ظهر، ماريانو راخوي ، رئيس الحكومة الإسبانية المنتهية ولايتها، صباح اليوم الأربعاء، وحيدا أعزل في برلمان بلاده، ليس له من سند سوى نواب حزبه “الشعبي” بينما اصطفت كل الفرق البرلمانية في الصف المعارض له، المناوئ لسياساته السابقة واللاحقة، منتقدين بشدة موقفه الأخير من الاتفاق المبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي بخصوص إيواء اللاجئين المحاصرين في اليونان.
لكن ما ميز جلسة البرلمان التي حضر إليها، راخوي، على غير طيب خاطره، هو الانقسام الحاد في الرأي بين الكتل البرلمانية؛ ليس بصدد السياسة التي يجب إتباعها حيال اللاجئين وإنما أيضا على خلفية النهج الذي ينبغي أن تسير عليه الحكومة المقبلة التي تبدو بعيدة يوما بعد يوم، وكلما قرب الثاني من مايو المقبل وهو الموعد المحدد لإعلان حل البرلمان الحالي ودعوة الناخبين لصناديق الاقتراع يوم 26 يونيو.
وفي هذا الصدد وجهت انتقادات حادة لزعيم الحزب الشعبي كونه لم يمتثل في حينه لطلب بعض الكتل البرلمانية التي ألحت على مثوله من قبل أمام نواب الأمة لمسائلته بخصوص القرارات التي اتخذها خلال الفترة المؤقتة بعد انتخابات العشرين من ديسمبر الماضي والتي سحبت الأغلبية المطلقة من حزبه الذي حكم بموجبها خلال الولاية التشريعية السابقة.
ولم يكن الناطقون باسم الفرق البرلمانية الذين توالوا على منصة المجلس رحيمين ولا حتى مجاملين سياسيا لرئيس الحكومة، بل صاغوا كلهم نقدهم بعبارات شديدة القسوة، مذكرين “راخوي” بأن صفته كرئيس لحكومة منتهية ولايتها، لا تعفيه من الاستجابة لمطلب البرلمان لتقديم الحساب؛ فهو ليس فوق المؤسسة التشريعية بل على العكس من ذلك يجب أن يكون أكثر عرضة للمراقبة والمحاسبة بالنظر للطابع الاستثنائي الخاص لفترة حكمه المتبقية.
ولم يشذ عن قاعدة النقد الصارم، الحزبان المفترض فيهما أن يشكلا تحالفا افتراضيا بصيغة من الصيغ مع راخوي وحزبه الشعبي، وهما الاشتراكي وثيودادانوس. وما زاد الوضع غموضا والتباسا أن “البرت ريفيرا” زعيم ثيودادانوس، وجه الاتهام صراحة في المجلس إلى حزب، بوديموس، مطالبا إياه بالرد الصريح على الاتهامات والشكوك التي تحوم حوله بخصوص تلقي تمويل من فنزيلا وإيران، حيث يقدر ما استلمه الزعماء المؤسسون للحركة الفتية من حكومة الديكتاتور الراحل هوغو شافيث، حوالي سبعة ملايين يورو.
وخرجت أمس صحيفة “ا ب ث” المحافظة، أمس بعناوين كبيرة على صفحتها الأولى أبقتها اليوم، باتهام صريح لقادة “بوديموس” بتلقي أموال من حكومة “كاراكاس” بغرض مساعدتهم لقاء خدمات وهمية، لتأسيس حزب سياسي لترويج الأفكار الشعبوية المعادية للرأسمالية والأمبريالية التي طالما بشر بها حاكم فنزويلا، وربما لاقت في حينها هوى في قلوب الشاب، بابلو إيغليسياس وصحبه في إسبانيا.
وحسب ما أوردته الجريدة الإسبانية من وثائق إضافية، فإن النواة الأولى التأسيسية لبوديموس، اشتغلت لحساب نظام فنزويلا، إذ أقاموا هناك كمستشارين لقاء تعويضات مولوا بها بعد عودتهم حركاتهم الأولى وخاصة من خلال “مركز الدراسات السياسية والاجتماعية” الذي يعتبر المهد الذي ترعرعت فيه حركة بوديموس.
وأمام دوي هذه القنبلة التي أثيرت قبل أشهر من طرف نفس المنبر الإعلامي، تقوم المصالح الأمنية المتخصصة في مكافحة الجرائم المالية بالتحقيق والتحري السري في المخالفات الخطيرة الموجهة لحزب، بابلو إيغليسياس، على الرغم من أن المحكمة العليا، سبق لها حفظت الملف قبل بروز دلائل جديدة يجري فحصها الآن في سرية تامة.
وشجع طول الأزمة الحكومية واحتمال تنظيم انتخابات جديدة توتر الوضع السياسي في إسبانيا، حيث يحرص كل حزب على إظهار نفسه وصفوفه متشبعين بقيم التخليق والشفافية والحكامة، بهدف استمالة أصوات الناخبين.
وانضمت دولة قطر، إلى قائمة الجهات التي تحوم حولها شكوك بخصوص تقديم مساعدات مالية إلى الحزب الفتي. وتربط الصحافة هذا الاتهام الجدي والمثير بموقف حزب بوديموس من “الحلف السياسي ضد الإرهاب” الذي وقعه في وقت سابق الحزب الشعبي والاشتراكي وثيودادانوس، رفض بوديموس الانضمام إليه والاكتفاء بصفة ملاحظ، ما أثار تساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء الانفراد بذلك الموقف الغريب، خاصة وأن مقترح الحكومة الحالية جاء في سياق الضربات الإرهابية الموجعة التي تعرضت لها بلدان أوروبية.
إقرأ أيضا: “راخوي ” انتهى زمنه السياسي وحزبه يتبنى نفس موقف “بوديموس”؟
ويقول المتشككون في براءة الذمة السياسية والمالية لبوديموس: إن الحزب تلقى مقابلا على رفضه الانضمام للحلف المناوئ للإرهاب، على اعتبار أن دولة قطر، تقف من وجهة نظرهم، وراء تمويل عدد من الحركات الدينية المتشددة في أوروبا، من خلال دعم المساجد ومراكز العبادة الموجهة للجاليات الإسلامية وخاصة في إسبانيا.
وفي هذا السياق المتأزم، يتوقع المراقبون فشل اللقاء الذي يفترض أن يجمع غدا الخميس، الأحزاب الثلاثة: الاشتراكي وثيودانوس وبوديموس، لمناقشة إمكانية تشكيل أغلبية حكومية وخاصة بعد الاتهامات الخطيرة الموجهة لبوديموس على مرأى ومسمع من نواب الأمة والشعب في التلفزيون، على لسان، ريفيرا، وبالتالي فمن الصعب تصور تخلي أي طرف عن التصلب في مواقفه، وسيبقى الاشتراكي وثيودادنوس وحيدين. فكيف يمكنهما إقناع الحزب الشعبي بتأييد مسعاهما لتشكيل حكومة أقلية، يصوت لصالحها أو يمتنع عن ذلك.
سيناريو يبدو بعيد الاحتمال.