في مثل هذا اليوم من سنة 2010 عرف تاريخ تونس الحديث منعرجا…
قد يكون يوم السابع عشر من ديسمبر إيذانا بتغيير جذري ودراماتيكي في بعض الأحيان لحياة تونس والتونسيين وقد يكون نزر قليل أو كثير من أبناء تونس لا يرومون نعت الأحداث السريعة والمتتالية ليوم 17 ديسمبر 2010 بأنها أحداث للثورة…
لكن الأكيد ان التغيير حصل… والثورة على السائد تمت والتونسيون اليوم ينعمون بحياة ديمقراطية وبحُرية الكلمة لم يكونوا على تماسها قبل ذاك التاريخ…
اليوم تمر أربع سنوات على انطلاق شرارة الغضب، شرارة سرت بين الناس كالنار في الهشيم، كسرت المحظور وبعده حاجز الخوف لدى الشعب ولكنها لم تدع الى الفوضى… فوضى أحال الشّعب عليها، من انتخب لكي يبني فآثر الحكم والسلطة وفسح المجال للقرار الأجنبي حتى يقوم بتحويل وجهة أهداف الثورة المتمثلة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية…
اذ جميل أن نرصد الاحتفالات بهذا اليوم الذي أدى بطبيعة الحال الى يوم 14 جانفي 2011 وجميل كذلك أن نرى مشهد التغنّي بالأهداف المذكورة للثورة يتسع يوما بعد يوم خاصة بعد أن تمكّن التونسيون بمجتمعهم المدني المسند وبتنوع الأحزاب في بلادنا وانخراطها في الشأن العام انخراطا، ولكن الأجمل من هذا وذاك أن نعرف كيف نصون أهداف الثورة ولا نستهين بالرأي العام التونسي فقد ألفى اليوم على وعي كبير… وعلى قدر أكبر من المسؤولية…
إن الثورة في تونس أمر حاصل لامحالة، فبمجرد تفحّص بنود الدستور، دستور 27 جانفي 2014، نتأكد ان النص القانوني حمى أهداف الثورة وصانها.
الدور الآن موكل للفائزين في استحقاقي التشريعية والرئاسية. اذ لا يمكن لنص دستور كالذي بين أيدينا اليوم أن يكون كافيا ما لم يُقرن بالفعل السياسي التطبيقي. وهذا الفعل السياسي نجده بدوره مرتبطا عضويا بالبرنامج السياسي…
ولقد جاء الوقت الذي لم يعد فيه مسموحا التنافس بين المرشحين لسوْس البلاد، على أساس التنابز بالألقاب او على أساس «فعل رد الفعل» على التصريح او التلميح من هذا تجاه ذاك… والعكس صحيح…
إن كمّ الشهداء من السياسيين والعسكريين والأمنيين لم يعد يسمح اليوم بالتمادي في اغفال معطى مهم، ونقصد استحقاقات الثورة…
اليوم تقف بلادنا رغم تجاوزها الخط الأول للخطر من حيث تأمينها للانتخابات العامة، تقف وسط مفترق غريب وعجيب للطرق، وأخشى ما نخشاه أن تدخل التجاذبات والتأثيرات الأجنبية على الخط، فتجيّر هذه الدوائر، كما عهدنا بها، كل استحقاقات الثورة الى مصالحها ليكون المشهد التنموي مقارنة بالمشهد السياسي مصابا بالحول، لأن إكمال استحقاقات الثورة لا يمكن أن يمرّ دون تغيير جذري في منوال التنمية يرفع الفقر والضيم عن الشعب التونسي ويبعد عنه شبح الهيمنة الرأسمالية المتوحشة التي تتربص بالثورة وبالعقل الخلاّق في تونس لتجعل أهداف الثورة تذهب سدى.
*باحثة في الإعلام والاتّصال والعلوم السّياسيّة/”الشروق” التونسية