ينتمي السيد حكيم بنشماس، الذي انتخب مساء أمس الاثنين، رئيسا للغرفة الثانية للبرلمان المغربي، خلفا لمحمد الشيخ بيد الله، إلى الجيل الذي تربى ، منذ صغره، ميالا إلى اليسار، بحكم الظروف السياسية المحيطة به آنذاك، خاصة في السنوات التي أعقبت استقلال المغرب، وما تلاها من مواجهات تركت بصمتها على تلك المرحلة المفصلية من تاريخ المملكة.
منذ طفولته، فتح بنشماس عينيه في الريف، في شمال المغرب، في منطقة كانت آنذاك تعج بالأحداث، جراء ” التهميش والعزلة”، على حد وصفه، ولم يسلم أقرب المقربين إليه، ألا وهو والده من الاعتقال لمدة 5 سنوات، في سياق انتفاضة الريف 1958 و1959، حينما كان هو مازال في سن الخامسة من عمره، وامتد الأمر ليشمل أخاه الأكبر أيضا.
” عشت طفولة قاسية”، هكذا يلخص بنشماس واقع الحال، حين كان يعيش في دوار يبعد عن المدرسة بحوالي كيلومتر واحد، كان في الغالب يقطعه مشيا على الأقدام.
أول مدينة يراها في حياته، وينظر إليها بانبهار، وهو القادم من عالم الريف، كانت هي الحسيمة، حيث التحق بالمعهد الديني بالصدفة، قبل أن يواصل دراسته الثانوية فيها، ويحصل على البكالويا في سن 17 من عمره، ليساهم بعدها في تأسيس الشبيبة الاتحادية.
يعترف في بوح مسجل له لإذاعة ” أصوات” المغربية الخاصة، بأنه في طفولته كان مشاغبا” لدرجة مزعجة، ” باعترافه شخصيا، وكانت الرغبة التي تحذوه دائما، هي “خلق حركة احتجاجية في القسم”.
وكأي مناضل في تلك السنوات، التي مازالت حية في ذاكرة الكثيرين ممن عايشوها، وتعرضوا لأقصى درجات التعسف، وجد نفسه ذات يوم في السجن، بسبب أفكاره، “لمدة عامين و3 شهور و3 أيام بالتمام والكمال”.
إنه يتذكرها جيدا، لأن الأصل في الحكم بالسجن كان هو سنتان فقط، لكن أضيفت إليهما ” 3 شهور و 3 أيام، ظلما وعدوانا”، على حد وصفه، وأصيب خلالها بمرض السل.
وخلال فترة الاعتقال، سنة 1984، خاض إضرابا عن الطعام من اجل الدفاع عن الحق في الدراسة، واصفا التجربة بأنها ” كانت مؤلمة جدا”. ومما كان يرفع من معنوياته، آنذاك هو زيارة رفيقته له، وهي التي أصبحت فيما بعد زوجته وأم أولاده.
لكنه يتذكر أنه لم يكن يتحمل رؤية والديه له في السجن، إشفاقا منه عليهما، وهما يشاهدانه وراء القضبان، في ظروف سيئة، “لا يمكن لأكثر الناس خصوبة في الخيال تصور حجمها وعذاباتها وأهوالها”.
ورغم ذلك، يصر بنشماس دائما على القول ” إن ما عشناه قليل جدا، بالمقارنة مع معاناة الآخرين، الذين يرجع إليهم الفضل، في ما وصل إليه المغرب اليوم، وما قطعه من خطوات، على درب الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
تبلورت شخصية بنشماس، بعد اجتيازه للكثير من المحطات في حياته، ومن عناوينها الانخراط في الحركة الطلابية، من خلال الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ثم إسهامه في النشاط المدني والسياسي، اقتناعا منه أن هذا هو الأسلوب الأسلم والأنسب في البناء المؤسساتي للبلاد، لدعم المشروع الديمقراطي والحداثي.
ومن منطلق هذا الوعي، شارك في إنقاذ ضحايا زلزال مدينة الحسيمة في شهر فبراير سنة 2004، واستأثرت باهتمامه هيئة الإنصاف والمصالحة، التي استهدفت طي صفحة ما يعرف بسنوات الرصاص، التي كان أحد ضحاياها.
كبرت قامة بنشماس، الرجل الخمسيني، ونضجت تجربته السياسية، بعد أن أصبح أستاذا جامعيا للعلوم السياسية، وترأس سابقا مقاطعة يعقوب المنصور في الرباط، أكبر جماعة في المغرب، ودخل كبرلماني إلى الغرفة الثانية، بعد انتمائه لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي يعتبر من بين أبرز مهندسي بنائه، وقبله “حركة لكل الديمقراطيين”، رغم ما صاحب ميلاهما معا من جدل سياسي، مازال مستمرا حتى الآن، ويتجدد بقوة كلما كان هناك استحقاق انتخابي جديد.
واليوم، وبعد منافسة شرسة مع الصمد قيوح، من حزب الاستقلال، يتوج مساره السياسي بالوصول إلى منصة رئاسة مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان المغربي.
للمزيد:بنشماس يعلن عن “وثيقة إعلان النوايا” بشأن رئاسة مجلس المستشارين
هو رجل تواصل بامتياز، يكفي أنه المرشح الوحيد، من بين المرشحين الآخرين لرئاسة المجلس، الذي أعلن عن خطة طريق، في شكل ” وثيقة إعلان النوايا”. ولا يتردد أبدا في الإجابة على أسئلة الصحافيين، وإن كانت توقعاتهم تصب حاليا في اتجاه النأي عنهم، بحكم المسؤولية الجديدة.
انتخابه على رأس مجلس المستشارين أثار الكثير من التعاليق، ومنها ماكتبه الزميل الجيلالي بنحليمة، على جداره الفايسبوكي، حيث قال:” أقدر في حكيم بنشماش، رصانته وجديته، أقدر طيبة الرجل الذي عرفته عن قرب وبعد، هذا لا يمنعني من أن أقول إن رئيس مجلس المستشارين نتاج نظام تحكم مغلف بديمقراطية زائفة، تريد الباطل في الحق، وتصدر التسلط في ثوب التغيير، منظومة وجدت ضالتها في أحزاب هشة تغير رداء الثعبان بتغير الفصول”.
حكيم بنشماس رئيسا جديدا لمجلس المستشارين
وكأي سياسي، للرجل أصدقاء وخصوم، البعض ينتقد انفعاله في لحظات النقاش، حيث ظل محتفظا في نظر البعض بصفة الشغب، التي لازمته في مرحلة الطفولة والشباب، والبعض الآخر، يأخذ منه مسافة، لكن الكثيرين يجمعون على حزمه، رغم اختلاف العديد من الفاعلين السياسيين معه، وخاصة مواجهته الدائمة مع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة.
لكنه، وفي تصريح له، مساء اليوم، لموقع ” مشاهد 24″، أصر على القول، إنه سوف يعامل الجميع، وفق ماتقتضيه الضوابط والقواعد، بمقتضى الدستور، سواء مع الحكومة أو غيرها من المؤسسات، مؤكدا في ذات التصريح وفاءه والتزامه بتطبيق ” وثيقة إعلان النوايا”.