كالعادة، مرت مأساة وفاة الصحفي الجزائري محمد تامالت، جراء تفاقم وضعه الصحي نتيجة إضرابه عن الطعام، مرور الكرام على الكثيرين من “حماة حقوق الإنسان” المغاربة، أفرادا وجمعيات، ربما لانشغالهم المحموم في تصيد أي شبهة انتهاك لحقوق الإنسان في المغرب، أو لاحترامهم ربما لمبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة صديقة”!! أو لاقتناعهم بأن تمالت “دارها بيديه” وليس هناك مبرر لإضفاء الطابع الحقوقي على القضية، وبالتالي أخرجوها من نطاق اختصاصهم.
ولو سمينا الأشياء بمسمياتها، بدل الاكتفاء بالإشارات التي يفهمها كل لبيب، واكتفينا بأسماء ثلاثة من الناشطين الذين يملأون الدنيا صراخا، كتابة وصوتا وصورة، عندما يتعلق الأمر بخطأ مهنى لأصغر عون سلطة في المغرب، محولين الأمر إلى “سياسة ممنهجة” صدرت بها توجيهات خاصة، وتتبعنا حالة “الصمم والعمى والخرس” التي أطبقت عليهم عندما تعلق الأمر بخرقين سافريين لحقوق الإنسان في تعريفاتها البشرية والدولية، قامت بهما السلطات الجزائرية، واستدعت استنكار العالم بأسره، ويتعلق الأمر بحدثين متزامنين هما وفاة الصحفي الجزائري محمد تامالت، وحشر مئات اللاجئين الأفارقة في شاحنات نقل المواشي ورميهم في الصحراء النيجرية دون غطاء أو طعام، فريسة للبرد والجوع، بحجة “نقلهم للسيدا”، لتبدت لنا عشرات علامات الاستفهام التي لا تجد لها إجابة سوى عند المعنيين بالأمر. وهنا نكتفي بطرح بعض من هذه التساؤلات، حتى لا ندخل في باب التأويلات و “نظرية المؤامرة”:
- ألم يجد الصحفي علي أنوزلا، الحائز على “جائزة رائف بدوي للشجاعة الصحفية” في ألمانيا، في حادثة “مقتل” زميل له في المهنة، ناهيك عن كونه إنسانا، محمد تامالت، شبهة خرق لحقوق الإنسان؟ أم أن “شجاعته الصحفية” لم تكن كافية لجعله يرفع الصوت عاليا، أو حتى هامسا، عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان التي مارستها السلطات الجزائرية بشكل فاضح في ظرف أسبوع واحد؟ ألم يكن الحادث في نظره كافيا لدفعه لكتابة افتتاحية في الموضوع؟ ثم، أليس غريبا أن يكتفي الموقع الإلكتروني الذي يديره، بنقل الخبر عن وكالة الأنباء الفرنسية، دون أن يكلف حتى صحفيا في الموقع بصياغة الخبر بطريقة تتجاوز الصياغات الدبلوماسية الباردة لوكلات الأنباء، إن هو ارتأى أن لا مبرر للتطوع شخصيا في الدفاع عن حقوق الإنسان المهدرة على يد سلطات الجزائر!!!
- وبالنسبة لخديجة الرياضي، الحائزة بدورها على “جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان” –هل هي مصادفة؟!- ومن ورائها منظمتها العتيدة (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان)، ألم تجد من يخبرها بالمستجدات الحقوقية الجارية في الجارة الجزائر، إذا كانت لا تملك الوقت الكافي لمتابعتها؟ أم أن هجومها المشهور على سلطات بلادها التي اتهمتها “بانتهاك حقوق المهاجرين الأفارقة، وتشجيع المغاربة على ممارسة هذه الانتهاكات بحق المهاجرين”، لا ينطبق على الحالة الجزائرية، والتي لم تكتف بانتهاك حقوقهم، بل ومارست في حقهم التعذيب والقتل والإذلال، تبعا لشهادات الضحايا!!!
- أما الناشط الحقوقي الثالث المعطي منجب، فيطاله بدوره سؤال أكثر بداهة: ألم تجد في إضراب تامالت عن الطعام، وما قوبل به من إهمال أدى لوفاته، أمرا يستحق الاستنكار والإدانة، وأنت الذي سبقته لمثل هذا الإضراب لأسباب أقل بكثير من الأسباب التي دفعته له؟ ألم تحسب حساب قيامك بتكرار محاولة الإضراب عن الطعام، واحتياجك بالتالي إلى تعاطف حقوقي مع حالتك، مما كان يستلزم “مجاملتك” بكلمتين “ما اداو ما جابو” للفقيد تامالت!!!
إن هذه المفارقات المؤسفة، والمواقف الانتقائية المخجلة تجاه خروقات حقوق الإنسان في كل مكان، والتي يرتكبها بعض المنتسبين إلى العائلة الحقوقية المغربية، لهي أمر مؤسف، لا يضعف فحسب حجتهم الحقوقية المفترضة وهم يمارسون “صراخهم” في المغرب، بل ويسلبهم في العمق، شرعية الانتساب إلى هذه العائلة. فما هو مدان من انتهاكات لحقوق الإنسان، لا يمكن حصره في جغرافيا محددة، حيث أن الضمير الإنساني الذي لا يتحرك تجاه معاناة البشر في سوريا والجزائر واليمن وليبيا وبورما.. بل والمغرب، يفقد من يدعون امتلاكه، شرعية مثل هذا الادعاء، ويجعلهم شركاء “بالتواطؤ” مع الجلادين، في مقابل ضحاياهم. أسئلة نكتفي بطرحها، دون الخوض، كما أسلفنا، في الأسباب التي أصابت حقوقيينا “بالخرس والصمم والعمى” تجاه ما يجري في الجارة الجزائر، وإن كانوا مطالبين بالإجابة عليها، على الأقل أمام جمهورهم الذي يعتبرهم أبطالا.