عادت ذكرى الثورة التونسية قبل أسابيع وعادت معها المخاوف من احتمال وقوع انتكاسة في التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس، والتي ينظر لها الكثير بمثابة الشمعة المضيئة وسط الظلام الذي اكتسح ما المنطقة في إطار ما يسمى “الربيع العربي“.
اندلاع الاحتجاجات المطالبة بالشغل في عدد من مناطق البلاد، خصوصا في العمق التونسي، أعادت إلى الأذهان المظاهرات التي اندلعت قبل خمس سنوات، وتحولت من مطالب اجتماعية إلى مناداة سياسية برحيل نظام زين العابدين بن علي.
نجاح الثورة التونسية في إسقاط نظام عمر لأزيد من عقدين بقوة الحديد والنار، ونجاح البلاد في تجنب السقوط في حرب أهلية أو العودة إلى نظام شبيه بالذي رحل، جعل العالم ينظر إلى تونس باعتبارها نموذجا ناجحا في منطقة يسود فيها العنف والاضطرابات.
بيد أن احتجاجات يناير المنصرم عادت لتنبه إلى حقيقة مفادها أن تونس لم تعبر مياه “الربيع العربي” العاصفة بعد بسلام، خصوصا في ظل عدم نجاح الحكومات المتعاقبة في تجاوز الآثار السلبية لما بعد الثورة على اقتصاد البلاد، خصوصا بعد توالي العمليات الإرهابية التي ضربت القطاع السياحي، الذي يشكل موردا مهما للعملة الصعبة ما أنه يوظف شرائح واسعة داخل المجتمع، في مقتل.
وزير الاقتصاد والمالية التونسي السابق، حكيم بن حمودة، اعتبر في مقال له بموقع l’Economiste Maghrébin الناطق بالفرنسية أن الاحتجاجات التي شهدتها تونس لم تكن مفاجئا، مضيفا إلى كون استطلاعات الرأي أظهرت أن الثورة حققت مكاسب على مستوى الديمقراطية والحريات والتعددية السياسية، لكنها فشلت على مستوى تحسين الوضع الاقتصادي والحد من التهميش والفوارق بين الجهات.
إقرأ أيضا: تونس..اتهامات للسبسي بالهروب للأمام والتملص من الفشل الحكومي
الضعف الحاصل على مستوى إنجازات الثورة، هو السبب تلاشي الأحلام التي ارتبطت بهذه الأخيرة وهو الذي يشكل فرصة للمجموعات الإرهابية لاستغلال الشباب، يقول بن حمودة، مشيرا إلى كون هذا الوضع أصبح في صلب النقاش العمومي حول محدودية المسار الانتقالي وفشله في خلق أمل لدى التونسيين.
ويرى بن حمودة أن ينبغي على الدولة تبني مجموعة من الخطوات للخروج من الأزمة الاجتماعية الحالية، أولاها تغيير المقاربة للشغل بحيث لا يتم التركيز على القطاع العام لوحده من أجل امتصاص البطالة التي يعاني منها الكثير من الشباب التونسي، من بينهم حملة الشهادات الذين يصل عددهم إلى أزيد من 200 ألف شخص، أي ما يعادل 35% من العاطلين.
وزير المالية السابق اعتبر أنه ينبغي تخفيف العبء عن الدولة من خلال انخراط القطاع الخاص عبر إبرام عقد لتكوين الشباب أو التوظيف القبلي لهم، بحيث تساهم الدولة بدورها في العملية من أجل إعداد الشباب للعمل.
كخطوة ثانية، يدعو حكيم بن حمودة إلى الاستثمار في مناطق الداخل التونسي وتشجيع الشركات على خلق مشاريع في هذه المناطق بدعم من الدولة.
ويقترح بن حمودة إنشاء صندوق لدعم المقاولين الشباب الذي يرغبون في إطلاق مشاريع ولا يجدون الدعم الكافي، كما يدعو إلى تحسين جودة البنى التحتية في مناطق الداخل التونسي وإطلاق برامج لتأهيل الشباب خصوصا من ذوي الشهادات لتسهيل ولوجهم إلى سوق الشغل.