في مقال له بموقع Project Syndicate المختص في التحليلات السياسية، تساءل الأستاذ بجامعة كامبريدج البريطانية، هوغو دورشون، عن الجدوى من انتخابات اليسار الفرنسي .
فكما هو معلوم تقدم 7 مرشحين لانتخابات الدور الأول الخاصة باليسار الفرنسي كخطوة أولى للخروج بمرشح رئاسي يمثل اليسار في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
هذه الانتخابات تدور في ظل عدم ترشح الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند لولاية ثانية، ليكون بذلك ثاني رئيس في تاريخ الجمهورية الخامسة، التي انبثقت عام 1958، الذي لم يتقدم للانتخابات مجددا بعد نهاية ولايته.
الحالة الأولى، كما يذكر بذلك هوغو دورشون، تمثلت في الرئيس جورج بومبيدو، والذي توفي أثناء ولايته عام 1974. هولاند هو كذلك ثالث رئيس فرنسي يحظى بولاية واحدة فقط أسوة بفاليري جيسكار ديستان ونيكولا ساركوزي.
“كون آخر رئيسين لم يحكما سوى ولاية واحدة يعكس إلى أي حد أصبح الحكم صعبا في فرنسا”، يقول الأستاذ الجامعي مشيرا إلى أن قرار هولاند عدم الترشح ليس مفاجئا بالنظر إلى المستويات المتدنية جدا لشعبيته، ولأن ترشحه كان سيعني تلقيه لهزيمة مذلة في الدور الأول.
الكاتب اعترف لهولاند ببعض الإنجازات، من بينها جعل فرنسا طرفا في الاتفاق حول التغير المناخي وتراجع نسبة البطالة، وإن كان ذلك قد تم بصورة متأخرة لم تصب في مصلحة الرئيس الفرنسي.
شخصية فرانسوا هولاند افتقدت الكاريزما الرئاسية التي يتطلبها المنصب، حسب رأي كاتب المقال، والذي اعتبر أن ما زاد من إضعاف صورة الرئيس هو انخراطه في معارك مثل قانون سحب الجنسية عن المدانين في قضايا الإرهاب وقانون العمل الذي أسقط عددا من الحكومات الفرنسية في الماضي.
وضع اليسار الفرنسي هو ما دفع على ما يبدو وزير المالية السابق، إمانويل ماكرون، إلى الترشح بصورة مستقلة في خطوة اعتبرها هوغو دورشون أن الهدف منها هو المدى البعيد، أي أن أعين ماكرون منصبة على انتخابات 2022 وليس انتخابات 2017.
نأي وزير الاقتصاد السابق بنفسه عن اليسار، والذي توقع خسارة هذا الأخير في الانتخابات القادمة، يرافقه موقف مماثل اتخذه جون لوك ميلونشون، عضو الحزب الاشتراكي، والذي وحد خلفه أحزابا يسارية راديكالية للتقدم للانتخابات الرئاسية الفرنسية.
دورشون يتوقع أن ينحصر الصراع داخل انتخابات اليسار الفرنسي بين الوزير الأول السابق مانويل فالس وأرنو مونتبورغ، وزير الاقتصاد السابق في حكومتي جون مارك أيرو ومانويل فالس.
فوز فالس بترشيح اليسار الفرنسي سيزيد من الضغوط على إمانويل ماكرون، يقول الكاتب، لأن الاثنين معا يمثلان التوجه “الاشتراكي الليبيرالي”، وإن كان فالس أكثر تشددا في ما يخص قضية العلمانية والأمن القومي. بالمقابل، فإن انتصار مونتبورغ سيمثل ضغطا على ميلونشون لأن الرجلين معا يمثلان اليسار التقليدي.
دورشون لم يكن رئيفا باليسار الفرنسي حين اعتبر أن أهمية انتخابات الدور الأول تكمن في ما ستظهره من الانقسام داخل الحزب الاشتراكي بين من يدافعون عن تدخل الدولة ومن يدافعون عن سياسة أكثر ليبرالية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن ولاية هولاند الرئاسية تميزت بإحداث قطيعة مع سياسات الحزب الاشتراكي، ما جعل ممثلي اليسار الفرنسي يرونهفي سياساته خيانة لمبادئهم كيساريين.
هذه الانقسامات في اليسار الفرنسي تجعل الكاتب يجزم بأن نتائج انتخابات الدور الأول لن تكون ذات أهمية متوقعا أن يكون الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية المقبلة بين ممثل اليمين، فرانسوا فيون، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين.