قرأت البارحة خبرا صغيرا مكتوبا بعناية في جريدة العلم الإلكترونية عن اغتيال صحفية تركية معارضة لأردوغان بعد كشفها علاقة المخابرات بداعش. الخبر أثارني لأنه جاء متزامنا مع تصريح بوتين حول دعم الرئيس التركي لداعش. ولكن في نفس الوقت شيء ما في أعماقي طلب مني أن أشغل محرك البحث غوغل للتأكد من صحة الخبر. فتفاجئت بأن معظم المواقع كتبت بأن الصحفية “سيرينا شيم” أمريكية من أصول لبنانية وعليه فهي لا تمثل المعارضة بقدر ما يمكن أن تكون جاسوسة، كما أن أغلب المواقع أشارت إلى أنها ماتت في حادثة سير قد تكون مدبرة فلا أحد تحدث عن الاغتيال صراحة. ولكن المفاجأة الكبرى هو أن الحادث يعود إلى 21 أكتوبر 2014، أي مر عليه أكثر من سنة.
جريدة العلم الإلكترونية و هي تعيد نشر الخبر في هذا التوقيت بالضبط، لا يمكن اتهامها بالكذب لأنها في الحقيقة لم تشر إلى تاريخ “الاغتيال”، و لكن في نفس الوقت القارئ سيتخيل بأن الحادث وقع للتو. فهل يمكن مثلا اتهامها بالتضليل وتوجيه الرأي العام و التأثير عليه بخفة مكر؟
عزيزي القارئ، إذا قرأت هذه الأسطر، فشككت في مصداقية جريدة العلم وفي مدير تحريرها، فاعلم أن مقالي هو الآخر سيدخل في خانة الإعلام المضلل. لأنه عبر خبر بسيط هو في الأصل صحيح ولكنه ليس حصري جعلك تشكك في جريدة عمرها عشرات السنين و أرغمك على أخذ موقف سلبي دون التفكير والتمعن.
فجميعنا عشنا حكاية فتاة بني ملال التي نشرت معظم القنوات العالمية “الجادة ” على أنها الحسناء التي شاركت في العمليات الإرهابية بباريس ليتضح بعد ذلك أن الفتاة بريئة، وأن معظم الصور التي تم نشرت لأشخاص على أساس أنهم إرهابيون اتضح بعد ذلك أن معظمهم أبرياء.
فمعظمنا يثق فيما تنقله وسائل الإعلام، كما أن ما يحدث في الشرق الأوسط لا يصل إلينا إلا عبر الإعلام، والغريب أنه لا ينقل لنا إلا ما يريده هو. فمعظمنا لا يعرف ما يحصل تماما في باقي العالم لأن الكرة الأرضية عند القنوات الإعلامية تقريبا أصبحت منحصرة في الشرق الأوسط. كما أن لا أحد فينا لديه القدرة على التحقق من صحة الأخبار والصور المنقولة.
فهل الإعلام المعاصر فاسق ينطبق عليه قوله تعالى ” إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”.
إقرأ أيضا: شبيهة إرهابية سان دوني لـ مشاهد24: “ديلي ميل” اعتذرت لي وهذا ما ستقرره
فللإعلام مسؤولية عظمى سواء في إشعال فتيل الحروب أو في الدعوة إلى السلام الحب والتسامح. فهو قد يساهم في نشر إشاعات كاذبة وإثارة الفتن و البلبلة وزرع الشك و الريبة في النفوس. كما أنه قد يساهم في نشر القيم الإنسانية والحث على التفاؤل وزرع الطمأنينة بين الأفراد والجماعات.
فالخبر الصحفي متى بطن بحسابات سياسية وعرقية ودينية ومصلحية، فإن الحقيقة فيه ستختفي مهما بدا ذو مصداقية. إن الإعلام الذي يوجهنا لمصلحة طرف ضد طرف آخر، والذي يجعلنا نختار معسكرا ما على حساب آخر، محاولا أن يشيطن لنا طرفا ليظهر لنا الطرف الأخر ملائكيا ومنقذا، هو إعلام مضلل. لأننا وببساطة في العمق سنختار أن نكون ضد الإنسان والإنسانية. وسنختار أن نكون مع الطائفية و الجاهلية.
*كاتبة تونسية/”رأي اليوم”