تحديات كبيرة بانتظار حكومة الوفاق الوطني الليبي

من المتوقع أن يسفر المخاض الطويل للحوار الليبي عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني بنهاية هذا الشهر سبتمبر 2015، وهي خطوة بالغة الأهمية من شأنها وضع نهاية لحالة الانقسام السائدة الآن بين برلمانين وحكومتين، ثمة مشوار تفاوضي طويل سنتابع فصوله بين الفرقاء حتى الوصول إلي التوافق على رئيس الحكومة ونائبيه، بسبب انعدام الثقة بين طرفي الحوار الرئيسيين (المؤتمر والبرلمان)، إذ يرجح عدم قَبول أي من الطرفين مرشح الطرف الآخر، وبالتالي ستكون حظوظ المرشح الذي سيطرحه المبعوث الأممي أقوى، وهذا المرشح بحاجة إلى توافق دولي وإقليمي لكي تضمن الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في الصراع الليبي مصالحها في ليبيا، أي أن الأمر لن يكون خالصا لليبيين وحدهم رغم أنهم هم من يدفع الثمن الأكبر بسبب الفوضى وتداعياتها على كافة مناحي الحياة في ليبيا.

المزيد: ليبيا.. الوفاق أو الطوفان


لكن موافقة الفرقاء على أي مرشح من خارج دائرة مرشحيهما ستكون مرهونة بوجود ممثلين عنهما في الحكومة، وهذا متاح بالطبع من خلال نائبي رئيس الحكومة، إذا ستكون التشكيلة المتوقعة هي رئيس يدفع به الممثل الأممي ليون ونائب يرشحه البرلمان وآخر يرشحه المؤتمر، أما بقية أعضاء الحكومة والمجالس الأخرى التي تم الاتفاق عليها فمن المؤكد أنها ستخضع لنظام المحاصصة بين الأحزاب والأقاليم الرئيسية الثلاث المكونة لليبيا(برقة، طرابلس، فزان)، وبالتالي لن تختلف كثيرا عن الحكومات السابقة التي تعاقبت خلال السنوات الماضية. ورغم ما قد يصاحب هذه التشكيلة من عدم انسجام لعدم منح الفرصة الكاملة لرئيس الحكومة لكي يختار بنفسه فريق عمله وفقا لرؤيته ومقاربته لأولويات المرحلة، إلا أن ثمة جوانب إيجابية لا يمكن إغفالها على جهة تمثيل كل الأطراف الجهوية والمكونات الثقافية فيها وهذا سيمنحها أكبر قدر ممكن من الدعم الداخلي، فلن يتحجج أي طرف بإقصائه وتهميشه من لعب دور في بقية زمن المرحلة الإنتقالية.
إعادة توحيد مؤسسات الدولة والشروع في ترميمها وتأهيلها سيكون الخطوة الأولى في عمل الحكومة، أي العودة إلى مرحلة ما قبل حرب طرابلس في يونيو الماضي، ولكي تتمكن الحكومة من العمل بفعالية لابد أن تتسلم المؤسسات والمقار الحكومية في طرابلس، وتشرع فورا في تأمين العاصمة حتى تتوفر لها بيئة أمنية ملائمة للعمل.
تحديات كثيرة وملفات شائكة تنتظر حكومة الوفاق الوطني، منها ما يتعلق بالوضع الداخلي والآخر بالأوضاع الإقليمية والدولية، فعلى الصعيد الداخلي تعد الأوضاع الأمنية والاقتصادية من أهم التحديات التي ينتظر من الحكومة إيجاد حلول عاجلة لها، ببسط الأمن في كافة المدن وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية للمواطنين والحد من تدهور العملة المحلية أمام سلة العملات الدولية، ثم وضع الخطط المناسبة للشروع في المصالحة الوطنية وعودة المهجرين في الداخل والخارج، وهو ملف لن تجد فيه الحكومة كثير عناء، لأن التجمعات المحلية القبلية والرسمية أنجزت الكثير بعقد المصالحات بين الكثير من المناطق والمدن والقبائل، وتمكنت من إنهاء صراعات دامية خاصة في غرب البلاد، ولن تواجه صعوبات كثيرة في الشرق لقوة التجمعات القبلية المحلية وانسجامها التاريخي وخبراتها السابقة في إبرام المصالحات، ولكن السؤال المهم هنا. كيف يمكن وقف الحرب الدائرة في بنغازي ودرنة لكي تبدأ الحكومة في تلمس المقاربات الممكنة لصنع السلام هناك؟
على الجانب الإقليمي والدولي سيكون ملفي التنظيمات المتطرفة والهجرة غير الشرعية محل اهتمام وترقب من دول الجوار والاتحاد الأوربي، ويتوقف أي نجاح للحكومة فيهما على الدعم الإقليمي والدولي، لأنهما من الملفات ذات الطبيعة غير المحلية، فليبيا ليست سوى دولة عبور أو (ترانزيت) يتسلل إليها المتطرفون عبر الحدود المفتوحة كمحطة للتدريب ثم الانطلاق نحو أماكن أخرى، والوضع نفسه ينسحب على الراغبين في الهجرة نحو أوربا، لذا لابد من تعاون أمني واستخباراتي وتقني مع كافة الدول المتضررة من الإرهاب والهجرة لتتمكن الحكومة الليبية من ضبط الحدود البرية والشواطئ، من المهم جدا مشاركة الدول الخبيرة في هذا الشأن مثل الجزائر وإيطاليا.

المزيد: السلام الصعب في ليبيا

سوف نخلص في النهاية إلى نتيجة واحدة مفادها أن نجاح أي حكومة توافق ينجح فرقاء ليبيا في تشكيلها يتوقف بشكل حاسم على توفر الدعم الخارجي ووفاء المجتمع الدولي بوعوده، والمساندة الداخلية من كل الأطراف، سنكون بحاجة إلى موقف داخلي قوي يقف بقوة خلف الحكومة، فلا ينجر خلف دعايات مضادة متوقعة من بعض الأطراف التي قد تجد أن مصالحها الضيقة تضررت، ويبقى على الحكومة أن لا تتوقف عن بث الرسائل المطمئنة للشعب حول كل القضايا وانتهاج الشفافية التامة خاصة في الأمور ذات الطبيعة المالية. لقد فقد المواطن الليبي الثقة في كل المسؤولين تقريبا بسبب ما شاهده ووقف عليه من جشع وتكالب على المال العام فاق بمراحل فساد المسؤولين في مرحلة القذافي، ولكن استعادة هذه الثقة متاحة عبر العمل وفق آليات وضوابط واضحة تبين الحرص على المال العام وقد وضع ديوان المحاسبة الأساس اللازم لهذه الضوابط والآليات وما على الحكومة سوى مواصلة البناء عليها.

*كاتب ليبي/”رأي اليوم”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *