بقلم: هيثم شلبي
“شوهة” جديدة أدخل نظام الجنرالات في الجزائر نفسه فيها، بعد استضافته الفاشلة، حضورا وإخراجا، “لليوم العالمي للريف”، في ثاني محاولة للإيحاء بقدرته على إزعاج المملكة المغربية بفتح “جبهة انفصالية” عليها، بعد تلك الخاصة بالصحراء. وقد تعرضت للمحاولتين أقلام مغربية وجزائرية عديدة، على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أساسا، تشترك في الاستهزاء بالمحاولة الجديدة للنظام العسكري بالجزائر، لصناعة قصة تصلح للتداول، ويمكنها أن تزعج المغرب، لكن النتيجة المعروفة سلفا هي التي ظهرت: لا أحد اهتم بالموضوع، مغربيا وإقليميا وقاريا ودوليا، بل إنها جلبت غضب المواطنين الجزائريين، الذين رأوا في المحاولة بابا جديدا لهدر مليارات النفط والغاز، في مساعي فاشلة لا تملك أدنى حظ بالنجاح.
ولأننا نعتبر يوم الريف الجزائري “لا حدث”، فسنكتفي بتجاهل الحدث نفسه، للحديث عن دلالته الأبرز، وتأثيره المحتمل على “جمهورية تندوف” ومرتزقة البوليساريو بشكل خاص. بداية، فإعلان النظام الجزائري دعمه لاصطناع حركة انفصالية مغربية جديدة، ونيته دعمها “بشتى الوسائل”، هو اعتراف صريح لا يقبل لبسا أو تأويلا، بأن الحركة الانفصالية الأولى (البوليساريو) قد استنفذت أغراضها، ولم تعد تسبب أذى للمغرب، بل بالعكس، أصبحت عبئا ثقيلا، ومصدر أذى حقيقي للنظام الجزائري، وأحد أبرز أسباب تغذية غضب الشعب الجزائري تجاه جنرالاته. لأن المنطق بقول، أنه لو كان ملف انفصال الصحراء عن مغربها ما يزال قادرا على إزعاج المغرب، وعرقلة تطور البلد وتنميته، فلماذا يحتاج النظام الجزائري لأن يبدأ من الصفر مع حركة انفصالية جديدة، بحظوظ نجاح معدومة، وظروف نشأة أبعد ما تكون عن تلك التي نشأت فيها جبهة البوليساريو قبل نصف قرن؟!
إن هذا الإعلان المرتجل عن “ولادة حركة انفصالية مغربية جديدة” في قلب العاصمة الجزائرية، وإعلان جنرالات الجزائر المتنفذين عن رغبتهم -دون مواربة- في دعم وتمويل هذه الحركة، يوجه الرسالة الأساسية والوحيدة ليس إلى المغرب، بل إلى مرتزقة البوليساريو، بالقول الواضح: أن تاريخ صلاحيتكم قد انتهى منذ مدة، ولم يعد في مقدوركم الحياة أكثر، وليس في مقدورنا “قلب” عجلة التاريخ، وتقديم دعم سياسي أو عسكري، يمكنكم من الاستمرار في الحياة لفترة أطول. صحيح أن الرئيس تبون وباقي الجنرالات المتنفذين لا يزالون يجترون أسطوانة “دعم نضال الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”، لكن تبني حركة انفصالية بديلة شمال المغرب، تسبب في زلزال في مخيمات تندوف، لبحث البدائل المتاحة امام مرتزقة البوليساريو، بعد قرار جنرالات الجزائر “إحالتهم على التقاعد” بشكل جماعي، بغض النظر عن أعمارهم!
أولى الأسئلة التي على قيادة البوليساريو المتنفذة محاولة الإجابة عليها، تتعلق بفرص الخلاص الفردي، حيث إن إسبانيا خيارهم التقليدي الأول، لن تكون مناسبة للجميع، لاسيما لمجرمي الحرب، ومن يمكن متابعتهم جنائيا، بعد تحسن العلاقات الإسبانية- المغربية. يتفرع عن هذا السؤال آخر يحمل صيغة تساؤل: هل لا زال الوطن المغربي “غفورا رحيما” بهم؟! بكلمات أوضح: هل لا يزال خيار الرجوع إلى المغرب، ونيل العفو الملكي قائما، بعد العذابات التي سببوها لآلاف المحتجزين الصحراويين في تندوف؟! وإن لم يكن المغرب خيارا ممكنا للغالبية، فهل يمكن لموريتانيا أن تقبلهم؟! أم أن من تبقى من حلفاء قليلين في أمريكا اللاتينية أو تيمور الشرقية ولاوس، هو خيارهم الوحيد الذي يصلح لأن يشكل الملجأ الذي يمكنه احتوائهم في انتظار الأجل المحتوم؟ ويرتبط بهذه الأسئلة، سؤال آخر يتعلق بالتوقيت الأنسب “للقفز من القارب” الذي يغرق! فهل ينتظرون أوامر جنرالات الجزائر لهم بالمغادرة، أم أن عليهم أخذ زمام المبادرة منذ الآن، والبحث عن ملجأ يؤمل أن يكون آمنا، قبل أن تبدأ فوضى “الهروب الجماعي الكبير”، لقادة وكوادر البوليساريو، وباقي المحتجزين لاحقا، الذين لا يملك الغالبية الساحقة منهم خيارا بديلا عن الوطن المغربي.
وهكذا، فما لم يحسب له الجنرالات حسابا، هو تأثير إعلانهم عن دعم “استقلال جمهورية الريف” على معنويات مرتزقة “جمهورية تندوف”؛ أو لعلهم قصدوا ذلك لدفع مرتزقة تندوف إلى التعجيل بالهرب، من أجل التخفف من عبء التكفل بتأمين ملاجئ آمنة لهم في العالم، أو الاضطرار لاحتضانهم داخل الجزائر، وهو الخيار الذي يعتبر كابوسا بالنسبة للجنرالات. لكن ما يجعل هذا الاحتمال مستبعدا، هو عدم وجود عقل استراتيجي يمكنه التفكير حتى داخل الصندوق، من أجل التفكير بمثل هذا السيناريو، من ضمن محاولة معالجة السلبيات التي تحيط بنظام الجنرالات من كل حدب وصوب.
كخلاصة، فالفرصة مواتية للمغرب بأن تبقي الباب مواربا أمام القيادات غير الملطخة بدماء الصحراويين، من أجل التعجيل بانهيار جمهورية الوهم في تندوف، وتقريب ساعة الفرج بالنسبة للمحتجزين الصحراويين المغاربة في مخيمات العار. وهو جهد، لا بد من تنسيقه مع الموريتانيين والإسبان، حتى تتحقق الفائدة المرجوة منه على أكمل وجه. ولنرى ساعتها كيف سيدير جنرالات الجزائر مسعاهم الفاشل في دعم انفصاليي الريف المصطنعين، أمام الشعب الجزائري، الذي لن يقبل بأي حال أن يبدأ نظامه بهدر مليارات أخرى على وهم جديد. وكيفما كان الحال، فقد صنع عسكر الجزائر بأيديهم أزمة جديدة، لن تنتهي قبل أن تطيح بهم، وتعجل بخلاص الشعب الجزائري.