بعد الإعلان عن تشكيلة حكومة الوفاق الوطني التي تمخضت عن مسلسل طويل من المفاوضات الطويل شاركت فيه الأطراف الليبية على مدى أكثر من سنة بقيادة المبعوث الأممي السابق برناردينو ليون قبل أن ترك مهمته للديبلوماسي الألماني مارتن كوبلر، باتت أنظار العالم تتجه نحو الحكومة الجديدة، حيث كثر التساؤل حول ما إذا كانت ستنجح في المهام الموكلة إليها.
ولعل مهمة الحكومة التوافقية لن تكون سهلة، فبمجرد إعلان تشكيلتها دخلت ما يشبه حقلا من الألغام السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي قد يعني الدوس على أحدها، إعادة ليبيا إلى نقطة الصفر حيث ظل الانقسام العنوان لمرحلة ما سقوط نظام العقيد معمر القذافي قبل أكثر من أربع سنوات.
حكومة موسعة تفاديا للصراعات
هذا وإن شكل إعلان رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، أحد نواب برلمان طبرق المنحل، عن تشكيلة حكومة الوفاق الوطني، والتي تضم اليوم 32 حقيبة، الحدث على المستوى المغاربي والدولي، فإنه كان محط خلافات بسبب توزيع المناصب الوزارية ما استدعى المجلس تأجيل الإعلان 48 ساعة عن الموعد المحدد.
ومن الواضح أن الصراعات التي تعرفها ليبيا منذ فترة تركت أثرا على مستوى “تقسيم الحصص” داخل الحكومة الجديدة، حيث لجأ المجلس الرئاسي إلى زيادة عدد الحقائب الوزارية المعلن عنها إلى 32، بعدما كان يتحدث عن عشر فقط، حيث عرفت بعض الوزارات كالخارجية على سبيل المثال انبثاق وزارة ثانية عنها ليصبح هناك وزارة للخارجية وأخرى للشؤون العربية والأفريقية.
ولعل المجلس الرئاسي لم ينكر الأمر، حيث أشار السراج إلى أن “المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، والتي جاءت عقب استقطاب سياسي حاد وصراع مسلح دفع بالمجلس الرئاسي إلى تشكيل حكومة بهذا الشكل الموسع”.
الزنتان..المعادلة الصعبة
في الوقت الذي تضع فيه عدد من الأطراف الداخلية والخارجية آمالها في تجاوز الوضع الراهن وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، عبرت كل من الجهة الشرقية والزنتان عن غضبهما من القرارات التي جاء بها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.
وفي ذات السياق، قام ممثلو المنطقتين اللتين تمثلان رقما صعبا في المعادلة الليبية، بتعليق عضويتهما من المجلس الرئاسي الذي يضم تسعة أعضاء ويتخذ من تونس مقرا له.
وجاء تجميد كل من علي القطراني، ممثل الجهة الشرقية وعمر الأسود وزير الدولة وممثل مدينة الزنتان، عضويتهما في المجلس بسبب ما أسمياه “عدم الجدية والوضوح في التعامل مع المطالب الأساسية وتلبيتها”.
ومن جهته، أوضح الأسود أن قرار “تجميد عضويته داخل المجلس الرئاسي جاء نتيجة “للنتائج المخيبة للأمل” لعمل المجلس الرئاسي بقيادة السراج، حيث عبر عن “رفضه لكل ما قد يصدر عن المجلس، وعدم مسؤوليته عما سيصدر عنه من أعمال”.
حكومة توافقية ممنوعة من العاصمة الليبية
وإلى ذلك، تواجه حكومة فايز السراج جملة من العراقيل، لعل أبرزها دخول العاصمة طرابلس، حيث المفترض أن يكون مقرها وفق “اتفاق الصخيرات”، حيث تواجه الحكومة التوافقية تحذيرات من طرف مليشيات “فجر ليبيا” التي أكدت أنها ستلجأ إلى اعتقال أعضاء الحكومة الجديدة في حال قرروا دخول العاصمة الليبية.
هذا وكانت رئاسة المجلس أصدرت قبل أسبوع، قرارا ينص على تشكيل لجنة مؤقتة تتولى مهمة تأمين العاصمة وتيسير دخول أعضاء الحكومة الجديدة لهذه الأخيرة، الأمر الذي أثار حفيظة حكومة الإنقاذ الوطني السابقة في طرابلس التي وجهت تحذيرا إلى جميع منتسبي القوات المسلحة التابعة لرئاسة أركان المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، وجميع التشكيلات المسلحة من التعاون مع المجلس الرئاسي في تشكيل هذه اللجنة.
وحسب بيان حكومة الإنقاذ السابقة، أمر خليفة الغويل ووزير الدفاع بطرابلس إحالة عسكريين على المدعي العام العسكري من أجل التحقيق معهم في هذه الترتيبات الأمنية.
“تنظيم الدولة”..الملف الأخطر
في ظل الآمال التي تضعها الأطراف الخارجية على حكومة السراج، بتحقيق الأمن وإنهاء الانفلات الأمني الذي عرفته البلاد منذ سقوط نظام القذافي، يبقى القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية من أبرز التحديات التي قد تقف في وجه نجاح الحكومة الجديدة.
ولعل التمدد السريع للتنظيم الأخطر في المنطقة، وتعطشه للسيطرة على منابع النفط الليبية في منطقة “الهلال النفطي” على الساحل الشرقي للبلاد، إضافة إلى إحكام سيطرته على مدينة سرت ، مسقط رأس العقيد الليبي الراحل، يزيد من قلق الحكومة التوافقية، والمجتمع الدولي الذي كان يجدد دائما، خلال جولات الحوار الليبي، دعمه للحكومة التي قد تحسم في عدد من الملفات الساخنة، على رأسها ملف الهجرة غير الشرعية من ليبيا باتجاه دول القارة العجوز.
وإلى جانب الملف الأمني، تواجه الحكومة الليبية الجديدة تحدي إصلاح وترميم البنى التحتية بالبلاد، خاصة المتعلقة بإنتاج النفط، أهم الموارد الاقتصادية في ليبيا، والتي تضررت بشكل كبير جراء الاقتتال والصراع الذي شهدته على مدى سنوات.
هذا وينضاف الملف الاقتصادي إلى قائمة التحديات التي ستواجهها حكومة السراج، خاصة وأن الاقتصاد الليبي عرف انهيارا شبه تام بسبب الصراعات المتتالية بين حكومتي طرابلس وطبرق، وضع استفاد منه “تنظيم الدولة” بشكل كبير.