بقلم: هيثم شلبي
كما كان متوقعا إلى حد بعيد -إلا لمن عنده عمى استراتيجي-، نجحت الدبلوماسية المغربية في انتزاع رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة، في مواجهة منافسها الوحيد جنوب أفريقيا، وبأغلبية تقترب من الضعف (30 صوتا للمغرب مقابل 17 صوتا لجنوب أفريقيا). المغرب الذي دخل مسلحا بدعم الاتحاد الأفريقي، واجه “التمرد” الجنوب أفريقي على إجماع القارة، ولقّن خصوم المغرب درسا سيبقى راسخا في ذاكرتهم لفترة طويلة. فما الذي يعنيه هذا الفوز الساحق؟ وكيف يمكن قراءته من الزوايا المختلفة؟
بداية، يظهر الفوز المغربي مدى احتراف دبلوماسيتها، وحسن قراءتها لميدان المعارك التي تخوضها ضد خصوم وحدتها الترابية بالأساس، الذين بالمقابل، أبانوا عن مدى “هوايتهم”، وتقادم أدواتهم، ومدى “العمى الاستراتيجي” الذي يحجب عنهم رؤية الواقع كما هو. فنظرة بسيطة إلى تركيبة أعضاء المجلس ال 47، كانت كفيلة بامتناع جنوب أفريقيا عن خوض هذه المعركة الخاسرة، وبالتالي تجنيب نفسها هذه الهزيمة المذلة. وكان حريا بها أن تقاوم التحريض الفرنسي الجزائري “العقائدي”، بمجرد مطالعة لائحة الأعضاء في المجلس. فالمجلس موزع بين القارات المختلفة بطريقة متوازنة، حيث تحوز قارتي أفريقيا وآسيا على 13 مقعدا لكل منها، ومثلها لقارة أوروبا مقسمة ما بين شرقها (6 أعضاء) وغربها (7 أعضاء)، لتذهب المقاعد ال 8 المتبقية لصالح أمريكا اللاتينية. وبنظرة سريعة نكتشف بعض الحقائق الأولية: فعدد الدول التي تعترف بالبوليساريو و”جمهورية تندوف” لا يتجاوز 3 دول فقط من أصل الأعضاء ال 47 (جنوب أفريقيا والجزائر وكوبا)، وكان حريا أن تدفع هذه الحقيقة جنوب أفريقيا للامتناع عن الترشح. بل إنه من بين الأعضاء ال 13 الأفارقة، وإذا استثنينا خصمي المغرب جنوب أفريقيا والجزائر، والمغرب بطبيعة الحال، فإن الأعضاء العشرة الباقين يتوزعون ما بين 4 دول تمتلك قنصليات في الأقاليم الصحراوية (ساحل العاج، بوروندي، غامبيا وملاوي) و 5 دول وقعت على طلب طرد البوليساريو من الاتحاد الأفريقي (بنين، اريتريا، غانا، السودان، والصومال)، ودولة لم تعترف يوما بالبوليساريو حفاظا على علاقاتها “الدافئة” مع المغرب هي الكاميرون؛ فكيف توقعت جنوب أفريقيا والجزائر نجاح دعايتهما العدائية ضد المغرب في مثل هذه البيئة؟! نفس الأمر ينطبق على ممثلي أمريكا اللاتينية، حيث من أصل 8 أعضاء، هناك 7 أعضاء لا يعترفون بجمهورية الوهم ومرتزقتها!! مع غياب كامل للمعترفين بالبوليساريو وسط الأعضاء الأسيويين والأوروبيين! وإذا علمنا أن العمود الفقري للدعاية الجنوب أفريقية التي عولت عليها للفوز بالرئاسة كان الخطاب التقليدي المتجاوز حول مزاعم “خروقات حقوق الإنسان في الصحراء المغربية”، ندرك مدى صدق وصف جهود دبلوماسيتها وحليفيها من خصوم المغرب (فرنسا والجزائر) بالعمى الاستراتيجي، والعجز عن رؤية الواقع.
ثاني الملاحظات، تقول بأن النفوذ العالمي للمغرب بدأ يتجاوز النفوذ التقليدي لجنوب أفريقيا، التي جرت العادة على اعتبارها ممثلة القارة الأفريقية “المتفردة”، وزعيمتها “المتوجة”! فلو نحينا جانبا عنصر دعم الوحدة الترابية للملكة المغربية، التي يدعمها ما نسبته 94 بالمائة من أعضاء المجلس (مقابل حوالي 6 بالمائة فقط تعترف بالبوليساريو)، نجد أن جنوب أفريقيا لم تستطع سوى ضمان تأييد 14 عضوا فقط، بينما ذهبت باقي الأصوات إلى المغرب!! وهو ما يدلل على الثقل الأفريقي للمغرب، التي تكتسب يوما إثر آخر، مشروعية احتلال موقع الزعامة في القارة، وتصبح بالتالي المرشح التقليدي لتمثيل القارة في المحافل الدولية، وتقوي حظوظها في احتلال موقع دائم في مجلس الأمن، عندما نصل إلى محطة توسيعه! كما تبين صواب الاستراتيجيات المغربية لفرض نفسها على خريطة الاقتصاد العالمي، حيث الشراكات الاقتصادية الرابحة، وليس الروابط الأيديولوجية المتجاوزة، هي الضمانة للإشعاع الدولي وتلقي الدعم لمختلف المعارك الدبلوماسية التي نخوضها. وما نجاح المسعى المغربي لتنظيم كأس العالم إلا مثال على هذه الحقيقة.
ثالث الحقائق التي أظهرها هذا النصر المؤزر، أن “أكاذيب” الجزائر وحليفتها جنوب أفريقيا حول أوضاع حقوق الإنسان في مختلف أقاليم المملكة المغربية، قد أصبحت “بضاعة كاسدة” لا تجد من يشتريها، وافتراءات ليس هناك من يصدقها، ولا حتى مردديها. كما تؤكد صواب سعي المغرب، بسلطاته وقواه المجتمعية الحية، لتحسين هذا الواقع بشكل مضطرد على مدى العقود الماضية. وقد كان حريا بدولة كالجزائر، لا تسمح لأي من هيئات الأمم المتحدة الحقوقية بزيارتها، أن تمتنع عن استخدام السلاح الحقوقي في مواجهة المغرب، لأنها معركة خاسرة سلفا. وهو درس لجنوب أفريقيا نفسها، بعدم الانسياق وراء دعاية تعلم هي أكثر من غيرها بأنها زائفة ولا تنطلي على أي من دول العالم.
ملاحظة أخرى يمكن توجيهها لفرنسا هذه المرة، وهي أن الاستمرار في العناد سيعجل في تدهور المكانة الدولية لها، وهو قبل ذلك، موقف لا يليق بدولة تدعي أنها لا تزال “عظمى”. وعليه، فطالما استمرت فرنسا في توجيه جنرالاتها في الجزائر للعمل ضد كل مصلحة مغربية، سواء بشكل علني أم من وراء ستار، فإنها لا تكسب سوى مزيدا من التأكيد بأن أيام جمهوريتها الخامسة قد أصبحت معدودة، وأن “غرقها” سيكون مرهونا بغرق أتباعها في الجزائر، كما تنبأ بذلك “دريانكور”، سفيرها السابق في الجزائر!!
ختاما، فالنصر في مجلس حقوق الإنسان الأممي ليس إلا دليلا إضافيا على صواب مسار تكريس موقع المغرب كزعيم أفريقي، وفاعل دولي، والأهم، صواب مسار بنائه الداخلي، لا سيما على الصعيد الحقوقي، كأحد أهم أدوات تدعيم وتكريس وحدته الترابية.