تعيش تونس هذه الأيام على وقع حوار “وطني” حول إصلاح المنظومة التربوية. ولقد استقطب هذا الحوار قطاعات واسعة من المجتمع المدني التونسي وأثار اهتمام الرأي العام الوطني مما يؤكد الأهمية القصوى التي يوليها الشعب التونسي لقطاع التربية التعليم.
وبالفعل، فإن هذا القطاع يعتبر من أكثر المجالات التي ينتظر الشعب التونسي معالجتها و“إصلاحها” ضمن مقتضيات وسياقات ثورة 17 ديسمبر / كانون الأول 2010-14 جانفي / كانون الثاني 2011 و ما تستوجبه استحقاقات هذه الثورة ومتطلبات مسار الانتقال الديمقراطي وما عجت به الوعود الانتخابية للقوى السياسية التي شاركت في الموعدين الانتخابيين الوطنيين الكبيرين اللذين دعي بمناسبتهما الشعب التونسي إلى الادلاء بصوته في صندوق الاقتراع، ونعني بهما انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر / تشرين الأول 2011 وانتخابات مجلس نواب الشعب في 26 أكتوبر / تشرين الأول 2014 وخاصة تلك الوعود التي أطلقتها الأحزاب السياسية المشاركة حاليا في الحكومة المنبثقة عن الانتخابات التشريعية الأخيرة المذكورة والمتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس الشعب (26-10-2014 ) وللتذكير فإن هذه الأحزاب التي تعتبر فائزة بشكل أو بآخر في هذه الانتخابات التشريعية والمكونة للحكومة الحالية هي حركة نداء تونس و حركة النهضة والاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس.
المزيد: تونس 2015 والانتقال الديمقراطي
لقد كان قطاع التربية والتعليم من أبرز المجلات المنتظر معالجتها و اصلاحها ضمن أولويات الثورة واستحقاقاتها.
حوار رسمي منقوص و حوار مدني معاكس:
يوم 23 أفريل / نيسان 2015 احتضن قصر المؤتمرات بالعاصمة موكب انطلاق الحوار الوطني الرسمي حول إصلاح المنظومة التربوية تحت اشراف ثلاثي متمثل في وزارة التربية، باعتبارها سلطة الإشراف على قطاع التربية والتعليم في مراحله الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية (دون مشاركة السلطة المعنية بالمرحلة الجامعية وهي وزارة التعليم العالي ) والاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان.
وقد سبق للاتحاد العام التونسي للشغل إعلان مقاطعته للحوار ورفضه ” ركوب القطار وهو يسير” ثم غير موقفه وأصبح من المشرفين الرسميين على الحوار عندما دعاه وزير التربية السيد ناجي جلول إلى الانخراط والمشاركة الفاعلة فيه بصفة مشرف.
أما المعهد العربي لحقوق الإنسان فقد فسرت دعوته للمشاركة في الإشراف باعتباره ممضيا على عقد شراكة مع وزارة التربية و ممثلا لشبكة العهد التي تضم تسعة (9) جمعيات مدنية منها عمادة المحامين ونقابة الصحافيين. وقد قيل قبيل الانطلاق الرسمي لهذا الحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية بأنه ينتظر انجاز هذا الاصلاح خلال شهرين أو ثلاث ليقع الشروع في العمل به منذ بداية السنة الدراسية المقبلة.
و جاء في الوثيقة المنهجية لإصلاح المنظومة التربوية التي نشرتها وزارة التربية بمناسبة اطلاق الحوار الوطني حول التربية يوم 23 أفريل 2015 والصادرة عن المركز الوطني البيداغوجي : << اليوم تجسم الارادة السياسية إرادة المجتمع بأكمله بإعلانها عن اطلاق الحوار الوطني لإصلاح المنظومة التربوية باعتباره استراتيجية تضمن مشاركة حقيقية ناجعة تجعل جميع الأطراف شركاء فعليين في نحت كيان الأجيال القادمة >>( الوثيقة المنهجية المذكورة ص 4 ).
وبالرغم من هذا التفاؤل الوارد في هذه الفقرة وسواها ومن الخطاب الرسمي للأطراف الثلاث المشرفة على هذا الحوار استقبل إطلاق الحوار الوطني حول اصلاح المنظومة التربوية باحترازات شديدة من أوسع فعاليات المجتمع المدني وبتشكيك كبير في مدى فاعليته وضمانات نجاحه. وقد كان مبعث هذه الاحترازات للملاحظات السلبية الأساسية التالية:
-1 سيطرة روح الوصاية المتمثلة في الاشراف المنفرد للاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان إلى جانب وزارة التربية على الحوار دون أي سبب وجيه ودون أي وجه أو شرعية بالرغم من اعتراف الجميع بمكانة الاتحاد العام التونسي للشغل ودوره الوطني والمجتمعي واحتضانه لأكثر نقابات التعليم تمثيلية. وبالرغم من علاقة التوتر وموجات الاضرابات المتواصلة بين هذه النقابات والوزارة طيلة سنوات ما بعد الثورة وحتى خلال الفترة الراهنة وكذلك الاقرار بأهمية عمل المعهد العربي لحقوق الإنسان في مجال نشر مبادئ وثقافة التربية على حقوق الإنسان والمواطنة والمدنية.. لكن لا شيء أبدا يفسر وصاية هذين الطرفين بمفردهما على الحوار حول التربية.
المزيد: المأزق النقابي في تونس
2- بروز عقلية الإقصاء فإلى جانب انفراد اتحاد الشغل والمعهد العربي لحقوق الانسان بالإشراف، احتجت أوسع شرائح المجتمع المدني عن إقصاء عدد كبير من الجمعيات والهيئات عن المشاركة في الحوار بالرغم من اهتمام أغلبيتها بموضوع التربية والتعليم وامضاء الكثير منها عقود شراكة مع وزارة التربية. وترى أغلب هذه الجمعيات المقصية أن استبعادها يعود إلى اختلافها في الرؤية مع الاطارات الفاعلة داخل الوزارة ومع رؤية المعهد العربي وشبكة العهد التي يمثلها في المشروع التربوي المجتمعي وكيفية تصور القيم والأسس التربوية لطفل اليوم- مواطن الغد ولملامح المتخرج من المدرسة وذلك بالرغم من أن دستور الثورة (دستور 2014) قد حسم الموضوع خاصة في توطئته وفي الفصلين 1 و 39 منه.
3- التسرع : حيث أكد الجميع أن فترة الشهرين أو الثلاث غير كافية لتحقيق مشاركة واسعة وفاعلة وحقيقية ولا يمكن أثناءها بلورة التشخيص العلمي المعقول ولا تقديم التصور السليم للحلول.
– الارتجال: وذلك لعدم القيام قبل إطلاق الحوار بتجميع المعطيات وتحليلها وتنظيم استشارة منظمة ومنهجية لدى الخبراء والمختصين وإجراء تقييمات موضوعية وعلمية تكون قاعدة أصلية لانطلاق الحوار ودعامة منهجية لضمان نجاحه وليس القيام بالمسار المقلوب أي إطلاق الحوار ثم القيام بتكوين اللجان وتنظيم الاستشارات والتقييمات والتشخيصات وتجميع المعطيات؟
4- عدم مشاركة وزارة التعليم العالي ووزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة المالية على سبيل المثال من بين الأطراف الحكومية ذات الصلة بموضوع التوجيه المدرسي والجامعي وتمويل الإصلاح وسوق الشغل … وفي هذا الصدد أيضا نسجل التغييب غير المنطقي لاتحاد الصناعة والتجارة (منظمة الأعراف) ولاتحادات الطلبة ولممثلي الأولياء والأسرة. كما لوحظ الارتجال في الاستشارات المنظمة مع التلاميذ والمدرسين. ومقابل هذا الحوار الرسمي المنقوص شهدت البلاد من أقاصي شمالها وجنوبها إلى أقاصي شرقها وغربها مجموعة كبيرة من الندوات والملتقيات ونظمت القنوات التلفزية والإذاعات والصحف والمنتديات الكثير من الحوارات والملفات والورشات حول الإصلاح التربوي وتوج كل ذلك بتأسيس المنتدى المدني لإصلاح المنظومة التربوية الذي ضم حوالي 200 جمعية مدنية مما يؤكد الأهمية القصوى التي يوليها المجتمع المدني لقطاع التربية والتعليم واحتجاجه على ما تميز به الحوار الرسمي من وصاية وإقصاء وتصميمه على إبداء الرأي والمشاركة ولو بشكل مواز ورفضه الخضوع للأمر الواقع ولتمرير مشروع إصلاح قد يتضارب مع الانتظارات الشعبية والأهداف المجتمعية والمبادئ والثوابت الواردة في الدستور الجديد، لسان حال التوافق الوطني.
وقد جاء في البلاغ الصادر عن المنتدى المدني لإصلاح المنظومة التربوية التونسية بمناسبة تأسيسه يوم 17ماي / أيار 2015 (والصادر بالصحف التونسية على سبيل المثال جريدة الضمير اليومية بتاريخ 18ماي / أيار وجريدة الفجر الأسبوعية بتاريخ 22ماي / أيار) أن تأسيس المنتدى تم: “على قاعدة الوفاء للتوجهات الوطنية الأصيلة التي ينص عليها الدستور من أجل إسهام حقيقي وفعال في إعادة بناء النظام التربوي التونسي الذي هو خط دفاع استراتيجي عن استقلال البلاد ونموها وتحقيق تطلعات أبنائها في التكوين الممكن لهم من المواطنة الفاعلة والشغل الحافظ لكرامتهم والمحقق لطموحاتهم في التفوق والريادة”.
وبعد هذا الحراك المجتمعي والتفاعل الشعبي وما تردد من أصداء عن مآخذ الرأي العام الوطني عامة للحوار الوطني الرسمي سارع الكثير من المسؤولين من بين الأطراف المشرفة وخاصة في وزارة التربية إلى التأكيد والحرص على مشاركة كل الأطراف وأن غيابها عن جلسة إطلاق الحوار بقصر المؤتمرات يوم 23أفريل ليس إقصاء لها بل هو ناتج عن ضغوطات تنظيمية،وإن كل طرف بإمكانه أن يمد الوزارة بمقترحاته (؟!).
ثلاث إصلاحات لنظام تربوي واحد:
تعاقبت على تونس ثلاث إصلاحات تربوية كبرى من خلال سن ثلاث قوانين أساسية للتربية و التعليم هي:
– القانون رقم 118 لسنة 1958 المؤرخ في 4 نوفمبر / تشرين الثاني 1958 المتعلق بالتعليم و يعرف الإصلاح المنظم بهذا القانون بإصلاح محمود المسعدي كاتب الدولة للتربية القومية آنذاك. وقد كان هذا الإصلاح أول أساس للنظام التربوي التونسي في عهد دولة الاستقلال برئاسة الحبيب بورقيبة الذي حل التعليم الزيتوني وتبنى مشروع الفرنسي جون دوبياس Jean Debiesse الذي نصح باعتماد اللغة الفرنسية في تدريس المواد العلمية الشعبتين ب و ج مع الحفاظ على التدريس باللغة العربية في الشعبة أ على أن يقع التعريب التدريجي خلال عشر سنوات ليتم تعريب التعليم بصفة نهائية. وقد استقال كاتب الدولة للتربية القومية محمد الأمين الشابي (شقيق الشاعر أبي القاسم الشابي) لتمسكه بتعريب التعليم ومعارضته لمشروع دوبياس وعوضه محمود المسعدي.
قد بينت التطورات اللاحقة صحة مخاوف محمد الأمين الشابي إذ بدلا عن التعريب التدريجي استقر الأمر في الحقيقة ومن خلال التطبيق على الفرنسة التدريجية للتعليم في الابتدائي والثانوي (الذي كان يشمل آنذاك المرحلتين الإعدادية و الثانوية معا) وتهميش اللغة الوطنية الأم (اللغة العربية) التي لم تعد تدرس بها إلا مادة اللغة العربية و مادة التربية الإسلامية و الوطنية طيلة سنوات عديدة قبل أن تطرح بعض “الإصلاحات” الجزئية داخل نفس المنظومة التربوية الناتجة عن إصلاح المسعدي و أبرزها إصلاحات محمد مزالي عند توليه وزارة التربية أواسط السبعينات من القرن 20 حيث تم تعريب مادة الفلسفة ثم لاحقا بشكل تدريجي مادة التاريخ والجغرافيا.
– القانون عدد 63 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية /تموز 1991 والمتعلق بالنظام التربوي. وقد أشرف على سن الإصلاح المنظم بهذا القانون الوزير محمد الشرفي عند توليه وزارة التربية و التعليم العالي والبحث العلمي أواخر الثمانينات من القرن العشرين. وقد تم على أساس هذا الإصلاح إرساء التعليم الأساسي وتعريب تدريس المواد العلمية في الابتدائي والإعدادي والتركيز على بث قيم التربية على حقوق الإنسان والمدنية من خلال تحويل مادة التربية الوطنية القديمة إلى مادة التربية المدنية و فصلها عن مادة التربية الإسلامية و إنشاء إطار تدريس و إطار تفقد بيداغوجي خاص بها. وقد اعتبر إصلاح محمد الشرفي قاطرة ”لتجفيف المنابع” وسحب البساط من تحت أقدام ”الإسلاميين” الذين أصبح لهم حضور سياسي و مجتمعي معتبر خلال الثمانينات من القرن الماضي وتميزوا بنشاط متعاظم في الجامعة والمعاهد.
– القانون عدد 80-2002 المؤرخ في 23 جويلية / تموز 2002 و المعروف باسم القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي. وقد صدر هذا القانون بمناسبة الإصلاح الذي أشرف عليه الوزير منصر الرويسي وزير التربية و التكوين في تلك الفترة. وبشكل عام يعتبر إصلاح الرويسي مجرد تطوير لإصلاح الشرفي وسعي لمواكبة التطورات التربوية العالمية على مستوى نظريات التعليم والطرق البيداغوجية حيث تميز هذا الاصلاح بإرساء مقاربة الكفايات و بيداغوجيا المشروع والتشجيع على اعتماد البيداغوجيا الفارقية واستثمار التقنيات الحديثة في التواصل و المعلومات وفتح مجال أوسع للتوجيه المدرسي عبر الشعب والمسالك المؤدية إلى شهادة الباكالوريا في محاولة التفاعل مع متطلبات سوق الشغل مع مواصلة اعتماد نفس السياسة التربوية العامة المتصلة بالغايات و الأهداف وطبيعة المواد التعليمية ولغات التدريس حتى وإن وقع نوع من “المراعاة ” للغة العربية عبر منحها ساعة تدريس في الأقسام النهائية بالشعب العلمية.
ولئن كان إرساء النظام التربوي في خطوطه العريضة وفيا لأطروحات بورقيبة والنظام السياسي الذي أرساه طيلة أكثر من نصف قرن منها 30 سنة تحت رئاسة بورقيبة و 23 أخرى برئاسة خلفه المخلوع زين العابدين بن علي, فإن إصلاح المسعدي وحده كان تحت الوصاية المباشرة لبورقيبة في حين وقع اعتماد إصلاحي الشرفي والرويسي في عهد المخلوع.
وقد تميزت الإصلاحات الثلاث المذكورة بالتركيز تقريبا على نفس المفهوم للقيم المرغوب تركيزها لدى الناشئة باعتبارهم مواطني الغد إلى جانب اتفاقها المشترك في الحفاظ على المكانة المتميزة للغة الفرنسية التي بقيت لغة تدريس المواد العلمية على كافة المستويات التعليمية بمختلف الشعب في مرحلة التعليم الثانوي.
وقد تجلى هذا الاتفاق بشكل خاص في التركيز على مفهوم الهوية القومية في إصلاح المسعدي (1958) والمقصود بالقومية آنذاك القومية التونسية باعتبار فكرة بورقيبة عن الأمة التونسية ومفهوم الهوية الوطنية التونسية التي حلت محل العبارة السابقة لمزيد الشرح والتوضيح لعبارة الهوية القومية الواردة في قانون 1958. ينص الفصل الأول من القانون رقم 118 لسنة 1958 (إصلاح المسعدي) في العنوان الأول المبادئ العامة على أن:
التربية والتعليم يهدفان إلى الأغراض الجوهرية الآتية:
1- تزكية الشخصية وتنمية المواهب الطبيعية عند جميع الأطفال ذكورا وإناثا بدون أي تميز بينهم لاعتبار جنسي أو ديني أو اجتماعي
2- المساعدة على تنمية الثقافة القومية [أي التونسية] وتحقيق ازدهارها.
3-إعداد الطفل للقيام بدوره كمواطن وكإنسان وتكوين الإطارات الصالحة الكفيلة بنمو النشاط القومي [نفس المعنى المقصود أي القومي التونسي] على مختلف وجوهه في جميع الميادين>>.
وينص القانون عدد 65 لسنة 1991 (إصلاح شرفي) في الفصل الأول من الباب الأول : المبادئ الأساسية على ما يلي :
<< يهدف النظام التربوي في إطار الهوية الوطنية التونسية والانتماء الحضاري العربي الإسلامي إلى تحقيق الغايات التالية :
1- تمكين الناشئة منذ حداثة عهدها بالحياة بما يجب أن تتعلمه حتى يترسخ فيها الوعي بالهوية الوطنية التونسية وينمو لديها الحس المدني والشعور بالانتماء الحضاري وطنيا ومغاربيا وعربيا وإسلاميا ويتدعم عندها التفتح على الحداثة والحضارة الإنسانية
2- تربية الناشئة على الوفاء لتونس والولاء لها …
كما جاء في العنوان الأول في رسالة التربية ضمن القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي – القانون عدد 80 -2002 (إصلاح الرويسي) في الفصل الثالث:
5- << تهدف التربية إلى تنشئة التلاميذ على الوفاء لتونس والولاء لها وعلى حب الوطن والاعتزاز به وترسيخ الوعي بالهوية الوطنية فيهم وتنمية الشعور بالانتماء الحضاري في أبعاده الوطنية والمغاربية والعربية والإسلامية والإفريقية والمتوسطية ويتدعم عندهم التفتح على الحضارة الإنسانية >> أي في المحصلة هوية تونسية (قومية أو وطنية) وانتماء حضاري عريض (عربي إسلامي تدرج شيئا فشيئا إلى مغاربي عربي إسلامي إفريقي متوسطي) وتفتح على الحضارات الانسانية …
لقد ظل موضوع الهوية والقيم الوطنية ثابتا لا يتزعزع أمام العواصف العروبية والإسلامية منذ إقدام بورقيبة على حل التعليم الزيتوني وحمل لواء الفرنكفونية وتبنى توصيات مشروع الفرنسي جون دوبياس الوفي لتوصيات بلاده فرنسا المستعمر القديم و الوصي الجديد والالتزام بنصوص بروتوكولات اتفاقية الاستقلال الداخلي التي تنص على أن اللغة الفرنسية ليست أجنبية لتصبح شيئا فشيئا اللغة الأولى للتدريس واللغة الأكثر استعمالا عند النخبة في التخاطب ولتكون تونس باعتراف الفرنسيين أنفسهم أول دولة مستعملة للفرنسية تدريسا وتخاطبا من بين الدول الفرنكفونية التي لا تمثل فيها الفرنسية اللغة الوطنية.
تشخيص الوضع التربوي : بين المسائل الفنية والقضايا الجوهرية
لقد رافق تطبيق النظام التربوي التونسي منذ تأسيسه غداة الاستقلال العديد من المشاكل تراوحت من الانتقائية المشطة وضعف المردود مع ما عرف بإصلاح المسعدي والإصلاحات الجزئية والفرعية التي تمت في صلبه إلى تراجع مستوى المتعلمين وضعف مكتسباتهم في ظل ما عرف بإصلاحي الشرفي و الرويسي.
ومع الزمن أصبحت هناك مشاكل مزمنة للنظام التربوي التونسي وتراكمت العديد من العلل والسلبيات التي أخذت تنخر مدخلات المدرسة التونسية وتعصف بمخرجاتها وتهدد دورها ومكانتها.
وانطلاقا من التشخيص العام المعتمد بناء على الكثير من التقييمات الداخلية والخارجية ومن خلال استقراء واقع الوضع التربوي في تونس ومقارنة معطياته ونتائجه وإحصائياته مع بلدان أخرى نكتشف الوضع المزري الذي أصبح عليه الشأن التربوي التونسي وخاصة على مستوى ترتيب أبنائنا في المناظرات العالمية (على غرار مناظرتي بيزا و تمس) ورتب الجامعات التونسية عالميا وحتى إفريقيا، فهي رتب لا نجد لها أثرا في الـــ 6000 جامعة الاولى على المستوى الدولي والـــ 50 جامعة الأولى على المستوى الإفريقي ولا يفوتنا كذلك التنبيه إلى ما أصبح يخشاه الشعب التونسي من مخاطر محدقة بمصير أجياله الصاعدة وتهديدات من شأنها المس بصحتهم الجسدية والنفسية وبأخلاقهم وسلوكهم من خلال بروز ظواهر استهلاك المخدرات داخل وحول الوسط المدرسي وتفاقم حالات العنف والغش والانقطاع والحرقان [أي مغادرة أراضي البلاد خلسة عبر البحر في هجرات غير قانونية ومرفوقة بخطر الموت غرقا.
وتنقسم هذه المشاكل المدرسية والتربوية إلى مسائل يمكن أن نطلق عليها صفة “الفنية” والتي يمكن معالجتها بحلول وإجراءات “فنية” أيضا أي معرفية وبيداغوجية وإجرائية وأخرى جوهرية وهيكلية لا يمكن معالجتها إلا بإجراءات جذرية عميقة.
ومن أهم هذه المشاكل والصعوبات والسلبيات الفنية نذكر :
6- ضعف مكتسبات المتعلمين في اللغة العربية واللغات الأجنبية والمواد العلمية
7- طغيان الجانب التراكمي والبعد النظري على التعلمات وكثرة مواد التعليم وفقدانها للترابط والاندماج بينها
8- الغياب شبه الكلي للجوانب العلمية
9-مشاكل تقييم عمل التلميذ وغلبة التلقين و الإملاء و ضعف التواصل و كثافة الزمن المدرسي ومشاكل الشعب والتوجيه
10-المركزية المفرطة وصرامة البرامج وعدم قابليتها للاجتهاد
11-ضعف مشاركة مختلف الأطراف في الحياة المدرسية واستقالة الأولياء وبروز ظواهر العنف والتسيب والغش داخل الفضاء التربوي ومن حوله
12-تدهور البنى المادية للمؤسسات التربوية والنقص الفادح في التجهيزات والوسائل البيداغوجية ومحدودية الموارد البشرية باستثناء إطار التدريس
13-غياب مقومات الاحتراف والجودة
14-ضعف مردود المؤسسات التربوية من حيث ارتفاع نسب الانقطاع والرسوب
15- مشاكل الحوكمة والقيادة الرشيدة والتأطير التربوي والبيداغوجي والمرافقة والتكوين المستمر والانتدابات والتفتح على سوق الشغل … (وللتعمق في هذه المشاكل والصعوبات يمكن العودة إلى وثيقة نحو مجتمع المعرفة: الإصلاح التربوي الجديد، الخطة التنفيذية لمدرسة الغد الصادرة عن وزارة التربية في جوان 2002 والوثيقة المنهجية لإصلاح المنظومة التربوية الصادرة عن وزارة التربية في أفريل 2015 بمناسبة إطلاق الحوار حول الإصلاح التربوي الحالي.).
وبالطبع فإن هناك جملة من الحلول والمقترحات الإصلاحية التي لا تجد معارضة مجتمعية باعتبارها حلولا بيداغوجية معقولة أو اختيارات تربوية” فنية” بدورها كفاءات ومنها على سبيل المثال:
16- اعتماد بيداغوجيات التحكم والنجاح على غرار بيداغوجيات الكفايات والمشروع والتفريق والعمل التشاركي وعمل المجموعات
17- اعتماد نظريات التعلم المناسبة مثل العرفانية والبنائية والبنائية الاجتماعية
18- إرساء نظام التقييم التكويني
19- مراجعة التوجيه المدرسي والشعب
20- مراجعة توقيت المواد والزمن المدرسي
21- تطوير منظومة التكوين المستمر
22- مراجعة البرامج التعليمية والمناهج التربوية والكتب المدرسية
23-تطوير الحياة المدرسية وتعزيز التربية على المواطنة والمدنية وحقوق الإنسان في الوسط المدرسي
24- العناية بالبنى التحتية للمدارس وتوفير التجهيزات البيداغوجية اللازمة
25- توسيع استعمال التكنولوجيات الحديثة للتواصل والمعلومات
26- التفاعل الإيجابي مع المحبط
27-إدخال مواصفات الاحتراف على المنظومة التربوية وإرساء منظومة الجودة
أما المشاكل الجوهرية والقضايا الأساسية التي نعتقد أنه لا إصلاحا حقيقيا دون معالجتها جذريا ولا حلا فعليا دون تناولها مباشرة بكل مسؤولية وبكل وطنية وبكل شجاعة فهي تلك المتصلة بموضوع الهوية واللغة الوطنية وبأسس المشروع التربوي المجتمعي المجيب عن سؤال من هو تلميذ المدرسة التونسية وماهي مقومات الإنسان الجديد الذي نريد من حيث القيم والمواقف والسلوكات ؟ وبالتالي ماهي غايات النظام التربوي ومقاصده وأهدافه وأية مكانة للغة الوطنية الأم؟ وما ينعكس عن ذلك من برامج ومناهج وتكوين وتقييم – ذلك هو بيت الداء وأساس الدواء ومن خلال ذلك يكون الجواب الشافي الكافي عن سؤال أي إصلاح تربوي نريد ؟ وهل هو إصلاح في الصميم أم مجرد ترقيع وترميم ؟
فشل “التحديث” القائم على التغريب و ضرورة التأكيد على قيم الهوية و التعريب
إن جوهر المشروع البورقيبي يتمثل في ”تحديث” المجتمع التونسي و إرساء أسس ”الحداثة ” في تونس التي كان بورقيبة يعتقد أنه لم يحررها فقط بل بعثها من جديد و منحها هويتها. كان بورقيبة يعتقد أن الشعب التونسي مجرد ” غبار من الأفراد ” و أنه شخصيا عبارة عن يوغرطة الذي انتصر (وغرطة هو القائد البربري الذي حارب الرومان و آل به الأمر الى الهزيمة). كان بورقيبة متحمسا للنموذج الثقافي الفرنسي و متأثرا بالمنوال الغربي الحداثي. و قد كان شديد الإعجاب بمصطفى كمال أتاتورك (أب الأتراك) الذي قطع روابط تركيا بالمشرق العربي و قام بكل ما في وسعه لتحويل وجهتها الى الغرب الأوروبي. فهل نجح مشروع الحداثة في تونس و تم فعليا ” تحديث ” المجتمع التونسي أم أن الأمر انتهى بردة فعل شعبية جعلت البلاد التونسية تشهد أزمات دورية متتالية طيلة سنوات الخمسين و الستين والسبعين والثمانين من القرن العشرين وعرفت ظواهر الغلو منذ التسعينات من القرن الماضي و انتهى الأمر بالمجتمع التونسي ” الحداثي ” و”المحدث ” الى تفريخ عدد لا يستهان به من الشبان المتشبعين بأفكار التطرف و التعصب و الانضمام الى القوى الإرهابية المنضوية تحت ألوية ” القاعدة ” و ” داعش ” حتى أدى الأمر بوزير التربية الحالي إلى التصريح ذات يوم قبيل تولية الوزارة بأن المدرسة أصبحت ” تخرج الدواعش ”. لقد فشل مشروع ” التحديث ” لأنه اعتمد أساسا على ” التغريب ” بدل النهوض بالمجتمع في ظل تجذير هويته و ترسيخ مقومات أصالته و تعزيز شعوره بالكرامة الوطنية و الاعتزاز بالذات و الافتخار بالانتماء الحضاري و الثقافي و التاريخي مع تفتحه على روح العصر و مواكبته لأسس التطور و للمكتسبات الانسانية و لثمار التقدم العلمي و التكنولوجي. هناك فرق كبير بين مشروع حركة ” النهضة و الإصلاح ” في القرنين 19 و20 و التي كان من روادها في البلاد العربية الطهطاوي و الكواكبي و الأفغاني و عبده و في تونس خير الدين و الجنرال حسين و محمد بيرم الخامس و عبد العزيز الثعالبي و الطاهر الحداد و الطاهر بن عاشور. لقد دعت هذه الحركة الإصلاحية إلى الأخذ بأسباب التطور و التقدم العلمي و الرقي الحضاري و الاستفادة من المكاسب الحضارية للغرب خاصة و للإنسانية عامة في إطار الأصالة و الاعتزاز بالانتماء الحضاري و إحياء كل ما هو منير ومستنير تاريخيا و في تراثنا. ألم تقم حركة “النهضة ” الأوروبية في القرنين 14 و 15 م على أساس إحياء التراثين اليوناني و الروماني و الاستفادة من مكتسبات و إضافات الحضارة العربية الاسلامية في مختلف الميادين.
يقول الأستاذ نورالدين عرباوي في كتابه التربية والتحديث في تونس : << كان تيار الحداثة مدركا لاختلال التوازن بينه و بين تيار النهضة (أي تيار الحركة الإصلاحية ) و هو ما جعله يبحث عن شرعية افتقدها في الداخل فالتمسها في الخارج فتحول الغرب من نموذج حضاري صالح للاقتداء فقط الى مصدر للشرعية أيضا يؤمن الحداثة و المعاصرة و يبرر بقوته الفكرية والمادية الانخراط في العالمية الغربية>>(1).. ويضيف << كانت إصلاحات 1958 التي ضبطها قانون 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 الترجمة القانونية لخطاب بورقيبة في 25 جوان ( حزيران ) 1958 والذي كان بدوره الصبغة التونسية لمشروع دوبياس الفرنسي. لقد جاءت توصيات دوبياس مبشرة بهوية جديدة لتونس ونجد صدى هذه التوصيات في الخطاب السياسي التحديثي في تونس حيث تميع انتماؤها الاسلامي والعربي وبرز الانتماء المتوسطي والانتماء الإفريقي و الثقافة المغربية كما برز التوجه الانعزالي المعبر عنه بمفاهيم الأمة التونسية و الشخصية التونسية المتحررة في الانتماء الثقافي العربي و الاسلامي>>(2).
إن الانخراط المتحمس لتونس البورقيبية في الفرنكفونية وجعل اللغة الفرنسية مهيمنة على التعليم وتهميش اللغة الوطنية الأم قد أدى الى إبعاد جزء مهم من النخبة عن الشعور العميق بالهوية العربية الإسلامية وشجع دعاة القومية التونسية والأمة التونسية وأصحاب مقولة تونس الأقرب الى أوروبا على اعتبار أن الشعب التونسي هو ذلك الخليط الذي أفرزه امتزاج الشعوب و الحضارات التي تناوبت على المنطقة.
يقول الأستاذ سفيان سعد الله في قراءة نقدية للواقع التربوي في تونس: << لا تقتصر المدرسة على التعليم وحفظ المعارف،و إنما وظيفتها نحت شخصية الطفل، وإدماجه في الوسط الاجتماعي والثقافي. ولكن المدرسة اليوم، لم تعد تضطلع بتربية الناشئة على المحافظة على قيم المجتمع، ولا تسهم في تكوين إنسان قادر على التواصل مع تاريخه والمحافظة على قيمه، بل أن بعض المواد المقررة ترسخ في الناشئة قيما مشوهة من قبيل أن التاريخ العربي الإسلامي إنما هو تاريخ دم، و شعر و تخلف، وفي المقابل تظهر هذه المواد أن التاريخ الغربي رمز للتقدم. هاهنا نميز بين مشرعين في التربية: تربية زائفة تقضي على الحياة الروحية في المجتمع و تربية حقيقية تحافظ على الخصوصية الثقافية في المجتمع. ومن الغريب أن يعتبر بعض الحداثيين أن الحداثة رفض للتربية التقليدية ثم مقابل ذلك يسقطون في فخ تقليد الغرب. فإن كان عيب أعداء الحداثة تقليد السلف والتمسك بالماضي ونظمه التربوية الى حد الانغلاق فإن عيب الحداثيين تقليد عقلانية الغرب ونظمه التربوية في القرن السادس عشر إلى حد الانغلاق، وكأنهم لا يعيرون أهمية للتاريخ بل يحصرون الحداثة في حقبة تاريخية معينة والحال أن تاريخ البشرية هو تاريخ ثورات و الحداثة الغربية هي جزء لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية. وليست الحداثة حكرا على المجتمع الغربي، إنها نتاج المجتمع الإنساني في مختلف مراحله. فلكل مجتمع نظمه التربوية وأساليبه في التنشئة الاجتماعية، والمحافظة على القيم الاجتماعية التربوية لا تتعارض بالضرورة مع التقدم المعرفي و التقني الذي عرفته المجتمعات الغربية. ومن هنا لا يمكن نعت من يعتز بهويته و قيمه التربوية بأنه متخلف. و لا يمكن ان يعد حداثيا من يتخلى عن تحقيق آمال الشعب و المحافظة على تاريخه و قيمه التربوية ؟ >>(3).
إن المسألة الجوهرية تتمثل بكل بساطة في أنه لا ضمان لنجاح أي إصلاح تربوي حقيقي و فعلي في تونس لا يولي التربية على ترسيخ الهوية العربية الإسلامية لدى الناشئة وتجذير اعتزازهم بأصالتهم وبانتمائهم الحضاري والثقافي مع التأكيد على التفتح على الروافد الحضارية الإنسانية وعلى مكتسبات المعاصرة و ثمار العلم و التكنولوجيا. كما أن أي إصلاح تربوي في تونس لا يعيد الاعتبار للغة الوطنية الأم و يقر ضرورة التعريب وبالتالي تدريس المواد العلمية باللغة العربية أسوة بكل البلدان والشعوب التي تحترم خصوصياتها القومية وتعتز بانتماءاتها الحضارية و الثقافية. إن كل البلدان المتطورة في مجال التربية والتعليم بل و في كل المجالات تدرس بلغتها الوطنية ولا ترى لغة معينة متفردة بقدراتها في تدريس العلوم سواء كانت اللغة الفرنسية أو الإنجليزية. هذا هو حال فنلندا والسويد واليابان والصين والهند وألمانيا وإيطاليا واليونان وروسيا و تركيا بل هذا هو حال العدو الصهيوني الذي يعتمد العبرية. وإننا نتحدى أي مسؤول سياسي أو أي مرجع جامعي تونسي أن يعلن على الملأ أمام الشعب التونسي أن اللغة العربية عاجزة عن تدريس العلوم. يقول محمد رضا الأجهوري في كتابه: دفاع عن مستقبل تونس، مقالات في الهويّة والحرّية. الصادر عن الشركة التونسية للنشر وفنون الرسم، الطبعة الأولى – تونس 2015 : ” إنّ العداء للتعريب ينبع من هذا العداء للهوية العربية الاسلامية باعتبار أن إنجاز مشروع التعريب سيساهم حتما في إعادة الاعتبار لهذه الهويّة” (ص81). ويضيف : ( لست أرى معنى لما يزعمه البعض من كونه ديمقراطيا على صعيد العمل السياسي يؤمن بالحريات ويقدّس حقوق الإنسان ثم وفي ذات الوقت يهمل قضية الهوية والانتماء الحضاري أو يناهضها ويتآمر عليها…” ) (ص 112). كما يقول إنّ: “التحمس للتوجه الفرنكفوني ليس مجرد اختيار لغوي يعطي امتيازا خاصا للفرنسية وإنما هو بالإضافة إلى ذلك وكنتيجة حتمية عنه التزام بتكريس الأولوية للفرنسية على حساب اللغة الوطنية … لأجل ذلك كان طبيعيا جدا أن يكرّس التوجه الفرنكفوني بصفة فعلية طيلة عشرات السنين دون طرح أي تساؤل جدّي حول هذا القمع اللغوي المسلط قهرا على لغتنا الوطنية). (ص 166) يواصل : “إنّ الاستمرار في تكريس علاقة تبعية تونس العربية لغويا وثقافيا لفرنسا لن يسمح أبدا بتوفير أرضية ملائمة لتغيير ثقافي متجذر ولا لإصلاح تربوي ناجح ولا لتحرر وطني حقيقي ولا لتعامل مع الآخرين من موقع الاستقلال الحضاري تعامل الند للند. لذلك يتحتم هدم أساس التبعية، أمّا الجزئيات الأخرى التي هي بمثابة الأعراض، فإنها ستتهاوى بمجرد الحسم في أساس البناء” (ص175).
——————————————–
* متفقد عام بوزارة التربية/ عن مركز الدراسات الاستراتيجية و الديبلوماسية