حراك الريف هو تعبير عن احتجاج ساكنة منطقة من مناطق المغرب للتعبير عن عدم رضاها عن أوضاعها الاجتماعية والتنموية العامة. وهو في عمقه نداء صارخ برسم حكومة البلاد للاهتمام بأوضاع الساكنة، وتدارك التأخر المسجل في مجالات تنفيذ المشاريع المرتبطة بتطوير وتعزيز البنيات التحتية لتلك المنطقة التي يعتبر سكانها أنها مهملة من قبل السلطة التنفيذية، بشكل غير مبرر، ولم يعد السكوت عنه ممكنا.
وقد كانت مختلف شعارات ساكنة الحسيمة ومحيطها منصبة على ما هو مطلبي، في الأغلب الأعم، عند انطلاقها. ولا يغير من هذا الأمر ارتفاع بعض الأصوات التي تشكل نشازا عن هذه القاعدة’ وبالتالي، لم يكن لها أن تكون ذات تأثير يذكر على توجهات الاحتجاج.
لكن مع طول أمد الاحتجاج وعدم تحرك الحكومة التي كانت في وضعية انتقالية اتسمت بالجمود والشلل شبه التام لمدة طويلة، ولد عند الساكنة الشعور القوي بنوع من الاهمال المتعمد لقضاياهم، فبدأت تبرز على السطح شعارات تتجاوز مجرد الاحتجاج على حالة التهميش، لتدخل في مجالات تلامس قضايا تغلب جوانب الخصوصية والهوية على ما عداها.
والملاحظ هنا محاولة القيام بتأويل خاص لتاريخ المنطقة ونضالها ومقاومتها للاستعمار الإسباني بغاية تحويل فترة محددة منه إلى مرحلة تأسيسية مرجعية لمجمل المنطقة، دون الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الظروف التي رافقت وصنعت تلك اللحظة، حيث كانت مقاومة الاستعمار الإسباني في منطقة الريف، والفرنسي في منطقة الأطلس والصحراء الشرقية، السمة العامة لحركة المغاربة الذين رفضوا الخضوع للاستعمار في تلك المناطق، بعد توقيع معاهدة الحماية.
وبهذا المعنى، فإن حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي في مقاومة الاستعمار الإسباني في عشرينيات القرن الماضي لم تكن منفصلة عن مقاومة الاستعمار الفرنسي من قبل حركتي موحى اوحمو الزياني في مناطق خنيفرة وعسو اوباسلام في جبال بوغافر، بل إن حركات الخطابي والزياني واوبسلام كان لها ارتباط كبير ببروز الحركة الوطنية في مختلف المدن وبلورة ما أصبح يسمى أحزاب الحركة الوطنية المغربية بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية، على اعتبار أن مناهضة الاستعمارين الفرنسي والإسباني هو العنصر الموحد والجامع بين كل هذه الحركات التي توخت عرقلة سريان مفعول الادارة الاستعمارية على مجمل أنحاء البلاد في البداية، ثم تحولت الى محاولة توفير الشروط الضرورية لاستعادة الاستقلال الوطني بعد ذلك.
إن بروز محاولة تأويل حركة الاحتجاج في منطقة الريف بهذا الاتجاه، الذي لا يتوافق مع مختلف معطيات الواقع الفعلي، حيث يمكن اعتبار أن جل المطالب المطروحة كانت موجهة في الواقع إلى الحكومة، من أجل تحقيقها وليس كما حاول البعض الذهاب بعيدا باتجاه فصل ما يجري في الريف عن الذي يجري في مختلف مناطق البلاد، قد أحدث بعضا من الارتباك في التعاطي مع هذا المستجد، حيث اعتبره البعض مؤشرا خطيرا على تحول الاحتجاج إلى نوع من الحركة ذات البعد الانفصالي العلني أو الضمني مستحضرا القاموس الذي قام على أساسه ما سمي بالربيع الديمقراطي أو الربيع العربي، حيث تم رفع شعارات مطلبية ذات حمولة حقوقية اجتماعية غير مطعون في شرعيتها وفِي أحقيتها، ليتحول مجمل الحراك بعد ذلك إلى برنامج لإسقاط دول وتغيير أنظمة ومحاولات تقسيم، انخرطت فيه قوى إقليمية ودولية بشكل مباشر أحيانا، كما دل على ذلك تدخل حلف شمال الأطلسي العسكري لإسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا.
وقد ترتب عن هذا الارتباك تشويش للرؤية لدى الكثيرين، لأن محصلة هذا التأويل هو اتهام حركة الاحتجاج بكونها ذات أهداف لا تمت الى شعاراتها المرفوعة بأي صلة غير كونها ذريعة ومحاولة للتغطية على الأهداف غير المعلنة والتي تولى بعض الأشخاص المتواجدين في اوروبا وخاصة في هولندا وبلجيكا وإسبانيا مهمة التعبير عنها الى درجة ان بارون المخدرات شعو، المتابع قضائيا في المغرب وفِي هولندا ذاتها، قد اعتبر نفسه مخولا لارسال رسالة الى الامين العام للامم المتحدة يطالبه فيها للتدخل في محاولة منه لتدويل قضية هي في صلبها قضية مغربية من ألفها الى يائها ولا علاقة للمنتظم الدولي بها من قريب او بعيد.
وقد أثير حول هذا الحراك دخان كثيف من الإشاعات والبيانات والبيانات المضادة، غير ذات المصادر الموثوقة والمسؤولة، كما تم تقويل نشطاء الاحتجاج في الريف أقوالا متناقضة، بحسب الغرض المتوخى من مختلف التأويلات لأقوال وأحاديث حقيقية واُخرى مفبركة بشكل كلي أو جزئي أو تم بترها على قاعدة الوقوف عند “وَيْل للمصلين” مما ساهم في تعتيم الرؤية والتغطية على مختلف الجهود التي تبذل على مختلف المستويات الرسمية لتدارك الموقف وإعادة الأمور إلى نصابها، خاصة مع وجود تعليمات صارمة من الملك محمد السادس لفتح تحقيق معمق حول أسباب تلك الاحتجاجات وطبيعة المسؤوليات التي تتحملها هذه الجهة الحكومية أو الترابية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات وقرارات.
خلاصة القول: ان كل ما رافق هذا الحراك والاحتجاج من تحركات وأحاديث وبعض الممارسات قد دفع به إلى واقع أقل ما يقال فيه أنه أزمة معنى ولو إلى حين.