منذ سقوط القذافي بدأ الحديث عن الجهوية التي كانت سائدة في عهد الملك إدريس السنوسي تطفو على سطح الخطاب السياسي والأكاديمي والإعلامي الغربي ما قرأ فيه كثير من الباحثين والغربيين مؤشرات على وجود مشروع تقسيم لليبيا، حتى صار اليوم كلام المبعوث الأممي مارتن كوبلر عن تشكيل ثلاثة جيوش ليبية بمثابة دليل بالنسبة لهؤلاء على وجود مخطط تقسيم ترعاه الأمم المتحدة.
في حواره مع وكالة “أسوسييتد برس” قدم كوبلر مسألة تشكيل ثلاثة جيوش ليبية في لبوس اللامركزية القائمة على ثلاث مناطق التي أشير لها سابقا، بحيث تمثل شرق وغرب وجنوب البلاد، بدعوى تجاوز حالة الجمود بوجود حكومة واحدة تحظى باحترام دوليا.
خلال التقائه بشخصيات ليبيا محسوبة على معسكر الحكومتين المتنافستين في طرابلس وشرق البلاد بالقاهرة، تحدث كوبلر إلى الوكالة الأمريكية عن وجود مباحثات لتشكيل ثلاثة مجالس عسكرية تمثل المناطق الليبية الثلاث الكبرى.
وجاءت دعوة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتزكي مخاوف الكثيرين بخصوص فرضية التقسيم في إطار إعادة تشكيل الخارطة العربية مع ما يسمى “الربيع العربي”، حيث ظلت هذه النظريات تعتبر نظريات مؤامرة خاصة مع الحماس الذي رافق الانتفاضات الشعبية التي أطاحت بنظامين في تونس ومصر، وتكللت بسقوط نظام القذافي في ليبيا بعد تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) لترجيح كفة التمرد المسلح ضد العقيد الراحل وقواته.
بيد أن دعوة كوبلر قد تجدد مبرراتها في عدم توافق الليبيين، مع استمرار الصراع السياسي والمسلح بين الشرق والغرب، وادعاء أن كل طرف يمثل الشرعية ويرفض الاعتراف بالآخر.
المثير في أقوال المبعوث الأممي هو مناقضته لنفسه، فبالإضافة إلى حديثه عن بدء النقاش حول تشكيل ثلاثة جيوش ليبية لتجاوز المأزق المرتبط بحكومة واحدة، صرح لنفس الوكالة الإخبارية أنه ما يزال يدعم خيار جيش موحد لأنه لا يمكن توحيد البلاد بجيش أو ثلاثة.
في العموم، يبدو الدور الغربي في ليبيا منذ 2011 إلى اليوم محط العديد من التساؤلات، والتي تزكي التهمة الملقاة عليه إما حقيقة أو جزافا.
فالغرب عمد إلى التدخل العسكري في ليبيا من دون غيرها بدعوى حماية المدنيين من بطش القذافي. وبعد سقوط النظام جاء قائدا الحملة العسكرية، الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ورئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون إلى بنغازي حيث استقبلا كالأبطال، وغادرا البلاد بعد أن وزعوا الوعود والأحلام الوردية يمينا وشمال بليبيا أفضل وبأن الليبيين سيتلقون الدعم الفرنسي والبريطاني في مرحلة ما بعد القذافي.
بيد أن سقوط البلاد في معسكر الفوضى الذي ساهم فيه غياب مؤسسات دولة قوية وعدم تشكيل بنية قوية لأجهزة الأمن ورفض الميليشيات تسليم سلاحها والسعي إلى تسوية الخلاف السياسي عبر قوة السلاح، كل ذلك أدى تبخر كل الأحلام التي دغدغت الليبيين ليصير الحديث عن “دولة فاشلة” بدلا من بلد يخطو خطواته الأولى نحو الديمقراطية.
في هذا الإطار، يبدو التساؤل مشروعا حول ما إذا كانت رعاية الأمم المتحدة لجولات الحوار الليبية التي أفرزت عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني، برغم حصولها على الدعم الدولي، مساهمة في مسار تقسيم ليبيا التي صارت بثلاث حكومات كل منها تدعي الشرعية، هي الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
وبرغم دخول حكومة الوفاق إلى طرابلس وبدءها عملية عسكرية ضد تنظيم “داعش” منذ شهرين إلا أن حكومة الغويل ما تزال لا تعترف بشرعيتها، نفس الشيء ينطبق على حكومة شرق البلاد المدعومة من قبل الجنرال خليفة حفتر.
التخوف الكبير هو أن تقسيم ليبيا، في حال كان مشروعا حقيقيا لدى الغرب برغم ادعاءاته بكون ليبيا غير مستقرة تشكل خطرا على أمن أوروبا والولايات المتحدة، يتم بأدوات ليبيا كرست سقوط البلاد في مستنقع الفوضى والدمار لدرجة جعلت الكثير من الليبيين يترحمون على أيام القذافي.