في هذا الحوار، يقدم الباحث المغربي بمعهد الدراسات الإفريقية بالرباط، الموساوي العجلاوي، قراءته للمشهد الأمني والسياسي بالجزائر بعد تنحية الرجل القوي داخل النظام الجزائري وقائد المخابرات العسكرية على مدار 25 سنة، الفريق محمد لمين مدين المعروف باسم “توفيق”.
الفريق محمد مدين الشهير باسم “توفيق”، لطالما وصف بأنه “الرجل القوي داخل النظام الجزائري” وبأنه “صانع الرؤساء” بل حتى أن هناك من أطلق عليه اسم “رب الجزائر”. هو رجل ترأس جهاز المخابرات العسكرية على مدار ربع قرن. ما هي دلالات تنحيته العسكرية وتعيين مقرب من الرئيس بوتفليقة، في شخص اللواء عثمان طرطاق، مكانه؟.
تنحية توفيق جاء كنتيجة للصراع بين الرئاسة وجهاز المخابرات العسكرية في الجزائر والذي يعود إلى فترة تمتد ما بين شتنبر 2013 ويوليوز 2014 عندما اعترض “صانع الرؤساء” على العهدة الرابعة لبوتفليقة. هذا ما أجج عليه الحقد والصراع من قبل جماعة الرئيس المشكلة من قبل شقيق بوتفليقة، السعيد بوتفليقة وعمار سعيداني زعيم حزب “جبهة التحرير الوطني” (الأفالان) والمقاولين وأصحاب الأموال الذين استفادوا من هذه المرحلة التي عرفت فيها الجزائر ازدهارا. إذن هذا الصراع هو تعبير عن اختلالات وموازين قوى جديدة لم يعد فيها للفريق “توفيق” ذلك الوزن القوي لإزاحة أو الاعتراض على بوتفليقة، وهو ما أبرزته الأحداث التي وقعت مؤخرا. فقبيل إقالته كان هناك تصريح لأويحيى بأن أمور المخابرات هي من اختصاص الرئيس. في اليوم الموالي تمت إقالة “توفيق”.
إسقاط هذا الرجل من علو 25 سنة ستكون له انعكاسات سياسية وأمنية. السؤال يطرح حول كيف ستسير الأمور داخل “دائرة الاستعلام والأمن” (DRS) التي أفرغت، لأنه منذ يوليوز 2014 لم يتوقف بوتفليقة، عن قص أجنحة توفيق بحل بعض المصالح داخل جهاز المخابرات، أو تحويلها إلى أركان الجيش. الآن أصبحت DRS “قوقعة فارغة” الشيء الذي سهل الإجهاز على هذا الرجل، لكن هذا لا يعني أن الأمر قد انتهى خصوصا وأن “توفيق” هدد عن طريق الجنرال “حسان”، الذي يوجد حاليا رهن الاعتقال، بكشف أسرار متعلقة بمحيط الرئيس. اعتقال الجنرال يطرح بدوره التساؤل حول ما إذا كان الهدف من ورائه دفن الفريق “توفيق” حيا؟ هذه كلها أسئلة ممكنة لأن تاريخ المخابرات الجزائرية هو تاريخ اغتيالات وإقصاء لعدد كبير لمن تولوا هذا المنصب، نتحدث عن بوصوف وبلقاسم وبن طوبال وقاصدي مرباح. هذه طبيعة النظام وبنية الدولة في الجزائر ما بعد الاستقلال التي يتحكم فيها العسكر.
بعد تنحية “توفيق” هل يمكن القول إنه تم وضع حد لمرحلة ما يسمى “صراع الأجنحة” داخل النظام الجزائر؟.
يصعب التسرع في إعطاء جواب. لكن ما يمكن قوله هو أن عثمان طرطاق الذي خلف الفريق “توفيق”، كان اليد اليمنى لهذا الأخير. هل إعادته للجهاز هو من أجل طمأنة القوى داخل DRS؟ مهما يكن، هذا الرجل كان مكلفا بإدارة العمليات داخل الجهاز، وهو رجل خطير وله ماض إبان ما كان يعرف باسم “العشرية الدموية”. على أي طرطاق مقبل على ثلاثة ملفات حارقة أولها الوضع الداخلي. فهذا الأسبوع تم نشر الجيش الجزائري تحسبا لإعلان زيادات هائلة في الأسعار قد تثير الشارع. إقالة “توفيق” قد تدخل أيضا في إطار الاحتياطات المتخذة بخصوص تدبير هذه الأزمة. الملف الثاني يرتبط بالحدود مع دول الجوار، ليبيا ومالي وتونس، والملف الثالث هو ملف الصحراء المغربية. فمخيمات تندوف توجد عمليا تحت السيادة الجزائرية. الجزائر هي الدولة الحاضنة. كما أنها تعترض على إحصاء سكان المخيمات. التساؤل مطروح حول كيف سيدير طرطاق هذه الملفات، لكنني أعتقد أنه لم يقع تغير في بنية الدولة الجزائرية. إذن هي نهاية شخص وليس نهاية بنية.
هناك من يربط إزاحة “توفيق” والتغييرات الأمنية التي سبقت تنحيته، خصوصا على مستوى أجهزة الأمن الداخلي والأمن الرئاسي والحرس الجمهوري، بالتسريع في الإعداد للمرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد بوتفليقة. في نظرك ما هي السيناريوهات التي ستشكل معالم المرحلة المقبلة؟.
أعتقد أن جماعة الرئيس ستسعى إلى خلق منصب نائب الرئيس، وهذا سيفسر ربما أن بوتفليقة سيختفي إلى غاية نهاية عهدته. قد ينسحب بوتفليقة من المشهد أو قد لا ينسحب. الأكيد أن السلطة ليست بيده. الرجل عاجز جسديا وذهنيا. عدد من التصريحات لمن التقوا بوتفليقة هي تصريحات دبلوماسية تظهر عكس ما تقوله حول صحة الرئيس. إذن صحيح أن هذه التغييرات مرتبطة بالتحضير للمرحلة المقبلة.
في ما يخص المغرب، كيف ينبغي أن تنظر المملكة في رأيك لما يقع في الجزائر؟.
لن يتغير أي شيء في علاقة الدولة الجزائرية بالمغرب، لأن بنية الدولة الجزائرية المرتبطة بمرحلة ما بعد الاستعمار مبنية على العداء مع الجيران. المغرب يقف في وجه لعب الجزائر لدور إقليمي وهو ما يفسر على أن الأمور ستستمر على ما هي عليه إلى أن تتمدن الدولة في الجزائر. عندما تتمدن الدولة في الجزائر آنذاك يمكن أن يحصل تغيير في ملف الصحراء والعلاقات المغربية الجزائرية.
محيط الرئيس بوتفليقة تمكن من إضعاف أقوى جهاز داخل النظام الجزائري، والذي كان يشكل قطب موازي له. حاليا تتم إعادة ترتيب المشهد السياسي وهناك معارضة حزبية ضعيفة. هل تعتقد أن التحدي الأكبر أمام النظام الجزائري هو الأزمة الاقتصادية التي تنذر في حال ما تفاقمت بأن تقود البلاد إلى اضطرابات شبيهة بما حصل في نهاية الثمانينات؟.
بالتأكيد. ما لاحظناه هو أنه كل ما كان هناك إشكال مالي واقتصادي كلما حدثت انعكاسات على المستوى السياسي. هذا الانهيار في أسعار البترول وذوبان الكتلة النقدية من 200 مليار دولار إلى 130 مليار دولار اليوم هذا سيؤدي إلى أشياء كثيرة على مستوى القرارات السياسية. بخصوص المعارضة لا ننسى أن الصراع في الجزائر هو صراع مؤسسات، صراع فوقي وصراع “الغرف السوداء”.
إقرأ أيضا: سقوط الجنرال “توفيق”..نهاية الأسطورة