أثار خبر اعتزام الحكومة التونسية بناء جدار أمني بينها وبين الجارة ليبيا، ولا يزال، الكثير من اللغط في أوساط الشعبين والطبقة السياسية ووسائل الإعلام في البلدين. ولعل نظرة “باردة” للموضوع، يمكن لها أن تجد مبررا لقرار الحكومة التونسية، ووجاهة للمعترضين عليه في ليبيا في نفس الوقت. فمع انكشاف منطقة شمال إفريقيا أمام خطر تهديد الجماعات الإرهابية، وتحديدا “داعش”، وانتشار هذه الجماعات وسهولة حركتها من قطاع غزة وحتى الغرب الجزائري، يصبح ممكنا لنا تفهم رغبة مختلف الدول في حماية حدودها من تسلل العصابات المسلحة وتجارة تهريب البشر والسلاح، وهو ما دفع الحكومة التونسية –كما أعلنت عن ذلك- إلى اتخاذ قرار بناء جدار رملي على طول حدودها مع ليبيا، التي أصبحت في نظر الكثيرين “مرتعا للجماعات الإرهابية المسلحة”.
هذه الاتهامات تثير حفيظة الحكومة الليبية في طرابلس –وإن تفهمتها حكومة طبرق- على اعتبار أنها تكيل اتهاما عاما لليبيين “المكتوين بدورهم بنار الإرهاب”، مطالبين بالمقابل بأن يتم تأمين حدود البلدين بالتفاهم والتنسيق بينهما، وليس بقرار منفرد من أحدهما. ويخشى مسؤولو طرابلس أن يقود بناء تونس لجدارها الأمني إلى نوع من “ترسيم الحدود من جانب واحد” بطريقة تخل بحقوق الليبيين.
للمزيد: تونس في طريقها إلى إغلاق الحدود مع ليبيا
المغرب بدوره يستمر في أعمال بناء السياج الكفيل بتحصين حدوده مع الجارة الجزائر من آفتي التهريب والإرهاب، وقد ووجه بدوره بانتقادات من بعض المنابر الصحفية الجزائرية، على اعتبار أنه “يقيم الحواجز في وجه جيرانه”. ومع ذلك، فلو تأملنا الأمر بهدوء، يمكننا استخلاص نتائج بعيدة عن السجال الدائر بين مؤيدي ومعارضي الحواجز الأمنية المخصصة لحماية الحدود بين الجيران.
من نافل القول أن الأصل في الوضع بين الجيران هو سياسة الأبواب المفتوحة، بل ويمكن القول بأن أمل شعوبنا لا ينحصر في العيش بحدود مفتوحة، بل بدون حدود أصلا.. لا حدود ولا معابر ولا نقاط تفتيش تفصل بين الأهل في شرق المغرب وغرب الجزائر، بين شرق تونس وغرب ليبيا، بل وبين قطاع غزة وأهل سيناء، …الخ. لكن مع إصرار الأنظمة العربية بعد الاستقلال على تكريس النزعة القطرية، ومحاولة الاستفراد برقعة جغرافية خاصة، تصطنع لها فيها خندقا يفصلها عن جوارها، أقمنا دون أن نشعر حواجز نفسية قبل الأمنية، ومزقنا خلال عقود، نسيجا اجتماعيا لطالما تعايش في وئام وانسجام على مدى قرون الإسلام في هذه البلاد.
اقرأ أيضا: التناقضات الصارخة للنظام الجزائري.. متى تنتهي؟!
إن إصرار الحكومة الجزائرية مثلا على إقفال الحدود وإغلاق المعابر ومنع مواطنيها من التواصل برا مع أهلهم وذويهم في المغرب، يفقدها كل مبرر أخلاقي ومنطقي للاحتجاج على بناء أسلاك شائكة لحماية ألاف الكيلومترات من الحدود المفتوحة من المهربين والإرهابيين. كما أن ضمان الحكومة التونسية لانسيابية الحركة عبر المعابر الحدودية الرسمية مع الأشقاء في ليبيا، يقوي حجتها في بناء ما تعتبره حاجزا يمنع تدفق الإرهاب العابر للحدود إلى أرضها، ولا نعتقد أن للإخوة في ليبيا مبرر للتحفظ على هذا الخطوة، اللهم إلا إذا قام التونسيون باقتطاع أجزاء من الأراضي الليبية، وهو ما لا نعتقد بإمكانية حدوثه.
لقد عانى المواطنون العرب من قطع تواصلهم الطبيعي الذي عاشوه على مدى قرون، لم يكن يعرف الواحد منهم فرقا بين هذه البلاد وجارتها، بعيدة أو قريبة، ولسان حالهم يقول”بلاد العرب أوطاني”، متمثلين المعنى القرآني الذي يعتبرها “أرض الله الواسعة”. وما نحتاجه الآن من حكوماتنا، هو القيام بكل الإجراءات التي تكفل تواصلنا الطبيعي عبر المعابر الرسمية دون حاجة لتأشيرات، وليقيموا ساعتها ما يشاؤون من حواجز سلكية وإسمنتية وكهربائية في المناطق الفارغة، لمحاربة الحركة غير المشروعة، والتي من شأن تركها دون ضوابط أن يعرض أمننا لمخاطر جمة نحن في غنى عنها.
نقول أخيرا، لا لإغلاق الحدود بين أبناء الجوار، نعم لحمايتها من التحركات غير المشروعة.
اقرأ المزيد: استمرار الحجج الجزائرية الواهية لتبرير قتل تواصل الشعبين الشقيقين