تمهيد:
الاشتراكية الاسلاميه هي مذهب في الفكر الاقتصادي والاجتماعي الاسلامى الحديث والمعاصر، يدعو إلى الالتزام بنظام اقتصادي اشتراكي، يتسق – أو لا يتعارض- مع مفاهيم وقيم وقواعد الدين الاسلامى الكلية، فهو يقوم ضمنيا على أساس انه لا يوجد تعارض ” مطلق” بين الإسلام كدين، والاشتراكية كنظام اقتصادي.
تعدد دلالات مصطلح الاشتراكية: لكل مصطلح دلالات (معاني) متعددة: فهناك دلالته العامة اى المصطلح كمفهوم مجرد، وهناك دلالته الخاصة اى ما يكتسبه المصطلح من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع اجتماعي معين زمانا ومكانا، وهناك دلالته المشتركة اى المعنى الذي تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج ( بصرف النظر عن أوجه الاختلاف بينها)، وهناك دلالته المنفردة اى المعنى الذي تنفرد بفهمه فلسفه ومنهج معينين وبالتالي تتعدد بتعدد هذه الفلسفات والمناهج.فإذا تناولنا مصطلح الاشتراكية نجد أن له دلاله عامه- مشتركه تتمثل في الاشتراكية كمفهوم مجرد، تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج، ومضمونها التحرر من القهر الاقتصادي وسيطره الشعب على وسائل الإنتاج، والتخطيط الاقتصادي والملكية العامة لوسائل الإنتاج الاساسيه….كما أن له دلاله خاصة – منفردة تتمثل في تطبيق مفهوم الاشتراكية في واقع اجتماعي معين زمانا ومكانا، وطبقا لمعنى تفهمه فلسفه ومنهج معرفه معينين من مصطلح اشتراكيه.
المواقف المتعددة من الاشتراكية: استنادا إلى ما سبق ذكره، من تعدد في دلالات مصطلح الاشتراكية، فان هناك ثلاثة مواقف أساسيه من الاشتراكية، تقوم على موقف معين من هذه الدلالات المتعددة.
أولا: القبول المطلق (التغريب): هو موقف يقوم على القبول المطلق للاشتراكية، اى قبول كافه دلالات مصطلح الاشتراكية، فهو موقف يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية، وبالتالي فهو يقوم فهو موقف يستند إلى التغريب الذي مضمونه أن تستبدل القيم والآداب والقواعد التي جاء بها الإسلام بقواعد وآداب وقيم أخرى.
ثانيا:الرفض المطلق (التقليد): هو موقف يقوم على الرفض المطلق للاشتراكية، اى رفض كافه دلالات مصطلح الاشتراكية، بحجة أنها جميعا تتناقض مع الإسلام، وهو موقف يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة، يكون بالعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وبمنظور علم أصول الفقه هو موقف يقوم على الوقوف عند أصول الدين وفروعه، فهو لا يميز بين أصول الدين النصية الثابتة وفروعه الاجتهادية المتغيرة…
وهنا نلاحظ أن الموقف الثاني ” الرفض المطلق ” كان أساسا رد فعل على الموقف الثاني” القبول المطلق”،.إلا أن الموقفين- رغم تناقضهما في المقدمات إلا إنهما ينتهيان إلى نفس النتيجة، وهى أن هناك تناقض “مطلق” الإسلام والاشتراكية،ولا يمكن إلغاء هذا التناقض إلا إلا بإلغاء الأول ” كما في الموقف الأول”، أو إلغاء الثانية “كما في الموقف الثاني”.
ثالثا: الموقف النقدي (التجديد): وهو الموقف الذي يتجاوز موقفي الرفض المطلق أو القبول المطلق إلى موقف نقدي من الاشتراكية، يقوم على التمييز بين الدلالات المتعددة لمصطلح الاشتراكية، فيرى أن الإسلام كدين – لا يتناقض مع الدلالة العامة المشتركة لمصطلح الاشتراكية، اى التحرر من القهر الاقتصادي وسيطره الشعب على وسائل الإنتاج والتخطيط الاقتصادي والملكية ألعامه لوسائل الإنتاج الاساسيه، لأن الإسلام كدين قائم – على مستوى أصوله النصية الثابتة – على أن الله تعالى هو المالك الحقيقي للمال ( وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )(المائدة: 17)، وأن الجماعة هي المستخلفة – أصلا- في الانتفاع به، أما الفرد فوكيل عنها في الانتفاع به على وجه لا يتناقض مع مصلحتها (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)(الحديد: 7)، أما الدلالة الخاصة المنفردة لمصطلح الاشتراكية فيرى أن الموقف الصحيح منها هو على اخذ وقبول ما لا يناقض أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يناقضهما. هذا الموقف يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة، يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام،التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة سواء كانت من إبداع المسلمين، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى.وهذا الموقف هو الموقف الذي تستند إليه الاشتراكية الاسلاميه، لأنها- كما سبق ذكره – مذهب في الفكر الاقتصادي والاجتماعي الاسلامى الحديث والمعاصر، يقوم ضمنيا على انه ليس ثمة تناقض “مطلق” بين الإسلام والاشتراكية،اى تناقض بين الإسلام وكل دلالات مصطلح الاشتراكية، وان كان من الممكن وجود تناقض “محدود” بينهما، اى تناقض بين الإسلام وبعض دلالات مصطلح الاشتراكية، وهو ما يمكن إلغائه بأخذ الدلالات إلى تتناقص مع الإسلام، ورد الدلالات التي تتناقض معه.
المذاهب الاسلاميه في الاشتراكية والعدالة الاجتماعية: إذا الاشتراكية الاسلاميه مذهب يتصف بالوحدة، من جهة دعوته إلى الالتزام بنظام اقتصادي اشتراكي، يتسق – أو لا يتعارض- مع مفاهيم وقيم وقواعد الدين الاسلامى الكلية،، فانه يتصف بالتعدد من جهة تحديد خصائص هذا النظام الاقتصادي الاشتراكي، وبيان كيفيه اتساقه – أو عدم تعارضه- مع الإسلام كدين، فهي هنا تتضمن العديد من المذاهب في الاشتراكية والعدالة الاجتماعية،وفيما يلي نعرض لأهم هذه المذاهب:
مذهب الإمام جمال الدين الافغانى: يعبر الإمام جمال الدين الافغانى عن موقفه الايجابي من الدلالة العامة المشتركة لمصطلح الاشتراكية، من خلال تقريره في خاطراته أن الاشتراكية هي التي ستؤدي حقاً مهضوماً لأكثرية من الشعب العامل. واتساقا مع هذا الموقف الايجابي يقرر أن هذه الدلالة لا تتعارض مع الإسلام كدين من خلال تقريره أن الاشتراكية منبعها الإسلام كثقافة ودين، حيث يشير إلى الإخاء الذي عقده رسول الله بين المهاجرين والأنصار، و أن الدولة العربية الإسلامية الأولى في عهد النبي وخليفتيه أبو بكر وعمر كانت بمثابة تجربة اشتراكية (أول من عمل بالاشتراكية بعد التدين بالإسلام، هم أكابر الخلفاء من الصحابة، وأعظم المحرضين على العمل بالاشتراكية كذلك من أكابر الصحابة أيضا (الأعمال الكاملة للأفغاني، ج,1 ص.107)، كما يشير إلى أن البداوة أحد أصول الاشتراكية في الإسلام ( الاشتراكية في الإسلام.. ملتصقة في خلق أهله عندما كانوا أهل بداوة)(الخاطرات ص 234 ).كما يعبر عن موقفه النقدي من الدلالة الخاصة – المنفردة لمصطلح الاشتراكية، من خلال رفضه لكل من موقفي القبول المطلق و الرفض المطلقين، من خلال تحفظه على الاشتراكية الغربية، مع اتخاذه موقفاً رافضا للذين يكفرون مناصري الاشتراكية ويخرجونهم من الملة، حيث يجيب على سؤال لأحد مجالسيه عن تكفير مشايخ الإسلام للاشتراكية، بأن الاشتراكية وإن قل ناصروها اليوم فإنها ستسود العالم عندما يعم العلم الصحيح ويشعر البشر بأنهم إخوة، وأن التفاضل بالأنفع للمجموع وليس بالسلطان السياسي أو المالي أو العسكر وإنما يحتاج الأمر إلى الشجاعة والبسالة والجهر بالحق…) (جمال الدين الأفغاني – حسن حنفي ص.113)
مذهب الإمام حسن البنا: أشار الإمام حسن ألبنا إلى وجوب التزام المسلمين بالعدل الاجتماعي في الكثير من النصوص،حيث يقول ( لم يقف أمر النظام الاقتصادي الإسلامي عند هذا الحد، ولكنه رسم الخطط الأساسية للتقريب بين الطبقات، فانتقص من مال الغنى بما يزكيه ويطهره وينقيه ويكسبه القلوب والمحامد، وزهّده في الترف والخيلاء، ورغّبه في الصدقة والإحسان، وأجزل له في ذلك المثوبة والعطاء، وقرر للفقير حقًّا معلومًا، وجعله في كفالة الدولة أولاً، وفى كفالة الأقارب ثانيًا، وفى كفالة المجتمع بعد ذلك. ثم قرر بعد هذا صور التعامل النافع للفرد الحافظ للجماعة تقريرًا عجيبًا في دقته وشموله وآثاره ونتائجه، وأقام الضمير الإنساني مهيمنًا عليها من وراء هذه الصور الظاهرية. كل هذا بعض ما وضع الإسلام من قواعد ينظم بها شأن الحياة الاقتصادية للمؤمنين، وقد فصلت الحياة التقليدية الممسوخة التي يحياها الناس في هذه الأعصار بين الاقتصاد والإسلام، فقمتم أنتم ومن أهدافكم وأغراضكم الإصلاح الاقتصادي بتنمية الثروة القومية وحمايتها، والعمل على رفع مستوى المعيشة، والتقريب بين الطبقات، وتوفير العدالة الاجتماعية، والتأمين الكامل للمواطنين جميعًا، وإقرار الأوضاع التي جاء بها الإسلام في ذلك كله) ( مؤتمر رؤساء المناطق والشعب عام 1945 ). كما يقرر اسبقيه الإسلام للنظريات الاشتراكية الغربية في الدعوة إلى العدالة الاجتماعية ( … وإذا كانت الثورة الروسية قاربت بين الطبقات، وأعلنت العدالة الاجتماعية في الناس؛ فإن الثورة الإسلامية الكبرى قد أقرت ذلك كله من قبل ألف وسبعمائة سنة، ولكنها سبقت سبقًا لن تلحق فيه في أنها جملت ذلك وزينته بالصدق والعمل؛ فلم تقف عند حدود النظريات الفلسفية، ولكن أشاعت هذه المبادئ في الحياة اليومية العملية، وأضافت إليه بعد ذلك السمو بالإنسان واستكمال فضائله ونزعاته الروحية والنفسانية؛ لينعم في الحياتين، ويظفر بالسعادتين، وأقامت على ذلك كله حراسًا أشداء أقوياء من يقظة الضمير، ومعرفة الله وصرامة الجزاء وعدالة القانون)، اتساقا مع ما سبق يرى الإمام حسن ألبنا أن روح الإسلام توجب علينا القيام بعدد من الإجراءات، التي لا تخرج عن إطار الدلالة العامة المشتركة للاشتراكية، كاعاده النظر في الملكيات وتنظيم الضرائب الاجتماعية… حيث يقول في ص 349 من رسالة مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي ( توجب علينا روح الإسلام الحنيف وقواعده الأساسية في الاقتصاد القومي أن نعيد النظر في نظام الملكيات في مصر، فنختصر الملكيات الكبيرة ونعوض أصحابها عن حقهم بما هو أجدى عليهم وعلى المجتمع)، ويقول ( وتوجب علينا روح الإسلام في تشريعه الاقتصادي أن نبادر بتنظيم الضرائب الاجتماعية وأولها الزكاة (. بالاضافه الى ما سبق فقد استخدمت وثائق جماعه الإخوان المسلمين في عهد الإمام المؤسس مصطلح” الاشتراكية الاسلاميه”للتعبير عن المذهب الاسلامى فى العدالة الاجتماعية،ورد فى الاجتماع السنوي العاشر جمعية الإخوان العمومية عام 1946 (يعلن المجتمعون أن الإخوان المسلمين ليسوا حزبًا غايته الوصول إلى الحكم، ولكنهم هيئة تعمل لتحقيق رسالة إصلاحية شاملة ترتكز على تعاليم الإسلام الحنيف، تتناول كل نواحي الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي، وتسلك إلى كل ناحية سبيلها القانونية شكلاً وموضوعًا. يقرر المجتمعون أن الوضع الاجتماعي في مصر أمام التطورات العالمية والضرورات الاقتصادية وضع فاسد لا يحتمل ولا يطاق، وأن على المركز العامل للإخوان المسلمين أن يعلن برنامجه المفصل لإصلاح هذا الوضع، ولرفع مستوى الشعب أدبيًّا بالتربية والثقافة، وروحيًّا بالتدين والفضيلة، وماديًّا برفع مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية التي تفرضها الاشتراكية الإسلامية، والتي يحيا في ظلها العامل والفلاح والزارع والتاجر وكل مواطن حياة مريحة كريمة، ويعمل على تنفيذه في حزم وإسراع ) ( الإخوان والعدالة الاجتماعية/ السعيد رمضان /موقع الموسوعة الإخوانية “أخوان وبكى )
مذهب الشيخ محمد الغزالي: يقرر الشيخ محمد الغزالي عدم تناقض الدلالة ألعامه المشتركة لمصطلح الاشتراكية مع الإسلام كدين من خلال تقريره (إن الإسلام أخوة في الدين واشتراكية في الدنيا ((الإسلام والاشتراكية، ص 183)،وكذلك تقريره ( أن أبا ذرٍّ كان اشتراكيا وأنه استقى نزعته الاشتراكية من النبي صلى الله عليه و سلم )( الإسلام المفترى عليه، ص 103). كما يتخذ موقفا نقديا من الدلالة الخاصة المنفردة من الاشتراكية، يتمثل في قبول ما وافق أصول الدين، وواقع المجتمعات المسلمة ورفض ما خالفهما، حيث يقوله (وأرى أن بلوغ هذه الأهداف يستلزم أن نقتبس من التفاصيل التي وضعتها الاشتراكية الحديثة مثلما اقتبسنا صورا لا تزال مقتضبة – من الديمقراطية الحديثة – ما دام ذلك في نطاق ما يعرف من عقائد وقواعد، وفي مقدمة ما نرى الإسراع بتطبيقه في هذه الميادين تقييد الملكيات الكبرى وتأميم المرافق العامة)(الإسلام المفترى عليه، ص 66 (
مذهب الشيخ محمد السباعي: أما الشيخ مصطفى السباعي فيقرر عدم تناقض الدلالة العامة – المشتركة لمصطلح الاشتراكية من الإسلام كدين من خلال استخدامه لمصطلح” اشتراكيه الإسلام ” حيث يقول( لقد سميت القوانين والأحكام التي جاءت في الإسلام لتنظيم التملك وتحقيق التكافل الاجتماعي باشتراكية الإسلام) (مصطفى السباعي، اشتراكيه الإسلام)، وكذلك من خلال تحديده خصائص اشتراكية الإسلام حيث يقول (… ان اشتراكية الإسلام ليست اشتراكية الدراويش والزهاد، كبعض الصوفية وفقراء الهنود، الذين ينفرون من المال والتملك، جبنًا منهم عن تحمل أعباء الحياة ومسؤولياتها، وإنما هي اشتراكية حضارية إيجابية بناءة، تقيم أكمل مجتمع حضاري متمدن. وان اشتراكية الإسلام تحارب الفقر والجهل والمرض والخوف والمهانة. وان مستوى المعيشة في اشتراكية الإسلام مستوى مرتفع. وان اشتراكية الإسلام تشرك الشعب مع الدولة في تحقيق التكافل الاجتماعي، كما في نظام نفقات الأقارب. وان اشتراكية الإسلام تحارب الترف والبذخ واللهو الماجن في السلم والحرب. وان اشتراكية الإسلام تُخضع الحكومة لإرادة الشعب، لا العكس. وان اشتراكية الإسلام توسّع دائرة التكافل الاجتماعي، ومن ثم فهي أكثر ضمانًا لكرامة الإنسان وسعادته. وان اشتراكية الإسلام ليست نظرية ولا عاطفية، بل هي عملية. كما يحدد الفرق بين اشتراكية الإسلام وبين الرأسمالية فى انهما يتفقان في إعطاء الفرد حق التملك، والتنافس في الإنتاج. ويختلفان في أن حق التملك في اشتراكية الإسلام يخضع لمصلحة الجماعة، وفي الرأسمالية تخضع الجماعة لمصلحة رأس المال. كما يختلفان في أن التنافس في الاشتراكية الإسلامية يشيع الحب والتعاون في المجتمع، وفي الرأسمالية يشيع العداء والخلاف والاضطراب. وان الرأسمالية ملطخة بدماء الشعوب، والاستعمار، والاستعباد، واللصوصية، والاستغلال، ولاشيء من هذا في اشتراكية الإسلام).. أما موقفه النقدي من الدلالة الخاصة المنفردة للاشتراكية فيتمثل في تحديده الفرق بين اشتراكية الإسلام وبين الشيوعية والتي حددها في النقاط التالية: ان اشتراكية الإسلام تنسجم مع الفطرة الإنسانية في إباحة الملكية الشخصية. وان اشتراكية الإسلام تبيح التنافس، أما الشيوعية فترى أنه يجرّ البلاء على المجتمع. وان اشتراكية الإسلام تقوم على التعاون، والشيوعية تقوم على الصراع وحرب الطبقات، مما يؤدي إلى الحقد. وان اشتراكية الإسلام تقوم على الأخلاق، بخلاف الماركسية. وان اشتراكية الإسلام تقوم على الشورى، والشيوعية تقوم على الاستبداد والدكتاتورية والإرهاب
مذهب سيد قطب: أما سيد قطب فيرفض موقفي الرفض المطلق و القبول المطلق للاشتراكية،ويتبنى موقفا نقديا منها، قائم على اخذ ما وافق الإسلام ورد ما تعارض معه، حيث يقول (فإذا انتهينا من وسيلة التوجيه الفكري، بقيت أمامنا وسيلة التشريع القانوني لتحقيق حياة إسلامية صحيحة تكفل فيها العدالة الاجتماعية للجميع. وفي هذا المجال لا يجوز أن نقف عند مجرد ما تم في الحياة الإسلامية الأولى، بل يجب الانتفاع بكافة الممكنات التي تتيحها مبادئ الإسلام العامة وقواعده المجملة. فكل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية ولا تخالف أصوله أصول الإسلام، ولا تصطدم بفكرته عن الحياة والناس، يجب أن لا نحجم عن الانتفاع به عند وضع تشريعاتنا، ما دام يحقق مصلحة شرعية للمجتمع أو يدفع مضرة متوقعة. ولنا في مبدأ المصالح المرسلة ومبدأ سد الذرائع، وهما مبدآن إسلاميان صريحان ما يمنح ولي الأمر سلطة واسعة لتحقيق المصالح العامة في كل زمان ومكان) (العدالة الاجتماعية، ص 261، الطبعة الخامسة).وقوله في كتابه( معركة الإسلام والرأسمالية، ص44 ) ( بل في يد الدولة أن تنزع الملكيات والثروات جميعـًا، وتعيد توزيعها على أساس جديد، ولو كانت هذه الملكيّات قد قامت على الأسس التي يعترف بها الإسلام ونمت بالوسائل التي يبررها لأن دفع الضرر عن المجتمع كله أو اتقاء الأضرار المتوقعة لهذا المجتمع أولى بالرعاية من حقوق الأفراد). وقوله فى نفس الكتاب (ص 61 ) ( ولا بدَّ للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما جميعاً ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال)
مذهب عبد المنعم محمد خلاف: أما عبد المنعم محمد خلاف فيقرر أن الاشتراكية كلمه إسلاميه لفظا ومضمونا، وأنها اشتقت من لفظ عربي استعمله نبي الإسلام والمسلمون من بعده، في المعنى الذي يريده من نفس التسمية الغربيون والشرقيون، وهو الملكية المشتركة للمصادر الاساسيه للأموال، وذلك في قول الرسول(صلى الله عليه وسلم)(الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلاء والنار)، وفى قول أبى عبيد صاحب كتاب الأموال( أن عمر رأى أن كل المسلمين في هذا المال شركاء)(عبد المنعم محمد خلاف، المادية الاسلاميه وأبعادها، دار المعارف، طبعه ثانيه، ص130
الحزب الاشتراكي الاسلامى(السودان): أما الحزب الاشتراكي الاسلامى، فيعبر عن موقفه الايجابي من الدلالة العامة المشتركة لمصطلح الاشتركيه، وعدم تعارضها مع الإسلام بتقريره ( أن التيارات التقدمية والثورية في بلادنا تستمد نزعتها الاشتراكية من الإسلام، ومن ثورتنا الكبرى، ومن الثورة الاشتراكية العالمية، فالإسلام يقوم في أصوله الأولى على الإيمان بالله والحرية الفردية ووحده البشرية و احترام العمل و مساواة المراه و رعاية اليتامى والفقراء وتحريم الاستغلال والاحتكار ولسرقه). كما يعبر عن موقفه النقدي من الدلالات المنفردة الخاصة للمصطلح الاشتراكية، ( أن مواقع النقض في التيار الاشتراكي هي: عدم تشبع التيار الاشتراكي بالوعي الاسلامى، وضعف وعى هذا التيار بضرورة توطيد الديموقراطيه وحكم القانون، وعجزه عن رؤية القضايا الاساسيه في الثورة السودانية رؤية موضوعيه تقدميه ذات أفاق قوميه)( ميثاقنا والنهوض الثوري ببلادنا،الخرطوم 1986، طبعه ثانيه، ص 14 -34).
الاشتراكية العربية: أما المفكر العربي الدكتور عصمت سيف الدولة، فقد رفض الموقف الذي يقول بوحدة دلاله مصطلح الاشتراكية،اى أن لهذا المصطلح دلاله واحده،وان هذه الدلالة الواحدة هي الماركسية، حيث يقرر تعدد دلالات مصطلح الاشتراكية بتعدد الواقع الذي سيطبق فيه المفهوم،وان الدلالة المشتركة للمصطلح ليست هي الماركسية، بل هي ” النظرية الاشتراكية في صيغتها الفكرية المجردة، حيث يقول ( أن القدر المشترك من النظريات الاشتراكية، كالتحرر من القهر الاقتصادي، وسيطرة الشعب على وسائل الإنتاج،والتخطيط الاقتصادي.. هي عناصر النظام الاشتراكي، التي يتميز بها عن النظام الراسمالى، في اى مجتمع في اى وقت، فهي تمثل النظرية الاشتراكية في صيغها الفكرية المجردة من الالتزام بها في الممارسة في مجتمع معين.) (النظرية،ج2، ص 244 وما يليها). اتساقا مع هذا الموقف يدافع في كتابه” أسس الاشتراكية العربية ” عن شعار” اشتراكيتنا تنبع من واقعنا ” ويرى انه لا يمكن أن توجد إلا اشتراكيه عربيه في الوطن العربي. ويعرف الاشتراكية العربية بأنها نظام اقتصادي اشتراكي يتسق -ولا يتعارض- مع القيم الدينية والحضارية للامه العربية، يقول (. وانه بمجرد الالتزام بتحقيقها في نظام اشتراكي في الوطن العربي على وجه التحديد، تصبح نظريه اشتراكيه عربيه، من حيث هي نظريه قوميه في الاشتراكية. وان الاشتراكية العربية كما تلزمنا باقامه نظام اشتراكي في الوطن العربي، تلزمنا في ظل النظام الاشتراكي، باحترام وتنميه تراثنا الحضاري وقيمنا القومية، التي لا تتناقض مع النظام الاشتراكي من حيث هو نظام اقتصادي. (النظرية،ج2، ص 244 وما يليها).وهو إذ يسمى النظام الاقتصادي الذي يدعو إليه بالاشتراكية العربية، فان يرفض فى كتابه ” عن العروبة والإسلام” الفصل بين العروبة والإسلام، ويقرر العلاقة الجدلية بينهما،والتي تتمثل في أن الإسلام هو الهيكل الحضاري للامه العربية، لان الإسلام هو الذي أوجدها كأمه واحده وكانت قبله قبائل وشعوب متفرقة.
مذهب الاستخلاف: مذهب الاستخلاف هو مذهب اقتصادي اسلامى، ينطلق مع المبادئ الكلية للفلسفة الاقتصادية الاسلاميه.
المبادئ الكلية: و هذه المبادئ الكلية هي:
أولا:إسناد ملكية المال لله تعالى وحده: تنطلق الفلسفة الاقتصادية الإسلامية من إسناد ملكية كل شئ لله تعالى وحده، فالملكية طبقا لها هي صفة من صفات ربوبية الله تعالى، قال تعالى ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (النور: 33)، والمقصود بالملكية هنا حق التصرف المطلق بالمال،وهو ما يقارب مفهوم الملكية الخاصة في الراسماليه، وبناءا على هذا فان الفلسفة الاقتصادية الإسلامية ترفض إسناد الملكية (حق التصرف المطلق بالمال) إلى غيره تعالى سواء كان فرد أو فئة او حتى الشعب كله، لان ذلك الإسناد هو شكل من أشكال الشرك” الاعتقاد او العملي” في الربوبية،يقول تعالى﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ (إلا سراء: 111)
ثانيا:استخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال: وإذا كانت الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه قائمه أولا على ان ملكية المال(حق التصرف المطلق فيه) لله وحده، فإنها قائمه ثانيا على ان الجماعة هي المستخلفة عنه تعالى أصلا في الانتفاع به، على الوجه الذي يحدده ملك المال تعالى المنزه عن الانتفاع به، أما الفرد فنائب وكيل عنها فى الانتفاع به، يقول تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ الحديد: 7). في تفسير ألنسفي “يعني إن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها للاستمتاع به وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما انتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى وليكن عليكم إلا نفاق منها كما يهون على الرجل إلا نفاق من مال غيره إذا أذن له فيه –أو جعلكم مستخلفين عمن كان قبلكم” …
أصول المذهب:اتساقا من المبادئ الكلية السابقة الذكر يقوم مذهب الاستخلاف على ثلاثة أصول هي:
الأصل الأول: حق الجماعة في الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية: إذا كان الله تعالى مالك المال قد استخلف الجماعة في الانتفاع به، فان للجماعة حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية دون الفرد، وأدلة ذلك قال (صلى الله عليه وسلم)( الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلأ والنار (روه احمد وأبو داود)،وفي حديث أخر الملح وفي رواية “المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار ومنعه حرام” (روه أبن ماجة وأبن حنبل)،كما إن الشرع جاء بالحمى وهو(الأرض المحمية من الانتفاع الفردي لتكون لانتفاع المسلمين جميعا)،ومن المتفق عليه أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حمى أرض بالمدينة يقال لها النقيع لترعى فيها خيل المسلمين(رواه احمد)( أبو عبيدة، الأموال، ص 298، الماوردي، الا حكام السلطانية، ص 164، أبو يعلي، الأحكام، 206)، وحمى عمر أيضا أرضا بالربدة وجعلها مرعى لجميع المسلمين(أبو عبيدة، الأموال، ص299 ).
الأصل الثاني: الدولة نائب عن الجماعة: ان انتفاع الجماعة بمصادر الثروة الرئيسية،يكون بان تتولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها. قال تعالى ﴿يأيها الذين امنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾، دلت الآية على وجوب طاعة أولي الأمر ونستخلص من هذا الأمر إن يكون لأولياء الأمر (إي الدولة) إدارة الإنتاج بما يحقق مصلحة الجماعة. قال (صلى الله عليه وسلم) “من ترك مالا فلورثته ومن ترك دين أو ضياعا فليأتني فانا مولاه اقروا إن شئتم قوله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
* وتطبيقا لذلك ما ورد عن الحسن البصري “أربعة من إلا سلام إلى السلطان: الحكم و الفئ والجمعة والجهاد”.*وعن عمر بن الخطاب “لو أن عناقا ( عنزا ) ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة”.
الأصل الثالث: حق الفرد المشروط في الانتفاع بمصادر الثروة الثانوية: أما ما دون مصادر الثروة الرئيسية فان للجماعة أن تتركه حقا ينتفع به الفرد (القطاع الخاص) بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحتها كما سبق بيانه.
بين مصطلحي العدل الاجتماعي والاشتراكية:. يرفض البعض استخدام مصطلح الاشتراكية فضلا عن ربطه بالإسلام بالحديث عن “اشتراكيه الإسلام” أو “الاشتراكية الاسلاميه”، ويفضل استخدام مصطلحات أخرى كمصطلح العدالة الاجتماعية، ويجيز الربط بينها والإسلام بالحديث عن “العدالة ألاجتماعيه في الإسلام ” أو “المذهب الاسلامى في العدالة الاجتماعية ” ومرجع هذا الرفض أن مصطلح الاشتراكية اقترن في الأذهان الكثيرين بإحدى دلالاته الخاصة المنفردة، اى الماركسية التي اتخذت موقفا سلبيا من الدين. غير أن هناك آخرون يرون انه لا حرج من استخدام مصطلح الاشتراكية باعتبار أن المصطلح اشتق من لفظ عربي استعمله الرسول (صلى الله عليه وسلم ) والصحابة (رضي الله عنهم ) وذلك في قول الرسول(صلى الله عليه وسلم)(الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار)، وفى قول أبى عبيد صاحب كتاب الأموال( أن عمر رأى أن كل المسلمين في هذا المال شركاء)(عبد المنعم محمد خلاف، المادية الاسلاميه وأبعادها، دار المعارف، طبعه ثانيه، ص130(،وقد شاع استخدام مصطلح الاشتراكية حتى عند المفكرين الإسلاميين خلال القرن الماضي كما سبق ذكره نسبه لشيوع المصطلح حينها. والواقع من الأمر أن هناك ارتباط بين مصطلحي الاشتراكية والعدل الاجتماعي، غير أن الحديث عن المصطلح الأول هو حديث على مستوى النظم اقتصاديه بينما الحديث عن المصطلح الثاني هو حديث على مستوى قيمي، اى حديث عن قيمه ينبغي ان تضبط النشاط الاقتصادي، غير انه يفضل تقييد استخدام المصطلح الأول (الاشتراكية ) بتحديد الدلالة التي يقصدها مستخدم المصطلح، لان بعض دلالات هذا المصطلح مرفوضة، بينما يمكن استخدام المصطلح الثاني(العدالة الاجتماعية ) بشكل مطلق لان دلالاته أو اغلبها محل اتفاق وقبول.
الموقف من التجارب الاشتراكية: هناك بعض من يتبنى رأى بعض منظري الراسماليه والمدافعين عنها في الغرب، والقائم على القول على بفشل الاشتراكية كنظام اقتصادي استنادا إلى واقعه انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتى والكتلة الشرقية، غير أن هذا الراى يتجاهل عده حقائق أول هذه الحقائق ان الماركسية – التى كان يتبناها الاتحاد السوفياتى والكتلة الشرقية- تمثل إحدى الدلالات الخاصة المنفردة لمصطلح الاشتراكية ولا تمثل كل دلالاته، اى ان ما تم تطبيقه هو نظام اشتراكي معين – ماركسي – وليس كل النظم الاشتراكية، وبالتالي لا يجوز نسبه الفشل إلى الاشتراكية ككل – اى لا يجوز نسيبه الفشل إلى كل النظم الاشتراكية ولكن إلى نظام اشتراكي معين. ثاني هذه الحقائق أن هناك نظم اقتصاديه اشتراكيه أخرى تم ويتم تطبيقها فى مناطق أخرى فى العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتى منها اليسار الجديد في أمريكا اللاتينية، و الاشتراكية الديموقراطيه في الغرب، والتي هى سبب اساسى لاستمرار النظام الراسمالى لأنه استعار من الاشتراكية الكثير من النظم والآليات كالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ومكافحه القفر والضرائب التصاعدية وحماية حقوق العمال. ثالث هذه الحقائق أن فشل تجربه ما لا يعنى خلوها من اى ايجابيه، بل يعنى غلبه السلبيات على الايجابيات، وبالتالي فان الموفق الصحيح من اى تجربه – فاشل هاو ناجحة- ليس هو موقف الرفض المطلق،بل هو الموقف النقدي القائم على رفض السلبيات واخذ الايجابيات.
الفكر الاقتصادي الاسلامى وسط بين الراسماليه والشيوعية وليس الاشتراكية: إن الفكر الاقتصادي الاسلامى يستند إلى فلسفه اجتماعيه توازن بين الفرد والجماعة (من خلال التأكيد علي ا ن الجماعة بالنسبة للفرد كالكل بالنسبة للجزء تحده فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه كما في قوله صلى الله عليه وسلم”مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد،إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى”)، فهو وسط بين الفلسفات والنظم الاقتصادية الفردية( التي تؤكد على الفرد لتلغى الجماعة)،كالفلسفة الاقتصادية الليبرالية والنظام الاقتصادي الراسمالى كتطبيق اقتصادي لها، والفلسفات والنظم ألاقتصاديه الجماعية ( التى تؤكد على ألجماعه لتلغى الفرد) كالفلسفة الاقتصادية الماركسية والنظام الاقتصادي الشيوعي، وهنا يتضح لنا خطا القول ان الفكر الاقتصادي الاسلامى هو وسط بين الراسماليه والاشتراكية، اذا أن الاخيره نظام اقتصادي اجتماعي – وهو ما يتضح من دلاله المصطلح ذاته فى اللغة الانجليزية(SOCIALESM) – وليست نظام اقتصادي جماعي -إلا في صيغها المتطرفة-، وهناك مصدر آخر لهذا الخطأ هو الفهم الخاطئ لكون الإسلام يقوم على التوازن بين الفرد والجماعة استنادا الى مفهوم الوسطية،والذي يقوم على الاعتقاد ان الإسلام يساوى بين الفرد والجماعة فى الدرجة فى النظم الاجتماعية، وهو غير صحيح فالتوازن بين الفرد والجماعة في الإسلام يقوم على أن الشريعة تجعل الفرد هو الأصل والجماعة هي الفرع في العبادات، بينما تجعل الجماعة هي الأصل(الكل) بينما الفرد هو الفرع (الجزء) في المعاملات، التي تتضمن النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
الفكر الاقتصادي الإسلامي والعدل الاجتماعي: اعتبر الفكر الاقتصادي الإسلامي ان العدل الاجتماعي غاية للنشاط الاقتصادي، وذلك من خلال تقريره لشرطي العدل الاجتماعي: تكافؤ الفرص وعدالة الأجور، حيث أشارت العديد من النصوص إلى الشرط الأول(تكافؤ الفرص)، ومنها النصوص التي تفيد ان على الدولة الإسلامية ان توفر العمل المناسب لكل فرد حسب مقدرته، مثل ما روى البخاري وغيرة أن رجلا جاء إلى النبي( صلى الله عليه وسلم) يطلب إليه أن يدبر حاله لأنه خال من الكسب، وان الرسول دعا بقدوم وسواة بيده، وجعل له يدا خشبية وضعها فيه ثم دفعه للرجل وكلفة بالعمل لكسب قوته في مكان اختاره له،وأوجب الإمام الغزالي في الإحياء أخذا بهذا الحديث ان على ولي الأمر إن يزود العامل بالة العمل، ومنها النصوص المبينة لكيفية توزيع العطاء في الإسلام،ومنها قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه والله ما احد أحق بهذا المال من احد،وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته،فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وعناؤه وحاجته،والله لئن بقيت لهم ليصلن الرجل حقه من المال وهو في مكانه يرعى”. *كما أشارت العديد من النصوص إلى الشرط الثاني (عدالة الأجور)، فقد روي أن ابوعبيدة تحدث يوماً مع عمر في استخدام الصحابة في العمل فقال” أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة ”قال أبو يوسف في تفسيره” إذا استعملتم على شيء فابذل لهم العطاء والرزق لا يحتاجون”، وأورد المارودي عن عطاء الجند( انه معتبر بالكفاية حيث يستغني بها عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة، والكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه، احدهما: عدد من يعول من الذرارى والممالك والثاني: ما يرتبطه من الخير والظهر، والثالث: الموضع الذي يحله في الغلا والرخص فتقدر كفايته في نفقته وكسوته العام كله فيكون هذا المقدار في عطائه ثم تعرض حاله في كل عام فان زادت حاجته الماسة زيد وان نقصت ونقص وجوز أبو حنيفة زيادته على الكفاية
الفكر الاقتصادي الاسلامى ومذهب الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية: ان الملكية الخاصة،والتي تسمى (ملكية الرقبة)،والتي تخول للفرد التصرف المطلق في المال لا تمثل التصور الإسلامي للمال،اذ ان مضمون مصطلح الملكية الخاصة كما فى الفلسفة الاقتصادية الليبرالية يقابل كما سيق ان ذكرنا مصطلح الملكية القرانى،والملكية طبقا له هي صفة من صفات ربوبية الله تعالى﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (المائدة: 17)، لذا نجد ان كلمة ملكية في القرآن تسند إلى الله تعالى،إذ الملكية من صفات الربوبية على الوجه الذي أوضحنا. وأسندها القرآن مرة إلى سواه، وهو الجماعة لا الفرد، في معرض الحديث عن الأنعام ” فهم لها مالكون” بمعنى منتفعون. أما ألملكيه الفردية كشكل القانوني للملكية، مضمونه حق الفرد في التصرف المقيد بالمال، فقد اقرها الإسلام، لكن على وجه يتسق مع تصور خاص للملكية الاجتماعية كتحديد لوظيفه الملكية، اى لصاحب الحق فى القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك، ومضمونها ان القرار الاقتصادي أصلا من حق المجتمع، بالتالي فان القرار الاقتصادي للمالك يجب ان لا يتناقض مع مصلحته، وعلى وجه يتناقض مع الملكية الخاصة كتحديد اخر لوظيفة الملكية، اى لصاحب الحق فى القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك،ومضمونها حق المالك فى اتخاذ القرار الاقتصادي بالنسبة إليها دون المجتمع،اى وان تعارض مع مصلحه المجتمع. وهذه الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية تتمثل في تقرير الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه ان الجماعة هي المستخلفة أصلا عن الله تعالى مالك المال في الانتفاع به، أما الفرد فنائب ووكيل عنها فى الانتفاع به، يقول تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾(الحديد: 7).
*أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم