تبدو اليوم، الحاجة ملحة إلى تجديد الخطاب السياسي لدى زعماء الأحزاب السياسية، خاصة والمغرب مقبل على الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر المقبل، حسب الموعد الرسمي المعلن عنه من طرف السيد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة.
كم يتمنى المرء بقلب صادق، لو يجلس الزعماء مع أنفسهم، وجها لوجه، لمحاسبتها، أولا، ولممارسة النقد الذاتي، ثانيا، إزاء تصرفاتهم وسلوكاتهم ومواقفهم، وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، التي تكتنفها المزايدة والتشنج، والصراع ليس من اجل مقارعة الحجة بالحجة لخدمة المصلحة العامة للبلد، بل للدفاع فقط، عن مصالحهم، ومناصبهم ومكاسبهم من وراء ممارسة السياسة.
لا يحتاج المتابع لتطورات المشهد السياسي إلى أمثلة، فهي كثيرة، ويصعب حصرها، نظرا لتراكمها، بدليل أن الصراع لا يقتصر فقط على تبادل الاتهامات، من خلال الخطاب السياسي، بل إنه يتعدى ذلك ليشمل العراك والاشتباك بالأيدي، وأمام أنظار الإعلام، وتحت قبة البرلمان.
وتلك واقعة شهيرة جدا، ولا مجال للخوض فيها من جديد، واستحضار شخوصها وأبطالها، فهم معروفون لدى الجميع، لكن المشكل هو أن ظاهرة تقهقر الخطاب السياسي، ما زالت تلقي بظلالها على ممارسة الشأن السياسي العام، في بلد يتطلع فيها الشعب إلى الارتقاء بالمسلسل الديمقراطي إلى مستوى الطموح المنشود.
ولاشك أن لهذه السلوكات السلبية التي يجسدها الخطاب السياسي تأثير فعال لدى الكتلة الناخبة، ولعل هذا هو ما يفسر العزوف السياسي، وتواضع نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، التي تشهدها المملكة.
أية مصداقية سياسية، إذن، يمكن لها أن تنطبع في أذهان المواطنين، وهم يلحظون، كل يوم، لجوء الطبقة السياسية في المغرب، إلى تصفية الحسابات مع بعضها البعض، وإطلاقها لمدفعيتها الثقيلة بكلمات واتهامات، تضرب في العمق، قواعد اللعبة الديمقراطية، وتجعل المرء يحسب ألف حساب، قبل أن يعطي صوته لهذا الحزب أو ذاك، أو يمتنع نهائيا عن القيام بواجبه الانتخابي.
إن أقرب مثال على ذلك، وهو واحد من عشرات الأمثلة، هو هذا التصدع الخطير في الأغلبية، بسبب تصريحات نارية، أطلقها السيد صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، ضد حليفه ورئيسه في الحكومة، بعد أن اقتربت الولاية الحالية من نهايتها.
وبغض النظر عن الدوافع ، أو من يقف وراء مزوار من خصوم بنكيران، فهذا الأسلوب في الخطاب السياسي، ربما يفتقر إلى اللباقة، وكان الأولى به أن يتصرف بشكل مغاير تماما، بدل هذه الجعجعة، التي تثير الكثير من الغبار حولها.
والنتيجة، أن بعض الأحزاب، عوض أن تنشغل بالدفاع عن المواطنين، في خطابها السياسي، وبرنامجها الانتخابي، من اجل نيل حقوقهم المشروعة في الصحة والتعليم، وغيرها من القطاعات الاجتماعية، فإنها تنصرف إلى سلك أسلوب ” الضرب تحت الحزام” في مواجهة مفتوحة بين زعمائها، بشكل يسيء إلى العملية السياسية برمتها.
في تقرير أخير للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان يرصد علاقة المواطنين بالأحزاب والسياسة، جاءت النتيجة صادمة، فالكثيرون من المستجوبين يعتقدون أن مرشحي الأحزاب مجرد أناس انتهازيين، يعطون وعودا، وهم يعرفون في قرارة أنفسهم، أنها غير قابلة للتحقيق، ثم يختفون فور فوزهم في الانتخابات.
ولعل المعطى الأكثر خطورة، هو أن الموطنين المستجوبين لديهم رؤية سوداوية عن التنظيمات الحزبية، فهي ، في نظرهم، تقوم بدور سلبي في الحياة السياسية عوض أن تتحمل بالمسؤولية المنوطة بها من طرف الدستور.
فهل يتدارك زعماء الأحزاب السياسية كل ما فات، ليعيدوا النظر في خطابهم السياسي، بغية تجديده، من خلال الاقتراب من المواطنين، والإنصات لنبضهم، وتجسيد أمالهم وأحلامهم في برامجهم الانتخابية المقبلة، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يفسد قواعد اللعبة الديمقراطية، ؟
الأيام المقبلة، وحدها، كفيلة بالجواب، لاسيما وأن عاهل البلاد، الملك محمد السادس، سبق له ان نبه إلى هذه الظاهرة في افتتاحه لإحدى دورات البرلمان.
روابط ذات صلة:الملك للنواب: ارتقو بالخطاب السياسي كي لا تسوء صورة البرلمان