جميل أن يجتهد النظام الجزائري في جمع الفرقاء الليبيين إلى مائدة الحوار لحل المشاكل بين أشقاء الدم والوطن بالكلام لا بالصواريخ، لكن الأجمل أن ينتبه نفس النظام إلى وجود أشقاء دم وكفاح من أجل التحرر والاستقلال في المغرب، يحتاجون لأن يجلس معهم ويزيل ما شاب علاقته معهم من شوائب..
جميل أن يسعى النظام الجزائري إلى تمكين محاربي “الأزواد” الماليين من حقهم في إدارة شؤونهم الذاتية في نطاق الوطن المالي الواحد والموحّد، في نطاق المفاوضات التي يرعاها بين الفرقاء الماليين لإنهاء الاحتراب الداخلي بينهم، لكن الأجمل أن يتفهم ويتبنى نفس المنطق عندما يتعلق الأمر بأبناء الصحراء المغاربة، الذي اعترف الغريب قبل القريب (محكمة العدل الدولية بلاهاي) بأنهم قد ارتبطو وعلى مدى القرون المتعاقبة بروابط البيعة مع العرش العلوي وكانوا جزءا لا يتجزأ من المغرب، وأن يتفهم –أي النظام- بالتالي أن ما يحاول إقناع مقاتلي الأزواد به، هو نفسه ما يعرضه المغرب في نطاق مبادرة الحكم الذاتي، وبالتالي يتوقف عن تكرار الأسطوانة المشروخة حول “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي”..
جميل أن يهتم النظام الجزائري بأوضاع الأشقاء في سوريا والعراق وفلسطين، وأن يدعم جهود تخفيف معاناتهم، لكن الأجمل أن يهتم بمعاناة مواطنيه في غرداية والمناطق المختلفة في القبايل، ولا يسمح بالتمييز تجاههم على أساس العرق أو المذهب..
جميل أن يتفهم النظام الجزائري أن التهريب القادم عبر الأراضي التونسية والليبية والذي يتجاوز ضعف حجم التجارة الرسمية هو أمر خارج نطاق سيطرة حكومتي “البلدين الشقيقين”، وأنه نشاط إجرامي تعاني منه دول العالم أجمع، وهو يتم في الاتجاهين، وتوجد له لوبيات فساد تسهله وتحميه، وأن محاربته تتطلب جهودا منسقة بين الأشقاء، لكن الأجمل لو شمل هذا “التفهم” جيران الغرب، الذين يكتوون بدورهم بنار الأقراص المهلوسة والأدوية المغشوشة القادمة من الجزائر، وأن يبادر بالتالي إلى تنسيق الجهود مع السلطات المغربية من أجل محاربة منسقة للتهريب في الاتجاهين..
جميل أن يهتم النظام في الجزائر بفتح حدود الجزائر في وجه أشقاء الشرق والجنوب، وأن يتم تشجيع الجزائريين على زيارة تونس والسياحة فيها، لكن الأجمل أن لا يمنع عائلات بأكملها في غرب الجزائر وشرق المغرب من التواصل الحر والإنساني، وأن يوصد الأبواب على مدى عشرين سنة في وجه التواصل الحر والطبيعي بين شعبين بينهما من أواصر القربى والتفاهم أكثر مما بين أي شعبين جارين في وطننا العربي..
جميل أن يتنبه النظام في الجزائر أخيرا إلى أهمية تنويع الاقتصاد الجزائري وانفتاحه على التجارة العالمية، والسعي للانضمام أخيرا إلى منظمة التجارة العالمية، وكذا عقد اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، لكن الأجمل أن يبدى اهتماما مماثلا لتكامل اقتصادياته مع اقتصاد الأشقاء في المغرب وباقي دول الجوار المغاربي، مستغلا اختلاف تركيبة هذه الاقتصادات ومساحة التكامل الهائلة المتاحة أمامها، خدمة لشعوب هذه المنطقة التي يربو سكانها على المائة مليون نسمة..
جميل أن تمتلئ خزائن النظام الجزائري بأزيد من مائتي مليار دولار نتيجة الطفرة المضطردة في أسعار النفط والغاز العالمية، لكن الأجمل أن لا يتم صرفها في شراء الأسلحة وولاءات ومواقف الأنظمة الإفريقية الفقيرة، في بلاد يقدر الأكاديميون الجزائريون أن نسبة من ينطبق عليهم مصطلح “فقير” في الجزائر تصل بل وتتجاوز 63 بالمائة !!..
جميل أن يبدي النظام الجزائري وفاء أبويا تجاه رئيس له تاريخ المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، لكن الأجمل لو لم يترجم هذا الوفاء بإصراره على تولي الرئيس بوتفليقة “حكم” البلاد لعهدة رابعة، في مشهد مغرق في “كوميديته السوداء” وفي بلاد معظم سكانها شباب، وتموج بالطاقات الشابة في مختلف المجالات، وهو ما شكل ويشكل إهانة صارخة وجارحة لعقل كل جزائري وجزائرية يرفض ان يقاد من على “مقعد متحرك”..
أخيرا، جميل أن يفتخر جنرالات الجزائر الممسكون بزمام النظام وتلابيبه باستمرار قدرتهم على جعل الجزائر استثناء من موجة الحراك الشعبي التي اجتاحت الوطن العربي في السنوات الثلاثة الأخيرة، بحثا عن الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية للمواطنين، لكن الأجمل لو أدركو أن هذا الاستقرار المزيف لا يمكن أن يستمر ويترسخ دون إصلاح حقيقي يغير كل شيء، في بلاد تعمد استقلالها بالدماء الزكية لعباد لا يوجد عندهم ما يفوق كرامتهم مكانة وغلاوة..