرح زعيمه أنه سيخوض الحملة بنفس البرنامج بعد تنقيح محدود؛ فيما سيجد زعيم الحزب الاشتراكي ، نفسه في وضع صعب وحرج، خاصة إذا ارتفع عدد مقاعد “الشعبي” في مجلس النواب، وبقي نصيب، ثيودادانوس، على حاله أو أقل، ما يعني إن التحالف الثلاثي يبقى الحل المستقبلي الممكن في ظل وضع حزبي متنافر.
وفي جميع الأحوال، ورغم تضييع الوقت وخسارة المال فإن إعادة الانتخابات، ستكون أفضل من حكومة غير متجانسة تتقاذفها الرياح من جهات متعددة، تؤثر على صورة إسبانيا في الخارج وإظهارها بالبلد الذي يعاني من ديمقراطية مريضة بعد ما أشاد العالم بتجربتها في الانتقال السلس من نظام ديكتاتوري مستبد، إلى رحب الملكية البرلمانية .