كان وصول حميد شباط في صيف 2012 إلى زعامة حزب الاستقلال بمثابة تحول كبير في مسار الحزب من نواح مختلفة.
فمن جهة مثل انتخابه أمينا عاما لأقدم حزب مغربي مؤشرا على تراجع هيمنة النخبة الفاسية والمراكشية على الحزب بعد وصول “ابن الشعب” على رأس أقدم الأحزاب المغربية.
شخصية حميد شباط المثيرة للجدل ونوعية خطابه الموسوم بالشعبوية وطريقته في كسب مؤيديه مثلت هي الأخرى قطيعة مع الزعامات التي توالت على حزب رمز الميزان.
قبل دخول حزب الاستقلال إلى حكومة عبد الإله بنكيران في صيغتها الأولى، نزل الرجل المؤثر داخل اللجنة التنفيذية للحزب بكل ثقله لاستوزار بعض من مقربيه، وهي الأسماء التي قيل إن القصر الملكي اعترض عليها حينها.
بانتقاله إلى زعامة حزب الاستقلال لم يضيع الوجه النقابي السابق كثيرا من الوقت ليخلق الجدل داخل الائتلاف الحكومي، حيث صار ممثلا للمعارضة من داخل الحكومة، وانتهى به المطاف أن قاد حزبه نحو الخروج من التحالف الذي يقوده عبد الإله بنكيران.
خروج حزب الاستقلال إلى المعارضة كان بمثابة ردة عن الخط الذي رسمه سلفه عباس الفاسي وقيادة الحزب، والذين كانوا على وفاق كبير مع بنكيران.
طريقة شباط في المعارضة، والتي صار مادة للتندر على المشهد السياسي المغربي بقدر ما أثارت الجدل، مثل المسيرة التي نظمها الحزب بالرباط بالحكومة واتهام الزعيم الاستقلالي لرئيس الحكومة بأن له ارتباطات مع “داعش” و”جبهة النصرة” و”الموساد” أساءت إلى صورة الحزب وزعيمه أكثر مما خدمته.
وجاءت محطة الانتخابات الجماعية في شتنبر 2015 لتمثل أول اختبار حقيقي لطريقة إدارة شباط لحزب الاستقلال ولتوجهه العام. خسارة شباط لعمودية مدينة فاس، وإن كان أداء الحزب جيدا في الانتخابات، مثل أول صفعة للزعيم الاستقلالي الذي انتقل إلى مدح حزب العدالة والتنمية بعد أزيد من سنتين من الهجوم عليه.
محطة الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر جاءت بمثابة اختبار ثان للزعيم الاستقلالي، والتي فقد خلالها الحزب 14 مقعدا مقارنة بالانتخابات السابقة في 2011، لكنها شكلت فرصة لمراجعة اختيارات حزب الاستقلال الذي اتجه هذه المرة إلى إعادة إحياء تحالف مع “البيجيدي”.
أزمة التصريحات الأخيرة حول موريتانيا، وما تلاها من بيان شديد اللهجة ضد شباط من طرف وزارة الخارجية المغربية، باتت تهدد بشكل كبير إمكانية التحاق حزب الاستقلال بالتحالف الحكومي المقبل رغم استماتة بنكيران في الدفاع عن الحزب ضد محاولات إقصائه من طرف حزب التجمع الوطني للأحرار أعادت السؤال بخصوص حصيلة شباط وأدائه على رأس أقدم حزب مغربي.
بروز أصوات منتقدة من داخل قيادات الحزب مثل رئيس المجلس الوطني والوزير السابق توفيق احجيرة، والوزيرة السابقة ياسمينة بادو، بالإضافة إلى زعيمه السابقين عباس الفاسي وامحمد بوستة، تطرح علامات استفهام حول مستقبل شباط على رأس حزب الاستقلال.
عددا من الأقلام الصحفية المعروفة، خاصة باللغة الفرنسية، كالت بدورها العديد من الانتقادات إلى الزعيم الاستقلالي بالنظر إلى الأزمة التي تسبب فيها مع موريتانيا وحصيلته عموما على رأس الحزب العريق.
الصحفي نعيم كمال اعتبر أن تخلي شباط زعامة الحزب قبل مؤتمره الوطني كان سيكون خروجا مشرفا خاصة بعد فقدانه لمعقله في فاس والأداء المخيب للحزب في الانتخابات البرلمانية.
لا شك أن البعض، حتى من داخل حزب الاستقلال، يحمل شباط الوضعية التي وصل إليها الحزب من خلال اختيار التخندق في المعارضة وإبرام تحالفات ومن ثم التراجع عنها والعودة إلى تحالفات قديمة، والخروج بتصريحات قد تعطي ذرائع لإقصاء الحزب من الحكومة القادمة، ما يزيذ من المخاوف بشأن تأثره من البقاء خمس سنوات في معارضة غير اختيارية هذه المرة. وبالتالي يتحول رحيل شباط في نظر هؤلاء ضرورة ملحة من أجل تصحيح مسار الحزب الذي انحرف عن سكته منذ أن تقلد الزعيم النقابي السابق زعامته.
وفي حين سارعت اللجنة التنفيذية للدفاع عن الأمين العام للحزب، بالإضافة إلى كون الاستقلاليين هم وحدهم من يقرر مصير شباط كزعيم للحزب، يبدو أن المعطيات السالفة الذكر قد تكون مقدمة لنهاية مرحلة في تاريخ حزب الاستقلال اسمها حميد شباط.
للمزيد: نبيل بنعبد الله:تصريحات شباط جعلت بنكيران في حيرة من أمره !!