بإحالته على التقاعد، يكون محيط الرئيس بوتفليقة قد أطلق ولربما رصاصة الرحمة على الجنرال محمد لمين مدين، المعروف باسم “توفيق“، بعد سلسلة من الضربات المتتالية التي وجهت له ولجهاز المخابرات العسكرية الذي يترأسه.
سقوط الجنرال “توفيق” قد يشكل أيضا نهاية لأسطورة نسجت حول الرجل الذي كان يطلق عليه “رب الجزائر”، في إشارة إلى يده الطولى في البلاد سواء كان الأمر حقيقة أو مجازا.
الرجل الغامض، الذي بالكاد يعرف الجزائريون ملامحه من خلال الصور المعدودة على رؤوس الأصابع التي يتداولها الإعلام، شكل أحد أعمدة النظام الجزائري خلال العقود الماضية خاصة من خلال إشرافه على أحد أقوى أجهزة مؤسسة الجيش، ممثلا في “دائرة الاستعلام والأمن” الذي ظل يرأسه منذ تعيينه في المنصب عام 1990.
بداية سقوط الجنرال “توفيق” يمكن قراءته في ظل تعاظم نفوذ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفيلقة، الذي جاء إلى قصر المرادية عام 1999 وفي نيته أن لا يكون دمية في يد العسكر يحركها كيف ما شاء، بحيث سعى الرجل تدريجيا إلى قلب موازين القوى لصالحه قبل أن يتكفل محيطه، وعلى رأسهم شقيقه السعيد بوتفليقة، بإتمام المهمة بالرغم من وقوع الرئيس فريسة للمرض الذي لم يحل دون قيام مقربيه بترتيب انتخابه لولاية رابعة ومواصلة مسلسل إضعاف الجنرال مدين وجهاز المخابرات.
الصراع الدائر بين الجنرال توفيق وبوتفليقة ومن ثم محيطه ارتبط، كما يقول المراقبون، بتباين الرؤى والمصالح على مستويات عدة حيث اتخذ أشكالا مختلفة وعرف تبادلا للضربات وتسجيلا للنقاط من كلا الجانبين ضد بعضهما البعض، من بين ذلك ما يرتبط بفضائح الفساد التي تورط فيها مقربون من بوتفليقة والتي كشفت عنها تحقيقات جهاز المخابرات، ومنها ما يتعلق أيضا بسلسلة التغييرات التي شهدتها “دائرة الاستعلام والأمن” من تقليص تدريجي للصلاحيات في مقابل تقوية رئاسة أركان الجيش التي يوجد على رأسها أحمد قايد صالح، المقرب من بوتفليقة.
إقرأ أيضا: محيط بوتفليقة يعيد ترتيب أوراق المشهد السياسي والأمني
سقوط مدين، الذي كان يعتبره البعض الحاكم الفعلي للجزائر، أصبح بعض المراقبين في الآونة الأخيرة يرونه مسألة وقت بعد تلقيه لضربات موجعة ومتتالية جعلت من مسألة توجيه محيط الرئيس للضربة القاضية مجرد مسألة وقت لا أكثر.
حملة التطهير الأمني التي تمت في الأشهر الأخيرة على مستوى الأمن الرئاسي والحرس الجمهوري والأمن الداخلي، والمتابعة القضائية التي تستهدف اليوم الجنرال عبد القادر آيت وعراب “حسان”، المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب داخل المخابرات العسكرية، شكلت مقدمة للإطاحة برأس الجهاز ووضع حد لأسطورة الجنرال توفيق.
بنهاية الأسطورة يبدو أن الطريق أصبح معبدا أمام محيط الرئيس للتحضير للمرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد بوتفليقة، مستفيدا من غياب معارضة سياسية قوية.
بيد أن الأمر لن يكون بالضرورة مجرد نزهة بالنسبة لمحيط بوتفليقة في وقت تعيش فيه البلاد على إيقاع التوتر الذي خلقته الأزمة الاقتصادية والتي تهدد بتفجر الوضع الاجتماعي.