تمر ليبيا في اللحظة الراهنة بمرحلة استثنائية، فهذا البلد الذي كان مستقراً لحضارات عديدة وممراً لحضارات أخرى، واستوطنت به حضارات الفينيقيين والرومان والمسلمين، وكان جسراً بين الشمال والجنوب، وبين المشرق والمغرب، أصبح مؤخرا مستقراً ومركزاً للإرهاب العالمي، وممراً للآفات والأمراض الاجتماعية ومن أهمها الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والأسلحة.
ليبيا، وبعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي، تبين أنها أضاعت خلال الأربعة عقود السابقة فرصة بناء دولة عصرية حديثة، نتيجة تحكم أهوج من نظام غريب بكافة المقاييس الإنسانية والسياسية. ونحاول هنا أن نستعرض الفرص المتاحة المبددة، ثم سنشير إلى أبرز التحديات القائمة. ومن هنا سيتضح ضرورة تحرك الليبيين أولا، ثم تحرك الأطراف الدولية تجاه المشكل الليبي.
المزيد: ليبيا.. الدروب المفتوحة وجزيرة الموت
إن الفرص المتاحة أمام القطر الليبي تنشأ نتيجة لعاملين أساسيين:
أولاً: الموقع الجغرافي لهذا البلد يتيح له أن يكون جسراً للسلام والتعاون الدوليين عبر نقل السلع والخدمات، كما الثقافة والمعرفة، ومركزا لتأهيل العناصر البشرية خاصة من أفريقيا مما يساعد في رفع قدراتها ثم استقرارها في بلدانها بدل الهجرة للشمال.
ثانيا: ليبيا بلد متجانس اجتماعيا وثقافياً فلا توجد أقليات دينية أو عرقية، فالعناصر الأمازيغية والطوارقية وغيرها لا تمثل أكثر من 5 بالمئة من عدد السكان وهي مكونات متجانسة مع بقية السكان. ومن هنا فإن الفرصة متاحة لتكون ليبيا نموذجاً للتطور العقلاني المتزن في العالم العربي.
إن مساحة ليبيا الشاسعة وعدد السكان القليل تتيحان استغلال كافة الفرص الاقتصادية المتاحة سواء كانت إنتاجية كالنفط والغاز، أو خدمية كالسياحة والتجارة الحرة.
عندما نتمعن في الفرص المتاحة لابد لنا من استقراء الفرص الكامنة، فالأراضي الليبية لم يتم استكشافها بالكامل حتى بالنسبة للمورد الأساس لها وهو النفط والغاز، وهناك دراسات عديدة حول إمكانيات هذا البلد بالنسبة إلى المعادن المختلفة، والتي قد تكون أساسا لصناعات وسيطة يتم استكمالها في البلدان الأخرى سواء في أوروبا أو آسيا والتي تفتقر إلى المواد الخام والطاقة
وأخيرا فإن الفرص المتاحة قد تتطلب تأهيلا للعنصر البشري الليبي، وفي كافة الأحوال فإن نسبة الملتحقين بالبرامج التعليمية والتأهيلية تعتبر نسبة مرتفعة (95 بالمئة) والأمر يحتاج فقط دعما ومساندة فنية من قبل الدول المتقدمة والمنظمات الدولية.
وفي المقابل فإن التحديات التي تواجه هذا القطر الصغير متفاقمة في الفترة الحالية.
أول التحديات هو ما ترتب عن عملية إنهاء النظام السابق والتي تتطلب جهوداً كبيرة من الليبيين ومن المجتمع الدولي. من مخلفات النظام السابق انعدام مؤسسات للدولة بمفهومها الحديث، فلا توجد مؤسسات شرعية كالمجالس التشريعية والقضائية، فضلا عن انفراط المؤسسة الأمنية والدفاعية، وانتشار السلاح بصورة كبيرة مما يتطلب معالجة وطنية ودولية.
يضاف إلى ذلك أن انقسام الشرعية والسلطة في ليبيا، يجعل منها بلدا بدون فعالية، فالشرعية المتمثلة في الحكومة الانتقالية والبرلمان المنتخب اللذين لديهما الشرعية لا تمتلك في الوقت الحالي السلطة اللازمة لتنفيذ البرامج والمشاريع، وفي الوقت نفسه فإن القوة المتمثلة في الميليشيات والكتائب المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس وفي بعض المناطق الأخرى لا تمتلك الشرعية. تضافر هذه العوامل أنتج دولة بشرعية ضعيفة وفوضى متفشية مع ما يفرزه ذلك من آثار سلبية على المواطن العادي.
المزيد: الأزمة الليبية بين التجاذبات الإقليمية والدولية
التحدي الآخر هو ارتباط الفعل والمؤسسة بالشخص، وقد تعمق هذا المفهوم خلال مرحلة النظام السابق ورغم انتهاء نظام القذافي إلا أن الشخصنة وتقديس الأشخاص مازالا يهددان كل محاولات الإصلاح.
التحدي الأكبر في ليبيا يتمثل في إحجام المجتمع الدولي عن مساعدة هذا القطر في هذه المرحلة، فالوضع الحالي يتطلب أن يكون الموضوع الليبي من أهم الأولويات المطروحة دوليا، ولا ينبع ذلك فقط من احتياج المواطن الليبي، وإنما أيضاً من آثار تردي الأوضاع حتى على دول الجوار والمنطقة برمتها.
الثابت أن تحرك المجتمع الدولي مع الحكومة المقترحة حالياً، سيمهد الطريق لإيجاد حل واقعي للقضية الليبية.
* النائب الأول السابق لرئيس المجلس الانتقالي الليبي/”العرب”