الرئيسية / إضاءات / بعد التأكد من استحالة تشكيل حكومة منسجمة.. هل يدعى المغاربة إلى انتخابات جديدة ؟!
هل يدعى المغاربة إلى انتخابات جديدة

بعد التأكد من استحالة تشكيل حكومة منسجمة.. هل يدعى المغاربة إلى انتخابات جديدة ؟!

“تمرين ديمقراطي” عسير، ذلك الذي تابعه المغاربة منذ الإعلان عن نتيجة انتخابات السابع من أكتوبر. في البداية تابعوه بشغف، سرعان ما تحول إلى حيرة، وبعدها اختلطت المشاعر مزيجا من اللامبالاة والغضب، وهم يتابعون أحزاب الأغلبية المفترضة وهي تتبادل البلاغات القاسية، وكأننا في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها!!

وفي هذا الخليط من المشاعر والتراشق بالاتهامات، يصعب الحديث عن رابح حقيقي من بين مجمل الأحزاب التي انخرطت في هذه الحرب، بدءا من أكبرها العدالة والتمنية وحتى أصغرها التقدم والاشتراكية، ليس فقط بسبب فشل الطبقة السياسية في تشكيل الحكومة العتيدة، وإنما، وهو الأهم، لأن هذه الحرب مست في الصميم مبادئ راسخة في العمل السياسي، وأظهرت للمواطنين مدى هشاشة ولا مبدئية أحزابهم دون استثناء، بشكل أصبح يطال مجمل العملية الديمقراطية برمتها.

بداية، فمن البديهي أن النظام الانتخابي، وانقسام المغاربة الطبيعي في انتماءاتهم السياسية، وتحديدا من يشارك منهم في الانتخابات، لا يمكن أن يفرز حزبا قادرا على نيل نصف مقاعد البرلمان، وبالتالي تشكيل الحكومة منفردا، مما يقود وسيقود مستقبلا، في المدى المنظور على الأقل، إلى تشكيل حكومات ائتلافية، بين أحزاب يفترض أنها متوافقة على برنامج حكومي يلبي تطلعات من صوت لهم في الانتخابات، وبالتالي تحقيق رؤيتها لإدارة الشأن العام، في انسجام تام مع رؤى عاهل البلاد الذي يحظى بثقة المغاربة من مختلف الانتماءات والتوجهات. وبهذا المعنى، كان مفهوما لو أن نقاش الأحزاب الثمانية التي تصدرت المشهد الانتخابي انصب على البرنامج الحكومي الكفيل بتحقيق هذه الأهداف، واعتماده أساسا لتشكيل الأغلبية الحكومية المقبلة. لكن الذي حصل، هو أن المغاربة كانوا شهودا على “حرب” أحزاب، حضر فيها كل شيء باستثناء الحديث عن اتفاقها أو اختلافها حول البرنامج الحكومي المقبل، واختلط فيها الشخصي بالأيديولوجي، في إعادة مستهجنة لأجواء الحملة الانتخابية.

طبعا، من حق رئيس الحكومة المعين زعيم الحزب الفائز بأغلبية مقاعد مجلس النواب، أن يبحث عن التحالف مع الأحزاب القريبة إليه، أيديولوجيا أو سياسيا أو مزاجيا حتى، لكنه حق مكفول بالمقابل لباقي الأحزاب ان تقبل عرضه أو ترفضه، وأن ترتضي الجلوس داخل الحكومة المقبلة أو تختار البقاء خارجها، أيضا لأسباب أيديولوجية أو سياسية أو شخصية.

ما هو غير طبيعي، هو الوقت الذي استغرقه رئيس الحكومة المعين من أجل اكتشاف إن كان هناك عدد كاف من الأحزاب التي يمكنها أن تشكل معه حكومة تساعده في ترجمة وعوده، ووعودهم، للمغاربة الذين انتخبوهم. هدر بدأ مع إيقافه للمشاورات في انتظار ترتيب البيت الداخلي للتجمع الوطني للأحرار، غير متنبه إلى أنه في تلك اللحظة بالضبط، أعطى زعيم الأحرار الجديد عزيز أخنوش، حق النقض الفيتو على مجمل العملية اللاحقة، ولا يحق له بالتالي الاحتجاج على ممارسة أخنوش لهذا الفيتو، سواء على الاستقلال أم غيره.

ما هو غير طبيعي أيضا، أن تبدأ الأحزاب الصغيرة في التفاوض على دخول الحكومة مع زعيم الأحرار أخنوش، وكأنه رئيس الحكومة المعين. أكيد أنها تملك حق صياغة تحالفاتها كما تريد وفق لرؤاها ومصالحها، لكن هذا التنسيق الداخلي لم يكن ليمنعها من قبول أو رفض عرض بنكيران لدخول الحكومة منفردة، أو الإعلان منذ اللحظة الأولى أنها عبارة عن تكتل حزبي، على بنكيران أن يقبلها مجتمعة أو يرفضها مجتمعة، وهو الامر الذي تحقق في حالة حزبي الأحرار والاتحاد الدستوري، قبل أن تتوسع لاحقا لتضم الحركة الشعبية، وتاليا الاتحاد الاشتراكي، بطريقة لم تترك لبنكيران، إذا أراد الاستمرار في الظهور بمظهر الزعيم السياسي، الحريص على أدبيات وقواعد الديمقراطية، سوى قبول هذه الكتلة الرباعية مجتمعة، أو رفضها وإعادة “المفاتيح” لملك البلاد ليرى رأيه، ويعفي المغاربة من هذه الدراما غير المشوقة.

مشكلة الطبقة السياسية في كل مكان من وطننا العربي، والمغرب ليس استثناءا، أن من يتصدرون مشهدها أدمنوا الألقاب التي تغدقها عليهم وسائل الإعلام، من قبيل “زعيم وقائد”، ويبدأون في ممارسة مهامهم السياسي بمنطق البحث عن “بطولة” وليس البحث عن أقصر الطرق وأقرب البدائل لتحقيق مصالح المواطنين. وهكذا، فمشكلة بنكيران، الفاقد، منذ إعلان النتائج، لإمكانية تشكيل حكومة منسجمة، بسبب حاجته لعشرين مقعدا ليست في متناوله، هي إصراره على الظهور بمظهر الزعيم، غير الراغب في الاعتراف بالفشل، غير مدرك ربما بأن أي نجاح له في مهمته بتشكيل حكومة مع أي من فرقائه المتمايزين عنه في توجهاتهم وبرامجهم، هو نجاح بطعم الفشل، لأنه لن يمكنه من الإيفاء بأي وعد قطعه حزبه لناخبيه خلال حملته الانتخابية، وسيبقيه عرضة لسحب الثقة عند أي اختلاف جوهري حول السياسة الواجب اتباعها في هذا الملف أو ذاك. أما مشكلة أخنوش، والذي كان أداؤه أكثر توفيقا من غريمه بنكيران من الناحية السياسية على الأقل، سواء اتفق الناس معه أم اختلفوا، فهي إصراره على فرض رؤيته كاملة، للظهور بمظهر الزعيم الذي “طوّع” بنكيران، ودافع عن الأحزاب الصغرى التي انضوت تحت جناحه حتى النهاية، غامزا في قناة بنكيران الذي تخلى عن حليفه الاستقلال، بغض النظر عن مدى قوة مبررات هذا التخلي، لأن من شأن هذا الإصرار، أن يعيد الانتخابات مرة أخرى، دون التيقن من أنها ستأتي لصالحه هذه المرة.

إن الحقيقة التي تمخضت عنها انتخابات أكتوبر، هي عدم إفرازها لخريطة سياسية واضحة تمكن طرفا، أيا كان، من تشكيل حكومة منسجمة، وعلى الأطراف المختلفة طرح هذه الحقيقة واضحة أمام المغاربة ودعوتهم مرة أخرى لصناديق الاقتراع! صحيح أن إعادتها لن تضمن بالضرورة مشهدا حزبيا مغايرا، لكنه يبقى احتمالا ضعيفا، حيث أن ما شهده المغاربة من “عبث سياسي” خلال الشهور الأربعة الماضية، يرجح أن مفاجآت عديدة ستشهدها هذه الإعادة، لجهة زيادة مقاعد هذا الحزب وتقلص مقاعد ذاك. ليبقى رهان العدالة والتنمية، مع بنكيران أو شخص آخر، أن يمكن الناخبون حزبه وحلفاءه الاستقلال والتقدم والاشتراكية من أغلبية واضحة، تعفيهم من الحاجة للتحالف من أي من الأحزاب المقابلة، أو أن يستطيع حلفاؤه المحتملون في الاتحاد الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد من التخلص من قيادتيهما التي تمتلك حساسية مفرطة تجاه التعامل مع الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية، أيا كان برنامجها السياسي والحكومي. أما في الجهة المقابلة، فيبقى رهان الأصالة والمعاصرة  أو التجمع الوطني للأحرار، أن يتمكن أحدهما من تجاوز العدالة والتنمية وتصدر النتائج، وأن يحتفظ حلفاؤهما بالمقاعد التي تسهل حصولهم على الأغلبية، وبالتالي تشكيل حكومة منسجمة.

وأيا كانت النتيجة، فإن الحسنة الوحيدة التي يمكن اعتبارها “نتيجة جانبية” لهذه الدراما غير المشوقة، أنها قربت المشهد السياسي المغربي من الفرز إلى طبقتين سياسيتين حقيقيتين، بدل الاستمرار في الحديث عن فروقات وهمية بين الأحزاب الثمانية أو التسعة النشطة في الحياة السياسية. وهنا، فربما كان من المفيد لأخنوش تحديدا، أن يدفع في اتجاه دمج حزبي الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري داخل حزبه التجمع الوطني للأحرار، من أجل خلق قطب سياسي متمايز، ربما يفيده في الانتخابات المقبلة، وتقوي أمله في تجاوز العدالة والتنمية، هذا إذا تعذر عليه إيجاد صيغة اندماجية مع القطب السياسي المتمثل في حزب الأصالة والمعاصرة، وهو الاحتمال الذي يبقى مستبعدا لأكثر من اعتبار، رغم التقارب الكبير بينهما في البرامج والتوجهات.

فهل يتحلى بنكيران بالواقعية، ويرضخ لمعطيات الواقع ويعلن فشله في تشكيل حكومة منسجمة، ويطلب من الملك محمد السادس إعادة الانتخابات، ويجنب نفسه وحزبه مزيدا من اهتزاز الصورة أمام ناخبيه بالأساس، أم يستمر في إصراره على ترؤس حكومة، وفق شروط غريمه أخنوش، رغم يقينه بأنه لن يستطيع فرض أي برنامج أو تصور مغاير لما يريده “خصومه- الشركاء” الأربعة؟ هذا ما ينتظر الرأي العام ان يعرف جوابه بعد انتهاء أعمال قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا بداية من مطلع الشهر المقبل.

loading...