بعد أن كانت مسرحا لمجموعة من العمليات الإرهابية العام الماضي، وتحوله لهدف لتنظيم “داعش“، تبحث اليوم تونس عن استراتيجية أمنية لمواجهة الإرهاب الذي يشكل الخطر الأكبر على البلاد في مرحلتها الانتقالية.
صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية قامت برصد لمجهودات الحكومة التونسية لمواجهة التهديد الإرهابي الذي يتفاقم اليوم بعد مرور خمس سنوات على اندلاع ما سمي “ثورة الياسمين“.
ما بعد هجوم باردو
في أعقاب الهجوم الإرهابي على متحف باردو بالعاصمة التونسية، والذي أودى بحياة 21 سائحا أجنبيا وعنصر أمن تونسي، أعلنت الحكومة التونسية إلقاء القبض على 23 شخصا وأكدت أنها قامت بتفكيك 80%.
وفي 23 مارس 2015 أعلنت السلطات التونسية مقتل تسعة متطرفين على ارتباط بتنظيم “القاعدة بالمغرب الإسلامي” من خلال فرعها المسمى “كتيبة عقبة بن نافع“، من بينهم قائد المجموعة الجزائري لقمان أبو صخر والمتهم بكونه العقل المدبر لهجوم “باردو”.
بعد ذلك أكدت السلطات التونسية في شهر أبريل نجاح مصالحها الأمنية في تفكيك خليتين إرهابيتين على ارتباط بهجوم باردو، ما جعل عدد الموقوفين يصل إلى 46 شخصا تم الإفراج عن ثمانية منهم بعد بضعة أشهر من طرف العدالة التونسية.
“تواصل الحكومة التونسية بشأن التحقيق في القضية كان ضعيفا وظلت تشوبه الضبابية. وبالتالي، كان من الصعب على وزير الداخلية، الذي حمل تنظيم “القاعدة” المسؤولية عن الهجوم، الإقرار بما ظل تنظيم “داعش” يردده من أنه هو المسؤول عن الهجوم لأن ذلك كان سيعني إقرار بوجود تنظيم الدولة فوق الأراضي التونسية”، يقول الباحث التونسي في الشؤون الأمنية حبيب السايح.
إقرأ أيضا: هل تشكل “داعش” خطرا آنيا على الجزائر؟
بلد مصدر للمقاتلين
تحولت تونس إلى أحد أكثر البلدان المصدرة للمقاتلين الأجانب في جبهات القتال حسب ما تؤكده الأمم المتحدة. في نفس الأثناء، تعبر السلطات التونسية عن قلقها المتزايد بخصوص الوضع في ليبيا حيث تأثر الفوضى والفراغ الأمني الناتج عن سقوط نظام معمر القذافي، وهو ما سهل ظهور تنظيم “داعش” هناك.
تقارير الأمم المتحدة تشير إلى وجود أزيد من 5500 مقاتل تونسي في الخارج، بينهم حوالي 1000 إلى 1500 عنصر في الجارة ليبيا. عدد من هؤلاء المقاتلين كانوا يقبعون في السجون التونسية قبل ثورة 2011، حيث استفادوا بعد ذلك من عفو عام.
غياب المراقبة على الحدود مع ليبيا في أعقاب الثورة، والدور الذي لعبه تنظيم “أنصار الشريعة” السلفي ما بين 2011 و2013 في تونس ساهم في دفع عدد من التونسيين إلى التطرف، خصوصا بالنظر إلى توجه التنظيم إلى الفئات الفقيرة والمهمشة من خلال عدد من الخدمات التي كان يوفرها من أكل وتطبيب.
ويؤكد الباحث حبيب السايح أنه بعد حظر “أنصار الشريعة” تونس، اشتد الصراع بين “القاعدة” و”داعش” من أجل تعزيز حضورها في الداخل التونسي من خلال شبكات موالية لها.
تحسن في الأداء الأمني
تعاظم الخطر الإرهابي في تونس رافقه لحسن الحظ تطور في مستوى اليقظة والأداء الأمني لمختلف أجهزة الأمن التونسية من رجال شرطة وحرس وطني وأفراد الجيش، وهو ما جعل أن هجوم بن قردان، لو وقع قبل سنة، كان يمكن أن تكون حصيلته أسوأ مما كانت عليه قبل أيام.
ويرى حبيب السايح أن عناصر الأمن التونسية اكتسبت فعالية أكبر وردة فعل أحسن حيث صارت “مكافحة الإرهاب حاضرة في ذهن أعوان وضباط قوات الأمن والجيش”.
بيد أن الباحث يعتقد أن مكمن الضعف في استراتيجية مكافحة الإرهاب في تونس هو الجانب السياسي. “لم تبقى الحكومة مكتوفة الأيدي في عدد من النقاط، لكن صانعي القرار لم يقدروا على إنتاج سوى الشعارات لمحاربة الإرهاب”.
مشروع بناء الجدار الرملي العازل على الحدود مع ليبيا لمنع تسلل الإرهابيين يصطدم بواقع يقول بتفشي الفساد الذي يسمح بمرور المهربين من النقط الحدودية مقابل حفنة من الدنانير، يقول حبيب السايح.
الأولوية للإصلاح
لكي تكون تونس قادرة على مواجهة التهديد الأمني المتنامي، يدعو الخبراء إلى تحسين تكوين برامج عناصر الأمن لكي تستوعب كيفية مواجهة الخطر الإرهابي. ويرى حبيب السايح أن الإصلاح يجب أن يشمل كذلك وزارة الداخلية التي تعيش على إيقاع صراعات داخلية.
ويبدو أن الهجومين الإرهابيين على باردو وسوسة يعكس الفجوات الكبيرة في أداء أجهزة الأمن التونسية وهو ما يجعل موضوع الإصلاح ملح.
وعي السلطات التونسية بكون التطرف والإرهاب ظاهرتان مركبتان هو ما جعلها تطلق حملة لمواجهة التطرف الديني وترويج القيم الحقيقية للإسلام الوسطي من أجل تحصين الشباب ضد الأفكار الإرهابية، كما يقول وزير الشؤون الدينية محمد خليل.
برنامج الإصلاح الديني هذا يتضمن كذلك تمويل برامج توعية في وسائل ضد الإرهاب وخلق مركز اتصال خاص بالرد على الأسئلة الدينية للشباب وتقديم دروس في المساجد تحت إشراف أئمة ووعاظ معتمدين.