الجزائر

ماذا يريد النظام الجزائري من الإدارة الأمريكية؟ وماذا يمكنه أن يقدم لها؟!

بقلم: هيثم شلبي

في محاولة “لخلق” حالة من “الزخم” حول العلاقات الجزائرية الأمريكية، يجتهد الإعلام الجزائري هذه الأيام في إبراز أي نشاط دبلوماسي أو عسكري أو اقتصادي بين البلدين، من أجل تكرار أسطوانة “القوة الضاربة” وثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا، والدولة الرائدة في محيطها، إلى آخر هذه الشعارات المكرورة. ولعل ما غذى هذه الحركية في إعلام النظام العسكري، هو توالي عدد من الاتصالات بين مسؤولي البلدين، والتي عادة ما يصدر على إثرها بلاغات صحفية “لا تقول شيئا” حول محتواها، وهو الأمر المتوقع على كل حال. فما الذي يجري بين النظام الجزائري والإدارة الأمريكية الجديدة، والذي يمكنه أن يبرر الحديث حول مستوى جديد واستراتيجي من العلاقة بين البلدين؟!

بداية، من المفيد استعراض أبرز هذه الأحداث التي “طبّل” لها الإعلام الجزائري، دون أن نرتبها زمنيا، وإنما من حيث ما أعطي لها من أهمية. أول هذه الأحداث كان الاتصال الذي جرى بين وزير الخارجية الأمريكي الجديد ماركو روبيو ونظيره الجزائري أحمد عطاف، والذي ركّز إعلام الجنرالات -بشكل “غبي”- على أن روبيو هو من بادر إلى الاتصال وليس عطاف، رغم أن هذه التفصيلة لا تعني شيئا في الأعراف الدبلوماسية، بدليل أن بلاغات وزارة الخارجية الأمريكية تكتفي بتصدير مثل هذه الاخبار بعبارة “خلال اتصال هاتفي بين ..” دون إيلاء أهمية لتحديد الطرف الذي بادر إلى الاتصال. البلاغ الصادر من الطرف الأمريكي يكاد يكون مستنسخا في أجزاء منه من ذلك الخاص بالاتصال الذي جرى بين روبيو ووزير الخارجية المغربي بوريطة، اللهم باستثناء الإشادة بعلاقة الحليفين الاستراتيجية، لعدم انطباقها طبعا على العلاقة مع الجزائر. ثاني هذه الأحداث كان عبارة عن لقاء لشنقريحة مع قائد القوات الأمريكية لأفريقيا “أفريكوم”، تلاها اتصال مع قائد هيئة الأركان الامريكية المشتركة. وخلال اللقاء تم توقيع مذكرة تفاهم؛ وفي الاتصال، كان الحديث “إنشائيا” عن جهود التعاون بين البلدين. أما ثالث الأحداث فكان ذي طابع اقتصادي، ويتعلق بتوقيع شركة شيفرون الأمريكية عقودا مع سوناطراك الجزائرية لتطوير حقلي نفط وغاز، وهو ما سبقتها إليه شركة إكسون موبيل بعقد مماثل قبل بضعة أشهر، ناهيك عن عقد ثالث لشركة بيكر هيوز الامريكية للخدمات النفطية.

وهنا نتساءل، أي هذه الأحداث يمكن اعتباره تحولا في العلاقة بين البلدين، وتغيرا “استراتيجيا” في العلاقة بينهما؟! والإجابة البسيطة: لا أحد! فاتصال وزير الخارجية الأمريكي بنظرائه العرب -والدوليين- مع بداية استلام مهامه هو أمر أكثر من معتاد، وقد تم مع معظم وزراء الخارجية العرب قبل أن يصل دور الوزير عطاف؛ فما الذي يجعل اتصال روبيو بعطاف مميزا ومختلفا ويحمل “أبعادا استراتيجية”؟! أما لقاء شنقريحة واتصاله مع نظرائه العسكريين الأمريكان، والحديث عن تعاون الجانبين، فلم يرشح عنه أي شيء يمكن اعتباره حتى “بوادر” علاقة استراتيجية بين البلدين، لاسيما مع اعتبار الجزائر حليفا تقليديا لكل من روسيا وفرنسا، رغم التوتر الذي يطبع علاقة الجنرالات مع نظرائهم في البلدين المذكورين! وبخصوص العقود النفطية، فاقتصاد الجزائر الذي يعتمد على ريع النفط بنسبة 90%، يجعل جميع الشركات الكبرى العاملة في المجال “شركاء” في هذه الثروة، بدءا بإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، مرورا بالصين وروسيا وتركيا، وانتهاء باللاعبين الأصغر شأنا؛ فما المستغرب في حرص الأمريكان على نيل حصتهم من الكعكة الجزائرية؟!

القراءة السابقة هي نتاج التأمل الهادئ في الأحداث التي يملا الإعلام الجزائري الفضاء باللغط حولها، وذلك من واقع البلاغات المتعلقة بهذه الأحداث، والتي نتفق بأنها لا تقول شيئا، وغالبا ما تكون غير متصلة بما جرى في هذه الاجتماعات والاتصالات؛ مع التأكيد على محاولة تجنب القراءة التأويلية والتنبؤية والتي غالبا ما تقع في شرك “نظريات المؤامرة”. ومع ذلك يمكن القول أن اتصال وزير الخارجية روبيو، وحديثه عن أهمية تقوية التعاون الاقتصادي بين البلدين، مرتبط إلى حد كبير بالحركية التي تشهدها العلاقة مع شركات النفط الامريكية الكبرى، والتي تعتبر أحد أبرز داعمي الرئيس المنتخب دونالد ترامب؛ وبالتالي يمكن للجزائر أن تعتقد أن هذا مدخل مناسب لكسب ود الرجل، أو على الأقل، تجنب غضبه!! أما العلاقات العسكرية، فمن غير المستبعد أنها كانت فرصة لفرض “إملاءات”، وإبلاغ “تحذيرات”، مع عسكر الولايات المتحدة لعسكر الجزائر، لاسيما أن الجزائر كانت دائما خارج دائرة شراء الأسلحة الأمريكية، التي تذهب معظم كعكتها للروس، مع حصة صغيرة للصينيين. وضع سبق للأمريكان أن حذروا علنا من خطورة استمراره، ونجحوا في لجمه بمجرد التهديد بالعقوبات التي يمكن أن تقع على النظام الجزائري في حال توقيع صفقات الأسلحة المليارية مع روسيا، والتي ترد في بند الموازنة سنويا منذ خمس سنوات، دون أن تترجم إلى صفقات فعلية، خوفا من غضبة “العم سام”. يضاف إلى ما سبق، أن الجزائر مقطوعة العلاقة العسكرية مع محيطها كله، بدءا بالمغرب وموريتانيا، مرورا بمالي والنيجر، وانتهاء بليبيا وتونس، وهو الأمر الذي يجعلها “عديمة الفائدة” -بالمعنى الحرفي للكلمة- للولايات المتحدة وقوتها الأفريقية “أفريكوم”. وهكذا، فالمنطق يقول -إلى أن يثبت العكس- أن الشق العسكري من العلاقة الأمريكية الجزائرية لا يتجاوز “رسم حدود” لعسكر الجزائر، في علاقاتهم بمحيطهم وعلاقاتهم الدولية، يجب عدم تخطيها إذا أرادوا تجنب غضب الأمريكان.

وكخلاصة، فإن الأقرب للمنطق، أن تكون هذه “المياه التي جرت أسفل جسر” العلاقات الأمريكية الجزائرية، لا تعدوا كونها “رشاوي” تحاول هذه الأخيرة تقديمها للأولى (عن طريق العقود النفطية وحديث الرئيس تبون عن التطبيع مع إسرائيل)، وخطوطا حمراء تحرص كل إدارة أمريكية جديدة على رسمها لجنرالات الجزائر حتى لا يتجاوزا “الأدوار الوظيفية” المرسومة لهم، وتحديدا، إبقاء سقف تعاونهم العسكري مع روسيا والصين تحت “عتبة التهديد” التي يمكن أن تشكلها أسلحتهم لحلفاء أمريكا المحيطين بالجزائر، والذي من شأنه أن يهدد السلم في غرب أفريقيا برمتها.

ختاما، فهذه القراءة للأحداث، لن يغيرها إلا أحداث أكثر دراماتيكية من قبيل: استلام الجزائر لطائرات سو-57 الروسية الشبحية، أو صواريخ إس 500 المتطورة، أو على النقيض، أن تكون الزبون المقبل لطائرات إف 16 أو 18 أو 22، وبالتالي إعلان القطيعة رسميا مع روسيا. دون ذلك، ستبقى زاوية النظر للنظام الجزائري محكومة بطبيعته الأولى كنظام وظيفي يعمل لصالح فرنسا، وبدرجة أقل روسيا عسكريا وسياسيا، ومسرحا للصين وتركيا تجاريا، ولإيطاليا بالأساس نفطيا. أما باقي أدبيات قوة الجزائر الجديدة الضاربة، فنشك أن أحدا من أبناء الجزائر لا يزال مرشحا لتصديق مثل هذه الخرافات!!

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

بعد تأييد القضاء الجزائري الحكم بالسجن 7 سنوات.. عائلة الصحافي الفرنسي غليز في صدمة وتؤكد أنها ستواصل النضال

أصيبت عائلة الصحافي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز بصدمة كبيرة، إثر إصدار محكمة الاستئناف في تيزي وزو بالجزائر، أمس الأربعاء، حكما يقضي بالسجن سبع سنوات نافذة عل ابنها، لتثبّت بذلك الحكم الابتدائي الصادر بحقه،

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

محكوم عليه في الجزائر بـ7 سننوات سجنا.. الصحافي الفرنسي غليز أمام محكمة الاستئناف

من المقرر أن يمثل الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، اليوم الأربعاء، أمام محكمة الاستئناف بمدينة تيزي وزو، الواقعة نحو 100 كلم إلى شرق العاصمة الجزائرية،

الجزائر وإسبانيا

رغم تشبتها بموقفها من مغربية الصحراء.. زيارة محتملة لتبون لإسبانيا

يكثف النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، الذي يعيش عزلة في جواره ومحيطه الأفريقي وأزمة دبلوماسية مع فرنسا، خلال الآونة الأخيرة، جهوده للمصالحة مع إسبانيا،