بعد ثلاث سنوات على رأس الحزب الواحد سابقا في الجزائر، “جبهة التحرير الوطني” المعروف باختصاره الفرنسي “الأفالان”، جاءت استقالة عمار سعداني كأمين عام للحزب لتضفي مزيدا من الإثارة على مسلسل سياسي جزائري صار يحبس أنفاس المراقبين لمحاولة توقع ما قد تسفر عنه حلقاته المقبلة.
وقدم سعداني استقالته يوم أول أمس السبت خلال اجتماع الدورة العادية للجنة المركزية للحزب، حيث قال إن دواع صحية وراء استقالته.
قبل ثلاث سنوات وضع رئيس المجلس الشعبي الوطني سابقا على رأس الحزب العتيد والانطباع الذي كان يسود لدى عدد من المتابعين للشأن الجزائري أن الرجل جاء “مكلفا بمهمة” أو بمهام عدة.
سعداني لم يخيب التوقعات حيث ظل كلامه كما صمته يتصدر عناوين المنابر الإعلامية الجزائرية، ويصنع من خلال هجماته ضد الرجل القوي سابقا في النظام من خلال جهاز المخابرات العسكرية الذي كان يرأسه، الفريق محمد مدين “توفيق”، أو خرجاته ضد وزراء حكومة عبد المالك سلال وهي التصريحات التي كان يعقبها في أكثر من مرة الإطاحة بهذا الوزير أو ذاك.
استمرار سعداني على رأس “الأفالان” لم يمر بسلام في ظل ارتفاع بعض الأصوات المعارضة له لمطالبته بالرحيل. ورغم أن شعار “إرحل” رفع في وجه الأمين العام السابق من قبل عدد من الشخصيات داخل الحزب، إلا أن استقالة عمار سعداني طرحت عددا من علامات الاستفهام حول خلفياتها وما قد تعنيه بالنسبة للمرحلة المقبلة في الجزائر، خاصة في ظل سياق سياسي يتسم بالغموض بخصوص مسألة خلافة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.
البعض يرى أن قرار إزاحة أو بالأحرى إنهاء مهمة سعداني على رأس “جبهة التحرير الوطني” اتخذ قبل أشهر. “من خلال رحيل سعداني، تريد رئاسة الجمهورية تهدئة الأجواء داخل الأفالان من أجل تحضير أفضل للانتخابات التشريعية المقبلة”، يقول موقع Impact24 الجزائري.
بقاء سعداني على رأس الحزب، حسب هذا التأويل، كان يمكن أن يهدد مكانته كأول قوة سياسية في الجزائر، مع العلم أن منافسه الأكبر في الانتخابات هو الحزب الآخر الموالي للسلطة “التجمع الوطني الديمقراطي” الذي يقوده مدير ديوان بوتفليقة ورئيس الحكومة السابق، أحمد أويحيى، والذي جمعته علاقة متوترة بسعداني.
رحيل الأمين العام السابق يقرأ فيه أيضا محاولة للتهدئة بين أجنحة السلطة التي تتصارع في ما بينها بغية التفرغ لمواجهة الاضطرابات الاجتماعية المتوقعة في ظل القراءات غير الشعبية المرتقبة في قانون المالية 2017.
بعض القراءات تربط بين خرجة سعداني الأخير ضد الفريق المتقاعد “توفيق” وما قاله عن كونه رأس حربة “ضباط فرنسا” وبأنه وراء مجموعة الـ14 التي راسلت بوتفليقة لإبعاد سعداني والتي تضم في صفوفها مقاومين للاستعمار الفرنسي واتهام رئيس المخابرات السابق بكونه وراء اضطرابات غرداية وعين صالح، واتهامه للأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم بكونه سليل أسرة متعاونة مع فرنسا أيام احتلال الجزائر، لم ترق لرئاسة الجمهورية.
خرجة سعداني هاته، يوم 5 أكتوبر الجاري، صارت محط تساؤل حول ما إذا كانت قد تمت من دون موافقة المحيط الرئاسي الذي وضع سعداني على رأس “جبهة التحرير الوطني” قبل ثلاث سنوات.
موقع TSA ، ورغم طرحه احتمال إقالة سعداني من قبل الجهات التي جاءت به على رأس “الأفالان”، إلا أنه اعتبر أن رحيله مع ذلك يعتبر “خروجا مشرفا” مقارنة بالأمناء العامين السابقين الذي كان يتم الانقلاب عليهم بإيعاز من السلطة.
الموقع أشار كذلك إلى أن بعض المراقبين أقاموا ربطا بين رحيل سعداني والانتخابات الرئاسية لعام 2019، في الوقت الذي نسج فيه سعداني روابط قوية مع رئيس الحكومة عبد المالك سلال ورئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح.
خلافة سعداني من طرف جمال ولد عباس، الذي لا يتوقع أن يدخل في حروب كلامية بحكم شخصيته التي تختلف عن سعداني، يعتبر حسب TSA تأكيدا لنظرية سعي الرئاسية تهدئة الأوضاع بين أجنحة السلطة، لكن هذا الاختيار قد ينعكس على الحزب خاصة أن سعداني، من خلال تصريحاته وخرجاته، عرف كيف يجعل من الحزب الوحيد سابقا محرك المشهد السياسي الجزائري.